ملخص: هل لاحظت أنك في بعض الأحيان تبكي كثيراً، أو دون سبب واضح، أو لا تستطيع التوقف عن البكاء؟ حسناً، على الرغم من أن البكاء استجابة طبيعية إلى مجموعة واسعة من المحفزات العاطفية، فإن البكاء غير المعتاد أو الذي لا تمكن السيطرة عليه قد يكون مزعجاً ومرهقاً، بالإضافة إلى أنه قد يكون علامة على وجود مشكلة أعمق تستدعي طلب استشارة المختص النفسي. فما الأسباب المحتملة للبكاء غير المعتاد؟
محتويات المقال
الدموع هي اللغة العالمية للمشاعر التي غالباً ما تتدفق استجابة إلى لحظات الحزن العميق أو الفرح. ومع ذلك، يحدث في بعض الأحيان أن نذرف الدموع على حين غرّة استجابة إلى مواقف تبدو سخيفة ولا تبكينا عادة، فلماذا يحدث ذلك؟
في الواقع، ثمة العديد من التفسيرات النفسية والفيزيولوجية وراء هذه الظاهرة. ومن المهم التعرف إليها؛ لأن فهم الأسباب الكامنة وراء نوبات البكاء المتكرر أو غير المتوقع أو غير المعتاد يقدم لنا صورة واضحة عن رفاهيتنا العاطفية وحالتنا النفسية، وإليك ما تنبغي معرفته عن هذه الأسباب.
اقرأ أيضاً: هل يخفف البكاء من الضغط النفسي؟
هل تبكي أكثر من المعتاد ونتيجة أقل الضغوط؟ إليك الأسباب المحتملة
في حين أن النوبات العرضية من البكاء تعد جزءاً طبيعياً من التجربة الإنسانية؛ إلا أن النوبات المستمرة أو المتكررة من البكاء غير الاعتيادي قد تتطلب المزيد من الفهم. وفيما يلي بعض الأسباب المحتملة التي قد تجعل الشخص يبكي أكثر من المعتاد.
الإرهاق الجسدي
عند الشعور بالتعب أو المرض أو التوتر الخفيف، فإن الجهاز العصبي الودي المسؤول عن تنشيط استجابة الكرّ أو الفرّ عند الشعور بالخطر، يظلّ في حالة تأهب قصوى؛ ما قد يزيد الضغط على أجزاء الدماغ المسؤولة عن التحكم في العواطف؛ مثل قشرة الفص الجبهي. ونتيجة لذلك؛ قد نصبح أكثر عرضة إلى ردود الفعل العاطفية؛ مثل نوبات الغضب أو البكاء، حتى في المواقف التي لا تجعلنا نبكي عادة.
إذاً؛ قد يكون البكاء وسيلة الجسم للتخلص من التوتر والإجهاد المتراكم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون الدموع إشارة إلى الآخرين بأننا نكافح وأننا بحاجة إلى الدعم أو التفهم؛ ما يساعد على تقوية الروابط الاجتماعية. باختصار: قد تكون الدموع في هذه الحالة استجابة فيزيولوجية إلى الإرهاق وإشارة اجتماعية لنيل المساعدة أو التعاطف.
اقرأ أيضاً: ما تفسير البكاء من منظور علم النفس؟
الإرهاق العاطفي
وفقاً للجزئية السابقة؛ كلما كنا أكثر توتراً أو تعباً قلت قدرات أدمغتنا على تنظيم العواطف؛ ما يؤدي إلى إثارة استجابة عاطفية مرئية؛ مثل الدموع أو نوبات الغضب. وقد يحدث ذلك بين حين وآخر؛ لكن التوتر المزمن الذي يستمر مدة طويلة يؤثر سلباً في صحتنا الجسدية والنفسية.
إذ يمكن لضغوط الحياة المستمرة، سواء كانت ضغوطاً شخصية أو عائلية أو مالية أو مرتبطة بالعمل أو التغيرات الحياتية الكبيرة، أن تسهم في حدوث الإرهاق العاطفي؛ وهي حالة من الشعور بالإرهاق والاستنزاف العاطفي التي تنطوي على الشعور بأن الشخص عالق في موقف ما أو محاصر ولا يملك السيطرة على ما يحدث في حياته.
وبالإضافة إلى البكاء المفاجئ من دون سبب يُذكر، قد يعاني الشخص أعراضاً عدة؛ مثل: نقص الحافز، مشكلات النوم، مشاعر يأس، سرعة الانفعال، اللامبالاة، الصداع، العصبية، الغضب غير العقلاني، زيادة السخرية أو التشاؤم، الشعور بالفزع.
التقلبات الهرمونية
من المعلوم أن النساء تبكي عموماً أكثر من الرجال؛ إذ قد يكبح هرمون التستوستيرون عند الرجال البكاء؛ في حين أن هرمون البرولاكتين (الذي يظهر بمستويات أعلى عند النساء) يحفزه، بالإضافة إلى أن الصورة النمطية الذكورية التي يفرضها المجتمع تؤدي دوراً أساسياً في السيطرة على البكاء عند الرجال.
عموماً، حتى بالنسبة إلى النساء، فإن التقلبات في مستويات الهرمونات مثل تلك التي تحدث قبل الدورة الشهرية أو الحمل أو انقطاع الطمث وفي أثنائه، يمكن أن تؤثر في المزاج والتنظيم العاطفي، وقد تسهم في زيادة الحساسية العاطفية مؤدية إلى نوبات بكاء متكررة، خصوصاً قبل الدورة الشهرية وفي أثنائها. وبالمثل؛ يمكن لعوامل مثل التعب أو الجوع أو المرض والوحدة أن تؤثر سلباً في المزاج وتزيد القابلية للبكاء لأسباب غير مؤثرة عادة.
اقرأ أيضاً: ما الذي يحمل الرجال على البكاء؟
الألم أو المرض المزمن
قد يكون للألم المزمن تأثير عميق في الصحة النفسية والعاطفية؛ إذ قد يعاني الأفراد الذين يتعاملون مع الآلام الجسدية المستمرة مشاعرَ الإحباط والعجز والحزن ونوبات البكاء المتكرر، وقد يسبب المرض المزمن اضطرابات النوم، وانخفاض الشهية، والتعب، وصعوبة التركيز، وتغيرات المزاج؛ ما قد يزيد بدوره حدة الألم وتردي المزاج، ويُفاقم خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق.
الاكتئاب
كثيراً ما يرتبط البكاء غير المعتاد بالاكتئاب؛ لكن كيف تعلم إن كانت كثرة بكائك ناتجة من إصابتك بالاكتئاب؟ تعلم ذلك من المؤشرات التالية:
- البكاء بسبب أمور بسيطة جداً.
- البكاء لسبب يصعب تحديده.
- البكاء أكثر من المعتاد.
- وجود صعوبة في التوقف عن ذرف الدموع.
ومن المرجح أن يحدث البكاء المفرط في حالة الاكتئاب الخفيف؛ لأن الأشخاص المصابين بالاكتئاب الشديد غالباً ما يواجهون صعوبة كبيرة في البكاء والتعبير عن مشاعرهم الأخرى. تجدر الإشارة إلى أن شعورك الحزن العابر أو الرغبة غير المعتادة في البكاء أمر غير كافٍ لتفترض أنك مكتئب، فالاكتئاب اضطرابٌ مزاجيٌّ معقدٌ يتجلى على هيئة مشاعر حزن مستمرة مدة أسبوعين على الأقل، وتصبح الأنشطة التي كانت محببة ذات يوم غير ممتعة بعد الآن، أو يظهر العديد من الأعراض التي تتداخل مع الحياة اليومية وتسبب ضائقة شديدة للشخص الذي يعانيها. عموماً، ثمة العديد من العلامات الأخرى التي قد تختلف حدتها وعددها من شخص إلى آخر؛ مثل:
- الشعور بالحزن أو الإحباط اليأس أو التوتر أو الضيق أكثر من المعتاد.
- الشعور بالذنب أو الفراغ أو انعدام القيمة أكثر من المعتاد.
- التحدث أو التحرك على نحو أبطأ من المعتاد.
- عدم الاهتمام بالمظهر أو تجاهل سلوكيات النظافة الشخصية.
- سرعة الانفعال والانزعاج على نحو غير عادي.
- التشاؤم واليأس بشأن المستقبل.
- الفتور أو الشكوى من التعب أو قلة الطاقة.
- تغيُّر عادات تناول الطعام؛ مثل الإفراط في تناول الطعام أو فقدان الشهية.
- تغيُّر عادات النوم؛ مثل النوم الزائد أو قلة النوم.
- النسيان وصعوبة التركيز على أداء الأنشطة اليومية.
- صعوبة اتخاذ القرارات.
- التحدث عن الموت أو الانتحار.
يُذكر إن الاكتئاب يتطور ببطء، وقد لا يدرك الشخص المكتئب أنه بات يشعر أو يتصرف على نحو مختلف، وغالباً ما يعجز عن التعبير عن شعوره، أو ينسب أعراضه إلى التعب وقلة الطاقة؛ وهذا ما تؤكده الطبيبة النفسية هيسلا بيتس (Hisla Bates).
اقرأ أيضاً: هل تشعر أنك تريد البكاء لكن لا تستطيع؟ إليك السبب والحل
القلق
مثلما هي الحال مع الاكتئاب؛ قد يختبر أولئك الذين يعانون اضطرابات القلق نوبات بكاء متزايدة. وينبغي هنا التفريق بين القلق العرضي الذي يحدث بين حين وآخر، وبين اضطراب القلق الذي ينطوي على شعور دائم أو شبه دائم بالخوف والقلق على نحو يؤثر في الأنشطة اليومية.
ومن أعراض اضطراب القلق: ظهور الأفكار والعتقدات المقلقة التي تصعب السيطرة عليها، سرعة الانفعال، القلق المفرط، الشد عضلي، الأوجاع والآلام الجسدية غير المبررة، صعوبة التركيز، صعوبة النوم، مشكلات النوم.
التأثير البصلي الكاذب
ربما يكون هذا السبب أقل شيوعاً بكثير مما سبقه؛ لكن وُجب ذكره لأخذ العلم. عموماً، هو حالة تتصف بنوبات متكررة وغير إرادية ومفاجئة من البكاء غالباً أو الضحك أو الغضب غير الملائم للموقف، لا تمكن السيطرة عليها. ما يميز هذه الحالة أن الشخص يشعر بالعواطف على نحو طبيعي؛ ولكنه يعبَّر عنها بطريقة مبالغ فيها أو غير مناسبة في كثير من الأحيان، وقد تحدث هذه النوبات أحياناً دون سبب واضح.
وغالباً ما تظل هذه الحالة؛ التي قد تُسمى أيضاً بـ "الوجدان البصلي الكاذب"، دون تشخيص أو تُشخَص على نحو خاطئ بوصفها اضطراباً مزاجياً؛ لكن بمجرد تشخيصها على نحو صحيح، تمكن السيطرة عليها بوساطة الأدوية. ومن الجدير بالذكر إن الوجدان البصلي الكاذب تزداد الإصابه به بين الأشخاص المصابين بأمراض عصبية أو إصابات معينة تؤثر في طريقة تحكُّم الدماغ في العاطفة؛ مثل إصابتهم بسكتة دماغية سابقة، الخرَف، آلزهايمر، الشلل الرعاش، التصلب المتعدد.
اقرأ أيضاً: هل يجب أن ننفّس عن مشاعرنا المكبوتة أم لا؟
كيف تتصرف في حال كنت تبكي أكثر من المعتاد؟
في البداية، عليك أن تسأل نفسك إذا كان بكاؤك يمثِّل مشكلة حقاً، ففي بعض الأحيان، نستطيع من خلال الدموع أن نطلق العنان لمشاعرنا المكبوتة التي يجب أن نعبِّر عنها؛ ما قد يساعدنا على الشعور بالتحسن.
لكن إذا كنت تبكي أكثر من المعتاد وتشعر بالخجل أو بالضعف، وهذا ليس صحيحاً، فإليك ما ينبغي فعله:
- حدِّد السبب: اكتشف ما الذي يجعلك تبكي أكثر من المعتاد؛ هل هي مشكلات شخصية أم عائلية أم مشكلات في العمل أم غير ذلك؟
- تخلَّص من الضغوط أو خففها: إن ذلك ممكناً، حاوِل إزالة مصدر التوتر والضغط في حياتك؛ مثل الوظيفة الصعبة أو العلاقات السامة.
- احصل على قسط كافٍ من النوم: تأكد من حصولك على قسط كافٍ من الراحة كل ليلة لتنظيم مشاعرك ومنع الاستجابات الناتجة من الضغط النفسي.
- نظِّم وقتك: كثيراً ما نشعر بالتوتر والإرهاق نتيجة تراكم المهام وضيق الوقت الناتج أساساً عن المماطلة؛ ما يجعلنا أكثر عرضة إلى الاستجابة العاطفية السريعة. لذلك؛ تابع مهامك ومواعيدك النهائية ولا تماطل، وحدد أهدافاً واقعية، ولا تكثر من الأمور التي عليك الالتزام بها، وراجِع جدول مهامك وتخلص من الأنشطة أو الالتزامات غير الضرورية.
- مارِس تقنيات الاسترخاء: مثل التنفس العميق، أو التأمل، أو اليوغا، أو اليقظة الذهنية. ولا تستخف بتدوين يومياتك؛ إذ تؤكِّد المعالجة النفسية فاتن بنت متعب، إن تدوين مشاعرك المؤلمة سيجعلك تفكر فيها وتحللها وتتعلم كيفية تغييرها؛ ما سيساعدك في التغلب على آلامك العاطفية.
- ابحث عن هواية: انخرط في أنشطة ممتعة؛ مثل الرسم أو الموسيقا أو العمل التطوعي لإلهاء نفسك عن الضغوط. الهوايات غير التنافسية مثل القراءة أو البستنة يمكن أن تكون مريحة على نحو خاص. تذكّر أن تأخذ فترات راحة منتظمة تمارس فيها ما يُسعدك ويخفف وطأة الضغوط، لتعيد شحن طاقتك وتجدد نشاطك.
- مارِس نشاطاً بدنياً منتظماً: لتعزيز هرمون الإندورفين الذي يحسّن حالتك المزاجية، جرّب ممارسة التمارين الرياضية حتى ولو مدة 30 دقيقة على الأقل يومياً.
- اتبِع نظاماً غذائياً صحياً: النظام الغذائي المتوازن الغني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة مهم جداً لدعم صحتك العامة وتعزيز مستويات طاقتك وحالتك المزاجية.
- اطلب الدعم: تواصل مع أفراد العائلة أو الأصدقاء الموثوقين للحصول على المساندة، فالتحدث عن مشاعرك إلى شخص تثق به قد يساعدك على تخفيف التوتر ومنع تفاقمه ووصوله إلى مرحلة الإرهاق أو الاحتراق النفسي.
- اطلب المساعدة المهنية: إذا كنت تعاني الإرهاق العاطفي أو التوتر المزمن أو نوبات البكاء المتكررة وتشعر بأنك لا تستطيع السيطرة عليها، أو أنها تترافق مع بعض الأعراض الأخرى مثل قلة الحافز أو الحزن المستمر أو اليأس أو تغير عادات النوم والأكل، فعليك التواصل مع مختص الصحة النفسية للحصول على الدعم والتوجيه اللازمَين.
اقرأ أيضاً: 12 علامة تؤكد أنك تتعافى من علاقة سامة
كيف تمنع نفسك من البكاء؟
لنفترض أنك تخوض موقفاً موثراً وشعرت أنك على وشك البكاء؛ لكنك لا تود فعلاً ذرف الدموع، فماذا تفعل؟ قد تساعدك النصائح التالية:
- ابتعد عن الموقف: أخرج نفسك من المواقف العصيبة لاستعادة رباطة جأشك.
- أمِل رأسك للأعلى: قد يساعد ذلك على تجمع الدموع أسفل الجفون ومنع انهمارها، ويساعدك على استعادة تركيزك.
- ركِّز على التنفس: خذ نفساً عميقاً لتهدئة نفسك وزيادة تركيزك.
- ارمش وحرك عينيك: قد يساعد الرمش المتكرر على إيقاف البكاء في حال كنت قد بدأت به، أما في حال لم تبدأ بالبكاء وكنت على وشك ذلك، فلا ترمش.
- اقرص نفسك: قد يبدو تصرفاً ساذجاً بعض الشيء؛ ولكن الألم الناتج عن القرصة قد يصرفك عن البكاء.
- تخلَّص من غصّة الحلق: اشرب الماء أو تثاءب للتخفيف من الإحساس بغصة الحلق المرتبطة بالبكاء العاطفي.
- ألهِ نفسك بشيء ما: خربش على ورقة، أو استمع إلى الموسيقا، أو أمعن النظر إلى شيء ما لتشتيت انتباهك.
- فكِّر في أمر مضحك: فكِّر في لحظة جعلتك سعيداً، أو مشهد مضحك من فيلم، أو أي أمر آخر سيشتت انتباهك.
ختاماً، من الضروري أن تدرك أن البكاء المفرط قد يشير إلى تحديات عاطفية أو نفسية كامنة تتطلب التدخل والدعم المهني. لذلك؛ فإن طلب المساعدة من مختص الصحة النفسية سيساعدك على معالجة الأسباب الجذرية لبكائك المفرط، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات التأقلم الصحية لإدارة عواطفك.