كيف تحول مشاعرك السلبية إلى قوة إيجابية؟

6 دقيقة
مشاعرك السلبية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

تجنب المشاعر السلبية هو آلية تأقلم شائعة يتبناها الكثير منا، وربما دون إدراك كامل لتداعياتها. بالنسبة إلي، أتذكر تجربة شخصية مع صديقة مقرّبة، التي كانت، على الرغم من رابطتنا القوية، تنأى بنفسها كلما شاركتها صراعاتي أو شكواي. في البداية، كان الأمر محيراً لي؛ فلماذا يتجنب شخص يهتم بي تقديم الدعم خلال الأوقات الصعبة؟ بمرور الوقت، أدركت أن سلوك صديقتي لم يكن نابعاً من افتقارها إلى التعاطف بل كان استجابة متجذرة ناتجة عن عدم ارتياحها للمشاعر السلبية. فقد أصبح هذا التجنب طريقتها في إدارة المواقف التي تجدها ساحقة؛ ما يسلط الضوء على نمط قد يتبناه العديد من الناس دون انتباه.

لذلك؛ سنوضح في هذا المقال الأسباب التي تسهم في هذه الاستجابة، وآثارها المحتملة الطويلة المدى في الصحة النفسية، بالإضافة إلى أهم النصائح العملية التي ستساعد على احتضان المشاعر السلبية وإدارتها على نحو أكثر صحة.

اقرأ أيضاً: هذا الجزء من جسمك يخزن المشاعر السلبية، إليك كيفية تخفيفها

ماذا يعني أن يتجنب الإنسان مشاعره السلبية؟ 

تجنُّب المشاعر السلبية أو "التجنب العاطفي" (Emotional avoidance) استراتيجية نفسية وأسلوب تأقلم غير صحي، يسعى فيه الشخص باستمرار إلى منع المشاعر غير المريحة أو التهرب منها أو قمعها، خاصة تلك التي تسبب الضيق أو الانزعاج؛ مثل الخوف أو الحزن أو القلق أو الغضب أو الإحباط.

فتراه يلجأ إلى تشتيت انتباهه أو إنكار مشاعره أو تجنب المواقف التي قد تؤدي إلى إثارة مشاعر معينة. لكن، ينبغي التفريق هنا بين التجنب العاطفي الذي يحدث مؤقتاً بين حين وآخر، وبين التجنب العاطفي الذي يتحول إلى استراتيجية مواجهة معتادة ومتأصلة. على سبيل المثال؛ قد يقمع الفرد مشاعر الإحباط مؤقتاً عند العمل مع زميل عمل مزعج، ثم يعالج هذه المشاعر لاحقاً في بيئة أكثر ملاءمة؛ مثل المنزل.

فقمع المشاعر في هذه الحالة يمثّل آلية مواجهة شائعة تقدّم حلاً جيداً على المدى القصير، طالما أن الشخص سيعالج مشاعره عاجلاً وليس آجلاً؛ لكن في حال أصبح نمطاً منتظماً ومتأصلاً، فقد يؤدي إلى مشكلات أكثر خطورة على الصحة النفسية.

وينبغي التفريق أيضاً بين التجنب العاطفي وكبت المشاعر؛ فالإنسان يعلم في حالة التجنب أن ثمة مشاعر غير سارة؛ لكنه لا يعلم كيفية التعامل معها، فيتجنبها. في المقابل، يحدث كبت المشاعر (Repressed emotions) دون وعي، وذلك عندما تُدفَع المشاعر السلبية أو الأفكار أو الذكريات بعيداً في اللاوعي ودون أن يدرك الشخص أنه يفعل ذلك؛ أي لا تُعالَج المشاعر المكبوتة ولا يُعترف بها ولا يدرَك وجودها على الإطلاق.

قد يكون كبت المشاعر آلية دفاع نفسية لحماية الذات من المواقف المؤلمة؛ لكن دفن المشاعر عميقاً لا يعني اختفاءها ببساطة؛ إذ غالباً ما تظهر على هيئة مجموعة متنوعة من الأعراض النفسية والجسدية.

اقرأ أيضاً: ما هي الإيجابية السامة؟ وكيف تؤثر في صحتك النفسية سلباً؟

لماذا يتهرب بعض الأشخاص من التعامل مع المشاعر السلبية؟

ثمة العديد من العوامل النفسية والاجتماعية التي قد تدفع الشخص إلى تجنب المشاعر السلبية؛ مثل:

  • تجارب الطفولة: غالباً ما يبدأ التجنب العاطفي وكبت المشاعر في مرحلة الطفولة وذلك بناءً على كيفية تعامل الأهل، أو مقدمي الرعاية، مع هذه المشاعر. على سبيل المثال؛ إذا كان الأهل يطلبون من الطفل "التوقف عن البكاء" أو يتجاهلون مشاعره بتعليقات مثل "لا يوجد سبب للحزن" أو "أهدأ" أو "لا تكن جاحداً" وما شابهها، فقد يفكر الطفل أن مشاعر الحزن أو الغضب أو الإحباط مشاعر ينبغي ألا يشعر بها أو ألا يعترف بها أمام أي شخص؛ أي يراها أمراً غير مقبول أو خاطئاً، فيلجأ إلى تجنبها أو قمعها. وقد يستمر تجاهل المشاعر السلبية مع مرور الزمن تجنباً لإثارة الانزعاج أو الرفض عند الآخرين على غرار ما حدث في الطفولة.
  • الخوف من الحكم: غالباً ما تصنَّف المشاعر مثل الغضب والحزن والخوف على أنها "سيئة" أو تدل على الضعف، فالمجتمع يشجع على الثبات والقوة؛ ما يدفع الأفراد إلى قمع مشاعرهم حتى لا  يُنظر إليهم على أنهم ضعفاء.
  • الخوف من التفاقم: يعتقد الكثيرون أن الاعتراف بالمشاعر السلبية لن يؤدي إلا إلى جعلها أقوى؛ لذا يظنون أنهم إذا ما سمحوا لأنفسهم بالشعور بالحزن أو الغضب، فإن ذلك سيخرجها عن السيطرة ويؤدي إلى الانهيار.

اقرأ أيضاً: إدارة العواطف بفعالية في مواجهة مواقف الحياة اليومية

7 آثار سلبية يخلفها التجنب العاطفي في الصحة النفسية

على الرغم من أن تجنُّب المشاعر السلبية قد يمنح راحة مؤقتة، فإن تحوّله إلى استراتيجية دائمة ينعكس سلباً على الصحة النفسية، وإليك كيف:

1. زيادة التوتر

توضّح المحللة النفسي هيلاري هندل (Hillary Hendel)، إنه عند تجنُّب التعامل مع المشاعر مثل الغضب أو الحزن أو الخوف باستمرار، فإن الجسم يستجيب كما لو كان تحت التهديد؛ ما يؤدي إلى تنشيط استجابة التوتر وإطلاق هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين.

بكلمات أخرى، عندما لا تعالج المشاعر، فإن العصب المبهم؛ وهو جزء أساسي من الجهاز العصبي السمبتاوي ويشارك في تنظيم استجابة الجسم للتوتر، يستمر في إرسال إشارات إلى الجسم للبقاء في حالة تأهب قصوى؛ ما يسهم في استمرار التوتر.

أيّ يؤدي تجنب المشاعر بمرور الوقت إلى حالة من التوتر المزمن؛ لأن الطاقة العاطفية الكامنة لا تنطلق بالكامل أبداً؛ ما يؤدي إلى إجهاد جسدي ونفسي مستمر؛ الأمر الذي ينعكس سلباً على الصحة عموماً. والجدير بالذكر إن الناس معظمهم حتى لو أدركوا أنهم متوترون أو قلقون أو غير سليمين جسدياً، فنادراً ما يربطون بين هذه الأعراض وبين العواطف غير المعالجة.

اقرأ أيضاً: كيف يؤذي تظاهرك بالإيجابية صحتك النفسية؟

2. الخدر العاطفي

تجنب المشاعر لا يكبت المشاعر السلبية فحسب؛ بل قد يثبّط المشاعر الإيجابية أيضاً. فمع مرور الأيام، قد يشعر الأفراد الذين يتجنبون مشاعرهم باستمرار بالخدر العاطفي؛ وهو عملية نفسية يلجأ فيها الشخص إلى قمع استجاباته العاطفية أو التفاعلية إلى الحد الذي يشعر به بالفراغ واللامبالاة والوحدة.

ومن أهم أعراضه: وجود صعوبة في تجربة المشاعر الإيجابية مثل السعادة، والشعور بالتعب الجسدي والعاطفي، وعدم القدرة على الانخراط في الحياة، وفقدان الاهتمام بالأنشطة المحببة سابقاً. تنبغي الإشارة إلى أن الخدر العاطفي قد يساعد، في حال حصل مؤقتاً، على تجاوز الأوقات الصعبة؛ لكنه سيؤدي إلى مزيد من الضيق والخلل في الحياة في حال استمر الشخص في عدم التعامل مع مشاعره على المدى الطويل.

3. مشكلات الصحة النفسية

يرتبط تجنب المشاعر السلبية المستمر ارتباطاً وثيقاً بتطور العديد من اضطرابات الصحة النفسية؛ مثل الاكتئاب واضطرابات القلق. في الواقع، وجدت دراسة منشورة في دورية أبحاث الطب النفسي (Psychiatry Research)، أن الأفراد الذين ينخرطون في تجنب مشاعرهم بعد حدث صادم، وخاصة أولئك الذين يعانون انخفاض الدعم الاجتماعي، هم أكثر عرضة إلى الإصابة بالاكتئاب الشديد في غضون عام واحد من الحدث المؤلم.

4. مشكلات الصحة الجسدية

لكل من كبت المشاعر وبذل الجهد من أجل قمع المشاعر السلبية باستمرار عواقب وخيمة على الصحة الجسدية؛ إذ قد يسبب توتر العضلات، والألم، والغثيان، ومشكلات الجهاز الهضمي، وتغيرات الشهية، والتعب، ومشكلات النوم، وضعف وظائف المناعة، وبعض المشكلات القلبية.

5. مشكلات سلوكية

قد يلجأ بعض الأفراد ممن يتجنبون مشاعرهم إلى سلوكيات غير صحية من أجل تخدير الألم العاطفي أو التعامل مع المشاعر الصعبة؛ مثل الإفراط في كل من الطعام أو العمل أو ممارسة الرياضة أو مشاهدة الشاشات أو غيرها من السلوكيات. وبالطبع، يمكن أن تنجح سلوكيات التأقلم هذه على المدى القصير؛ لكنها غالباً ما تؤدي إلى مشكلات أكثر خطورة مثل الإدمان وتدهور الحالة النفسية.

اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب الشخصية التجنبية؟ وكيف تتعامل مع المصاب به؟

6. ضعف الوعي بالذات والمرونة العاطفية

تُوفِّر المشاعر معلومات مهمة عن احتياجاتنا وقيمنا وحدودنا؛ لذا فإن تجنبها قد يؤدي إلى الانفصال عن الذات؛ ما يصعّب على المرء فهم رغباته أو دوافعه أو الأسباب الجذرية لعدم شعوره بالرضا. في الواقع، إن مواجهة المشاعر ومعالجتها أمر بالغ الأهمية لبناء المرونة العاطفية والنفسية، فعندما يتجنب الأفراد المشاعر السلبية، فإنهم يفوّتون الفرص اللازمة لتعلم مهارات التأقلم وتطوير القوة العاطفية اللازمة للتعامل مع تحديات الحياة. وبمرور الوقت، قد يجعلهم هذا أكثر عرضةإلى الضغوط المستقبلية.

7. ضعف العلاقات

يعوق تجنب المشاعر التواصل المفتوح في العلاقات الشخص، فعدم الحساسية تجاه المشاعر السلبية وصعوبة تحملها وصعوبة الوجود مع الآخرين الذين يعانون عاطفياً قد يؤدي إلى سوء الفهم، والتباعد العاطفي، والعلاقات المتوترة.

كيف تنجح في التعامل مع مشاعرك السلبية بدلاً من تجاهلها؟

إذاً، فلنتفق أنك حتى لو استطعت تجاهل مشاعرك، فأنت لا تستطيع منعها من التدفق داخل جسدك؛ إذ إنها تنشأ أساساً من الجزء الأوسط من الدماغ الذي لا يخضع إلى السيطرة الواعية؛ لذا وحتى لا تتراكم هذه الضغوط داخلك إلى حد لا تحمد عقباه، عليك أن تتعلم المهارات اللازمة لإدارة المشاعر السلبية، وإليك أهم النصائح:

اقرأ أيضاً: 10 طرق تساعدك على التخلص من المشاعر السلبية

  1. تقبّل وجودها: الخطوة الأولى هي الإقرار بوجود المشاعر السلبية دون إصدار أحكام. وهنا يقول المعالج النفسي، أسامة الجامع، إن الإنسان حتى لو امتلك كل شيء، لا زال من الطبيعي أن يشعر بالحزن والارتباك والضيق؛ فالمشاعر السلبية جزء من الطبيعة البشرية، وينبغي عدم الشعور بالذنب تجاهها؛ بل لن يكون الناس أصحاء ما لم يتعلموا كيفية تقبل المشاعر الإيجابية والسلبية معاً. وبالطبع، لا يعني الإقرار بالمشاعر السلبية أنك تحبها؛ لكنه يساعدك على إدراك أنها مؤقتة ولا يمكن أن تؤذيك.
  2. افهم مشاعرك: تأمل في داخلك وحدد المواقف التي تسبب لك التوتر أو الحزن أو الإحباط في حياتك؛ لأن تحديد ما يثير فيك المشاعر السلبية وفهم رد فعلك عليه يزودك بالوعي اللازم لإجراء التغييرات المناسبة ومعالجة القضايا الأساسية؛ فالهدف الرئيس لمشاعرك السلبية هو جعلك ترى المشكلة حتى تتمكن من إجراء التغييرات اللازمة.
  3. غيِّر ما تستطيع: بمجرد أن تفهم مشاعرك ومحفزاتها على نحو أفضل، يمكنك البدء في اتخاذ خطوات لمعالجة المشكلة وتقليل المحفزات. على سبيل المثال؛ يمكنك تقليل ضغوط العمل، أو تغيير أنماط التفكير السلبية التي تنخرط بها، أو تعلم كيفية وضع الحدود الصحية مع الآخرين وفرضها. تذكر أنك لا يمكنك تغيير مصادر المشاعر السلبية أو التخلص منها كلها؛ لذا من المهم أن تتجنب التفكير فيما لا يمكنك تغييره والتركيز على ما هو تحت سيطرتك.
  4. عبّر عن مشاعرك بطريقة صحية: شارك في أنشطة تساعدك على إدارة التوتر والمشاعر السلبية على نحو بناء؛ مثل ممارسة الرياضة بانتظام أو التأمل أو تقوية العلاقات الاجتماعية أو تدوين اليوميات أو المشاركة في أنشطة إبداعية مثل الفن أو الموسيقا.
  5. تحدَّ معتقداتك: غيّر منظورك تجاه المشاعر السلبية. هل تخشى أن تسيطر عليك؟ هل تعتقد أنها تجعلك ضعيفاً؟ إن تحدي هذه المعتقدات يمكن أن يساعدك على تطوير علاقة أكثر صحة مع مشاعرك.
  6. تعاطف مع نفسك: تعامل مع نفسك باللطف والتفهم نفسهما اللذين قد تقدمهما لصديقك. أدرك أن الجميع يمرون بمشاعر سلبية وأنه من الطبيعي أن يشعروا بها، فممارسة التعاطف مع الذات يمكن أن تساعد على تقليل الخوف والخجل المرتبطين بهذه المشاعر.
  7. اطلب الدعم المتخصص: إذا وجدت صعوبة في مواجهة مشاعرك بمفردك، ففكر في طلب المساعدة من مختص الصحة النفسية؛ إذ يمكن أن يوفر لك العلاج مساحة آمنة لاستكشاف مشاعرك وتطوير استراتيجيات للتعامل معها بطريقة صحية.

المحتوى محمي