ملخص: يتعمق هذا المقال في كشف العلاقة غير المتوقعة بين صيام رمضان وتحسين الوظائف المعرفية؛ حيث نسلّط الضوء على دور هذه الممارسة في تعزيز التركيز والأداء المعرفي، ونقدم توصيات للاستفادة القصوى من صيام الشهر الكريم لتحسين تركيزك.
محتويات المقال
الصيام خلال شهر رمضان المبارك ليس مجرّد ممارسة دينية؛ إنه تجربة عميقة تمس مختلف جوانب صحة الإنسان؛ بما فيها الوظائف المعرفية. وفي حين أن الغرض الأساسي من صيام رمضان هو التفكّر الروحي والانضباط الذاتي، وتعزيز مشاعر التراحم، يشير بعض المستجدات العلمية التي سنأتي على ذكرها في هذا المقال إلى أن هذه الممارسة تقدّم منافع قد نكون لاحظناها لكننا لم نُدرك مدى عمقها وأثرها، وهي تتمحور حول تعزيز التركيز والصفاء الذهني والوظيفة المعرفية للدماغ.
ما أبرز منافع صوم رمضان المرتبطة بالصحة العامة ووظائف الدماغ؟
أصبحت ممارسة الصيام خارج إطاره الديني أكثر شعبية في السنوات الأخيرة؛ حيث يصوم العديد من الأشخاص لأسبابٍ مختلفة مثل فقدان الوزن، أو تحسين الصحة بصفة عامة. لكن لا يتعلق الأمر فقط بفقدان الوزن أو الحصول على صحة أفضل فحسب؛ بل يمكن للصيام أيضاً أن يعزّز الإنتاجية، ويوفر وسيلة لأجسامنا لإعادة ضبط الأضرار الناجمة عن العادات غير الصحية وإصلاحها. وفيما يلي بعض من أبرز منافع هذه الممارسة التي أثبتها العلم:
- يقلل مقاومة الأنسولين: يمكن أن يحسن التحكم في نسبة السكر في الدم؛ ما قد يفيد الأشخاص المعرضين إلى خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. علاوة على ذلك، يؤثر على نحوٍ إيجابي في الوظيفة الإدراكية للدماغ، ويقلل خطر الإصابة بالخرف المرتبط بمقاومة الأنسولين.
- يمكن أن يُطيل العمر: يمكن أن يزيد الصيام تنوع بكتيريا الأمعاء المفيدة، والبروتينات المشاركة في تنظيم التمثيل الغذائي المرتبط بطول العمر.
- يعزز وظائف الدماغ ويمنع الاضطرابات العصبية: قد يحمي الصيام صحة الدماغ ويحفز إنتاج الخلايا العصبية؛ ما قد يعزز الوظيفة الإدراكية للدماغ، إضافة إلى تقليل الالتهاب الذي قد يساعد على الوقاية من الاضطرابات التنكسية العصبية مثل داء باركنسون وآلزهايمر.
- يعزز عملية الالتهام الذاتي (Autophagy): وهي عملية تجدّد طبيعي تحدث على مستوى الخلية في الجسم تؤدي إلى إزالة الخلايا القديمة والتالفة؛ ومن ثَمّ تحسين وظائف الدماغ بصفة عامة.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الصوم في الصحة النفسية؟
هل يحسّن صوم رمضان وظائف الدماغ بالفعل؟ وكيف يحصل ذلك؟
وفقاً للصيدلاني، عبدالرحيم محمد باشا؛ تختلف منافع الصيام من شخصٍ إلى آخر، وتعتمد على مدة الصيام ونوعه والوضع الصحي للصائم. وبصفة عامة، يسهم الصيام في تحسين الذاكرة والتركيز والصحة العامة، من خلال الآليات التالية:
- انخفاض معدل السموم في الجسم.
- الاسترخاء والحد من التشتت؛ ومن ثَمّ زيادة معدلات التركيز وتحسين الذاكرة.
- التخلص من الخلايا التالفة في الجسم وإنتاج خلايا جديدة.
- إعادة توزيع العناصر الغذائية الضرورية للجسم على نحو أفضل.
- خفض مستويات الالتهابات في الجسم.
- الراحة النفسية والشعور بالإنجاز بسبب القدرة على الصيام.
والتفسير العلمي لتأثيرات الصيام في وظائف الدماغ، أن ذلك يحصل من خلال تعزيز عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ (Brain-derived neurotrophic factor)؛ وهو بروتين يسهّل نمو نقاط الاشتباك العصبية المسؤولة عن الاتصالات بين الخلايا العصبية وتمايزها؛ حيث يؤدي دوراً محورياً في تكوين الذكريات، وهو ضروري للتعلم والذاكرة.
وفي السياق نفسه، يشير أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، عبد الناصر عمر، إلى هذا البروتين المهم بوصفه مادة مسؤولة عن إعادة تكوين الخلايا المخية. ويضيف إن الصيام بأنواعه؛ بما فيه صيام رمضان، يحسّن أداء الخلية المخية؛ ومن ثَمّ يقلّل احتمالية الإصابة بآلزهايمر وداء باركنسون.
ويوضح عمر إن تأثير الصيام يحسن الصحة النفسية؛ لأن الدماغ يبدأ التفاعل مع الصيام لمقاومة الإجهاد المحتمل نشوئه بسبب الحرمان من الأكل، عبر إفراز هرمونات كيميائية مثل الإندورفينات التي تعمل على تحسين الحالة المزاجية للصائم.
كيف تستثمر صوم رمضان لتعزيز تركيزك وإنتاجيتك؟
يُفيد رئيس قسم الطب الباطني بمستشفى بريموس في نيودلهي بالهند، أنوراغ ساكسينا (Anurag Saxena)، بأن منافع الصيام المتقطع في رمضان تشمل تحسين الصفاء الذهني إضافةً إلى التركيز؛ وذلك بسبب التحول في عادات الأكل والممارسات الروحية؛ ما يفسّر وفقاً له لماذا يشعر العديد من الناس بمزيدٍ من التركيز واليقظة خلال الصيام. وفيما يلي خطوات صحية مهمة يمكنك اتباعها للاستفادة القصوى من منافع الصيام في رمضان:
- حافظ على وجبات إفطار صغيرة تحتوي مصدراً جيداً للبروتين؛ مثل منتجات الألبان أو الدجاج، وبعض الألياف.
- احرص على تناول الأطعمة الغنية بالماء في وجبة السحور، للحفاظ على رطوبة الجسم، بالإضافة إلى المكسرات التي تعد مفيدة لوظائف الدماغ.
- مارس تمارين اليقظة الذهنية لمساعدتك على تقبّل شعور الحرمان من الأكل كجزءٍ من عملية الصيام.
- خطّط مسبقاً ليومك لكي توفّر الطاقة، وتتفادى التشتت وعدم التركيز بسبب إرهاق الصيام.
- خفّض عوامل التشتيت قدر الإمكان؛ إذ يمكن على سبيل المثال إيقاف تشغيل إشعارات وسائل التواصل الاجتماعي، وتجنّب الانخراط في تعدد المهام.
- خذ قسطك الكافي من النوم، وتجنب السهر خلال شهر رمضان لأن انعدم النوم الجيد يؤدي إلى فقدان التركيز، ومواجهة صعوبات في الإنتاجية.
- مارس الرياضة للحفاظ على النشاط وتفادي الشعور بالخمول.
اقرأ أيضاً: رمضان فرصتك للإقلاع عن التدخين
باختصار، إن صوم رمضان ممارسة فعالة لتحسين وظائف الدماغ، فله فوائد صحية عديدة؛ بما يتضمّن زيادة التركيز وتحسين الذاكرة وتقليل الالتهابات. نأمل أن يكون هذا المقال قد أعطاك نظرة جديدة إلى الصيام مبنية على حقائق علمية مؤكدة، وأن تكون قد استفدت من النصائح المقدمة للاستفادة القصوى من منافع الصيام.