كيف يؤذي تظاهرك بالإيجابية صحتك النفسية؟

التبسم والإيجابية الكاذبة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يدعو الفكر السائد (وبعض الأبحاث العلمية) إلى التبسم دائماً؛ لأنه كلما تبسمنا أكثر شعرنا بحالة نفسية أفضل، ووفقاً لعلم النفس الإيجابي فإن المشاعر الإيجابية تعزز إحساسنا بالراحة النفسية؛ ولذلك يحثنا المجتمع والمحيطون بنا وكتب المساعدة الذاتية بشدة على إخفاء مشاعرنا الشخصية خلال الأوقات الصعبة تحت ستار الإيجابية. لكن على الرغم من ذلك، فقد أظهرت دراسات جديدة أن التبسم المستمر لا يجعلك دائماً أكثر سعادة؛ بل ويمكن أن تكون له عواقب سلبية على صحتك النفسية حتى، فكيف ذلك؟

وفقاً لبحث علمي جديد؛ فإن التظاهر بأن كل شيء على ما يرام والتحلي بالإيجابية في الظروف جميعها يؤثر سلباً في الصحة النفسية. يدعو الفكر السائد (وبعض الأبحاث العلمية) إلى التبسم دائماً؛ لأنه كلما تبسمنا أكثر شعرنا بحالة نفسية أفضل. ووفقاً لعلم النفس الإيجابي فإن المشاعر الإيجابية تعزز إحساسنا بالراحة النفسية؛ ولذلك يحثنا المجتمع والمحيطون بنا وكتب المساعدة الذاتية بشدة على إخفاء مشاعرنا الشخصية خلال الأوقات الصعبة تحت ستار الإيجابية.

كما راجت أفكار في عصرنا الحالي تفرض علينا الشعور بالسعادة، من قبيل: “أنت فقط تتخيل هذه الصعوبات، ابتسم وستشعر بأنك أفضل” أو “ركز على رغبتك في تحسّن الأمور وسترى كيف ستختفي مشكلاتك جميعها”. ومع ذلك، فقد أظهرت دراسات جديدة أن التبسم باستمرار لا يجعلك دائماً أكثر سعادة؛ بل يمكن أن تكون له تأثيرات سلبية في صحتك النفسية حتى، فهل التحلي بالإيجابية تحت أي ظرف مفيد وفعال فعلاً؟

وفقاً لمقال مختص عالم النفس الأميركي مارك ترافرز ( Mark Travers) المنشور على موقع “سايكولوجي توداي” (Psychology Today)؛ فإن إجبار المرء نفسه على التحلي بالإيجابية قد يمثل خطراً على صحته النفسية. لكن لماذا؟ إليكم الإجابة فيما يلي.

اقرأ أيضاً: الإيجابية السامة: لا بأس إن لم يكن ثمة نور في آخر النفق!

التبسُّم قد لا يكون أفضل دواء للنفس!

قارن باحثون من جامعة نورث ويسترن (Northwestern University) ومن جامعة هونغ كونغ (University of Hong Kong) نتائج الأبحاث السابقة بآخر النتائج التي توصلوا إليها، واتضح أن التبسم لن يكون أفضل دواء للنفس في كثير من الأحيان، على عكس ما يؤكده القول المأثور الشائع، فالإيجابية التي يشعر بها المرء حينما يبتسم تؤدي إلى تعزيز شعوره بالسعادة إذا كان سعيداً من الداخل بالفعل، أما التبسم بغية الشعور بالبهجة ومواجهة المشاعر السلبية فإنه قد يؤثر سلباً في حالته النفسية.

تقول مديرة الدراسة المشاركة أبارنا لابرو (Aparna Labroo): “ليس التبسم ما يعزز الحالة النفسية بل الاعتقاد الذي يرتبط به. ثمة فئتان من الناس: أولئك الذين يعتقدون أن التبسم أحد أساليب التعبير عن السعادة، والذين يعتقدون أنه وسيلة للوصول إليها، وستختلف الراحة النفسية التي تشعر بها حينما تتبسم اختلافاً جذرياً باختلاف الفئة التي تنتمي إليها”.

ترتبط السعادة بالراحة النفسية ارتباطاً وثيقاً، فإذا ابتسمت لأنك سعيد بالفعل سيزداد شعورك بالراحة النفسية تلقائياً 10 أضعاف. لا شك في أنه يمكن للإيجابية أن تكون أداة فعالة ومساعدة في التغلب على بعض عقبات الحياة وصعوباتها؛ لكن مختص علم النفس مارك ترافيرز يحذر من أن التظاهر بالسعادة باستمرار يضر بشدة بصحتنا النفسية ويمنعنا من معالجة الأسباب الجذرية لمشكلاتنا. ووفقاً للبحث؛ ثمة 3 مخاطر كبيرة على صحتك النفسية إذا كنت تتظاهر بالإيجابية باستمرار:

اقرأ أيضاً: ما هي الإيجابية السامة؟ وكيف تؤثر في صحتك النفسية سلباً؟

1. كبت المشاعر وعدم التعبير عنها

أغلب الأحيان، يملي علينا الموقف والمكان الذي نكون فيه سلوكاتنا وتعبيراتنا؛ لذلك قد نخفي عواطفنا الحقيقية حتى لا نؤذي الآخرين أو لأن البيئة المحيطة لا تسمح بإظهارها. لكن إخفاء العواطف باستمرار على هذا النحو سلوك مؤذٍ للنفس، فوفقاً لدراسة أجرتها”مجلة أكاديمية الإدارة” (Academy of Management Journal)؛ يرى الموظفون الذين يخفون مشاعرهم الحقيقية ويتظاهرون بأخرى مزيفة أن حالتهم العاطفية العامة تتدهور وتتطور لديهم أعراض اكتئاب على المدى المتوسط، ويقول مختص علم النفس: “حينما تتبسم لتبدو إيجابياً فإنك تعزل نفسك عن عواطفك ومشاعرك الحقيقية. إنه سلوك مخادع ليس فقط للآخرين؛ إذ إنك تخدع نفسك أولاً”، فالأضرار النفسية التي يسببها عزل المرء نفسه عن مشاعره أكبر كثيراً من المنافع.

2. خلق معتقدات خاطئة وسامة

يحذر الباحثون أيضاً من المعتقدات الخاطئة السائدة هذه الأيام، ولا سيما تلك التي تروجها برامج تطوير الذات من قبيل: “أنا لا أُقهَر ولا يمكن لشيء أن يؤذيني”، “حياتي مثالية”، “أنا ناجح للغاية”. تؤدي هذه التأكيدات التي لا تستند إلى واقع ملموس إلى توقعات غير واقعية وتسبب للمرء خيبات أمل مؤلمة إذا لم يحقق هذه الأهداف.

وتقول أبارنا لابرو: “تؤدي الإيجابية غير المدعومة بقيم داخلية قوية، إلى زيادة مقاومة المرء للتغيير المنشود؛ ما يمكن أن يسبب له اضطرابات اكتئابية ويمنعه من السعي الفعلي نحو صنع سعادته”.

3. العزلة والافتقار إلى دعم الآخرين

يقدم السلوك الإيجابي المزيف لأحبائك والمحيطين بك صورة خادعة وخاطئة عنك، في حين أنك حينما تعبر عما في داخلك بصدق، تقدم صورة حقيقية وصادقة عن نفسك؛ كما يسمح ذلك لدائرتك الاجتماعية بدعمك حينما تواجه صعوبات الحياة وأزماتها.

ويقول مارك ترافيرز: “حينما تسعى إلى إقناع نفسك بأنك سعيد مهما كان الظرف الذي تمر به فإنك تحرم نفسك من دعم أحبائك ومودتهم في مواجهة تجارب الحياة الصعبة”. لن يؤدي التظاهر بأنك بخير وسعادة إلى تزييف حالتك العاطفية الحقيقية فحسب بل سيربك المحيطين بك أيضاً، والأهم من ذلك أنه قد يمنعك من الاستعانة بالمساعدة النفسية والدعم الذي تحتاج إليه.

اقرأ أيضاً: لماذا يضحك بعض الناس في المواقف الحزينة؟ وكيف تتعامل مع هذه الحالة؟