هل تتذكرين عندما كنتِ مقبلة على إنجاب طفلك أو طفلتك، ومزيج المشاعر التي انتابتكِ من الخوف والقلق والإثارة والترقب إلى الفرح؟ لكن إنجاب طفل أو طفلة قد يقود إلى الاكتئاب أيضاً.
ووفقاً لموقع مايو كلينيك؛ تعاني بعض الأمهات الجدد من اكتئاب ما بعد الولادة الذي يبدأ خلال يومين إلى ثلاثة أيام، وقد يستمر لمدة أسبوعين.
وتبعاً لمنظمة الصحة العالمية فهو يصيب 10-15% من النساء في العالم، وإذا لم يعالَج يمكن أن تنتج منه آثار سلبية على المدى الطويل، وهو يمثل مشكلة صحية عامة تؤثر في النساء وعائلاتهن.
ووفقاً لإحدى الدراسات التي قدمتها الباحثة داليا الحسنات في دورية صحة المهاجرين والأقليات؛ ينتشر اكتئاب ما بعد الولادة بين النساء العربيات بنسبة 10-37%، وأرجعت الدراسة سبب الاكتئاب بين هؤلاء النساء إلى غياب الدعم وضغوط الحياة وعنف الشريك.
وتبعاً للخبراء من مايو كلينيك، فقد يصيب اكتئاب ما بعد الولادة الآباء الجدد أيضاً، خاصةً صغار السن منهم، أو الذين يمتلكون تاريخاً سابقاً من الاكتئاب.
سيقدّم هذا المقال كل ما تحتاجين معرفته عن الاكتئاب في هذه الفترة الحساسة من حياتك، وكيفية تجنب الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
ما علامات اكتئاب ما بعد الولادة؟
اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum depression) هو شكل من أشكال الاكتئاب السريري الذي تُصاب به الأم بعد ولادة الطفل، بسبب العديد من العوامل المشتركة مثل التغيرات البيولوجية والضغط الشديد والتغيرات الكبيرة في الحياة.
وتشير الطبيبة روكسان إدوارد ( Roxanne Edwards) من "ميديسن نت" (Medicine Net)، إلى أن أعراض اكتئاب ما بعد الولادة قد تشمل علامات عاطفية ونفسية وجسدية وسلوكية مثل:
- الشعور بالحزن الشديد.
- تقلبات حادة في المزاج.
- القلق والخوف الشديدين؛ ما قد يعيق أداء المهام الحياتية.
- الشعور بالذنب أو الفشل.
- عدم القدرة على التركيز ونسيان الأشياء بسهولة.
- عدم القدرة على اتخاذ القرارات.
- الصداع.
- ألم العضلات والمعدة.
- التعب المزمن.
بينما تشمل الأعراض الشديدة لاكتئاب ما بعد الولادة:
- نوبات هلع مُتمثِّلة في زيادة ضربات القلب، وضيق التنفس.
- كرب ما بعد الصدمة.
- الوسواس القهري والهوس بتغيير ملابس الطفل أو الطفلة.
- أفكار غريبة بإيذاء المولود أو المولودة.
ويجب العلم أنه إذا رادوتكِ أفكار انتحارية، أو أفكار بإيذاء مولودك أو مولودتك، فعليكِ الاتصال بمتخصص على الفور.
اقرأ أيضا:
- ما هو اكتئاب ما بعد الولادة وكيف نتجنب الإصابة به؟
- تجربتي مع اكتئاب الحمل.
- مضادات الاكتئاب ليست دائماً الحل الأمثل لعلاج الاكتئاب.
ما سبب اكتئاب ما بعد الولادة؟
بحسب الخبراء من مايو كلينيك (Mayo Clinic)؛ لا يوجد سبب واحد لاكتئاب ما بعد الولادة، فهناك عدة عوامل عاطفية وجسدية مثل:
- التغيرات الهرمونية الشديدة بعد الولادة، وانخفاض هرمونيّ الإستروجين والبروجسترون؛ ما يسهم في الإصابة بالاكتئاب.
- الحرمان من النوم والمشاعر الجديدة بامتلاك مولود والقلق بشأنه، والانزعاج بشأن التغيرات الجسدية، بالإضافة إلى التغيرات العديدة التي تحدث خلال فترة ما بعد الولادة.
كم تدوم فترة الاكتئاب بعد الولادة؟
قد يعتقد البعض أن اكتئاب ما بعد الولادة مرتبط بالفترة الزمنية التي تأتي بعد وضع المولود، لذا فهو مرحلة عابرة، بينما يُعتبر هذا الاعتقاد مغالطة كبيرة، فوفقاً للمعلومات الصادرة عن معاهد الصحة الوطنية الأميركية (National Institutes of Health)؛ قد يدوم اكتئاب ما بعد الولادة لسنوات ما يعني فترات فحص أطول بعد الولادة لمساعدة المزيد من النساء المصابات باكتئاب ما بعد الولادة في الحصول على العلاج.
ولفهمٍ أعمق للمسارات المختلفة لاكتئاب ما بعد الولادة؛ استعان فريق من الباحثين من معهد "يونيس كينيدي شرايفر" الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية (Eunice Kennedy Shriver) التابع للمعاهد الوطنية للصحة (NICHD) بقيادة الدكتورة ديان بوتنيك (Diane Putnick)، ببيانات دراسة أجريت على أكثر من 4500 امرأة وأطفالهن لمدة 3 سنوات بعد الولادة، وانقسمت نتائجها إلى أربع فئات:
- نساء ظلّت مستويات أعراض الاكتئاب لديهن منخفضة بمرور الوقت، ويمثّلن ما يقرب من ثلاثة أرباع المشاركين في الدراسة.
- ظلّت مستويات الاكتئاب منخفضة لدى 8% من المشاركات بعد أربعة أشهر من الولادة ولكنّها ساءت بمرور الوقت.
- مجموعة ثالثة تمثل 13% من المشاركات اللواتي عانين من أعراض معتدلة للاكتئاب انخفضت بمرور الوقت.
- عانت حوالي 5% من النساء المشاركات من مستويات عالية من أعراض الاكتئاب التي ظلت أعلى من المجموعات الأخرى حتى بعد سنوات من الولادة.
ووجد فريق الباحثين أن النساء المصابات اللواتي أصبن باضطراب سابق للمزاج واللواتي عانَين من سكري الحمل كنّ هن الأكثر عرضة للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة الذي استمّر لفترة طويلة، إضافة إلى أنهن كنّ أصغر سناً ولديهن مستوى تعليم أقل.
اقرأ أيضا:
- أمهات يروين تجاربهن مع الاضطرابات النفسية بعد الولادة.
- كيف تتجاوزين اكتئاب ما بعد الولادة؟
- ما هو الاكتئاب الباسم؟
ما العوامل التي تزيد من خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة؟
لا تصاب كل النساء باكتئاب ما بعد الولادة بالدرجة ذاتها، فهناك عوامل تزيد من خطر الإصابة بهذه الحالة. ووفقاً لدراسة أجرتها الباحثة مريم غدراهمتي من لجنة أبحاث الطلاب في قسم الصحة الإنجابية بكلية التمريض والقبالة بجامعة أصفهان للعلوم الطبية وآخرين، فإن العوامل التالية تزيد من خطر الإصابة بهذا النوع من الاكتئاب:
- أحداث الحياة الضاغطة.
- الإصابة بالاكتئاب خلال فترة الحمل.
- عدم وجود دعم وتعاطف من المحيطين.
- انخفاض الدخل.
- الهجرة من البلد الأم.
- وجود تاريخ سابق من الإصابة بالقلق والاكتئاب.
- الحمل في سن صغير.
- العنف الجنسي من قِبل الزوج أو العنف الزوجي خلال فترة الحمل.
هل يؤثر اكتئاب الأم في الرضيع؟
لا تكمن معضلة الاكتئاب الأمومي في معاناة النساء في أكثر فترات حياتهن أهمية فقط؛ بل في كون تأثيراته تطال الرضع وقد تصل لمراحل لاحقة من حياتهم.
هذا ما تؤكّده دراسة أشرف عليها باحثون من قسم الطب النفسي بجامعة أكسفورد (Oxford)، تمّ التوصل من خلالها إلى أن خطر حدوث مشكلات سلوكية بعمر 3.5 سنوات يكون لدى الأطفال الذي تعاني أمهاتهم من اكتئاب مستمر وشديد؛ كما تكون علامات مادة الرياضيات منخفضة لديهم، وتزيد احتمالات إصابتهم بالاكتئاب خلال فترة المراهقة.
وذكرت هذه الدراسة التي شملت 9848 امرأة مع مستويات متفاوتة من اكتئاب ما بعد الولادة و8287 طفلاً، أن بعض النساء تستمّر معاناتهن من أعراض اكتئاب كبيرة حتى 11 عاماً على الأقل بعد الولادة.
بينما يشير الخبراء من هيلث لاين (Healthline) إلى أن الأطفال الذين تعاني أمهاتهم من اكتئاب ما بعد الولادة يكونون أكثر عرضة لمشكلات الصحة النفسية والإصابة بأمراض مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والتوحد.
كما يفيد تقرير صادر عن المؤتمر الوطني للمجالس التشريعية للولاية الأميركي (NCSL) أن هناك علاقة بين اكتئاب ما بعد الولادة عند الأمهات والتأخر في النمو المعرفي واللغوي والاجتماعي والعاطفي عند الرضع والأطفال الصغار، بسبب الحرمان المستمر من التفاعل الصحي مع الأم، فتنتج من ذلك مستويات ثابتة من التوتر تؤثر في نمو دماغ الرضيع، وهو ما يُعرف بالإجهاد السام.
نصائح لتجنب اكتئاب ما بعد الولادة وتقليل فرص الإصابة به
وبحسب الدراسة ذاتها؛ يؤثر نمط الحياة في فرص الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة. ويمكنكِ اتباع الطرق التالية خلال فترة الحمل لتقليل الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، ويرجى الانتباه إلى ضرورة استشارة الطبيب قبل تناول أي أدوية أو فيتامينات خلال تلك الفترة:
- تناول طعام صحي.
- ممارسة بعض الأنشطة الرياضية بعد استشارة الطبيب والتي تزيد هرمون الإندروفين، وهو بحسب هارفارد هيلث بابليشينغ مسكن طبيعي للألم يُفرز كاستجابة للقلق.
- النوم لفترات كافية.
- تناول الخضروات والفواكه والبقوليات والمأكولات البحرية، بالإضافة إلى الحليب ومنتجات الألبان، فهي يمكن أن تقلل اكتئاب ما بعد الولادة بنسبة 50%.
- تناول أطعمة تحتوي على فيتامين ب 6 مثل التونة والسلمون والأفوكادو، فهي تساعد في إنتاج السيروتونين.
- تناول أطعمة تحتوي على الزنك والسيلينيوم مثل اللحوم والخضروات.
كيف يمكن علاج النساء المصابات باكتئاب ما بعد الولادة؟
إذا كنتِ أماً جديدة وتعانين من بعض التغيرات النفسية والسلوكية، فعليكِ التوجه إلى الطبيب المختص سريعاً لتفادي تفاقم الحالة. ولحسن الحظ هناك عدة طرق لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة بحسب دراسة أجراها الطبيب تيري بيلستين (Teri Pearlstein) وآخرون، ونُشرت في دورية أوبستيرتريكس أند جيناكولوجي (Obstetrics and Genocology) مثل:
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): وهو علاج فعّال لتغير شكل الحياة بعد الولادة؛ الذي يضيف الكثير من الأعباء على الأم ومشكلات العلاقة الزوجية وغياب الدعم النفسي.
- يمكن للطبيب أو للطبيبة أن يصفا لكِ مضاد اكتئاب إذا لزم الأمر.
وختاماً؛ إن اكتئاب ما بعد الولادة لا ينم عن ضعف في الشخصية إنما هو فقط أحد مضاعفات الولادة. ويمكن أن يساعدكِ العلاج على التخلص من الأعراض، ويهيّئك لحياتك الجديدة مع طفلِك أو طفلتِك.
كذلك، يجب على المحيطين بالأم دعمها نفسياً، ومساعدتها في مهام رعاية طفلها أو طفلتها خلال تلك الفترة. كما ينبغي على الأب المشاركة في كل مراحل استقبال المولود ورعايته، وعدم اعتبار الإنجاب شأناً نسائياً فحسب.
اقرأ أيضا: