ما هو الاستقرار العاطفي؟ وكيف تصل إليه؟

الاستقرار العاطفي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يشعر أشخاص كثيرون بأنهم غير قادرون على التحكم في عواطفهم وأنها خارجة عن سيطرتهم تماماً بحيث تأخذهم في رحلة لا تنتهي من الارتفاعات والانخفاضات! قد تشير هذه الحالة إلى عدم الاستقرار العاطفي الذي يؤثّر سلباً في الصحة النفسية، الأمر الذي قد يسبب الأزمات في العلاقات ويُضعف قدرة الفرد على اتخاذ القرارات. إن تحقيق الاستقرار عاطفياً أمر ممكن، ويستكشف هذا المقال ماهية الاستقرار العاطفي، وعلامات نقصه لدى الأفراد، بالإضافة إلى أنه يقدم نصائحَ حول كيفية تنميته لتحسين نوعية حياتك.

يوضّح المختص والمعالج النفسي السعودي أسامة الجامع أنه كلّما كانت لدى الفرد بدائل في تفسير المواقف الصعبة التي يمرّ بها، كان لديه نَفَس أطول وغضب أقلّ وسِعة أكبر في فهم الحياة. ووفقاً له؛ يكون لدى الأشخاص غضبٌ مدمّر حين يفتقرون إلى التفكير المنفتح والمرن.

لكن ذلك قد يكون أيضاً مؤشّراً قويّاً إلى انخفاض مستوى الاستقرار العاطفي لديهم؛ وهو ما يدفعهم إلى إبداء ردود فعل عنيفة لا تتوافق مع طبيعة الموقف وربما تبدو غير عقلانية أيضاً. هل تعتقد أنك من بين أولئك الأشخاص الذين تتقلّب حالتهم المزاجية باستمرار، وفي بعض الأحيان تصبح عواطفك حادّة ومتطرّفة؟ هل تشعر بالسعادة الشديدة في لحظة ثم تنهار في اللحظة التالية؟ إذا كنت تشكّ في أنك تعاني من نقص الاستقرار العاطفي، سيساعدك هذا المقال على تحديد العلامات والأعراض التي يجب الانتباه إليها.

ما هو الاستقرار العاطفي؟

يُقصد بالاستقرار العاطفي (Emotional Stability) قدرة الحفاظ على حالة من التوازن العاطفي حتّى في أثناء مواجهة المواقف الصعبة. يستطيع الفرد المستقر عاطفياً التعامل مع الضغوط والتوترّات الطفيفة في حياته اليوميّة دون أن يُصاب باضطراب عاطفي أو قلق أو غضب أو توتر؛ إذ يسمح له الاستقرار العاطفي بالحفاظ على رباطة جأشه وتجنّب الانغماس في الظروف الصعبة. وقد يشير عدم الاستقرار عاطفياً إلى العُصابية (Neuroticism)؛ وهي من سمات إحدى الشخصيات الرئيسية في علم النفس.

والأشخاص الذين يسجلّون درجات أقلّ في العصابية، يسجلّون بالتالي درجات أعلى في سمة الاستقرار العاطفي ويتميّزون بالصفات الشخصية التالية:

  • أكثر تفاؤلاً.
  • يديرون التوتّر بسهولة أكبر.
  • لا يقلقون كثيراً.
  • مستقرون ومرنون عاطفياً.
  • من غير المرجّح أن يتفاعلوا في المواقف العصيبة.
  • يشعرون بالراحة غالباً.

ويرى المختص في علم النفس التنظيمي توربيون بينغسون (Thorbjörn Bengtson) أن الاستقرار العاطفي مهمّ لأنه يسمح للأفراد بالحفاظ على ثقتهم بأنفسهم على الرغم من الانتقادات، والإبقاء على تركيزهم خلال الأوقات الصعبة بحيث يُجنّبهم ذلك سيطرة المشاعر السلبية عليهم. إضافة إلى ذلك، يستطيع هؤلاء الأشخاص الحفاظ على نظرتهم الإيجابية إلى المواقف والتغّلب على التحديّات أكثر من غيرهم.

اقرأ أيضاً: كيف تؤدي حالات الانفصال المهني إلى زعزعة الاستقرار النفسي للفرد؟

علامات بارزة تدل إلى أنك غير مستقرّ عاطفياً

يعاني الجميع من تقلبّات مزاجية من حين إلى آخر، غير أن البعض يختبر تغيّرات مزاجية حادّة ومشاعر قوية، لذلك فإن إدراك علامات عدم الاستقرار العاطفي وأعراضه يمكن أن يساعد على طلب الدعم اللازم. وبحسب الخبراء؛ تشمل علامات عدم الاستقرار العاطفي ما يلي:

  • التغيّرات المفاجئة في المزاج: تُعتبر تقلبات الحالة المزاجية طبيعية خلال النهار؛ لكن التغيّرات المفاجئة وغير المبرّرة قد تشير إلى عدم استقرار الشخص عاطفياً كأحد أعراضه الشائعة. ومع ذلك، يمكن أن يكون هناك العديد من الأسباب الأخرى للتغيّرات السريعة في المزاج؛ بما فيها مشكلات الصحة النفسية والاختلالات الهرمونية وتعاطي المخدرات.
  • صعوبة تنظيم العواطف: إذا كنت تجد صعوبة في تنظيم عواطفك وتشعر أنها تسيطر عليك، فقد يكون طلب المساعدة من متخصصي الصحة النفسية مفيداً وداعماً لك. قد تكون الصعوبة في السيطرة على الحالة المزاجية الحادّة ناتجة من حالة صحية بدنية أو نفسية، أو عدم استقرارك عاطفياً.
  • المشاعر غير المستقرّة: يمكن أن تؤثّر المشاعر غير المستقرّة سلباً في علاقاتك مؤديةً إلى مزيدٍ من الدراما والألم والتباعد، فقد يسبّب عدم تحكّمك في عواطفك شعورَ أصدقائك وعائلتك وحتى زوجتك بعدم الارتياح أو عدم الثقة أو التردّد في التواصل معك. إذا كنت تعاني من تأثيرات عدم الاستقرار عاطفياً في علاقاتك، فإن استشارة مختص الصحة النفسية قد تساعدك على تطوير استراتيجيات صحيّة للتكيف معها.
  • عدم الوفاء بالالتزامات: قد يصعب عليك الوفاء بالتزاماتك نظراً لحالتك المزاجية سريعة التغير، فقد تتغيّر أفكارك مع مشاعرك لتلغي الخطط بشكل متكرّر ولا تفي بوعودك، وتكافح من أجل اتخاذ قرارات حازمة.
  • العواطف المتقلّبة: قد يجد الأفراد الذين يختبرون عواطف متقلبّة وحادة صعوبة في التعاطف مع الآخرين لأنهم منشغلون بأفكارهم ومشاعرهم، فعدم الاستقرار عاطفياً يمكن أن يصعّب إدراك عواطف مَن حولك.
  • صعوبة التعامل مع الانتقاد أو الرفض: غالباً يفتقر الأفراد غير المستقرين عاطفياً إلى آليات التكيّف الفعّالة للتعامل مع الانتقاد أو الرفض؛ إذ يمكن أن يتعرضوا لمشاعر قويّة استجابةً لردود الفعل السلبية ما يجعلهم يتجنبّون مثل هذه المواقف تماماً.
  • صعوبة التحكّم في الحالة المزاجية: إذا كنت تجد صعوبة في السيطرة على حالتك المزاجية وعواطفك الشديدة، فقد تكون هذه علامة على عدم استقرارك عاطفياً لأنك تفتقر إلى القدرة على تنظيم مشاعرك؛ ما يؤدّي إلى تصعيدها ويصعّب تهدئتها.
  • القرارات المندفعة: إذا كنت تتّخذ قرارات مهمّة في الحياة باندفاع؛ مثل تبنّي حيوان أليف أو إنهاء علاقة أو الانتقال إلى مدينة أخرى، فقد يشير ذلك إلى عدم استقرارك عاطفياً. وفي حين أن هذا السلوك ليس سلبياً بطبيعته إلا أنه يمكن أن يؤثر سلباً في حياتك إذا تكرّر كثيراً.

ما الذي قد يجعلك غير مستقرّ عاطفياً؟

توضّح الطبيبة النفسية سيلفيا تانغ (Sylvia Tang) إنّ المراهقين يختبرون عادة عواطف انفعالية؛ لكن الأفراد بمعظمهم يطوّرون آليات تكيّف ومهارات تنظيم عاطفي أفضل بحلول العشرينيات من العمر.

وعلى الرغم من ذلك، يمكن لأحداث حياتية معينة مثل المرض أو الصدمة أو الفقد أو الإساءة، أن تعيق تطوير استقرار الفرد عاطفياً. وقد يؤدّي استمرار هذه الحالة إلى الإصابة باضطراب الشخصية غير المستقرة عاطفياً (EUP)، وتتمثل أبرز أعراضه في النوبات المتكرّرة من المشاعر الحادّة، بينما يمكن أن يعاني الشخص الذي يعرف كيف يدير عواطفه جيداً من هذه الأعراض بسبب حدث رئيسي في الحياة أو نوبة من القلق الشديد أو الاكتئاب.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك التكيف مع التقلبات المزاجية؟

5 نصائح من خبير لتحقيق الاستقرار العاطفي

يميل الأشخاص الذين يتمتّعون بمستويات عالية من الاستقرار العاطفي إلى الشعور بمزيد من الرضا عن حيواتهم. ولتحقيق ذلك؛ توصي مختصة علم النفس الإكلينيكي نيكول لوبيرا (Nicole LePera) بـ 5 نصائح مهمّة نلخّصها كالتالي:

  1. لا تفترض الأسوأ: من المهم أن تسأل وتتواصل مع الآخرين بطريقة واضحة وشفّافة، حتّى تتجنّب وضع افتراضات خاطئة قد تؤدّي إلى سلوكيات ومشاعر سلبية. يساعد هذا أيضاً على تفادي إلقاء اللوم على الآخرين وانتقادهم بناءً على الافتراضات التي تكون غير صحيحة غالباً.
  2. عبّر عن احتياجاتك وتوقعاتك: يساعد التعبير عن احتياجاتنا وتوقعّاتنا بوضوح وصراحة على منع الإحباط والشعور باليأس في العلاقات، بدلاً من توقّع نوايا الآخرين أو محاولة قراءة أذهانهم.
  3. امنح نفسكَ الوقت: ويتمثّل ذلك في تخصيص وقت كل أسبوع للقيام بنشاط تحبّه؛ بحيث تعطي الأولوية بذلك للرعاية الذاتية التي من شأنها تعزيز استقرارك العاطفي.
  4. تعلّم الرفض: الموافقة على كل شيء يمكن أن تستنزف طاقتك وتصرف انتباهك عن أولوياتك، فالشعور بأنك ملزم تجاه الآخرين يمكن أن يؤدّي إلى الغضب والتوتّر. رفض ما لا يفيدك أو يخدمك في بعض الأحيان هو وسيلة لإظهار الاحترام لاحتياجاتك وكسب احترام الآخرين وتقديرهم.
  5. لا تتعجَّل: العجلة ظاهرة منتشرة في الثقافة المعاصرة، فقبل الردّ تلقائياً وبصورة مستعجلة على رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل الهاتفية أو التفاعل مع الأزمات الشخصية لأشخاص آخرين، اسأل نفسك عمّا إذا كان ذلك هو الوقت المناسب للقيام بذلك الأمر، ذلك أن التسرّع قد يؤدي إلى إحباط كبير.

اقرأ أيضاً: ما هو التعلق العاطفي المرضي؟ وكيف تتحرّر من العلاقات السامة؟

وفي الختام، يُعتبر الاستقرار العاطفي عنصراً حاسماً في توازن الصحة النفسية. وعلى الرغم من أن اختبار تقلّبات المزاج والعواطف طبيعي تماماً؛ ولكن عندما تصبح هذه التغييرات شديدة وغير متوقَّعة يمكن أن تكون علامةً على عدم الاستقرار عاطفياً. يمكنك البدء في تنظيم عواطفك وتخفيف التوتر لتحقيق الاستقرار من الناحية العاطفية والنفسية أيضاً. إنها عملية تتطلب بالفعل وقتاً وصبراً وجهداً؛ ولكن مع المثابرة والدعم المناسبَين يصبح الاستقرار عاطفياً من سماتك الشخصية.

المحتوى محمي !!