هل استيقظت يوماً من حلم، أو ربما كابوس، يتضمن سلسلة أحداث مربكة غير واضحة، مثل أن تحاول الهروب من نمر يريد افتراسك لكنك لا تستطيع تحريك قدميك، أو ربما ترى صديق طفولتك الذي لم تره منذ سنين طويلة؟ غريبة هي هذه الأحلام، لكنها أكثر من مجرد أفلام ليلية. إنها تحمل مشاعر خفية وصراعات لم تحل ورغبات مبطنة، تتيح لك مواجهة ما تخشى مواجهته في اليقظة، ومن هنا تنبع قوتها العلاجية.
محتويات المقال
يمكن للمعالج النفسي استخدام الأحلام لفهم صراعاتك الداخلية، وتفسير الرموز التي تعبر عن مشاعر دفينة، وفتح الطريق نحو التعافي. لا يفسر المعالج الحلم بصفته عرافاً، بل يستمع إليه باعتباره طبيباً ليصل إلى جذور الألم، ويساعدك على فهم ذاتك والتعبير عنها، والشفاء. فالحلم قد يحمل مفتاحاً لخبايا نفسك، وكل كابوس قد يكون بداية تحرر من ذكرى مؤلمة، وبداية للشفاء.
فإذا أردت التعرف إلى ما تمثله هذه الأحلام وكيفية استخدامها في العلاج النفسي، تابع قراءة هذا المقال.
رحلة في أعماق اللاوعي: كيف فسر فرويد ويونغ أسرار الأحلام؟
يعتقد سيغموند فرويد أن الأحلام هي نافذة إلى العقل اللاواعي، حيث تختبئ الرغبات المكبوتة والصراعات النفسية التي لا يستطيع الإنسان التعبير عنها في اليقظة، لأن العقل الواعي يعمل بمثابة نظام حماية أو رقابة نفسية، فيستخدم آليات دفاعية نفسية مثل الكبت أو الإنكار أو الإسقاط، لحجب الأفكار والذكريات والدوافع المؤلمة أو طردها من الوعي، والحفاظ على الاستقرار النفسي وتمكين الأفراد من العمل دون أن تغمرهم المشاعر أو الصراعات الصعبة.
على سبيل المثال، إذا تعرض الفرد لصدمات مؤلمة في مرحلة الطفولة فإن عقله الواعي يكبت هذه المشاعر أو يتناساها لتجنب الضيق الذي قد تسببه إذا اعترف بها في أثناء اليقظة. كذلك الأمر بالنسبة للأفكار التي قد تتعارض مع ما يؤمن به الفرد أو قد تكون غير مقبولة اجتماعياً، فإذا ظهرت يشعر بالذنب أو القلق والخجل ويعيش صراعاً داخلياً، لذلك يكبتها العقل حتى لا يواجهها. لكن هذه الأفكار لا تختفي تماماً، بل تخزن في اللاوعي، وتظهر لاحقاً في الأحلام، أو في تصرفات غير واعية، أو حتى في زلات اللسان.
أما كارل يونغ، وهو تلميذ فرويد، فقد وسع هذه الفكرة وأضاف أن الأحلام لا تعكس فقط مشاعر الفرد الشخصية، بل تحتوي أيضاً على رموز عالمية تسمى "النماذج الأصلية"، وهي تمثل جوانب مشتركة من التجربة الإنسانية، مثل "الظل" الذي يرمز إلى الجوانب المكبوتة والمظلمة في النفس، و"الأنيما" و"الأنيموس" اللذين يجسدان البعد الأنثوي والذكري في كل إنسان، و"الذات" التي تمثل التكامل النفسي النهائي.
ويرى يونغ أن الحلم وسيلة عميقة للتواصل بين الوعي واللاوعي، وأن فهم رموزه يساعد الإنسان على النمو النفسي وتحقيق التوازن الداخلي، إذ تعمل الأحلام باعتبارها جسراً بين العوالم الخفية في النفس والعالم الواعي، تكشف ما نخفيه عن أنفسنا وتوجهنا نحو تحقيق ذواتنا الحقيقية.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يستطيع الكثير منا تذكر أحلامه بعد أن يستيقظ؟
كيف تتحول المشاعر المكبوتة إلى رسائل تظهر في الأحلام؟
يمكن أن يكون كبت المشاعر في بعض الأحيان حلاً مناسباً على المدى القصير ما دمت تعالج تلك المشاعر عاجلاً وليس آجلاً. لكن عندما تلقي بكل ألم أو غضب أو خيبة في صندوق المشاعر المكبوتة دون أن تعالجها داخلك، فإنك لا تمنعها من الوجود بل فقط تحبسها داخلك.
وفقاً للمعالجة النفسية أماني سلامة، معظم الأمراض النفسية سببها عدم البوح أو التعبير عن المشاعر، سواء بأسلوب كلامي أم سلوكي، فالمشاعر التي لا تجد طريقها للخارج، تظهر في عواطفك وقراراتك وردود فعلك وسلوكك، كما يلي:
- ردود الفعل العاطفية: يمكن أن تتجلى المشاعر اللاواعية المرتبطة بالذكريات أو الرغبات المكبوتة في توتر وقلق أو اكتئاب أو تقلبات مزاجية غير مبررة.
- الأنماط السلوكية: يمكن أن يؤدي الكبت إلى سلوكيات أو عادات متكررة تمثل منافذ لمشاعر غير معترف بها، مثل التجنب أو الكمال أو تدمير الذات.
- العلاقات الشخصية: قد تسبب المشاعر المكبوتة صعوبات في العلاقات، إذ تثير ردود فعل مبالغاً فيها، أو انعدام ثقة أو انسحاباً. على سبيل المثال، قد يسبب فقدان الحب في الطفولة صعوبة في تكوين روابط وثيقة لدى البلوغ.
- الأعراض الجسدية: تظهر أحياناً الضائقة النفسية المكبوتة على هيئة أعراض جسدية، مثل الصداع أو التعب أو مشكلات المعدة أو الجلد، أو البدانة أو آلام الظهر والرقبة والصدر والبطن.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تؤكد: كثرة الكوابيس قد ترتبط بسمات شخصية معينة
كيف يمكن استخدام الأحلام في العلاج النفسي؟
الأحلام، في نظر فرويد ويونغ، ليست مجرد خيال ليلي، بل هي مرآة تعكس أعماق النفس وتمنحنا فرصة لفهم أنفسنا على نحو أعمق. وبالنسبة لعلم الأعصاب، ينشغل الدماغ في أثناء نوم حركة العين السريعة بفك تشابك تجارب اليوم، مستعيداً أحياناً المخاوف أو معيداً تمثيل الصدمات في صورة رمزية.
يعمل المعالجون على تسخير هذه العملية الطبيعية لمساعدة الشخص على كشف مشاعره المكبوتة، وفهم صراعاته الداخلية، والتعامل معها بطريقة صحية. كما أن تفسير الرموز يساعد على اكتشاف طرق جديدة لفهم الذات، ما يعزز النمو الشخصي والتوازن النفسي.
ويبدأ العلاج باستخدام الأحلام بوصف حلمك للمعالج النفسي بتفاصيله جميعها؛ المكان والأشخاص والألوان والأحاسيس وخاصة المشاعر التي شعرت بها في أثناء الحلم. وبمجرد شرح الحلم، يستخدم المعالج مجموعة متنوعة من التقنيات لتعميق الاستكشاف:
- التداعي الحر: تتحدث بحرية عن كل عنصر من عناصر الحلم، تاركاً الأفكار تتدفق دون رقابة. غالباً ما تكشف هذه الروابط العفوية عن معان خفية.
- تحليل الرموز: يحتوي العديد من الأحلام على مواضيع أو رموز متكررة، مثل الماء أو الحيوانات أو السقوط، قد تمثل مشكلات نفسية أو حالات عاطفية أعمق.
- رسم الخرائط العاطفية: يساعدك المعالج على تتبع مشاعرك في الحلم وربطها بحياة اليقظة، ما يسهم في سد الفجوة بين النوم والواقع.
- دمج العلاج المعرفي السلوكي: قد يستخدم المعالج تحليل الأحلام في تحديد أنماط التفكير السلبية والمحفزات العاطفية.
- إعادة صياغة الكوابيس: تقنية علاجية يستخدمها بعض المعالجين النفسيين لتحويل الأحلام المزعجة أو المؤلمة إلى صور ذهنية أكثر إيجابية أو أقل تهديداً، ما يساعد الشخص على استعادة الشعور بالأمان والسيطرة، وخصوصاً عند أولئك الذين يتعافون من اضطراب ما بعد الصدمة أو الكوابيس المزمنة.
اقرأ أيضاً: التحكم في الأحلام: هل هذه الفكرة قابلة للتحقق علمياً؟