هل يضر وضع التلفاز في غرفة النوم بصحتك النفسية؟

7 دقيقة
وضع التلفاز في غرفة النوم
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

قد يجد بعض الأشخاص أن مشاهدة التلفاز في غرفة النوم تساعدهم على الاسترخاء أكثر بعد يوم طويل ومجهد؛ حيث يمكنهم الاستمتاع بمشاهدة برامجهم المفضلة، أو يفضل آخرون الاستيقاظ على صوت التلفاز، بدلاً من صوت المنبه العالي والمزعج أحياناً؛ فيما يرى البعض الآخر أن وضع التلفاز في غرفة النوم قد يؤدي إلى اضطرابات النوم، ومشكلات في العلاقات، ويؤثر في وعينا بذواتنا، ويغير توقعاتنا، علاوة على أنه قد يزيد مخاطر الإصابة بأمراض جسدية؛ مثل السمنة، والأمراض المزمنة، وغيرها من المشكلات.

فإذا كان لديك تلفاز في غرفة النوم، أو تفكر في اقتناء تلفاز إضافي ووضعه في غرفة النوم الخاصة بك، أو في غرفة الأطفال، أو كنت مضطراً لوضع التلفاز في غرفة النوم بسبب محدودية المساحة، فقد تهمك معرفة أضرار وضع التلفاز في غرفة النوم وفوائده المحتملة، وبعض النصائح لتقليل آثاره السلبية في الصحة النفسية.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: إفراطك في مشاهدة الشاشات قد يُصيبك بالاكتئاب، فكيف تقضي على هذه العادة؟

ما هي مخاطر وضع التلفاز في غرفة النوم؟

هناك الكثير من المخاطر التي تتعلق بوضع التلفاز في غرفة النوم، خاصة عند الاستغراق في مشاهدته وقت النوم؛ ومن هذه المخاطر:

  1. خلل الساعة البيولوجية: يمكن للأجهزة التي تبث الضوء الأزرق؛ مثل التلفاز، أن تقلل إفراز هرمون الميلاتونين الذي يساعدنا على النوم؛ ما يربك أدمغتنا عند تحديد إذا ما كان الوقت نهاراً أم ليلاً؛ فيصعب الخلود إلى النوم والاستغراق فيه.

وفي مقابل انخفاض إنتاج الميلاتونين، يزداد إفراز الجسم لهرمونات مثل الكورتيزول المسؤول عن الشعور بالتوتر، والأدرينالين الذي يرفع ضربات القلب ويزيد ضغط الدم. ويمكن لارتفاع مستويات هذه الهرمونات عن الحد الطبيعي أن يزيد الشعور بالتوتر والتهيج، والشعور بالنعاس، ويرفع خطر الإصابة بالسمنة وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، ويُضعف الصحة النفسية والجسدية، ويزيد خطر التعرض إلى العديد من الأمراض.

يشير استشاري الطب النفسي، عبد الله أبو عدس، إلى أن هرمون الميلاتونين مسؤول عن عمل الساعة البيولوجية أو الساعة الحيوية أو ما يسمى بـ "الساعة الصحية"، ويوضح أبو عدس إنها نظام غرائزي موجود في الكائنات الحية؛ ومنها الإنسان، يتحكم في العمليات الفيزيولوجية في الجسم؛ وتشمل دورة النوم والاستيقاظ، والشعور بالجوع، وضبط المزاج واليقظة الذهنية، وتنظيم عمل القلب، وتعمل هذه الساعة بلا توقف. ويضيف إنه عندما لا يُفرَز الميلاتونين بالقدر الكافي عند مشاهدة التلفاز ليلاً، تتعطل الساعة البيولوجية، ويختل إيقاعها، وتتأثر وظائفها؛ ما قد يؤدي إلى الشعور بالخمول الجسمي والنفسي، وقد يسبب الهلوسة في بعض الحالات.

  1. صعوبة الاسترخاء وزيادة الكوابيس: عندما نشاهد التلفاز في أسِرَّتنا استعداداً للنوم، يبقى الدماغ نشطاً بسبب ما يُعرض على التلفاز من مؤثرات بصرية وصوتية تنبه عقولنا. ويستمر هذا التحفيز فترةً طويلة حتى بعد النوم، وقبل الوصول إلى مرحلة النوم العميق؛ ما يمكن أن يؤدي إلى أحلام غريبة أو مزعجة، ويمكن أن تراود الشخص كوابيس؛ ما يصعّب العودة إلى النوم، ويعوق حصوله على نوم عميق، ويخفض مدة نومه وجودته.

وتكمن مشكلة عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم ليلاً في زيادة خطر الإصابة بالعديد من الأمراض الجسدية الأخرى؛ مثل السكري، ومشكلات القلب، بالإضافة إلى اضطرابات الصحة النفسية؛ مثل الاكتئاب.

  1. الاكتئاب والعدوانية وتدني احترام الذات: يمكن أن يصبح الاعتياد على مشاهدة التلفاز في غرف النوم عادة يصعب التخلص منها، خاصة إذا اعتاد الشخص ذلك منذ الصغر، فالفئات العمرية الأصغر سناً أكثر عرضة إلى التأثيرات السلبية لمشاهدة التلفاز في غرف النوم؛ حيث وجدت دراسة أجرتها جامعة مونتريال (Université de Montréal)، ونشرتها مجلة أبحاث طب الأطفال (Pediatric Research)، أن الأطفال الذين لديهم تلفازات في غرف نومهم عانوا الإفراط في تناول الطعام، وقلة النوم، بالإضافة إلى الاكتئاب، وتدني احترام الذات، وانخفض تواصلهم الاجتماعي، وكانوا أكثر عرضة إلى تفضيل العزلة، وتبني سلوكيات عدوانية، ومعادية للمجتمع.
  2. تقويض العلاقات: على الرغم من أن تشارك أفراد العائلة والزوجين مشاهدة عرض ما قد يفيد العلاقة في كثير من الجوانب، تكمن المشكلة في تعلق أحد الشريكين بشخصية أو قصة تُعرَض على التلفاز، وازدياد ارتباطه بها، وتعاطفه معها؛ ومن ثَمّ قد يُصاب بالتوتر بسبب تفكيره فيما سيحدث لهذه الشخصية في القصة مثلاً؛ وقد يؤدي ذلك إلى الإفراط في المشاهدة. ويمكن أن يزداد انخراط أحد الشريكين في مشاهدة العرض بدلاً من التفاعل مع شريكه، وقد يتجاهله بالكامل، أو يتعلل بمشاهدة التلفاز لتجنب التحدث؛ ما يُفاقم مشكلات عديدة بين الشركاء.
  3. الإنفاق غير الضروري: عند مشاهدة التلفاز، خاصة عند النوم، تزداد قابلية تأثرك بالإعلانات المعروضة، خاصة عندما يكون عقلك متعباً وتود الاسترخاء؛ ما يزيد قابلية الإنفاق على أشياء غير ضرورية، ويمكن أن يوقعك في الديون، ويؤدي إلى تأزم العلاقات، وعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات المادية.
  4. الإفراط في المشاهدة: فوفقاً للأكاديمية الأميركية لطب النوم (The American Academy of Sleep Medicine)؛ لا ينام 9 من كل 10 أشخاص بالغين في الموعد المحدد، ولا يحصلون على قسط كافٍ من النوم بسبب السهر لمشاهدتهم المفرطة عدة حلقات أو حلقات بث متتابعة؛ ما يؤدي إلى ازدياد شعور كل منهم بالإحباط والقلق والذنب لعدم قدرته على الالتزام بمواعيد النوم المطلوبة؛ وهذا يُفاقم مشكلة نقص النوم، ويزيد صعوبته، خاصة عندما يحاول المرء تعويض الوقت الضائع.

فالشخص البالغ يحتاج إلى 7-8 ساعات من النوم ليلاً؛ لكن عند نقص ساعات النوم اللازمة بمقدار ساعة واحدة، فقط يحتاج الجسم إلى 4 أيام للتعافي من أضرار ذلك. لكن مع إيقاع اليوم السريع وتزايد ضغوطات الحياة، قد لا يمكن تعويض هذه الآثار؛ فتزداد أثار الحرمان من النوم، ويعاني الشخص ضعف القدرة على التركيز والتفكير بوضوح والتذكر، وتزداد اضطرابات الحالة المزاجية؛ مثل القلق والتوتر والاكتئاب ومشكلات العلاقات.

علاوة على ذلك، فإن المشاهدة المفرطة للتلفاز قد تؤدي إلى خيبة الأمل، وتُحدث خللاً في توقعاتنا من العالم  وعلاقاتنا الزوجية والشخصية والعائلية؛ بسبب زيادة الفجوة بين الواقع وما يُعرَض على التلفاز؛ الذي قد لا يصور بالضرورة العالم والحياة بدقة.

اقرأ أيضاً: لِمَ الضوء الطبيعي مهم لعافيتنا؟

هل هناك فوائد محتملة لوجود التلفاز في غرفة النوم؟

هناك بعض الفوائد لوجود التلفاز في غرفة النوم؛ فقد يفضل البعض اقتناء تلفاز إضافي ووضعه في غرفة النوم لعدة أسباب؛ ومنها:

  1. تعارض تفضيلات المشاهدة: ربما تعرضت إلى ذلك الخلاف الذي تعانيه أُسر كثيرة عندما تفضل مشاهدة برنامج معين؛ بينما يفضل شريكك أو طفلك أو شقيقك مثلاً مشاهدة حلقة المسلسل المفضل أو برامج الرسوم المتحركة؛ ما يزيد التوتر وشعور الضيق بين أفراد العائلة. فإذا كنت تفضل مشاهدة برنامج معين أو متابعة حلقات برنامجك المفضل ولم يكن أحد آخر من أفراد أسرتك يشاركك الاهتمام ذاته، وكانوا يرغبون في مشاهدة عرض آخر في الوقت نفسه، أو كنت تفضل قضاء بعض الوقت في هدوء بينما تقرأ كتاباً؛ لكنّ أصوات التلفاز وتفاعل مَن حولك مع ما قد يشاهدونه تزعجك، قد يكون وجود تلفاز في غرفة النوم حلاً يرضي الجميع في مثل هذه الحالات.
  2. تعزيز العلاقات وتقوية الروابط الأسرية: يمكن للاسترخاء على السرير إلى جانب شريكك، ومتابعة برنامجكما المفضل معاً أن يقويا علاقتكما؛ فهذه طريقة سهلة لقضاء الوقت معاً، والاستمتاع دون الحاجة إلى تحضيرات محددة أو إجراء محادثات، بشرط أن يتشارك كلاكما النشاط ويتفاعل مع الآخر.
  3. مصدر للضوضاء البيضاء: إذ قد يستمتع البعض بالضوضاء الخلفية المرافقة للحوارات أو الأحداث المعروضة على التلفاز، ويعدّها نوعاً من الضوضاء البيضاء التي تساعد على النوم.
  4. وسيلة للاسترخاء: عندما نمر بيوم سيئ، قد نجد الراحة في مشاهدة برنامج أو فيلم مألوف؛ حيث يمكن أن تساعدنا العوالم الخيالية المألوفة في هذه الأفلام أو العروض على الاسترخاء وضبط النفس.

اقرأ أيضاً: ما يجب عليك فهمه عن جودة النوم وأثرها في صحتك

في غرفة النوم أم لا؟ نصائح للمكان الأمثل للتلفاز وإرشادات لنوم أفضل

لا تعني المخاطر السابقة أن تتخلص من التلفاز بالكامل؛ فهو وسيلة للتعرف إلى الموضوعات التي تود تعلم المزيد عنها، ومتابعة المباريات والأخبار اليومية؛ لكن قد لا تفوق مميزاته بعض المخاطر المحتملة. لذا؛ يمكن أن تساعدك هذه النصائح على تحديد الأفضل بالنسبة إليك، وتحسين جودة نومك:

  1. جرّب نقل التلفاز إلى غرفة أخرى 30 يوماً: قد يصعب التخلص من عادة مشاهدة التلفاز في غرفة النوم؛ لذلك يفضل وضع التلفاز خارج غرفة النوم؛ في غرفة المعيشة مثلاً. جرّب أن تنقل التلفاز من غرفة النوم إلى غرفة أخرى، وحاول الاستمرار في هذه التجربة مدة 30 يوماً، وقيّم التجربة في النهاية، فربما تجد أن هناك الكثير مما يمكن أن تجنيه من هذه الخطوة وحسب.
  2. قلل وقت الشاشة واستمتع بالوقت الإضافي: إذا كنت تقضي أوقاتاً أطول من اللازم في مشاهدة التلفاز، خاصة إذا كنت تعمل بدوام كامل، فقد لا يتبقى لديك سوى القليل من الوقت للاستمتاع بأشياء أخرى؛ مثل ممارسة الهوايات، وطهو الطعام الصحي، أو ممارسة الرياضة، أو قضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء. لذلك؛ قلّص وقت التلفاز إلى الحد الأدنى بحيث يقتصر على البرامج الضرورية فقط؛ ما يمنحك مزيداً من الوقت لممارسة الأنشطة وقضاء الوقت مع من تحب.
  3. كافح التوتر وتعلم كيفية الاسترخاء: قد يصعب النوم ليلاً، خاصة إذا كنت تعاني التوتر؛  لذلك جرب الاستحمام ليلاً، أو القراءة، أو الاستماع إلى موسيقا هادئة؛ فهي أنشطة يمكن أن تعزز النوم الصحي وتعالج الأرق. ويمكن أن يساعدك التلفاز في هذه الحالة بالفعل على الاسترخاء بطريقة أسرع؛ مثلاً عند تشغيل الموسيقا الكلاسيكية أو الأصوات الطبيعة مثل أصوات المياه الجارية عليه. وفي السياق نفسه، توقَّف عن تناول المشروبات المحتوية على الكافيين؛ مثل القهوة والشاي ومشروبات الطاقة، قبل 6 ساعات من النوم على الأقل، ومارس التمارين الرياضية مدة 150 دقيقة على الأقل أسبوعياً؛ فهي تسهم في مكافحة التوتر، وتعزز المزاج الجيد، وتحسن الصحة العامة.
  4. غطِّ التلفاز عند عدم الحاجة إليه: قد لا تستطيع وضع التلفاز في مكان آخر، خاصة إذا كانت المساحة محدودة، وإذا كنت تعمل من المنزل، فمن الممكن أن تستخدم الغرفة الواحدة لأكثر من غرض؛ مثل النوم، والعمل، وممارسة الرياضة، وغيرها. لكن، يمكن توظيف المساحات بطريقة أفضل. فمثلاً؛ يمكن  تخصيص خزانة حول التلفاز يمكن غلقها عند عدم الحاجة إليه، أو ببساطة تُمكن تغطيته بأي غطاء في حالة عدم الاستخدام.
  5. حافظ على مسافة المشاهدة، ولا تضع التلفاز في غرف الأطفال: أبقِ التلفاز على مسافة مناسبة منك في أثناء المشاهدة؛ للحفاظ على عينيك من إجهاد العين المؤقت أو تعب العين. ويعد الحد الأدنى لمسافة المشاهدة الموصى بها للتلفاز العالي الوضوح هو 3 أضعاف طول الشاشة. وبصفة عامة، لا تضع تلفاز في غرف نوم الأطفال، وبدلاً من ذلك، حدد أماكن يستطيع الأطفال مشاهدة التلفاز فيها، ويمكن من خلالها تقييد وقت الشاشة، والتحكم في المحتوى، ومراقبته.
  6. تجنب استعمال الأجهزة الإلكترونية قبل النوم: على الرغم من أن الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف أو الأجهزة اللوحية أو الحاسوب المحمول أصغر حجماً من شاشات التلفاز، فإنها تسبب التأثيرات الضارة نفسها. لذلك؛ توقف عن استعمال الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بساعتين، وأبعدها عن السرير؛ لتقلل المشتتات، وتدرب عقلك على أن السرير مخصص للنوم.
  7. حافظ على روتين ثابت: حاول الالتزام بالخلود إلى النوم والاستيقاظ في الأوقات نفسها كل يوم؛ بما يشمل العطلات. وتعرض إلى ضوء النهار، وهدئ الإضاءة قرب وقت النوم، واستخدم ستائر التعتيم عند النوم، أو ارتدِ قناع العينين إذا كان هناك ضوء في غرفتك.
  8. اهتم بفترة قبل النوم وبعد الاستيقاظ: تعد الفترة قبل النوم فرصة للمراجعة وتقييم ما حدث على مدار يومك والتأمل؛ ما يساعدك على التعلم والنمو والاستفادة من أي أخطاء وقعت خلال اليوم. وبالمثل؛ يمنحك كل صباح سجلاً نظيفاً وفرصاً جديدة قد تؤثر فيها مشاهدتك للتلفاز بمجرد بدء يومك، أو عندما تستعد للنوم؛ ما قد يوجه أفكارك أو يغير مزاجك ويُفقدك فرصاً للتعلم والاسترخاء في مقابل الترفيه.

لذلك؛ اختر بعناية ما تشاهده كي يعطيك دفعة في الصباح، أو ما يساعدك على الاسترخاء في المساء، وتجنب أفلام الحركة أو القنوات الإخبارية قبل النوم، وبدلاً منها، تُمكنك مشاهدة عروض أو أفلام مألوفة ومهدئة. واضبط مؤقت التلفاز على مدة محددة تعرف أنك خلالها عادة ما تستغرق في النوم؛ بحيث يوقف تشغيله تلقائياً، حتى لا يبقى مفتوحاً طوال الليل دون داعٍ؛ ما يقلل كمية الضوء الأزرق المنبعث.

ختاماً، استشر مقدم الرعاية الصحية إذا استمرت معاناتك مشكلات النوم حتى بعد ممارسة العادات الصحية السابقة.

اقرأ أيضاً: كيف تأخذ استراحة فعلية من أعباء الحياة اليومية؟

المحتوى محمي