ملخص: أصبح إحياء نسخ رقمية من الموتى ممكناً بمساعدة الذكاء الاصطناعي؛ حيث تسمى أدوات الذكاء الاصطناعي أو الإصدارات الرقمية من الأشخاص المتوفين باسم "بوتات الأشباح" أو "بوتات الأحزان" أو "بوتات محاكاة الموتى" أو غير ذلك، وغالباً ما يستخدم الناس هذه التكنولوجيا للحداد على الأحباء الراحلين. لكن وقبل أن تستعجل في الحصول على هذه التكنولوجيا، عليك أن تقرأ عن تأثيراتها السلبية في الصحة النفسية.
محتويات المقال
ما شعورك إن استطعت الدردشة مع أحد أحبائك المتوفين ورّد عليك كما لو كان حياً؛ بأسلوبه وكلماته ونمط حديثه؟ هذا ليس خيالاً علمياً؛ وإنما واقعاً أصبح ممكناً الآن من خلال الذكاء الاصطناعي. ونعلم جميعاً أنها فكرة مغرية جداً، فمَن منا لا يتمنى أن يحظى بدقيقة أخرى مع عزيز رحل عن هذا العالم؟ لكن ومع ذلك، قد تكون هذه التجربة مؤلمة للنفس أكثر مما تكون مفيدة، وإليك الأسباب.
اقرأ أيضاً: لماذا يدمن البعض الدردشة مع أدوات الذكاء الاصطناعي؟
ما بوتات الأحزان؟
بوتات الأحزان (Griefbots) أو (Deathbots)، أو المحاكيات الشبحية، أو البوتات الشبحية (Ghostbots)، أو غيرها من التسميات؛ هي في عمومها إصدارات من الذكاء الاصطناعي على هيئة واجهات أو بوتات دردشة مبرمجة على محاكاة أنماط كلام الفرد المُتوفى وسلوكياته بناءً على بصمته الرقمية؛ أي بناءً على البيانات التي جُمعت من الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الأنشطة الرقمية التي أجراها الشخص قبل وفاته. تسمح هذه التقنيات بالتفاعل الافتراضي ما بين المستخدم والنسخة الرقمية للمتوفى وإجراء المحادثات فيما بينهما.
اقرأ أيضاً: هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل المعالج النفسي؟
تعرف إلى الآثار النفسية الناتجة من استخدام بوتات الأحزان
يثير ظهور هذه التطبيقات والبرمجيات مخاوف كبيرة بشأن تأثيرها في الصحة النفسية، ففي حين أنها قد تمنح شعوراً بالراحة من خلال السماح للأفراد بإعادة التواصل مع أحبائهم الراحلين والتعبير عن مشاعرهم، فإن ثمة عيوباً محتملة قد تؤدي إلى تفاقم الحزن والاضطراب العاطفي، فهي "تغيّر كيفية تجربة الحداد؛ إذ بدلاً من أن تتوقف العلاقة بين شخصين بوفاة أحدهما، فإنها تستمر؛ ولكن بعد تحولها إلى شيء جديد"، وفقاً لما ذكرته دراسة جديدة منشورة في دورية مراجعة أمن الحاسوب وقوانينه (Computer Law and Security Review) عام 2024.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يؤثر الذكاء الاصطناعي في علاقاتنا؟ وماذا نفعل لنتجنب ضرره؟
وبالفعل، يشرح المعالج النفسي الباحث في كيفية استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تعزيز التدخلات العلاجية في جامعة دبلن (Dublin University)، نايجل موليجان (Nigel Mulligan)، التأثيرات السلبية المحتملة لهذه البوتات في الصحة النفسية؛ مثل:
- التأثير في عملية الحداد: فالحزن عملية طبيعية وضرورية تسمح للأفراد بالتصالح مع الخسارة والتأقلم مع الحياة دون أحبائهم. ومع ذلك، فإن وجود بوتات الأحزان يمكن أن يعطّل هذه العملية من خلال إتاحة اتصال دائم بالمُتوفّى؛ ما قد يعوق قدرة الفرد على قبول حقيقة خسارته أو التعامل مع حزنه ومعالجة عواطفه، وقد ينعكس ذلك على هيئة مشاعر طويلة من الارتباك والتوتر والاكتئاب وحتى الذهان في الحالات القصوى.
- الاعتماد العاطفي: ثمة خطر من أن يشكّل الثكالى روابط عاطفية قوية مع هذه البوتات، ويعتمدوا عليها للشعور بالراحة والرفقة. وبينما يتيح هذا الاعتماد العزاء في البداية، فإنه قد يمنع الأفراد من طلب الدعم من مصادر أخرى؛ مثل الأصدقاء أو العائلة أو المختصين النفسيين. وبمرور الوقت، قد يؤدي الاعتماد العاطفي هذا إلى الشعور بالعزلة والانفصال عن علاقات الحياة الواقعية وتفاقم مشاعر الوحدة.
اقرأ أيضاً: كيف استُخدم تشات جي بي تي في الدعم النفسي؟ ولماذا فشلت التجربة؟
- تضخيم المشاعر السلبية: قد تثير أو تفاقم بوتات الذكاء الاصطناعي هذه في بعض الأحيان الشعور بالذنب أو الندم نتيجة المشكلات غير المحلولة مع المُتوفى. على سبيل المثال؛ إن كانت ثمة مشاعر متناقضة أو تجارب سلبية أو علاقة معقدة مع الشخص المتوفى، فإن التفاعل مع نسخة الذكاء الاصطناعي منه قد يثير مشاعر الندم أو الاستياء؛ ما قد يؤدي إلى الشعور بالحزن المعقد وتفاقم المشكلات المرتبطة به مثل الهلوسة.
- خطر المعلومات الخاطئة أو النصائح السلبية: تماماً مثل بوتات الدردشة الأخرى؛ فثمة خطر من أن تقدّم بوتات الأحزان معلومات مضللة أو نصائح مضرة للأفراد المفجوعين؛ مثل اقتراح الانضمام إليهم أو إيذاء شخص ما أو أنهم (أي المستخدمين) لم يكونوا محبوبين وما إلى ذلك؛ وهو ما قد يُفاقم مشاعر الارتباك أو الضيق أو حتى لوم الذات أو أذيتها.
بالإضافة إلى ذلك، ذكرت دراسة منشورة في دورية العلوم النفسية والسلوكية التكاملية (Integrative Psychology and Behavioural Science) عام 2022، أنه على الرغم أن هذه التكنولوجيا قد تقدّم وسيلة للأفراد الثكالى للتفاعل مع نسخ أحبائهم الرقمية، فإنها تثير مخاوف أخلاقية وقانونية بسبب طبيعتها الموجَّهة نحو الربح، فتحويل الهوية والعلاقات الإنسانية والحدود بين الأحياء والموتى إلى سلعة تُباع وتُشترى، يثير العديد من الأسئلة والمخاوف، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية وموافقة المتوفى والتأثير المحتمل في عملية الحزن.
اقرأ أيضاً: الدور المرتقب للذكاء الاصطناعي في تعزيز الصحة النفسية
هل يمكن استخدام بوتات الأحزان دون الإضرار بالصحة النفسية؟
سلطت دراسة منشورة في دورية الأخلاق وتكنولوجيا المعلومات (Ethics and Information Technology) عام 2024 الضوء على المخاطر المحتملة للاعتماد العاطفي على هذه الإصدارات الرقمية، خصوصاً أنها لا تستطيع في وضعها الحالي فهم الأعباء العاطفية الحقيقية للمستخدِم. وتجنباً للتبعات النفسية والعاطفية المحتملة التي قد يطورها مستخدموّ هذه البوتات، فقد اقترح الباحثون عدة اعتبارات للنظر فيها في حال استخدام هذه التكنولوجيا؛ وهي:
- الاستخدام المؤقت: عدم النظر إلى بوتات الأحزان على أنها حل دائم للتعامل مع الحزن؛ وإنما استخدامها كأداة مؤقتة للتعامل مع الحداد؛ ما يقلل مخاطر الاعتماد العاطفي الإشكالي.
- إدارة التوقعات: التعرف إلى القيود المفروضة على تكنولوجيا بوتات الأحزان، وفهم أنها قد لا ترقى إلى مستوى توقعات المستخدمين في توفير الراحة أو التعاطف، نظراً إلل أنها تفتقر إلى القدرة على تحمل الأعباء العاطفية.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: المزيد من التكنولوجيا الذكية يعني تدهور الصحة النفسية، فما الحل؟
- احترام عملية الحزن الطبيعي: الحزن عملية متعددة الأوجه وتستغرق وقتاً، وقد شجع الباحثون الأفراد على أن يسمحوا لأنفسهم بتجربة المشاعر المرتبطة بالفقد كلها، وطلب الدعم من الأصدقاء أو العائلة أو المتخصصين حسب الحاجة.
- النقد وطلب المساعدة: تذكُّر أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؛ بما فيها بوتات الأحزان، ليست معصومة من الخطأ وقد تقدِّم استجابات غير دقيقة أو غير مناسبة. لذلك؛ ينبغي الحفاظ على منظور نقدي وطلب الدعم من البشر عند الضرورة.
- تعزيز ذكرى الراحلين على نحو صحي: بدلاً من الاعتماد على بوتات الذكاء الاصطناعي من أجل الشعور بالراحة، ينبغي للمفجوعين البحث عن طرائق ذات معنى لإحياء ذكرى الراحلين؛ مثل إحياء الذكرى السنوية أو ممارسة الأعمال الخيرية أو غيرها من الطرائق.
ختاماً، يقول استشاري العلاقات الأسرية، جاسم المطوع، إن الإنسان حين يخسر إنساناً يحبه، فإن حزنه يمر بـ 3 مراحل؛ الأولى هي الصدمة وهي المرحلة الأقسى؛ إذ يشعر فيها الشخص بحزن شديد وقلق وندم، وعادة ما تستمر 3-6 أشهر، ثم تتحول إلى مرحلة التقبل التي يعاني فيها أيضاً الألم والحرقة بين الحين والآخر لكنه يتقبل الفقدان ويسلم أمره، وعادة ما تستمر 6 أشهر، ثم تأتي مرحلة التعايش مع الألم والخسارة.
إذاً وعلى الرغم من أن ألم الفجيعة قد لا يختفي تماماً، فإنه سيغدو أخف بمرور الوقت وستكون قادراً على التصالح مع خسارتك والمضي قدماً؛ أما في حال لم تستطع ذلك، فاطلب المساعدة المتخصصة، وتذكّر أن بوتات الأحزان تبقى تطبيقات ذكاء اصطناعي وليست بديلاً من أحبائك ولا يمكنها أن تكون.