ملخص: يؤمن العديد من الناس أنهم يمتلكون القدرة على جذب النجاح والمال من خلال التفكير بالنجاح والمال فقط. يتبع هؤلاء الناس ما يُعرف بقانون الجذب، لكن المفارقة أن إحدى الدراسات الحديثة بينت أن المؤمنين بقانون الجذب أكثر عرضة الإفلاس. فما التفاصيل؟
محتويات المقال
في السعي نحو تحقيق النمو الشخصي والنجاح، ظهر قانونا الجذب والتجلّي بمثابة أيديولوجيتين مؤثرتين واعدتين بتحقيق مستقبل أكثر إشراقاً من خلال التفكير الإيجابي. ومع ذلك، كشفت دراسة جديدة عن أن المؤمنين بقانون الجذب، مثل القدرة على جذب الأموال والنجاح من خلال قوة التفكير الإيجابي فقط، هم أكثر عرضة للإفلاس. فما الذي توصلت إليه هذه الدراسة؟ وكيف يمكن لقانون الجذب هذا أن يقود الأفراد إلى الإفلاس؟
اقرأ أيضاً: تقنية إعادة الهيكلة المعرفية: كيف تستمد الإيجابية من المواقف السلبية؟
ما المقصود بقانوني الجذب والتجلّي؟
يتمحور قانون الجذب حول فكرة مفادها أن الأفكار، سواء كانت إيجابية أو سلبية، تجذب النتائج المقابلة. اشتهر هذا القانون من خلال كتاب "السر" (The Secret) لروندا بيرن (Rhonda Byrne) الذي نُشر عام 2006. ينص عموماً على أن الأفكار التي تراود الشخص عبارة عن نوع من أنواع الطاقة، وأن هذه الطاقة تُبَثّ إلى الكون، من ثمّ تعود إلى الشخص على شكل اهتزازات طاقة مرة أُخرى. وعلى هذا النحو فإن الأفكار الإيجابية تعني طاقة إيجابية وسوف تعود على الشخص بنتائج إيجابية، في حين أن الأفكار السلبية ستأتي بنتائج سلبية.
إذاً، يؤكد قانون الجذب على أن النتائج التي سيتلقاها الفرد تتعلق بـ "اهتزازات أو ترددات الطاقة" الموجودة لديه، في حين يتضمن قانون التجلي (Manifestation) خلق "طاقة" إيجابية عمداً من خلال تبني الأفكار والعواطف الإيجابية التي يمكن أن تؤثر في واقع الفرد وتشكّله لإظهار النتائج المرجوة؛ أي إن الأفراد يمكنهم جذب النجاح والوفرة والتجارب الإيجابية من خلال الحفاظ على عقلية إيجابية والتوافق مع القوى الكونية.
يتضمن هذا المنهج تقنيات متعددة؛ مثل الحديث الإيجابي عن النفس، وتصوّر النجاح، واتباع تقنية "التصرف كما لو"؛ وهي استراتيجية سلوكية معرفية تتضمن تبني عقلية الشخص الذي تطمح أن تصبح عليه وسلوكياته، وذلك قبل أن تظهر تلك التغييرات في حياتك؛ أي ينطوي على الانغماس في دور النتيجة المرجوة أو هويتها.
عموماً، يمكن القول إن التجلي وقانون الجذب كليهما يعتمدان على فكرة أن أفكارنا ومعتقداتنا لديها القدرة على تشكيل واقعنا.
كيف يمكن أن يؤدي اتباع قانون الجذب والتجلي إلى الإفلاس؟
وجدت الدراسة المنشورة في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Personality and Social Psychology Bulletin) في تموز/يوليو 2023، والتي نفّذها فريق من الباحثين في جامعة كوينزلاند الأسترالية (University of Queensland) بقيادة الباحث في علم النفس الاجتماعي، لوكاس ديكسون (Lucas Dixon)، أن الأشخاص الذين يتبنّون مبدأ التجلي يعتقدون أنهم قادرون على جذب النجاح كونياً من خلال الحديث الإيجابي مع الذات والتصور والتصرف بطريقة "كما لو"، كما إنهم يعتبرون أنفسهم أكثر نجاحاً من غيرهم، ويُعربون عن ثقتهم المفرطة في تحقيق نجاح غير محتمل في فترة زمنية قصيرة، لكنهم أيضاً أكثر عرضة للإفلاس!
وفسر الباحثون هذه النتائج بأن الأشخاص الذين يتبنون قانون الجذب، والتجلي خصوصاً، يميلون ميلاً قوياً نحو المخاطرة والاستثمار في مشاريع محفوفة بالمخاطر؛ مثل العملات المشفرة مقارنة بالأسهم التقليدية، الأمر الذي قد يسهم في عدم الاستقرار المالي وربما يؤدي إلى نتائج كارثية. كما قد يسهم قانون الجذب في تعزيز نظرتهم التفاؤلية بشأن تحقيق الأهداف، ما يدفعهم إلى وضع أهداف مالية غير واقعية أو الاستمرار في متابعتها على الرغم من الأدلة غير المؤكدة.
علاوة على ذلك، تشير الدراسة إلى أن أتباع هذا المُعتقَد قد ينخرطون في تفسير فشلهم على نحو إيجابي؛ فينسبون النكسات إلى عوامل مثل أنهم "ليسوا في حالة توافق اهتزازي كامل بعد" مع أهدافهم. وعلى الرغم من أن تفسيراتهم هذه قد تكون استراتيجية للتأقلم، فإنها قد تؤدي إلى الإنكار أو الأمل الكاذب وتعوق عملية التعلم من النكسات.
باختصار، يبدو أن العلاقة بين التجلّي والإفلاس تتوسطها عوامل عديدة؛ مثل الميل إلى المخاطرة، ووضع أهداف مالية غير واقعية، والميل إلى إعادة صياغة النكسات على نحو إيجابي. تسهم هذه العناصر في نشوء المشكلات المالية وتزيد تعرض هؤلاء الأشخاص للنتائج المالية السلبية، بما في ذلك الإفلاس.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى إيجابيات وسلبيات السعي نحو الكمال
4 نصائح لمنع التدهور المالي بناءً على نتائج الدراسة
على الرغم من أن التجلي يرتبط بالإيجابية والثقة في تحقيق الأهداف، فإنه قد ينطوي على عواقب غير متوقعة عند تطبيقه على المساعي المالية. لذلك، ثمة بعض النصائح، بناءً على نتائج الدراسة السابقة الذكر، قد تساعد الأشخاص المتبنّين لقانون التجلي على التوفيق بين قناعاتهم دون المخاطرة بسلامتهم المالية؛ مثل:
- الحذر المالي: يجب على المؤمنين بالتجلي توخي الحذر في الأمور المالية، وتجنُّب المخاطرة بناءً على الاعتقاد بأن التفكير الإيجابي فقط هو ما سيضمن النجاح المالي. بالإضافة إلى تنويع الاستثمارات على نحو معقول وطلب المشورة المهنية عند الضرورة.
- الموازنة بين التفاؤل والواقعية: في حين أن التفاؤل رصيد قيّم، فإن تحقيق التوازن بين التفاؤل والواقعية أمر بالغ الأهمية. لذلك، ينبغي الاعتراف بالنكسات والإخفاقات بوصفها فرصاً للتعلم بدلاً من تجاهلها تحت ستار عدم وجود "توافق اهتزازي".
- تحديد أهداف واقعية: بدلاً من تحديد أهداف كبيرة وغير واقعية مع توقع ظهورها بسرعة، ينبغي تبني أهداف واقعية؛ فالتقدم التدريجي المرتكز على خطوات عملية يعزز مساراً أكثر استدامة لتحقيق النجاح.
- طلب التوجيه المهني: قد يستفيد الأفراد الذين يتنقلون بين المعتقدات والقرارات المالية ويسقِطون بعضها على الآخر من استشارة متخصصي الصحة النفسية أو المستشارين الماليين. يمكن لهؤلاء الخبراء تقديم رؤى واستراتيجيات قيمة للحفاظ على عقلية صحية في أثناء اتخاذ خيارات مالية سليمة.
اقرأ أيضاً: 5 عادات إيجابية بسيطة تزيد سعادتك
تعرف إلى كيفية التفرقة بين التجلي والتفكير الإيجابي التقليدي
تنبغي معرفة أنه لا دليل أو دراسات علمية تثبت على نحو قاطع وجود قانون الجذب أو صحة التجلي، وهذا ما أكد عليه المعالج النفسي، أسامة الجامع؛ إذ يقول: "قانون الجذب ليس قانوناً، وغير مثبت علمياً، لكن بعض الناس يحبون تصديق الخوارق وما وراء الطبيعة".
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أهمية الحديث الإيجابي مع الذات والتفكير الإيجابي؛ فالحديث الذاتي الإيجابي هو أسلوب نفسي معترف به على نطاق واسع لتعزيز الصحة النفسية وتحسين الأداء.
وهو ينطوي على تنمية التأكيدات الإيجابية والعبارات المتفائلة والأفكار البناءة على نحو واعٍ لمواجهة المعتقدات السلبية أو تلك التي تهدم الذات. فضلاً عن أن الإيمان بقدرة الذات على تحقيق أمر ما يزيد احتمالية تحقيقه، أي يصبح بمثابة نبوءة تحقق ذاتها؛ وذلك لأن الاقتناع بالقدرة على تحقيق أمر ما يعني الاستعداد للقيام بالعمل الشاق لتحقيقه، أي يؤدي الإيمان بالذات إلى تبني سلوكيات توصل إلى تحقيق النتائج المرجوة.
ومع ذلك، عند مقارنة التفكير الإيجابي التقليدي مع التفكير الإيجابي المتطرف في سياق التجلي، تظهر عدة اختلافات رئيسية؛ أولها أن التفكير الإيجابي التقليدي يؤكد على تعزيز عقلية واقعية ومتفائلة من خلال الاعتراف بالتحديات، والاعتراف بالمشاعر السلبية أيضاً بوصفها مشاعر صحيحة وحقيقية، وإعادة صياغة الأفكار السلبية دون إنكار وجود الصعوبات.
في حين يميل التجلي نحو إنكار العقبات من خلال إعادة صياغة الإخفاقات أو النكسات في ضوء مفرط من الإيجابية والتفاؤل، بالإضافة إلى أنه يقمع أيّ حالة عاطفية أو مزاجية سيئة، الأمر الذي قد يتطور مع مرور الوقت إلى مشكلات صحية عاطفية ونفسية.
بالإضافة إلى ذلك، ينطوي الحديث الإيجابي التقليدي على وضع أهداف واقعية قابلة للتحقيق ثم اتخاذ الخطوات اللازمة لجعل الأحلام حقيقة. في حين قد يميل الناس في التجلي إلى وضع أهداف طموحة وغير واقعية مع تخطي العمل الذي يتطلبه النمو الحقيقي، وتوقُّع أن تركيز الأفكار الإيجابية وحدها ستسرّع تحقيقها.
فضلاً عن أن الحديث الذاتي الإيجابي التقليدي ينظر إلى النكسات بوصفها جزءاً من الرحلة ويشجع على التعلم من حالات الفشل، ويؤكد على المرونة واتباع استراتيجيات التأقلم الصحية في مواجهة التحديات. في المقابل، قد يواجه التفكير الإيجابي في التجلي صعوبة في الاعتراف بالنكسات؛ لأنه غالباً ما يتضمن الحفاظ على سرد إيجابي ثابت، ويبرر حالات الفشل باعتبارها اختلالات مؤقتة وليست عقبات حقيقية، ما يعوق عملية التعلم من الفشل.
عموماً، يهدف التفكير الإيجابي التقليدي إلى تحسين الصحة النفسية العامة من خلال تعزيز عقلية النمو الإيجابية والمرنة. في حين أن التجلي، وعلى الرغم من أنه قد يعزز الثقة بالنفس والتفاؤل، قد ينطوي على خطر حدوث نتائج نفسية عكسية، وخصوصاً في حال إنكار المشاعر السلبية أو معرفة الأسباب الحقيقية للفشل والنجاح.
اقرأ أيضاً: ما الأثر الإيجابي الذي تخلفه تحديات الحياة في صحتك النفسية؟