من التسويف إلى قضم الأظافر: كيف تتخلص من العادات السيئة؟

6 دقائق
تغيير العادات السيئة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: أنت مَن يحدد عاداتك ويصنعها، ثم تحدد عاداتك هذه مَن أنت. ولنكن منصفين، مَن منا لا يمتلك عادة سيئة، سواءً كانت التدخين أو قضم الأظافر أو التسويف أو الإفراط في تناول الحلويات أو الكسل أو دفع اشتراك النادي الرياضي شهرياً والتواني عن الذهاب أو حتى الكذب؟ كذلك، مَن منا لم يقرر في المساء تغيير عاداته السيئة بدءاً من الصباح التالي، ثم يفشل ويعود إليها بشعور أسوأ؟

في الواقع، وعلى الرغم من أن تغيير العادات السيئة قد لا يكون أمراً سهلاً؛ لكنه لا بد وأن يصبح ضرورياً في مرحلة ما، سواء لتحقيق نجاح أكبر في مجال العمل أو الحفاظ على الصحة، أو لأن تكون شخصاً أفضل بشكل عام.

لكن يظل هناك فرق بين القول والفعل، ولذلك نقدم لك في مقالنا خطوات عملية يمكنك باتباعها التخلص من عاداتك السيئة.

اقرأ أيضاً: ما سبب قلة صبر البعض على تحقق رغباته؟

كيف تتشكل العادة أساساً؟

يراقب الجهاز العصبي الحسي الأفعال التي نقوم بها باستمرار وتلك التي توفر لنا جرعة من الدوبامين؛ وهو مادة كيميائية في الدماغ تشارك في نظام المكافأة والشعور بالمتعة.

وبما أن أدمغتنا تقتنص كل فرصة متاحة لرفع مستوى الدوبامين، فعند وجود سلوك يعزز الشعور بالمكافأة، سيبني الدماغ علاقة بين هذا السلوك والمتعة التي يحصل عليها، وهي علاقة يصعب التخلص منها. إذاً تولد العادة نتيجة الربط بين الحافز والسلوك والمكافأة، وذلك وفق حلقة تتكرر كالتالي:

  1. الإشارة: عندما تواجه شيئاً محفّزاً أو منبّهاً؛ كشمّ رائحة معينة، أو رؤية شخص ما، أو الشعور بحالة عاطفية معينة وغيرها.
  2. الرغبة الملحّة: يجعلك العامل المحفِّز ترغب في الحصول على نتيجة معينة تجدها أنت مجزية، فيحفزك على التصرف وفق طريقة ما.
  3. الاستجابة: تنخرط في سلوك أو فكرة أو فعل ما للحصول على النتيجة.
  4. المكافأة: تحدث النتيجة المرجوة وتشعر بإحساس المكافأة نتيجةً لذلك، الأمر الذي يرضي رغبتك الملحة.

تجعل المتعة والراحة التي تشعر بها الرغبةَ أكثر إلحاحاً المرة القادمة، ولهذا تدخل في حلقة لا نهائية من تكرار السلوك.

على سبيل المثال؛ لنفترض أنك في خضمّ عمل ذهني شاق، سواء كان عملاً فكرياً أو دراسياً أو غير ذلك. قد تشعر في وقت ما برغبة ملحة لأخذ استراحة، فتقرر أن تدخن سيجارة أو تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي لتريح نفسك من موقف غير مريح. بمرور الوقت، يصبح الشعور بضغط العمل أو الدراسة بمثابة محفِّز يدفعك إلى تدخين السجائر أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وهكذا دواليك.

اقرأ أيضاً: 5 أفكار لتنمية ذكائك العاطفي خلال الأزمات

لماذا يصعب تغيير العادات السيئة؟

عندما يحدد الدماغ نمطاً معيناً كالعلاقة بين سلوك ما والشعور بالرضا نتيجة فعله، يقوم حينها بتخزين هذه المعلومات في منطقة من الدماغ تسمَّى العقد القاعدية (Basal Ganglia)، وهي المنطقة نفسها التي تخزّن المشاعر والذكريات.

وتختلف هذه المنطقة عن تلك التي يتم فيها اتخاذ القرارات الواعية؛ وهي قشرة الفص الجبهي. ومن ثّمّ قد يصعب تغيير العادات لأنها تأتي من منطقة دماغية خارجة عن السيطرة الواعية؛ إذ بالكاد يدرك الشخص أن لديه هذه العادة.

وكلما زاد تكرار فعل ما أصبح من الصعب تغييره مع مرور الوقت، لأنه يصبح عادة نؤديها دون التفكير بوعي؛ كما أن زيادة عدد مرات تنفيذ السلوك ستؤدي حتماً إلى زيادة عدد التغصنات الموجودة بين الخلايا العصبية في الدماغ والتي يُطلق عليها اسم "المسارات العصبية".

بكلمات أخرى؛ عندما تتواصل خلايا الدماغ بشكل متكرر، فإن الاتصال بينها يزداد قوةً، والرسائل العصبية التي تنتقل وفق المسار نفسه في الدماغ مراراً وتكراراً سوف تنتقل بشكل أسرع وأسرع حتى يصبح السلوك تلقائياً.

قد يصح القول إن شبّهنا الأمر بعبور حقل مليء بالعشب، فالمسار الذي تسلكه أول مرة وتمشي عليه مرة ثانية وثالثة سيتحول إلى طريق أسهل وأسرع للعبور في المرات القادمة.

بالإضافة إلى أننا عندما نقرر ونشرع في تغيير عادة سيئة، فإن الجهاز الحوفي في الدماغ ينشِّط استجابة الكر أو الفر (Fight or Flight Mode) معتبراً ذلك بمثابة تهديد، فنستجيب بالعودة إلى العادة القديمة نفسها!

ودعونا لا ننسى أن العادات السيئة، على الرغم من أنها لا تفيدنا، تُشعرنا بالرضا والراحة العاطفية ولذلك يصعب التخلي عنها، خصوصاً عندما تدعم العلاقات الاجتماعية هذه العادات؛ مثل التدخين في الأماكن المخصصة للتقرب من المدراء، أو الكذب من أجل إرضاء الشريك وغيرها.

اقرأ أيضاً: ما هو الاستقرار العاطفي؟ وكيف تصل إليه؟

كيف يمكن تغيير العادات السيئة؟

لا يعني تشكيل مسارات عصبية في الدماغ أننا عالقون في هذه العادات إلى الأبد؛ بل يمكن تدريب الدماغ على إنشاء مسارات عصبية جديدة دائماً. في الواقع، ومن حسن الحظ، أننا أكثر من مجرد كائنات تحكمها العادة، وثمة عدة مناطق في الدماغ ستساعدنا على تغيير عاداتنا.

جديرٌ بالذكر إن تغيير العادات السيئة ليس ثوباً يناسب مقاس الجميع، فأدمغتنا مختلفة. ومع ذلك، فثمة العديد من الاستراتيجيات التي قد تساعد على تغيير عادة سيئة؛ وأهمها:

1. حدّد سبب الرغبة في التغيير

بداية وقبل أن تحاول أن تغير أي شيء، حدد سبب رغبتك في هذا التغيير، فهل تريد التغيّر من أجل صحتك أم عملك أم أطفالك أم غير ذلك؟ عندما يكون لديك دافع شخصي للتغيير، يكون دافع التغيير أقوى، وتكون أكثر صبراً وقوة في نضالك ضد عاداتك السيئة.

2. حدّد المحفزات الداخلية والخارجية للعادة السيئة بدقّة

حاول أن تصبح أكثر وعياً بعادتك السيئة؛ كأن تحاول تحديد الزمان والمكان والأشخاص المرتبطين برغبتك الملحة للقيام بالعادة السيئة، ثم حاول الابتعاد عن هذه المواقف أو الأماكن أو الأشخاص الذين يرتبطون بممارستها.

3. تجنَّب المواقف المغرية

إنّ تغيير المسار أمر بسيط ولكنه فعّال في تغيير بعض العادات السيئة. على سبيل المثال؛ إن كانت نقطة ضعفك هي تناول بعض الوجبات السريعة في طريق عودتك من العمل، فقد يساعد تغيير الطريق على التوقف عن ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، حاول إبعاد الوجبات السريعة في المنزل عن متناول يدك. لكن وفي حال كان تغيير البيئة أمراً صعباً، فبدلاً من تغيير المسار، اختر خياراً أكثر صحةً مثل اختيار تناول قطعة فاكهة بدلاً من قطعة حلوى.

اقرأ أيضاً: كيف تنجو من دوامة المشاعر السلبية؟

4. فكِّر في شعورك

في المرة القادمة التي تقرر فيها أن تشاهد مقاطع اليوتيوب بدلاً من أداء العمل المطلوب منك، فكِّر كيف يسبب السلوك السيئ شعورك بالاستياء، وكيف يساعدك السلوك الصحي على الشعور بالرضا، ثم اكتب شعورك، وتحدَّث إلى شخص ما عن مشاعرك هذه، وأعِد قراءة ما كتبته بعد شهر من هذا الوقت.

تُعد كتابة اليوميات مهمة جداً، لأن الدماغ يواجه صعوبة في التمسك بشيء ما إذا لم يرَ نتائجَ فورية. وعندما تقرأ اليوميات مرة أخرى، ستعلم أنها تجدي نفعاً، وتقتنع من خلال كلماتك الخاصة أنك قوي، فيزداد إيمانك بنفسك وبقدرتك على التغيير.

5. اطلب الدعم

احصل على الدعم من الآخرين كالعائلة والأصدقاء وزملاء العمل، وحدَّثهم عن هدفك الجديد فذلك قد يساعدك على الالتزام به.

6. انطق هدفك بصوت عالٍ

يزيد نطق أهدافك بصوت عال احتمالية تحقيقها؛ ما قد يعزز تقديرك لذاتك. تذكَّر أن دماغك يريد فعلاً أن يصدق ما تقوله، لذلك غيّر اللغة التي تفكر فيها، فلا تتحدث عن مدى صعوبة التمارين الرياضية مثلاً أو أنك تكرهها، لأنك لن تتوق إلى التجربة في هذه الحالة.

في الواقع، إن إعادة صياغة السلوك الجديد على أنه إيجابي تجعلك تشعر بالقوة والسعادة حتى لو كان تحدياً.

7. استبدل بالسلوك الصحي عادتكَ السيئة

من الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها للتخلص من عادة سيئة هو استبدالها بسلوك صحي آخر، وعلى الرغم من أن استبدال العادة السيئة بالعادة الجديدة قد لا يلغي العادة السيئة من دماغك كلياً؛ ولكن يمكنك اتباع العديد من الخطوات الأخرى التي تستطيع من خلالها تعزيز العادة الجديدة وقمع القديمة.

8. تجنَّب عقلية "الكل أو لا شيء"

لنفترض أنك تعاني عادة الكسل وعدم القدرة على النهوض من السرير صباحاً، وأنك قررت أن تغيّر ذلك وتنهض في الساعة السابعة صباحاً بدلاً من الساعة العاشرة. في حال فشلت في النهوض عند الساعة السابعة، فقد تشعر بالإحباط والفشل فتستسلم وتتغاضى عن الموضوع. لكن في الواقع، ليس عليك أن تحقق الهدف من المحاولة الأولى!

ضع هدفاً معقولاً للتقدم، وبدلاً من الاستيقاظ في السابعة مباشرةً، بكِّر موعد استيقاظك ربع ساعة مثلاً كل بضع أيام؛ أي حاول تجزئة هدفك الى أهداف أصغر، فحتى الهدف الصغير قد يعطي جرعة من الدوبامين كافية لتعزيز السلوك ودفعك إلى الخطوة التالية.

9. تقبَّل الانتكاسات

قد تعتقد عندما تحاول تغيير إحدى العادات السيئة أن عدم النجاح التام هو فشل تام، وهذا ليس صحيحاً. لا تنتقد نفسك بقسوة، وتذكَّر أنه في أثناء محاولة التغيير، لا بد من وجود عقبات وانتكاسات، وهذا جزء طبيعي من عملية التغيير الدائم.

على سبيل المثال؛ قد تعتقد أن تناول قطعة حلوى قد يفسد نظامك الغذائي الصحي الذي تحاول اتباعه بالكامل. حاول أن تنظر من منظور شخص ثانٍ، فلو أخبرك صديقك إنه تناول قطعة من الحلوى فأفسد بالتالي نظامه الغذائي بالكامل، لا بد وأنك ستقول له: "هذا ليس صحيحاً"، أليس كذلك؟ ضع نفسك في مكان صديقك، واسأل نفسك، وأجب.

اقرأ أيضاً: كيف نتقبل الفشل وتتغلب عليه؟

ختاماً، عليك أن تعلم أن تكرار السلوك الصحي أمر مهم جداً، فإتقان مهارة ما وتطوير المسار العصبي المرتبط بها يتطلب تكرارها نحو 10,000 مرة، ويستغرق السلوك الجديد حتى يصبح عادةً تنفيذه نحو 3-6 أشهر. وتذكَّر أن تكون لطيفاً مع نفسك عندما تحاول تغيير عادة ما، وأن العودة إلى العادة السيئة لا يعني أنك فشلت؛ بل أنك تستطيع المحاولة مرة أخرى.

المحتوى محمي