كيف يؤثر الطلاق في الصحة النفسية للرجل؟

الصحة النفسية للرجل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتأثر صحتنا النفسية بعلاقاتنا الاجتماعية في مراحل الحياة المختلفة وبمدى قوتها أو فتورها. وبما أن الزواج هو أحد الروابط القوية في حياتنا، والذي يتمحور حوله عدداً من الأمور الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، فإن قراراً مثل الطلاق يصحبه عدداً من التغيرات النفسية العميقة، والتي تنعكس بدورها على كل مناحي الحياة وعلى “الصحة النفسية للرجل”.
في البداية، يجب الإشارة إلى أن المشاكل الزوجية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالفهم الخاطئ والمعتقدات غير العقلانية للزوجين. كذلك، فهي ليست خطأ طرف واحد، بل تعتمد على قدرة الطرفين على التأقلم والتغير والإخلاص للارتباط الأسري، إلى جانب الأدوار والحدود الواضحة بين الأزواج، والتعاون بدلاً عن العلاقة التنافسية.

اقرأ أيضاً: متى يكون على الزوجين الانفصال؟

الحالة الاجتماعية و”الصحة النفسية للرجل”

على الرغم من أن آثار الطلاق على النساء والأطفال كانت ولا زالت موضوعاً شائعاً للبحث أكثر من الرجال؛ حيث إن النساء غالباً ما يستثمرن عاطفياً في علاقاتهن أكثر من الرجال وبالتالي يكون التأثير العاطفي للطلاق عليهم كبيراً، فإنه قد يكون هناك آثار نفسية عميقة للطلاق على الرجال أيضاً، بجانب التأثير على حياتهم الاجتماعية؛ فالرجال المطلقون لديهم معدلات أعلى للوفيات وتعاطي المخدرات والاكتئاب ونقص الدعم الاجتماعي مقارنة بغيرهم من المتزوجين والعازبين.

تشير دراسة بشأن الارتباط بين الحالة الاجتماعية والصحة النفسية إلى أن للطلاق تأثيراً سلبياً على الرجال؛ فمقارنة بالمتزوجين، الرجل الأعزب أو المطلق أو الأرمل يكون أكثر عُرضه للإصابة بالاكتئاب وتدني احترام الذات، وكذلك التأثير السلبي على الصحة العقلية.

بالإضافة إلى ذلك، فالأشخاص الذين يتعرضون للطلاق يعانون من مجموعة من المشكلات النفسية بما في ذلك زيادة التوتر وانخفاض الرضا عن الحياة وزيادة التردد على عيادات الأطباء النفسيين مقارنة بمن يظلون متزوجين.

إلى جانب فقدان فوائد الحياة الزوجية، والتي قد تؤدي دوراً مهماً كحاجز ضد الإجهاد الطبيعي في الحياة، فهناك أيضاً فقدان ذلك الإحساس الشخصي بالهوية والذي يكتسبه الرجل من حالته الزوجية وتعريف نفسه كزوج أو أب يشعر بالمسؤولية تجاه زوجته أو أطفاله، خاصة في المجتمعات الأكثر تقليدية التي تركِّز بقوة على الزواج والأسرة.

اقرأ أيضا:

الشعور بالوحدة والعُزلة الاجتماعية

غالباً ما تختلف ردود الأفعال والآثار النفسية تجاه المواقف المختلفة من شخص لآخر، وكذلك في حالة الطلاق؛ فكل فرد يستجيب للأمر بطريقة مختلفة؛ فخطر حدوث نتيجة سيئة يختلف اعتماداً على مدى قدرة الفرد على التأقلم بعد الطلاق وكيف كانت الحياة الزوجية قبل أن يقرر الزوجان الانفصال.

هناك مجموعة متنوعة من العوامل التي تتقاطع لزيادة مخاطر مشاكل الصحة العقلية بين الرجال غير المتزوجين؛ تشير الأبحاث إلى أن الرجال غير المتزوجين يعانون من معدلات عالية من الشعور بالوحدة، والتي يمكن أن تتركهم معزولين عن المجتمع المحيط. هذه الوحدة هي عامل خطر لمجموعة من مشاكل الصحة العقلية بما في ذلك الاكتئاب وتعاطي المخدرات والانتحار.

في السياق ذاته، تشير الدلائل إلى أن النساء أكثر عرضة للاحتفاظ بشبكات أكبر من الأصدقاء والعائلة الممتدة عند الزواج، في حين أن الرجال أكثر عرضة للاعتماد أساساً على شركائهم وأطفالهم للتفاعل والدعم الاجتماعي.

هذا يعني أن الرجال هم الأكثر معاناة من انخفاض الدعم الاجتماعي بعد الطلاق؛ ما قد يتركهم وحيدين ومعزولين عندما يحتاجون إلى الأمان الاجتماعي حينها.

كذلك، فالرجال قد يعانون بشكل أكبر لأنهم في كثير من الأحيان يفقدون منازلهم وأطفالهم وعائلاتهم، ما يؤدي إلى الشعور بفراغ كبير، ويولّد الشعور بالذنب والفشل.

اقرأ أيضاً: كيف تقرر طلاقك؟

مراحل الطلاق العاطفية

جدير بالذكر أن الزيجات لا تنهار بين عشية وضحاها؛ فهناك مراحل من التحولات العاطفية يتم المرور بها قبل إنهاء العلاقة.

كذلك، فقرار الانفصال لا يكون نتيجة حادثة واحدة، كما أن التفكك ليس خطأ طرف واحد بالكامل، بل هو نتيجة لمعاناة الشريكين، وعادة ما يسبقه إما انفصال عاطفي أو نفسي ينتهي بالطلاق القانوني، ما ينتج عنه مجموعة من المشاعر المتناقضة مرتبطة بكون المرء في دور “البادئ” الذي يريد الطلاق أو “المتلقي” لقرار الانفصال بينما لا يريده.

تتمثّل مراحل الطلاق العاطفية، التي عادة ما تمتد إلى عدة سنوات، في:

  1. تنحية أحد الطرفين: تشمل تلك المرحلة مشاعر مُبهَمَة من السخط والاستياء الدفين مع وجود مشكلات حقيقية ولكن غير مُعتَرَف بها. كذلك، يبدأ تطوير استراتيجية الانفصال مع وجود مشاعر الخوف والقلق والشعور بالذنب والغضب، بالإضافة إلى الاكتئاب والحزن.
  2. التعبير عن عدم الرضا: في هذه المرحلة، يتم التعبير عن عدم الرضا في العلاقة أو عدم التوافق للطرف الآخر واللجوء للاستشارات الزوجية، بالإضافة إلى وجود مشاعر كالتوتر والشعور بالذنب والشك والحزن.
  3. قرار الطلاق: تشمل هذه المرحلة خلق مسافة عاطفية، ونادراً ما يمكن التراجع عن قرار الطلاق. يبدأ الشخص في التفكير في الطلاق ويشعر بالإنكار والاكتئاب والرفض وتدني احترام الذات والغضب، ويشعر كلا الطرفين بأنه ضحية للطرف الآخر، وتنتابه مشاعر الغضب والاستياء والحزن والشعور بالذنب، والقلق على الأسرة.
  4. بدء العملية القانونية: يتم فيها الفصل المادي والعاطفي، وتحديد مسار عملية الطلاق. يصاحب تلك المرحلة مشاعر كالصدمة والذعر والخوف والشعور بالذنب. يليها مرحلة قبول أن الزواج لم يكن سعيداً أو مُرضياً، ويتم خلالها استعادة الشعور بالقوة والسيطرة ووضع خطة للمستقبل وخلق هوية جديدة، يرافقه تجاوز الأطراف مرحلة اللوم والغضب إلى التسامح والاحترام.

اقرأ أيضا:

 

إن بناء علاقة قوية وصحية كالزواج هو أمر شديد الأهمية للتمتع بصحة نفسية وعقلية جيدة، لكن الأمر يتوقّف على استثمار كلا طرفي العلاقة فيها كي تستمر وتزدهر؛ إذا توقفت تلك المحاولات في البناء والتأقلم مع مستجدات الأمور، قد تكون تلك بداية تصدّع العلاقة وإنذار بضرورة إيجاد حلول قبل انهيارها.

المحتوى محمي !!