كيف تؤثر اليقظة الذهنية في صحتك؟

اليقظة الذهنية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما نربط بين اليقظة والصحة، فما نعنيه هو “اليقظة الذهنية” (Mindfulness)؛ والتي قد تُسمى الوعي الذاتي أو التأمل الواعي. وكثيراً ما يتم استخدام اليقظة الذهنية والتأمل (Meditation) بشكل متداخل، بَيد أنهما يمثلان معنيين مختلفين، والحقيقة أن اليقظة الذهنية ما هي إلّا أسلوب من أساليب التأمل التي تحسّن من تجربة ممارسته، وتجعلنا أكثر تركيزاً في واقعنا، وتساهم في تعزيز صحتنا ككل، وصحتنا النفسية بوجهٍ خاص. وتشير دراسة تناولت انتشار  وأنماط التأمل في أميركا، أن حوالي 6 ملايين شخص قد سبق لهم ممارسة اليقظة الذهنية في حياتهم.

ما هي اليقظة؟

اليقظة الذهنية هي حالة من التنبّه والوعي المطلق، والممارس لها يسخّر كل تركيزه ليصل إلى حالة من الاستغراق الكلي في اللحظة الحالية أيًّا كانت. ويمكن وصف اليقظة الذهنية أيضاً على أنها حالة من التركيز الهادف والخالي من الأحكام المسبقة على اللحظة الحالية من منظور التجربة الشخصية للفرد نفسه، تتشابه اليقظة الذهنية مع التأمل في حقيقة أن كلاهما يهدف إلى الاسترخاء من خلال الممارسة المشهورة المسماة “التأمل اليقظ” (Mindfulness Meditation)، وبعض ممارسات التأمل الأخرى. بشكل عام؛ تتضمن فوائد اليقظة الذهنية والتأمل للصحة زيادة التركيز، وتعظيم الإنتاجية، وبناء القدرة الفسيولوجية والبدنية على تحمل المواقف العصيبة التي يملؤها التوتر والقلق. بالإضافة إلى ذلك؛ اتضح أن فوائد اليقظة الذهنية والتأمل للصحة لها فعالية لا يُستهان بها في تخفيف الاكتئاب، وتخفيف المعاناة البدنية، وبناء القدرة على التعامل مع العلاقات العاطفية، وتجاوز الاعتماد على “سلوكيات التأقلم غير الصحية” (Unhealthy Coping Behaviors). وركزت  العديد من الأبحاث على دراسة فوائد اليقظة الذهنية والتأمل؛ حيث انتهت إلى أن القدرة على التحكم في الأفكار التي ترد للدماغ  وتسلسل الأفكار وترتيبها هي من أهم سبل الحصول على الاسترخاء والسلام الداخلي. ونفهم هنا الانتشار الواسع لممارسات اليقظة الذهنية؛ والذي بدوره قاد الباحثين للوصول إلى اكتشاف بعضٍ من سبل تأثيرها الإيجابي على الصحة بمفهومها الكلي، وتعزيز الصحة النفسية والعقلية بشكل خاص.

اليقظة الذهنية والصحة لدى البالغين

في مراجعة علمية للتدخلات الصحية “Interventions” تلك التي تكون على شكل خطة علاجية أو إجراءات من خلالها يتم تعزيز صحة البالغين؛ والمبنية على اليقظة الذهنية “Mindfulness-based”، وجد الباحثون تأثيراً إيجابياً لاستخدام اليقظة الذهنية على عدد من الحالات الصحية التي يعاني منها البالغين. على سبيل المثال، ساهمت برامج اليقظة الذهنية في الأبحاث المدعومة بالأدلة في تخفيف أعراض القلق والاكتئاب، ولاحظ العلماء أيضاً فائدة استخدام اليقظة الذهنية في تعزيز دور العلاج المقدم في البرامج التي تُعني باضطرابات الأكل النفسية، كما ساعدت اليقظة الذهنية في زيادة فعالية البرامج العلاجية الموجهة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات تعاطي المواد الإدمانية؛ حيث حسنت التفاعلات العاطفية، ونظمت المشاعر الانسحابية والتوق للتعاطي وخففتهما. من جانب آخر، توصل الباحثون إلى دور اليقظة الذهنية في تحسين جودة الحياة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، وآثار إيجابية أخرى مثل المساعدة في التعامل مع “اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه” (Attention-Deficit Hyperactivity Disorder ADHD)، واضطرابات النوم، والتوتر المتعلق بالأداء الرياضي.

اليقظة الذهنية والصحة النفسية

جميعنا معرضون لكثير من الضغوطات النفسية اليومية، وبطبيعتنا البشرية؛ حينما نفتقد للأسلوب الصحي العقلاني السليم لمواجهة تلك الضغوطات النفسية، ننتج رد فعل لا يخرج عن ثلاث أوجه: الكبت في داخلنا، أو الهرب عبر “أنشطة ذات تأثير التخدير المؤقت” (Numbing Activities)، أو الإنفجار الإنفعالي في وجه الآخرين. وفي ظل ما سبق؛ يشكّل كل من اليقظة الذهنية والتأمل أحد الحلول الفعّالة التي نستطيع من خلالها التعامل مع الضغوطات النفسية اليومية. تساعدنا اليقظة الذهنية أيضاً على إدارة المواقف العصيبة التي يملؤها التوتر والقلق، ويمكن من خلال اليقظة الذهنية النجاح في إنتاج رد فعل إيجابي إزاء تلك المواقف الصعبة.

تساهم اليقظة الذهنية في التركيز على اللحظة الحالية، وفهم مسببات الشعور بالتوتر أو القلق أو أيّاً كانت الضغوطات النفسية التي نمر بها، فاليقظة الذهنية تتضمن التركيز والاستغراق الكلي في اللحظة الحالية؛ ما يساعدنا على تتبع منبع مشاعرنا وعواطفنا والإحساس بالتفاعلات الجسدية التي تنتج عنها –المؤشرات التي يمكن ملاحظتها مثل التعرّق ونبض القلب وحرارة الجسم. من الطبيعي أن تقوم عقولنا بإصدار بعض الأحكام المسبقة على بعض المواقف أو التصرفات التي نعيشها في حياتنا اليومية، بَيد أن التركيز الهادف والخالي من الأحكام المسبقة على اللحظة الحالية؛ والمتأصل في مفهوم اليقظة الذهنية، يحثنا على التخلّص من أحكامنا التي قد تهدد سلامنا الداخلي واسترخاءنا. وتساعدنا اليقظة الذهنية أيضاً في فهم الأسباب التي تحفّز تلك المشاعر والعواطف؛ حيث توصلت الأبحاث إلى أن اليقظة الذهنية تؤول بنا إلى محاسبة النفس وضبط العواطف والانفعالات؛ ما يقلل من حالة التوتر الذي يصاحب بعض المواقف أو الظروف، وبذلك تسمح لنا اليقظة الذهنية بلحظات تأمل واسترخاء تساعدنا -على سبيل المثال- في تجاوز الضغوطات النفسية.

ممارسة اليقظة الذهنية

لعل أهم ثلاث نصائح للمبتدئين في ممارسة اليقظة الذهنية هي: البدء في الممارسة بقليلٍ مستمر، واختيار الفرص المناسبة للممارسة، وتغيير الهدف من ممارستها بشكل منتظم. وفيما يلي طريقة ملائمة للمبتدئين في ممارسة اليقظة الذهنية مع التأمل:

  1. اجلس مستقيم الظهر على كرسي أو اجلس على الأرض مع ضم الرجلين إليك.
  2. ركّز على عملية التنفس، وتحديداً حركة الهواء في رئتيك وبطنك، وحاول التحكم بالتنفس.
  3. الآن وسع مدى تركيزك ليشمل الحواس الأخرى لتصبح أكثر إداركاً بمحيطك -أي الأصوات، أو الروائح، أو الأفكار.
  4. تفكّر في كل ما يقع عليه تركيزك دون إصدار أية أحكام؛ أي أن تمر الأفكار والأحاسيس دون الحكم عليها أنها جيدة أم سيئة.
  5. أخيراً؛ كرر العملية من البداية إذا فقدت تركيزك.

أخيراً، علينا جميعاً البدء في ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل وتبنّي الممارسات التي من شأنها تعزيز صحتنا النفسية والعقلية. وبقليل من التدّرب الذاتي على ممارسة  اليقظة الذهنية  وتكرارها بشكل منتظم مع تجديد الأهداف التي نرسمها لأنفسنا خلال أدائها؛ سوف نستطيع بلا شك بمرور الوقت الحصول على لحظات جميلة مليئة بالتأمل والاسترخاء.

المحتوى محمي !!