كيف يمكن أن يحد رفع الحد الأدنى للأجور من نِسَب الطلاق؟

3 دقائق

يتقاطع الاقتصاد وعلم النفس في كثير من النقاط المهمة في حياتنا اليومية، وأمر مثل الزواج والطلاق وتبعاتهما هو وثيق الصلة بالحالة المادية للأفراد؛ إيجاباً وسلباً.
في حين قد يساعد توفُّر الأموال اللازمة للزواج على الاستقلال واتخاذ تلك الخطوة المهمة، فنقص تلك الموارد المادية يؤثر سلباً في إتمام واستمرارية تلك الزيجات، لا سيما بين الأفراد ذوي الأجور المنخفضة.

بناءً على ذلك؛ اتجهت الجهود إلى توعية الأفراد بكيفية بناء الأسر وتعليمهم مهارات التأقلم مع الضغوط الحياتية والتواصل بفعالية.

وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ أطلقت الحكومة المصرية مبادرة لحماية الأسرة باسم "مودة" تهدف لزيادة الوعي حول التسامح بين الشركاء وكيفية الاستعداد للحياة الزوجية، بالإضافة إلى مناقشة موضوعات تتعلَّق باختيار شريك الحياة وحقوق وواجبات الزوجين.

لكن لم تمتد تلك الجهود لدراسة كيفية تأثير رفع الحد الأدنى للأجور في الزواج واستمراريته؛ ذلك ما درسه الباحثون حديثاً في مجاليّ علم النفس والاقتصاد في دراسة منشورة في مجلة الزواج والأسرة (the Journal of Marriage and Family).

طريقة فعّالة لتقليل معدلات الطلاق

تشير الدراسة الحديثة التي أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا (UCLA) وخبراء الاقتصاد في مؤسسة "راند"(RAND) إلى أن زيادة الحد الأدنى للأجور بمقدار دولار واحد في الساعة يؤدي إلى انخفاض بنسبة 7-15% في معدلات الطلاق بين الأزواج الذين يحصلون على أجور منخفضة؛ والذين حددهم الباحثون بأنهم أولئك الذين يكسبون 20 دولاراً في الساعة أو أقل.

تُعد تلك الدراسة الأولى التي تحلل آثار زيادات الحد الأدنى للأجور في معدلات الزواج والطلاق بين الأفراد ذوي الأجور المنخفضة.

يقول "بنجامين كارني" (Benjamin Karney)؛ أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا والمؤلف الرئيسي للدراسة: "عندما فكر صانعو القرار في طرق مساعدة الأسر المحرومة، كان هناك ميل عام إلى محاولة تعليمهم أشياء مثل التواصل الأفضل أو مهارات التأقلم". ويضيف "لحسن الحظ؛ هناك طرق أخرى أكثر مباشرة لتحسين حياة الأسر المحرومة، وإحداها هو اتباع سياسات تعمل على تحسين حياتهم بطرق ملموسة".

حلل الباحثون البيانات منذ عام 2004 ولغاية 2015 من مسحَين شهريين مستقلَّين:

  • مسح السكان الحالي: وهو مسح قائم على الهاتف في الأساس لحوالي 60 ألف أسرة في مناطق مكتظة بالسكان.
  • مسح المجتمع الأميركي: وهو مسح قائم على البريد لما يقرب من 300.000 أسرة في جميع أنحاء الولايات.

وشمل التحليل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً؛ والذين يشكلِّون غالبية العاملين بالحد الأدنى للأجور.

يقول كارني: "تؤدي الاعتبارات المالية دوراً مهماً في تحديد ما إذا كان الأزواج يعتبرون أن علاقاتهم تستحق الحفاظ عليها. تتنبأ الضغوط الاقتصادية والمالية بزواج أقل إرضاءً واستقراراً، ثم أن ارتفاع مستويات الفقر وديون المستهلكين يدق ناقوس الخطر باحتماليات أكبر للطلاق".

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الطلاق على الصحة النفسية للرجل؟

زيادة الأجور واستقرار الأسرة

يشير الباحثون إلى أن ذوي الدخل المنخفض عادةً ما يميلون إلى الزواج في وقت مبكر ويزيد احتمال طلاقهم بمقدار الضعف. وفي الدراسة الحديثة لم تقتصر آثار ارتفاع الحد الأدنى للأجور على انخفاض نسب الطلاق وحسب؛ بل وجد الباحثون أيضاً أن تلك الزيادة قد تخفض معدلات الزواج المبكِّر بنسبة تتراوح بين 3% و6%.

يستنتج الباحثون أن تلك الزيادة في الأجور قد تحفّز أصحاب الأجور المنخفضة على توسيع بحثهم عن رفقاء مناسبين على المدى الطويل؛ ما يدفعهم لتأخير الزواج، وليس التخلّي عن الفكرة تماماً.

بهذه الطريقة يبدو أن رفع الحد الأدنى للأجور يجعل توقيت الزواج لأصحاب الأجور المنخفضة أكثر انسجاماً مع توقيت الأفراد الأكثر ثراءً؛ والذين يميلون أيضاً إلى الزواج في سن أكبر.

يضيف الباحثون أن لتلك النتائج آثاراً إيجابية؛ حيث إن الزيجات المتأخرة تكون أقل احتمالاً -في المتوسط- ​​أن تنتهي بالطلاق؛ ما يعني أنها قد تكون أكثر استقراراً.

يعزو الباحثون ذلك الاستقرار في الزيجات أيضاً إلى أنه عندما ترتفع الأجور تقل مشاعر الإجهاد الأسري؛ حيث إن الدخل المرتفع يسهّل على الأزواج التكيُّف مع التوتر والحفاظ على روابطهم الرومانسية.

يقول كارني: "عندما تصبح حياة الأسر الفقيرة أسهل -أي عندما يكونون أقل فقراً- تصبح العلاقات داخل الأسرة أسهل أيضاً. أي أن السياسات التي تعالج عدم المساواة في الدخل من المرجح أن تكون لها فوائد قابلة للقياس لاستقرار الأسرة".

البحث عن أرضية مشتركة

لتفادي المشكلات التي قد تحدث بسبب مناقشة قضايا الأموال بين الأزواج؛ يوصي "ليون سيلتزر" (Leon F. Seltze) الباحث في علم النفس ومؤلف كتاب "استراتيجيات متناقضة في العلاج النفسي"، بضرورة أن يكون الفرد منفتحاً عند مناقشة قضايا المال مع الشريك، وعدم اعتبارها معركة يجب الفوز بها، فقد تكون وجهة نظر الشريك أكثر دقة وملاءمة للوضع الحالي.

كذلك؛ يجب الأخذ في الاعتبار بأن كل فرد قد يمتلك ميولاً فطرية وتجاربَ مختلفة حول كيفية إدارة الأموال، وفهم ذلك قد يساعد في مناقشة المشكلات المادية بشكل أكثر منطقية، ومحاولة البحث عن أرضية مشتركة وحلول وسط مقبولة لكلا الطرفين، بالإضافة إلى تخفيف حدة النزاعات.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي