ما هي الإيجابية السامة؟ وكيف تؤثر في صحتك النفسية سلباً؟

الإيجابية السامة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد لا يكون من الصواب دوماً محاولة التحلي بالإيجابية عند الشعور بالحزن “فالإيجابية السامة” يمكن أن تكون لها عواقب نفسية سيئة، وعلى العكس من ذلك سيساعد تقبل المشاعر السلبية على تحسين الحالة النفسية.

تصادفنا دائماً على منصات التواصل الاجتماعي كفيسبوك وإنستغرام عبارات التحفيز كالتي تدعو إلى النظر للجانب المشرق فقط من الحياة والتحلي بالإيجابية وغيرها.

وهو ما شهدناه بصورة كبيرة جداً خلال فترة جائحة كوفيد-19 والحجر المنزلي، ولعل عبارة “كل شيء سيكون على ما يرام” هي خير مثال.

وعلى الرغم من أن هذه العبارات مفعمة بالنوايا الحسنة فإنها قد تزيد من شدة معاناة الفرد أكثر من أي شيء آخر؛ ولكن لماذا؟ لأن هذه العبارات تصنف تحت ما يسمى “الإيجابية السامة” التي تفرض على المرء أن يكون إيجابياً حتى في أصعب المواقف.

بصفتي طالبة دكتوراة في علم النفس، فإن جزءاً من رسالتي يتضمن التركيز على الأعراض النفسية الداخلية كأعراض الاكتئاب والقلق، والانسحاب الاجتماعي، والأعراض النفسية الخارجية كاضطرابات السلوكيات المنحرفة والعنيفة والمعارضة أو الدفاعية، والتخريبية والاندفاعية. وأعتقد أنه من المهم أن نسلط الضوء على العواقب الوخيمة “للإبطال العاطفي” أي تجاهل عواطف معينة، وفهم سبب أهمية التعايش مع مشاعرك السلبية.

الإبطال العاطفي

عندما يتحدث شخص ما عن شعوره، فإن ذلك غالباً يكون بهدف التحقق من صحة عواطفه، أي فهم التجربة العاطفية التي يمر بها وقبولها. في المقابل، فإن الإبطال العاطفي هو تجاهل أو إنكار أو انتقاد أو رفض مشاعر الآخر.

وقد تناول العديد من الدراسات الآثار السلبية “للإبطال العاطفي”، التي خلصت بوضوح إلى أنه ذو عواقب وخيمة على الصحة النفسية، فالأشخاص الذين يتعرضون للإبطال العاطفي هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.

وتتعدد الآثار السلبية للإبطال العاطفي ومنها أن الشخص الذي يتعرض له باستمرار قد يصعب عليه تقبل مشاعره وفهمها والتحكم فيها.

بالإضافة إلى ذلك يعاني الأشخاص الذين يتعرضون للإبطال العاطفي من ضعف مرونتهم النفسية، وهي قدرتنا على التعايش مع الأفكار والمشاعر الصعبة دون أن نتأذى منها بالضرورة.

وكلما تمتع المرء بمرونة نفسية أكبر، ازدادت قدرته على التعايش مع مشاعره، وتجاوز الصعوبات. على سبيل المثال يشعر رجل بالغضب والحزن والضياع بعد انفصاله عن زوجته ويتحدث إلى صديقه عن مشاعره فيستمع الأخير إليه ويؤكد له أن هذه المشاعر طبيعية ولن تدوم إلى الأبد.

أما إذا شعر بأن صديقه لا يتفهمه، فسيتولد لديه رد فعل يتمثل بالخجل من مشاعره والخوف من فقدان السيطرة عليها، ولأن صديقه لم يتح له التحقق من صحة مشاعره ولم يستمع إليه باهتمام فإنه سيحاول كبت هذه المشاعر ما يجعله يغرق في حالة من القلق، وقد يصاب بالاكتئاب أيضاً.

أُخذ هذان المثالان من دراسة بعنوان: “العمليات الكامنة وراء الاكتئاب: النفور من المخاطر، والمخططات العاطفية، والمرونة النفسية” (Processes underlying depression Risk aversion, emotional schemas, and psychological flexibility) لعلماء النفس والباحثين الأميركيين روبرت ل. ليهي، ودينيس تيرش، وبونام س. ميلواني. .

في معظم الأحيان يبالغ من حولنا في دفعنا نحو سلوك التجنب، وهو القيام بكل ما في وسعنا لنتجاهل مشاعرنا السلبية، ولأن بعض الأشخاص يشعرون بحزننا إلى درجة أنهم يحزنون بدروهم من أجلنا فهم يحاولون تحفيزنا بعبارات إيجابية. وعلى الرغم من ذلك فإنه من الضروري أن يتعايش الفرد مع مشاعره، فتجاهلها أو تجنبها ليس الحل الصحيح ولن يؤدي الغرض المطلوب، بل على العكس سنرى أن هذه المشاعر تعاود الظهور بصورة متكررة وبشدة أكبر.

السلبية وغريزة البقاء عند البشر

للأسف لا يمكن للبشر أن يكونوا إيجابيين دائماً، وعلى العكس من ذلك فهم يميلون إلى استعادة الذكريات السيئة. وربما يرجع ذلك إلى مراحل قديمة من حياة البشر حيث كان البقاء يتوقف على رد فعلنا لمنع الخطر، فالإنسان الذي لم يكن واعياً بعواقب المخاطر قد يقع في مأزق كبير ينتهي بموته.

يشرح المؤلفون وعلماء النفس في مقال “السيئ أقوى من الطيب” (Bad is stronger than good)، كيف أنه خلال تاريخ التطور، كانت الكائنات الحية الأكثر تكيفاً مع الأخطار تتمتع بفرص أكبر للنجاة من التهديدات، لذلك، فإن البشر الأكثر يقظة لديهم فرصة أكبر لتمرير جيناتهم، وهذا هو السبب في أننا “مبرمجون” بطريقة ما للانتباه إلى المخاطر المحتملة.

التحيز السلبي

تُعرف هذه الظاهرة بالتحيز السلبي. وتمكنت بعض الأبحاث من تحديد أربعة مظاهر لهذا التحيز تساعد على فهمه بطريقة أفضل، أحد هذه المظاهر هي المفردات التي نستخدمها لوصف الأحداث السلبية.

فالكلمات التي نختارها ونستخدمها في وصف الأحداث السلبية أكثر تنوعاً من تلك المستخدمة في وصف الأحداث الإيجابية، وهي ظاهرة تسمى التمايز السلبي. علاوة على ذلك؛ تُفسر المنبهات السلبية عموماً على أنها أكثر تفصيلاً وتمايزاً من المنبهات الإيجابية.

كما أنه من الملاحظ أن المفردات المستخدمة لوصف الألم الجسدي أكثر تعقيداً من تلك المستخدمة لوصف المتعة الجسدية. مثال آخر: يمكن للآباء تحديد المشاعر السلبية لأطفالهم الرضع بسهولة أكبر من مشاعرهم الإيجابية.

الإيجابية والإيجابية السامة

ومن ثم فإن المشاعر السلبية هي جزء من التعقيد البشري ولا تقل أهمية عن المشاعر الإيجابية.

عندما يتحدث إليك شخص ما عن مشاعره وتجد نفسك عاجزاً عن قول أي شيء استمع إليه وساعده على إدراك صحة المشاعر التي يشعر بها بأن تقول له مثلاً: “يبدو أنك مررت بيوم عصيب” أو “كان ذلك صعباً، أليس كذلك؟”.

ويمكن فهم الفرق بين الإيجابية والإيجابية السامة التي تهدف إلى رفض وتجنب كل ما هو سلبي ورؤية الجوانب الإيجابية فقط، من خلال المثال التالي: بعد أن عبرت عن مشاعرك السلبية لصديقك، قال لك: “من الطبيعي أن تشعر بكل هذا بعد الحدث الخطير الذي مررت به، دعنا نحاول فهم هذه المشاعر”. أما في حالة الإيجابية السامة فسيقول لك: “توقف عن رؤية الجوانب السلبية ، وفكر في الجوانب الإيجابية بدلاً عن ذلك”.

أخيراً؛ إذا كنت غير قادر على الاستماع إلى شخص ما وتفهم المشاعر السلبية التي يمر بها يمكنك أن تنصحه بزيارة مختص في الصحة النفسية، فهو يعرف كيف يساعده.

المحتوى محمي !!