ملخص: أثبت العديد من الأبحاث العلمية الآثار الإيجابية لممارسة الرياضة في الصحة البدنية، ودورها المهم في تخفيف أعراض أمراض عدة. إلا أن هذا الدور الإيجابي لا يقتصر على الصحة البدنية فحسب؛ بل يشمل الصحة النفسية أيضاً من خلال تخفيف حدة أعراض بعض الاضطرابات كالاكتئاب والقلق وتقلبات الحالة المزاجية، بالإضافة إلى الإسهام في تجاوز الصدمات النفسية.
أظهرت نتائج مراجعة حديثة من جامعة جنوب أستراليا (University of South Australia) أن ممارسة الرياضة قد تكون أكثر فعالية من الأدوية في تخفيف حدة أعراض بعض الأمراض والاضطرابات النفسية. ويعود ذلك إلى دور ممارسة الرياضة الإيجابي في الصحة البدنية والنفسية على حد سواء، فكما تساعد الرياضة على خفض مستوى ضغط الدم وتحسين مستوى الكوليسترول والتحكم في نسبة السكر في الدم وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب؛ تعمل أيضاً على تخفيف حدة أعراض اضطرابات القلق والاكتئاب والحزن الشديد.
فوائد الرياضة للصحة النفسية
وفقاً للطبيبة إيرينا تودوروف (Irina Todorov)؛ يمكن أن تعزز ممارسة الرياضة الحالة المزاجية للأفراد وتساعد على تقليل فرص تطور التوتر الذي يختبرونه جرّاء أحداث الحياة اليومية إلى اكتئاب. ويُعد ذلك أمراً شديد الأهمية؛ حيث يعاني نحو 280 مليون شخص حول العالم من هذا الاضطراب بحسب منظمة الصحة العالمية، بسبب أنماط الحياة عالية التوتر التي تشكّل مصدراً رئيسياً للاكتئاب.
ويُعد الخمول وقلة النشاط البدني وتبعاته مشكلة شائعة في البلدان العربية؛ حيث تشير مراجعة منهجية حول الخمول البدني والجنس والثقافة في الدول العربية إلى ارتفاع معدلاته بين البالغين والأطفال والمراهقين عبر البلدان، وتتراوح نسبته عند البالغين بين 40% إلى نحو 60%.
كذلك، تظهر معدلات الخمول بين الأطفال والمراهقين بشكل مرتفع للغاية يصل نحو 80% في بعض البلدان العربية مقارنة بمستويات الخمول في أوروبا وغرب المحيط الهادئ وإفريقيا وجنوب شرق آسيا؛ التي تقدَّر بــ 25%، 34%، 28% و17% على التوالي.
يؤثر الخمول وقلة ممارسة الرياضة سلباً في الصحة البدنية والنفسية. وعلى الجانب الآخر، يتمتع الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام بصحة نفسية وعاطفية أفضل، ومعدلات أقل للإصابة بالأمراض والاضطرابات النفسية. فما أثر ممارسة الرياضة في الصحة النفسية؟
كيف تؤثر الرياضة في الصحة النفسية؟
تساعد ممارسة الرياضة بانتظام على تعزيز شعور الفرد بالعافية النفسية والنشاط على مدار اليوم والنوم بشكل أفضل، بالإضافة إلى الشعور بمزيد من الاسترخاء والإيجابية تجاه الذات. كذلك يمكن أن يكون للتمرين المنتظم أثر إيجابي عميق في بعض اضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه كما يلي:
1. علاج الاكتئاب
يمكن لممارسة التمارين الرياضية أن تعالج الاكتئاب الخفيف إلى المتوسط بفعالية الأدوية المضادة للاكتئاب نفسها ودون آثار جانبية. في هذا السياق، تشير دراسة من جامعة هارفارد إلى أن الجري لمدة 15 دقيقة يومياً أو المشي لمدة ساعة يقلل خطر الإصابة بالاكتئاب الشديد بنسبة 26%.
وبالإضافة إلى تخفيف أعراض الاكتئاب، يمكن أن يمنع الاستمرار في ممارسة التمارين الرياضية عودة الاكتئاب مرة أخرى حيث تعزز ممارسة الرياضة الشعور بالهدوء من خلال إطلاق هرمونيّ السعادة؛ السيروتونين والإندورفين، وهما مواد كيميائية قوية في الدماغ تجعل الفرد يشعر بالراحة والهدوء.
2. تخفيف حدة القلق والتوتر والتقلبات المزاجية
يمكن أن يؤدي القلق وما يصاحبه من أعراض جسدية مثل توتر العضلات، وبخاصة في الوجه والرقبة والكتفين، وضيق التنفس أو حرقة المعدة أو الأرق إلى مزيد من التوتر؛ ما يخلق حلقة مفرغة بين العقل والجسد. ويمكن أن يؤدي الإفراز المتزايد لهرمونات التوتر إلى إتلاف الخلايا في مناطق الدماغ التي تتحكم في الحالة المزاجية أو منع نموها؛ ما يتسبب في تقلبات مزاجية حادة في كثير من الأوقات.
تعمل الرياضة كعلاج طبيعي وفعال للقلق وتخفف التوتر والإجهاد وحدة التقلبات المزاجية، ويمكن الحصول على نتائج أفضل من خلال إضافة عنصر اليقظة خلال ممارسة الرياضة؛ مثل محاولة ملاحظة إحساس ارتطام القدمين بالأرض أو إيقاع التنفس.
3. تحسين الذاكرة وزيادة حدة التركيز
يساعد الإندورفين الذي يحسن الحالة المزاجية على التركيز أيضاً، وتحفز التمارين الرياضية نمو خلايا المخ الجديدة وتساعد على منع تدهور الذاكرة المرتبط بالعمر.
4. تخفيف حدة أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه
تُعد ممارسة الرياضة بانتظام إحدى أسهل الطرائق وأكثرها فعالية لتقليل أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وتحسين التركيز والذاكرة والمزاج؛ حيث يعزز النشاط البدني مستويات الدوبامين والنورأدرينالين والسيروتونين في الدماغ والتي تؤثر جميعها إيجاباً في التركيز والانتباه.
5. تجاوز الصدمات النفسية وكرب ما بعد الصدمة
يمكن من خلال التركيز على حركة الجسم وما يشعر به خلال ممارسة الرياضة مساعدة الجهاز العصبي على الخروج من استجابة الإجهاد التي تميز كرب ما بعد الصدمة والصدمات النفسية. وتُعد التمارين التي تتضمن حركة متقاطعة وتشرك الذراعين والساقين؛ مثل المشي أو الجري أو السباحة أو تدريب الأثقال أو الرقص، الأفضل في هذه الحالة.
اقرأ أيضاً: هل تخاف من الرد على الهاتف؟ ربما تعاني من صدمة نفسية
6. تعزّز احترام الذات
يمكن أن يعزز النشاط المنتظم احترام الذات والشعور بالقوة والإحساس بالإنجاز من خلال تحقيق أهداف التمرينات الصغيرة.
7. تنظّم النوم
يمكن لممارسة التمارين الرياضية مثل اليوغا أو تمارين التمدد، لفترات قصيرة في الصباح أو بعد الظهر أن تساعد على تنظيم إيقاع النوم والاسترخاء.
8. تزيد المرونة
عند مواجهة تحديات عقلية أو عاطفية في الحياة، يمكن أن تساعدك الرياضة على بناء المرونة والتكيف بطريقة صحية بعيداً عن السلوكيات السلبية التي تؤدي في النهاية إلى تفاقم الأعراض.
اقرأ أيضاً: ممارسة هذه الرياضات ستساعدك في التغلب على المشاعر السلبية
بالإضافة إلى ما سبق، توفر ممارسة الرياضات الجماعية فرصة للتواصل مع الآخرين والحصول على الدعم الاجتماعي، ويمكن أن تكون متنفساً للإحباطات. كذلك تساعد على تحسين صحة القلب والأوعية الدموية والصحة البدنية العامة، وهو أمر مهم للأفراد الذين يعانون من مشكلات الصحة النفسية لأنهم أكثر عرضة للمعاناة من الأمراض الجسدية المزمنة؛ مثل أمراض القلب والسكري والتهاب المفاصل والربو.
لكم من الوقت يجب على الفرد ممارسة الرياضة؟
لا يجب أن يكون التمرين شاقاً أو يستغرق وقتاً طويلاً للحصول على فوائد ممارسة التمارين الرياضية؛ حيث توصي إرشادات وزارة الصحة ورعاية المسنين الأسترالية بممارسة النشاط البدني المعتدل بما مجموعه 2.5 إلى 5 ساعات أسبوعياً؛ مثل المشي السريع أو السباحة. كذلك يمكن ممارسة نشاط بدني قوي لمدة 1.25 - 2.5 ساعة أسبوعياً؛ مثل الركض أو ركوب الدراجات أو ممارسة الرياضة الجماعية، ويمكن الجمع بين الأنشطة المعتدلة والقوية.
وأخيراً، للحصول على فوائد أكبر من ممارسة الرياضة؛ تفضَّل ممارسة الرياضة في الهواء الطلق إذ إنها تساعد على الشعور بمستويات أعلى من الحيوية والنشاط مقارنةً بممارستها في الداخل، وكذلك تساعد على الاستمرار في التمارين الرياضية لفترة أطول.