كيف تمارس تدريب التحفيز الذاتي لتسيطر على توترك؟

4 دقيقة
التحفيز الذاتي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

هل يحاصرك التوتر في تفاصيل حياتك إلى درجة إفسادها عليك؟ حسناً، أنت لست وحدك، فهناك أكثر من 300 مليون شخص في عالمنا اليوم يعاني التوتر والقلق؛ بسبب عديد من العوامل الفردية والأسرية والمجتمعية وغيرها.

ومن أهم الطرائق التي يمكن اللجوء إليها لتخفيف التوتر، ممارسة تمارين الاسترخاء. وفي هذا المقال، سنتعرف إلى واحد من أهمها؛ وهو تدريب التحفيز الذاتي (Autogenic training) الذي تُمكنك ممارسته في أي مكان وزمان، ليساعدك على تقليل مستويات التوتر وتعزيز شعورك بالهدوء.

ما هو تدريب التحفيز الذاتي؟

تدريب التحفيز الذاتي  أحد أساليب الاسترخاء الذي يستخدم العقل لمساعدة الشخص على تعزيز الهدوء والاسترخاء النفسي والجسدي، وتقليل التوتر والقلق، خاصة عند التعرض إلى مواقف أو ظروف تُشعر المرء بالضغط أو الإحباط أو الحزن. يُعرف هذا التدريب أيضاً بـ "تمرين شولتز"، نسبة إلى عالم النفس الألماني، يوهانس شولتز (Johannes Schultz) الذي طور هذه التقنية في عشرينيات القرن الماضي.

وتعني كلمة "ذاتي" أن هذه التأثيرات تُحفَّز من الداخل؛ حيث يستخدم ممارس هذا التدريب كلمات أو عبارات أو إشارات أو تصورات متعمدة، ويكررها كي تساعده على الشعور بالهدوء، مع التركيز على تأثيرها في مناطق مختلفة من الجسد بترتيب محدد؛ وذلك بهدف مساعدته على توجيه أفكاره أو مشاعره أو سلوكياته.

تُمارس هذه الجلسات يومياً، وتستغرق الجلسة الواحدة نحو 15 إلى 20 دقيقة، ويمكن أن تستمر فترة أطول من ذلك، وتعمل هذه الطريقة عبر تنشيط أجزاء معينة من الدماغ قد تعزز آليات الشفاء الذاتي في الجسم وتنظمها عن طريق تحقيق توازن بين آلية عمل "الكر أو الفر"؛ التي يحفزها الجهاز العصبي السمبثاوي، وبين عمليات الهضم والراحة التي يديرها الجهاز العصبي الباراسمبثاوي.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن تمرين شولتز لتهدئة التوتر المزمن؟

اغتنم هذه الفوائد النفسية والجسدية بممارسة تدريب التحفيز الذاتي

يُمارَس تدريب التحفيز الذاتي عادة في جلسات الاستشارات النفسية الفردية والجماعية؛ لكن يمكن استخدامه أيضاً بوصفها أداة مساعدة ذاتية؛ حيث تساعد ممارسة هذه الطريقة على التحكم في الأعراض الجسدية للتوتر، عن طريق خفض ضغط الدم، وتقليل معدل ضربات القلب، وإبطاء التنفس، وتعزيز الجهاز المناعي، إلى جانب تعزيز الاسترخاء، وإدارة أعراض اضطرابات القلق والاكتئاب، وحتى في أثناء نوبات الهلع. 

علاوة على ذلك، تُمكن ممارسة هذه الطريقة للمساعدة على إدارة بعض مشكلات الصحة البدنية، لتقليل أعراض التوتر العضلي، والإجهاد، والآلام التي ليس لها سبب جسدي واضح،  والصداع النصفي، والربو، وصعوبات النوم، وضغط الدم المرتفع، وأمراض الأوعية الدموية، ومشكلات المعدة؛ مثل متلازمة القولون العصبي، إلى جانب تخفيف بعض أعراض داء باركنسون، وحالات الاكتئاب الخفيفة والمتوسطة، وحتى بعض الأمراض الجسدية المزمنة. 

وتعد ممارسة تدريب التحفيز الذاتي آمنة عموماً؛ لكن لا يُنصح بممارسته من قبل الأفراد الذين يعانون مشكلات عقلية أو عاطفية شديدة؛ مثل حالات القلق الحادة، والاكتئاب الشديد، أو اضطرابات ذهانية معينة مثل الفصام.

اقرأ أيضاً: ما هو العلاج النفسي الجسمي؟

مستويات تدريب التحفيز الذاتي

تتضمن المستويات الأساسية من تدريب التحفيز الذاتي التركيز على التنفس العميق بانتظام وببطء، والتأثير في القلب بالتركيز على أن تكون ضرباته منتظمة وهادئة، إلى جانب التركيز على شعور معين؛ مثل الثقل أو الخفة أو الدفء أو البرودة، في منطقة معينة من الجسم مثل الذراع؛ ومن ثم محاولة نشر هذا الشعور إلى مناطق مختلفة من الجسم، حتى يعم الجسم كله.

بينما في المستويات المتقدمة من تدريب التحفيز الذاتي، يختار الشخص صور ومواقف تخيلية يشارك فيها، ويختبرها كما لو كانت حقيقية، تساعد هذه الطريقة على إيجاد حلول جديدة للمشكلات من منظور مختلف. 

ويحتاج المرء إلى الممارسة المنتظمة لتدريب التحفيز الذاتي فترة من الوقت حتى يستطيع جسمه وعقله الوصول إلى الاسترخاء؛ ومن ثم يمكنه بعدها الشعور بالاسترخاء في التمرينات خلال وقت أقل.

6 خطوات لممارسة تدريب التحفيز الذاتي

لتحقيق أقصى استفادة، يفضل في البداية إجراء تدريب التحفيز الذاتي تحت إشراف مختص الصحة النفسية. بعد نحو 10 جلسات علاجية، يتمكن معظم الأشخاص من ممارسة التمارين البسيطة من هذا النوع بأنفسهم، ويمكن البدء بممارسة التحفيز الذاتي مرة واحدة على الأقل يومياً عن طريق اتباع هذه الخطوات التالية:

 

  1. اختر مكاناً مناسباً: خصص مكاناً هادئاً ومريحاً للاسترخاء، بعيداً عن المشتتات الخارجية قدر المستطاع. ارتدِ ملابس مريحة، وابتعد عن أي ملابس ضيقة، وأزل النظارات أو العدسات اللاصقة. 
  2. اختر وضعية مناسبة: يمكنك أداء التمارين في أثناء الجلوس أو الاستلقاء. لذلك؛ جرب أن ترتاح على كرسي بمسند للذراعين يدعم رأسك وظهرك وأطرافك، أو اجلس على كرسي مريح، مع وضع ذراعيك على فخذيك، ويديك بين ركبتيك. 

أما إذا كنت تفضل الاستلقاء، فاستلقِ مع إبعاد ساقيك بعضهما عن بعض، ووجه أصابع قدميك إلى الخارج قليلاً، وأرح ذراعيك إلى جانبيك، دون أن يلمسا جسدك.

  1. ركز على تنفسك: أغمض عينيك، وتنفس ببطء وعلى وتيرة منتظمة، ثم أخبر نفسك بأنك هادئ تماماً. إذا كنت لم تمارس طريقة التنفس البطيء العميق البطني من قبل، فاتبع هذه الطريقة المبسطة التي يشرحها الطبيب النفسي، محمد الغامدي، ويشبهها بشم الورد، وتتضمن نفخ البطن باستخدام عضلة الحجاب الحاجز وليس عضلات التنفس الصدرية، وتحدث عن طريق الشهيق لأقصى قدر ممكن أو مدة 5-6 ثوانٍ، وحبس النفس بعدها نحو 3-4 ثوانٍ، ثم تخيل أنك تطفئ شمعة، وأزفر عبر الفم ببطء مع ضم الشفاه لأقصى حد ممكن، أو مدة 5-6 ثوانٍ، ثم كرر هذه العملية مدة 3-4 دقائق بعد ذلك.
  2. ركز على جسدك: حافظ على التنفس ببطء وبانتظام؛ بينما تركز تفكيرك على ذراعك اليمنى، وردد بعدها قول: "ذراعي اليمنى ثقيلة، وأنا هادئ تماماً". عدة مرات. انتقل إلى ذراعك الأخرى، ثم ساقيك مع تكرار العبارتين السابقتين. ويمكن تكرار الخطوة السابقة؛ لكن مع ترديد: "ذراعاي دافئتان جداً" و"أنا هادئ تماماً" في هذه المرة.
  3. ركز على نبضات قلبك: استمر في التنفس العميق والبطيء بانتظام، وردد مع نفسك: "نبضات قلبي هادئة ومنتظمة"، ثم قل: "أنا هادئ تماماً"، وردد مع نفسك بهدوء وببطء "تنفسي هادئ ومنتظم"، و"أنا هادئ تماماً". كرر العبارات بصوت هادئ ولطيف، وبطريقة إثبات لا النفي؛ أي لا تقل مثلاً: "ذراعي ليست خفيفة"؛ وإنما "ذراعي ثقيلة جداً".
  4. أنهِ جلستك بهدوء: استمتع بشعور الاسترخاء والدفء والثقل، ثم عندما تكون مستعداً، قل لنفسك بهدوء: "ذراعاي ثابتتان وأتنفس بعمق وعيناي مفتوحتان".

بمجرد تأكدك من معرفة الطريقة الصحيحة لإجراء التدريب، وشعورك بالارتياح عند ممارسته، تستطيع ممارسة هذه التقنيات بمفردك، وتُمكنك الاستعانة بوسائل مثل التسجيلات الصوتية، لإرشادك في خطوات التمرين.

ختاماً، إذا كنت تخضع إلى خطة علاجية نفسية أو تتناول علاجاً دوائياً، فهذه التقنية ليست بديلاً منهما؛ وإنما مكملة لهما. لذلك؛ أخبر معالجك بأي مخاوف إذا كنت تمارس تدريب التحفيز الذاتي ضمن خطتك العلاجية. أما إذا كنت تجرب ممارسة تقنيات استرخائية، سواء بمفردك أو بمساعدة المعالج، ولا تشعر بتحسن أعراض القلق، فاستشر مقدم الرعاية الصحية الخاص بك، لمساعدتك على تقييم ما تشعر به، وتحديد الطرائق الأفضل للتعامل.

اقرأ أيضاً: 3 تقنيات تنفس أثبتت جدواها في الحد من التوتر