متي يكون على الزوجين الانفصال؟

الانفصال
https://www.shutterstock.com/
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما تعصف بالحياة الزوجية رياح عاتية، أو يخيم عليها الصمت المطبق، يصبح الانفصال أمراً بديهياً. ومع ذلك؛ يتباطأ البعض في مغادرة السفينة. كيف تعرف أن العلاقة تسير في طريق مسدود وأنه قد حان وقت الرحيل؟ نحقق في ذلك.

أصبحَت لا تطيق وجوده إلى جوارها؛ ولكنها تبقى معه، لم يعد يستطيع تحمل لومها؛ لكنه لا يتركها. في الوقت الحاضر الذي تنفصم فيه علاقة زوجية من كل اثنتين (45% في الأقاليم، 55% في باريس)، وقد أصبح متوسط ​​مدة الزيجات حوالي أربع سنوات (المصدر: المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية)، لا توجد إحصائيات تعكس أعداد “أولئك الذين يتمسكون بالبقاء” ، بينما يبدو أن كل شيء يدفعهم لاستعادة حريتهم. في هذا الوقت الذي يشيع فيه الانفصال السريع والطلاق بالتراضي بين الطرفين، نعرف جميعاً أصدقاء نسائل أنفسنا عنهم ونقول: “ولكن لماذا يبقيان معاً؟”. على الرغم من الاستنزاف والملل والتنافر؛ يتحمل البعض هذه الأوضاع لسنوات قبل اتخاذ القرار وحزم الأمتعة بلا رجعة.

اقرأ أيضا:

 فوائد غير مرئية [خفية]

تؤكد جيسلين باريس؛ أخصائية العلاج الجنسي ومستشارة العلاقات الزوجية التي وضعت كتاباً بالتعاون مع الزميلة برناديت كوستا براديس، يحمل عنوان: “ممارسة الحب لتجنب الحرب بين الزوجين” (الصادر عن دار نشر آلبين ميشيل) أنه بمجرد أن تفقد العلاقة الزوجية رونقها، يفضل البعض الانفصال للارتباط مجدداً وخلق ارتباط  مع شخص آخر، آملين أن يكون أكثر إرضاءً من الأول.  يتشبث البعض الآخر [بما يعرفون] ويبقون على العلاقة الزوجية التي أرسوا دعائمها، فهم يضحون برضاهم الشخصي، في سبيل الإبقاء على المظهر المثالي للعلاقة الزوجية التي أقاموها؛ إذ يأتي الانفصال ليزعزع دعائم النرجسية التي  تسود هذه العلاقة”.

كلما زاد عدد السنوات التي قضاها الزوجان معاً، ازدادت صعوبة تحطيم “إطار الزوجية”، وغالباً ما تُفسر هذه الحالة بأسباب غير واضحة وضوحاً تاماً. يصل الزوجان إلى المحطة الأخيرة في مسيرتهما لأسباب عدة – ربما تطور أحدهما، بينما ظل الطرف الآخر على وضعه. وتراكمت أسباب الاستياء؛ ما أدى إلى خلاف تجاوز في حجمه متعة تواجدهما معاً. ربما كان أحدهما يحتاج للاتّكاء  على الآخر لكي ينمو؛ لكنه عندما ازداد نضجاً، أصبح ينظر لشريكه نظرةً مغايرةً وفقد الرغبة في مواصلة العيش معه.

يرى فينسينت غارسيا؛ المحلل النفسي واستشاري العلاقات الزوجية، أن للعلاقة الزوجية عدة وظائف: “فهي ترأب الصدع الذي حدث في الطفولة، وتحقق الإشباع للآخر على المستويين العاطفي والفكري، كما تمثل ملاذاً آمناً. وعندما لا تلعب أي دور من هذه الأدوار، لا يعود بمقدورها الاستمرار، ما لم يجد الشريكان في علاقتهما بعض الفوائد العصابية اللاشعورية”.

ما الذي يمكن أن يجعل البعض مستمراً في علاقة خالية من  السعادة؟  في كثير من الأحيان يعود السبب في ذلك للخوف من الشعور بالوحدة؛ الذي يعاني منه أولئك الذين لم يحصلوا على القدر الكافي من المحبة في طفولتهم، أو الذين عانوا من الهجران والتخلي. وفقاً لما كانت تلاحظه عالمة النفس ماريز فآين؛ مؤلفة كتاب “أجهزتي الصغيرة للعيش” (عن دار نشر جيه سي لاتيه): “يخشى أولئك الأشخاص مواجهة الفراغ العاطفي الذي سيخلف لديهم الكثير من القلق، ولذا فهم على استعداد  لتحمّل الكثير: الملل، والعدوانية، والازدراء … فعندما يكونون وحدهم، يعتقدون أنهم غير محبوبين؛ وبالتالي غير جديرين بالحب، وهو الوضع الذي سيعيد إحياء ما عانوه في الماضي من جديد”.

لا تزال إيزابيل؛ 44 عاماً، تتذكر أن شريك حياتها كان يكرر و يقول لها أنها لن يستطيع أبداً الارتباط بشخص آخر إذا تركها، وكانت تصدقه فيما يقوله، وغالباً ما نجد الإنكار نفسه لدى الأزواج الذين لا يمارسون الجنس. وتتابع عالمة النفس حديثها، فتقول: “من الشائع أن تجد امرأةً تخشى الشعور بالرغبة، ورجلاً يخشى من رغبته في النساء؛ إذ أن عدم ممارسة العلاقة الجنسية يتطلب موافقة الطرفين. يقبل الطرفان كذلك البقاء في علاقة يشوبها التعاسة معاً، فالأشخاص الذين يسود بينهم التوتر، يتّفقون  في الحقيقة على الكثير من الأشياء”.

هناك رابط حقيقي يجمع بين الأزواج الذين يعيشون في صراع أو ملل أو يفتقدون العلاقة الجنسية، ويوضح فينسينت غارسيا هذا الأمر، فيقول: “يعاني مثل هؤلاء الأشخاص من هشاشة نرجسية كبيرة، ويواجهون صعوبات كبرى في السيطرة على أي توتر يطرأ على علاقاتهم، ولذا فهم يكبتون مشاعرهم، ومن ثم لا يستطيعون التعبير عن عواطفهم لسنوات عدة، وتتدهور علاقتهم من سيئ لأسوأ”.

وها هو جان كريستوف؛ 54 عاماً، يدلي بهذه الملاحظة، بعد أن قرر الانفصال بعد زواج دام لعشرين عاماً. “عشت لمدة عشرة أعوام دون أن أتساءل  – كنا نلتقي ويأتي الأولاد، وكنا نعمل كالمجانين – ثم أصبحت بائساً لمدة عشر سنوات، و لم أكن  حتى أدرك ذلك.  لم يكن باستطاعتي طرح السؤال على نفسي؛ إذ كان سيؤدي إلى  التشكيك في الكثير من الأمور. ومع ذلك، فقد كان أصدقائي يشعرون بالقلق، وتصيبهم الدهشة وهم يرونني أتحمل الأزمات والإهانات. لم أكن أعير اهتماماً لما يقولونه، ثم في أحد الأيام، سألني أحدهم ما الذي يمنعني من المغادرة. لم أجد ما أرد به، وغادرت”.

رابط  الحب ورابط  الكراهية

يعاني الزوجان أحياناً ارتباكاً في مشاعرهما، يدفعهما لإلقاء اللوم على ارتباطهما، واعتباره سبباً شخصياً بحتاً للشعور بعدم الارتياح. يقول فنسنت غارسيا: “إن الانفصال لا يعالج شيئاً؛ بل يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والندم، وهو الوضع الذي كثيراً ما أراه. من الأفضل أخذ وقت كافٍ لتسأل نفسك: (ماذا لو كنت أنا لست بخير ؟)”.

تحكي سيسيل؛ 38 عاماً، قصتها فتقول: “كنت أخفي عن الناس، وعن نفسي أيضاً، ما كنت أعاني منه. أتذكر حضوري لمأدبة غداء مع بعض الصديقات حيث كنّ جميعاً يشكون  من شركاء حياتهن، بينما كنت أشيد بمزايا الرجل الذي أحيا معه تحت سقف واحد  – وكان ذلك في الواقع؛ بدافع الهوس – وأخفيت عنهن تماماً ما كنت أعانيه برفقته”.

يروي فينسينت غارسيا هذا الحوار الغريب الذي جرى لديه في العيادة. قالت المرأة: “أنت حثالة، وأنا أكرهك، أيها الوغد!” فأجاب الرجل: “وأنا أيضاً، أنتِ تعلمين أنني أحبك”. هذا الحوار الذي يشبه إحدى أغنيات غينسبورغ، يفسر الكثير حول هذا الارتباط الذي دام لاثنتين وعشرين سنة. ويشرح المحلل النفسي الأمر،   فيقول: “تكيل الاتهامات للآخر، كما لو كان منبعاً لكل ما هو سيئ، وعندها يختلط رابط  المحبة برابط  الكراهية، في رابط  وثيق (صلب). وبينما الزوجان قابعان بداخل عالمهما المصغر، لا يكون بوسعهما التفكير في مخرج”.

عندما يقود العقل الباطن الأمر، فإن الأسباب الموضوعية للانفصال لا تؤثر على أحد. تشير ماري ذات الاثنين وأربعين عاماً؛ والتي أمضت عشر سنوات في جحيم العلاقة الزوجية، إلى تأثير والدتها: “كنت أسعى للحصول على رضاها عني، وكان التفكير في الطلاق يعني المخاطرة بإغضابها، فقد كانت تقول مراراً وتكراراً: (لا يمكننا فصم العرى التي جمعها الرب)، على الرغم من أنها عانت هي نفسها من قدر كبير من الإهانات. لقد عشت مع انفصام في الشخصية بين مواقفي المؤيدة للنسوية وما كنت أعاني منه. كانت هناك قوة تجسم على روحي وتجعلني أبقى على هذا الوضع، وكان العلاج النفسي هو الوحيد هو الذي ساعدني على الخروج من هذا المأزق”.

دعونا نذكر -على سبيل المثال- الحالة المتردية للزوجة التي تظل مع شريك حياة عنيف. حللت ماريز فآين هذه الحالة بقولها: “البعض لا يرى في الحب سوى لدغات الألم. إنهم يفضلون العيش في مأساة ليشعروا بوجودهم، فقد مررت لهم والدتهم وجدتهم هذه الرسالة الضمنية: “الحب مؤلم”، وهم يتبعون ذلك دون وعي”.

يُحكم على هؤلاء الأزواج بالعيش معاً لأن هذا الوضع يعود عليهم بالنفع على المستوى العصابي، حتى يأتي حدث ما أو تقال عبارة ما أو تُرى نظرة ما في أعين من يرونهم من الخارج، أو يحدث لقاء، يفجر الأمر ويعيد ترتيب المشهد. تلفت صوفي كادالين؛ المحللة النفسية التي ألفت مع صوفي جيوه كتاباً بعنوان “فعلت كل شيء لإثارة الانتباه ولا زالت عزباء” (عن دار نشر آلبين ميشيل): “يكون الأمر بمثابة انفجار يسمح بإعادة التنظيم على المستوى النفسي، وغالباً لا يتفجر الأمر من لا شيء، فالانفصال يكون في طور التحضير طيلة عدة أشهر؛ بل عدة سنوات، دون وعي، عندما تطغى فجأةً الرغبة في الحياة على غريزة البقاء التي تدفعنا للجمود. وما كان يبدو خارقاً، يصبح واضحاً تمام الوضوح، ويصبح الفراق أمراً حتمياً”.

هل كل شيء يدور دون علمنا؟ ليس تماماً. ينبغي الانتباه إلى الصوت الداخلي الصغير الذي يدق أجراس الإنذار بانتظام. تعلق المحللة النفسية على الأمر، فتقول: “يلوم كلُّ من الزوجين غير السعداء شريكه، ويحمله عبء تعاسته الزوجية، ويتجنب طرح السؤال المنطقي الوحيد الذي يستحق الطرح: (لماذا أبقى وأنا غير سعيد؟). إن التفكر فيما وصل إليه حالك وما تشعر به، يُعتبر شوطاً قد قُطع بالفعل من الطريق”. أما الباقي فسيتم بمساعدة المعالج النفسي، لأنه من الصعب فصل الأسباب اللاواعية التي دفعتنا لنرتضي نسيان أنفسنا لسنوات…

اقرأ أيضا:

وضع قواعد جديدة

تحذر غيسلين باريس: “ليس علينا البقاء  في  علاقة زوجية عندما نجد أن لا شيء يرضينا. وعلينا معرفة كيف نبتعد عن بعضنا في الوقت المناسب، حتى لا ينتهي بنا الأمر لكراهية بعضنا البعض. أما أولئك المترددون في إنهاء علاقتهم، فبمجرد إدراكهم أن هذه العلاقة لا تحقق لهم الرضا منذ فترة طويلة، أنصحهم بعدم المماطلة أكثر من اللازم، خوفاً من أن يؤذيهم الاستياء إيذاءً بالغاً. ولتجنب الندم؛ يحط البعض منهم من قدر ما مروا به، معتقدين أنهم بذلك يجنبون أنفسهم عناء الأسى؛ لكن هذه الاستراتيجية تمنعنا من تحليل ما أوصلهم للانفصال بطريقة موضوعية، وأخذ العبر مما اقترفوه من أخطاء. وعلاوةً على ذلك؛ أن تهزأ بفترة كاملة من فترات حياتك، يمكن أن يتسبب لك في إحباط بالغ على المدى الطويل”.

لقد حقق الزوجان بعض الطموحات معاً لفترة من الوقت، وكان ارتباطهما له قيمة حقيقية، ولا يعني الانفصال أن الوقت الذي قضياه معاً، يجب نسيانه والتخلص منه.  كما أن إلقاء اللوم على الآخر وجعله مصدراً لجميع الشرور، والتعدي عليه حتى ينتهي به الأمر للمغادرة، قد يكون وسيلةً لنجنب أنفسنا أي شعور بالذنب.

وتواصل غيسلين باريس حديثها: “إن هذه الاستراتيجية التي يتبعها أكثر الذكور، ربما تفسر كون أغلبية النساء هن اللواتي يطلبن الطلاق. وقد يدفع البعض منهن إلى ذلك سلوك  أزواجهن أكثر من رغبتهن الشخصية”.

تتمخض عن العلاقة الزوجية أحياناً مفاجآت مضحكة. مارييل وآلان؛ 58 عاماً، تزوجا وفقاً لمبدأ الحرية الجنسية، كما كان شائعاً بعد أحداث سنة 1968. انفصلا ثم أصبحا يتقابلان سراً، بعدما أدركا أن الحب لا يزال يجمع بين قلبيهما. تقول مارييل: “ذات مساء، اقترح علي آلان الطلاق … على أن نتزوج مجدداً، لكي نبدأ على أسس جديدة. وهذا ما فعلناه؛ ما أثار دهشةً واسعةً لدى العائلة والأصدقاء”. تنتهي العلاقة الزوجية عندما يصبح العقد الضمني الذي أسّس  هذه العلاقة، لاغياً؛ لكن لا شيء يمنع التفاوض على شروط علاقة زوجية جديدة.

تجربة الانفصال

  قبل الانفصال النهائي، يحاول بعض الأزواج الانفصال لفترة  مؤقتة. هل هي فرصة للتفكير في الأمر بروية أم طريقة للنظر إلى الأمر من بعيد من أجل رؤية أوضح واتخاذ القرار المناسب؟ بالنسبة لفينسينت غارسيا؛ المحلل النفسي واستشاري العلاقات الزوجية، “إن أخذ فسحة من الوقت للراحة، يسمح لنا بالخروج من الصراع والتفكير في هدوء وقياس مدى تعلّق  كل شريك بالآخر، على أن يتبع كلاهما نفس النهج.  تسمح هذه الخطوة للزوجين إما بإيجاد مخرج للأزمة وإما باتخاذ قرار الانفصال بطريقة أكثر هدوءاً بدلاً عن صفق الباب بعنف”.

“وفاة حماتي كانت الشرارة التي تسببت في الانفصال”

فلورنس؛ 44 عاماً، ممرضة متخصصة في التخدير: “ولدت من أب مجهول، وكنت متعطشةً للانتقام من المجتمع. تزوجت في سن مبكرة من لوكاس؛ وهو رجل صالح من جميع النواحي. وطوال خمسة عشر عاماً، كنت أقوم بكل شيء على ما يرام وكما ينبغي، فلدي ولدان وسيمان، وعمل رائع، وأصدقاء على خُلق… وكنت على وفاق مع حماتي لدرجة رائعة؛ والتي كانت تقدم لي كل خدمة ممكنة، فكانت ترعي الأولاد، وساعدتني في تجهيز مسكننا؛ لكنني كنت أشعر بالملل الشديد، وكنت مدركةً أنني تزوجت بتحكيم عقلي وليس بتحكيم قلبي.  كانت حياتنا الجنسية كصحراء قاحلة؛ ولكن كان لدي ألف سبب لتبرير هذا الأمر: الأطفال، الكثير من العمل… وكنت بمجرد أن يداهمني الشك، أنغمس في العمل، و تراودني الرغبة في الفرار. لم أكن لأفعل شيئاً من شأنه تدمير العائلة و”البيت الصغير في البراري” [البيت المثالي] الذي بنيته بعدما بذلت الكثير من التضحيات!  زعزعت وفاة حماتي ذاك التوازن الرائع، وكانت الشرارة التي تسببت في الانفصال، ففي إحدى الأمسيات، أسررت لإحدى صديقات الطفولة، وأخبرتها عن حبي الأول – الرجل الوحيد الذي أحببته حقاً. فقالت لي: (لكني رأيته مجدداً، ولدي بيانات الاتصال به، إذا أردتِ!) ظللت أتردد في القيام بالأمر طوال عدة أسابيع، ثم رأيته مرةً أخرى وتعانقنا من جديد كما كنا نفعل في الماضي. وهجرت لوكاس؛ لكني ما زلت أتساءل حتى اليوم هل كنت سأجرؤ على الاتصال ببيير، إذا كانت لدي الشجاعة للانفصال من دون وفاة هذه المرأة القوية التي كانت تهيمن علينا وتحتجز كلانا في قبضتها. لست واثقةً من ذلك” – مقابلة أجرتها برناديت كوستا براديس.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي !!