مضادات الاكتئاب ليست دائماً الحل الأمثل لعلاج الاكتئاب

مضادات الاكتئاب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الاضطرابات النفسية كانت وما زالت من الأسباب الرئيسية للعبء العالمي المرتبط بالصحة، خاصة اضطرابات الاكتئاب والقلق؛ حيث يعاني نظام الصحة العقلية والنفسية في معظم البلدان من نقص الموارد وعدم التنظيم، على الرغم من وجود أدوات ونُظُم فعّالة للوقاية من تلك الاضطرابات والتدخل في الوقت المناسب. ومن المعروف أن مضادات الاكتئاب أحد الحلول لمعالجة الاضطرابات النفسية.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني نحو 280 مليون شخص حول العالم من الاكتئاب؛ والذي من الممكن أن يؤثّر في الحالات المتوسطة والشديدة على أداء الفرد في العمل والمدرسة والأسرة.

كذلك، أدى انتشار جائحة “كوفيد-19” وما صاحبها من إجراءات إغلاق، والبقاء في المنزل لفترات طويلة، وانخفاض التفاعلات الاجتماعية، إلى خلق بيئة تتفاقم فيها تلك الاضطرابات، فحسب دراسة هدفت إلى تحديد تأثير تلك الجائحة على انتشار اضطرابات الاكتئاب والقلق في 204 دولة خلال عام 2020، أظهرت النتائج زيادة كبيرة في انتشار كليهما بين الإناث والذكور.

ترافقت تلك الزيادة في حالات الاكتئاب مع زيادة في استخدام مضادات الاكتئاب كعلاج بشكل طردي، فوفقاً لتقرير صادر عن هيئة خدمات الأعمال في جهاز الصحة القومي بإنجلترا (NHS)، تم وصف أكثر من 20 مليون مضاد للاكتئاب بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2020، بزيادة قدرها 6% مقارنةً بنفس الأشهر الثلاثة في عام 2019. أشار التقرير أيضاً إلى زيادة استخدام تلك الوسيلة لعلاج الاكتئاب بشكل طردي منذ عام 2015.

خيارات علاج الاكتئاب

تتعدد خيارات علاج الاكتئاب وتختلف باختلاف شدّة الحالة، فتشمل القائمة، بالإضافة إلى مضادات الاكتئاب، العلاج المعرفي السلوكي (CBT) الذي أظهر نتائجَ فعّالةً في حالات الاكتئاب المتوسطة والخفيفة.

يشير تقرير حديث صادر عن المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية (Nice) بإنجلترا، إلى ضرورة الاحتياط في تقديم مضادات الاكتئاب بشكل روتيني في كل حالات الاكتئاب، والبدء بتقديم العلاج النفسي غير الدوائي للأشخاص المصابين بالاكتئاب الأقل حدةً، وتشجيعهم على ممارسة الرياضة واليقظة الذهنية، بالإضافة إلى أساليب العلاج المعرفي السلوكي.

اقرأ أيضا:

العلاج المعرفي السلوكي (CBT) والاكتئاب

انطلاقاً من أساس النظرية المعرفية التي تشير إلى أن الناس لا يتأثرون بالأحداث بل يتأثرون برأيهم عنها؛ والذي يعني أن تطوير ردود الأفعال هو عملية مبنية بشكل أساسي على الفروق الفردية في عملية التفكير. تظهر فعالية هذا النوع من العلاج في حالات الاكتئاب الذي يدفع الفرد إلى التقييم السلبي للأحداث، وتكوين معتقدات وأفكار مشوّهة لحظية، ومن ثم تطوير ردود فعل معرفية سلبية.

يُعتَبَر العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أحد أكثر التدخلات النفسية فعاليةً، والمبنية على الأدلة لعلاج العديد من الاضطرابات النفسية؛ مثل الاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى الاضطرابات الذهانية.

يعمل هذا العلاج على تعديل أنماط التفكير من أجل تغيير الحالة المزاجية والسلوكيات، وهو يختلف عن التحليل النفسي؛ الذي يتضمن البحث في الماضي لاكتشاف مصدر غير واعٍ للمشاكل التي يواجهها الفرد.

يتعامل العلاج المعرفي السلوكي مع الصحة النفسية من منظور حل المشكلات، ويهدف إلى تقليل الأفكار والسلوكيات السلبية أو غير المفيدة الشائعة لدى المصابين باضطرابات الاكتئاب. بالإضافة إلى ذلك، فهو يعلّم الفرد مهارات التأقلم للتعامل مع المشكلات في الحياة بشكل مختلف، وكذلك الوعي بها.

بشقيه المعرفي والسلوكي، يركِّز العلاج في شقه الأول على الحالة المزاجية وتحدي الأفكار السلبية، وكذلك التفكير بمنظور أكثر عقلانيةً وواقعيةً للمساعدة على تقليل التشوهات المعرفية، بالإضافة إلى تبنّي نمط أكثر صحةً للتفكير والتحدث مع النفس، بينما يستهدف الشق الآخر الأفعال والسلوكيات؛ كاستخدام المكافأة عند النجاح في تحقيق تغيرات سلوكية بسيطة.

أظهرت إحدى الدراسات التي شملت تحليل 115 دراسة في هذا السياق، أن دمج هذا النوع من العلاج مع العلاج الدوائي يؤدي إلى نتائج أكثر فعاليةً من استخدام العلاج الدوائي وحده.

علاوةً على ذلك، فإن معدل الانتكاس للمريض المُعالَج بالعلاج المعرفي السلوكي، يكون أقل مقارنةً بالمرضى الذين عولجوا بالعلاج الدوائي وحده.

كذلك؛ وفقاً لدراسة في العام 2014، فإن تقنيات التنشيط السلوكي المستخدمة في العلاج المعرفي السلوكي كانت مفيدة في علاج المصابين بالاكتئاب الشديد. أشارت الدراسة أيضاً أنه عند مقارنته بمضادات الاكتئاب؛ قد يكون العلاج المعرفي السلوكي بمفرده فعالاً في التعافي في الحالات البسيطة والمتوسطة.

اقرأ أيضا:

كيف يعمل العلاج المعرفي السلوكي؟

يعمل المعالج المختص مع المريض في بيئة منظّمة لتحديد أنماط التفكير السلبية والتصورات المشوّهة والاستجابات السلوكية للمواقف الصعبة، ويشمل العلاج تطوير طرق بنّاءة وأكثر توازناً للتعامل مع الضغوط. كذلك؛ توفر الجلسات فرصاً لتحديد مواقف الحياة الحالية التي قد تسبب أو تساهم في الاكتئاب.

يمكن أن يساعد المعالج في تقسيم ردود الفعل وأنماط التفكير إلى عدة فئات من الأفكار السلبية؛ والتي تشمل:

  • التفكير بنظرة “كل شيء أو لا شيء”، ورؤية العالم بشكل مطلق؛ أبيض وأسود.
  • رفض التجارب الإيجابية والإصرار على أنها لا تُحتَسب.
  • ردود الفعل السلبية التلقائية.
  • تضخيم أهمية حدث ما أو التقليل منها.
  • التعميم المفرط واستخلاص استنتاجات عامة من حدث واحد.
  • أخذ الأمور على محمل شخصي أو الشعور بأن الأفعال موجهة إليك دائماً.
  • انتقاء شيء سلبي واحد والتركيز عليه حتى تصبح رؤية الواقع مظلمة.

يتضمن العلاج مجموعةً من الأساليب التي يتم ممارستها جيداً خلال الجلسات؛ مثل:

  • تعلُّم التحكم في الأفكار المشوهة وردود الأفعال وتعديلها.
  • تعلُّم كيفية عمل تقييم دقيق وشامل للمواقف الخارجية وردود الفعل أو السلوك العاطفي.
  • ممارسة الحديث الذاتي الدقيق والمتوازن.
  • استخدام التقييم الذاتي للتفكير والاستجابة بشكل مناسب.

تقنيات العلاج المعرفي السلوكي

تساعد تقنيات العلاج السلوكي المعرفي على إظهار الروابط بين الأفكار والعواطف والسلوكيات، ومن ثم تغيير الأفكار السلبية والتفكير بشكل أكثر توازناً. تتضمن هذه التقنيات:

  1. إعادة الهيكلة المعرفية: تهدف إلى التعرف على التشوهات المعرفية وأنماط التفكير غير الصحية التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة المشاعر الاكتئابية. يحدث ذلك عن طريق تقليل الأخطاء الإدراكية وتغيير أنماط التفكير السلبية.
  2. جدولة النشاط: تُعنى بمكافأة نفسك وممارسة الأنشطة التي تشجع على الاحترام الإيجابي والرعاية الذاتية. من خلال ذلك؛ يتعلم الفرد تحفيز نفسه لإكمال المهام حتى عند الشعور بالضعف، كما أنه يزيد من فرص الاستمرار في إكمال هذه المهام.
  3. دفتر اليوميات: من خلال الكتابة حول المشاعر والأفكار والسلوكيات؛ يتم خلق مساحة لمعالجة وتحديد المُحفِّز، وكذلك كيفية تأثير التفكير على السلوك. يمكن أن يزيد ذلك من الوعي الذاتي ويساعد على تعلُّم تقنيات التأقلم لاستخدامها في المستقبل.
  4. التحقق من الحقائق: يشجِّع ذلك على مراجعة الأفكار وفهم أنه بينما قد يكون الفرد عالقاً في عملية تفكير سلبية، فإن هذه الأفكار ليست حقيقية؛ ولكنها آراء تستند إلى المشاعر.
  5. تقسيم المهام: يساعد تقسيم المهام الكبيرة إلى عناصر أصغر على الشعور بقدر أقل من الإرهاق، والتعامل بطريقة أفضل مع المهام الكبيرة في المستقبل.
  6. اليقظة الذهنية: من خلال الانخراط في تأملات موجّهة أو قصيرة؛ يقل التركيز على الأفكار السلبية وزيادة القدرة على البقاء في الحاضر.

اقرأ أيضا:

مدة العلاج

يُعتبر العلاج المعرفي السلوكي علاجاً قصير المدى، يتراوح من بين 5-20 جلسة؛ الأمر الذي يتحكم به نوع الاضطراب، وشدة الأعراض، ومدى سرعة إحراز تقدم، وكذلك مقدار الدعم الذي تتلقاه من أفراد الأسرة والأشخاص الآخرين.

وأخيراً؛ لم تعد مضادات الاكتئاب الحل الأول لعلاج كل حالات الاكتئاب، فخيارات أخرى غير دوائية كالعلاج المعرفي السلوكي، قد تكون فعّالةً حقاً في الحالات ذات الأعراض المتوسطة والخفيفة؛ والذي يمكن استخدامه سواء بمفرده أو مع علاجات أخرى؛ حيث أنه يساعد الفرد على تعلم كيفية إدارة مواقف الحياة المُجهِدة بشكل أفضل، وتغيير نمط الأفكار السلبية التي قد تشوّش التفكير وترهقه.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي !!