دراسة حديثة: المزيد من التكنولوجيا الذكية يعني تدهور الصحة النفسية، فما الحل؟

6 دقيقة
التكنولوجيا الذكية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: توصلت دراسة بحثية حديثة أجراها معهد مستقبل العمل (The Institute for the Future of Work) في فبراير/شباط 2024 إلى نتيجة مفادها أن المزيد من التكنولوجيا الذكية يؤثر سلباً في الصحة النفسية، فكيف يمكن الحد من تلك التأثيرات؟ الإجابة في هذا المقال.

أجرى معهد مستقبل العمل (The Institute for the Future of Work) التابع إلى كلية لندن الجامعية (University College London) دراسة علمية حديثة نُشرت في فبراير/شباط 2024، توصل الباحثون من خلالها إلى نتيجة مفادها أن التعرض إلى التقنيات الجديدة؛ بما فيها أجهزة التتبع والروبوتات والبرامج القائمة على الذكاء الاصطناعي في العمل، يضر بالصحة النفسية للأفراد.

وعلى النقيض من ذلك، فإن استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات؛ مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية والرسائل الفورية في العمل، يميل إلى أن يكون له تأثير أكثر إيجابية في الصحة النفسية، فما تأثير التكنولوجيا الذكية في صحتنا النفسية؟ وكيف نتعامل معه؟ الإجابة في هذا المقال.

دراسة جديدة: المزيد من التكنولوجيا الذكية في أماكن العمل يضر بالصحة النفسية

وفقاً للدراسة البحثية الحديثة التي أجراها معهد مستقبل العمل؛ فالإفراط في استخدام التكنولوجيا الذكية يؤثر تأثيراً سلبياً في الصحة النفسية. وقد شارك في هذه الدراسة أكثر من 6,000 شخص، ووجد الباحثون أن المشاركين في الدراسة تعاملوا مع 3 أنواع من التكنولوجيا الذكية؛ وهي:

  1. البرمجيات القائمة على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
  2. أجهزة المراقبة مثل أجهزة التتبع القابلة للارتداء.
  3. الروبوتات.

وأكد الباحثون إن التعامل مع هذه البرامج أثر تأثيراً سلبياً في الصحة النفسية للموظفين، وذلك على عكس برامج التكنولوجيا التي ترتكز على استخدام أجهزة الكمبيوتر المحمولة وبرامج المراسلة الفورية التي كان لها تأثير إيجابي في الحالة النفسية للموظفين. وأضافت الدراسة أن الصحة النفسية ونوعية الحياة تتحسنان مع زيادة وتيرة التفاعل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ لكنهما تتدهوران بسبب المزيد من التكنولوجيا الذكية.

في حين أن الباحثين لم يحققوا مباشرةً في الأسباب، فقد أشاروا إلى أن النتائج التي توصلوا إليها كانت متسقة مع الأبحاث السابقة التي أظهرت أن هذه التقنيات قد تؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الوظيفي، وتزيد عبء العمل والروتين، فضلاً عن تأثيرها في فقدان الاستقلالية، وجميعُها أمور تنعكس سلباً على الصحة النفسية والرفاهية العامة للموظفين.

اقرأ أيضاً: كيف أدت هواتفنا الذكية إلى زيادة غربتنا الأسرية؟وماذا نفعل لعلاجها؟

لماذا قد تُلحق التكنولوجيا الذكية الضرر بصحتك النفسية؟

شهدت السنوات الأخيرة تقدماً تكنولوجياً يحدث بوتيرة غير مسبوقة، وقد أدى انتشار التكنولوجيا الذكية المتجسدة في الروبوتات وبرامج التتبع وتقنيات الذكاء الاصطناعي إلى تغيير عملية الإنتاج جذرياً. ولم يقتصر دور تلك التكنولوجيا الحديثة على زيادة الإنتاجية فحسب؛ لكنه امتد ليشمل الحفاظ على سلامة العمال وصحتهم من خلال منع المواقف الخطرة أو تقليل عبء العمل البدني.

وعلى الرغم من الجوانب الإيجابية لتلك الابتكارات الحديثة، فإن هناك مخاوفَ من تأثيراتها في الصحة النفسية؛ حيث أوضح استشاري الطب النفسي، عمرو يسري، إن التكنولوجيا الحديثة يمكن أن تجعل بعض الأشخاص يشعرون بالقلق والتوتر بسبب تغير شكل الوظائف وزيادة الاعتماد على التقنيات الحديثة والتفكير في إحلالها محل الأشخاص، وهذه أهم التأثيرات السلبية لتقنيات الذكاء الاصطناعي في الصحة النفسية:

  1. الشعور بالعزلة الاجتماعية: تُعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واحدة من أكثر الاتجاهات السائدة اليوم بدءاً من المساعدين الافتراضيين، وحتى الروبوتات وغيرها من الأدوات التي يمكن للشباب استخدامها للتواصل مع رفقائهم الاصطناعيين، فهناك بعض البرامج التي تتيح للشباب التواصل مع “صديق افتراضي” مقابل دفع اشتراك شهري!

والمشكلة أن التقنيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تفتقر إلى الذكاء العاطفي؛ ما يعني أنها غير قادرة على إدراك المشاعر الإنسانية أو فهمها أو الاستجابة إليها على نحو صحيح بالطريقة نفسها التي يتميز بها الأشخاص الحقيقيون. وما يحدث الآن أن بعض الأشخاص قرروا استبدال الذكاء الاصطناعي بتفاعلاتهم الواقعية؛ وهو أمر له تأثير كارثي في صحتهم النفسية، فالبشر بطبيعتهم كائنات اجتماعية، ومحاولة استبدال برامج الذكاء الاصطناعي بالأشخاص الحقيقيين ستؤدي إلى تعزيز الشعور بالعزلة الاجتماعية.

  1. خَلقُ أشكالٍ جديدة من الإدمان: أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قوة مؤثرة في حياة كل من الشباب والكبار؛ حيث تنظّم خوارزميات الذكاء الاصطناعي صفحاتنا لتُظهر لنا ما نريده بالضبط، وقد صُممت تلك الخوارزميات لتكون جاذبة حتى تدفعنا للعودة إلى هذه المنصات. ومن خلال مراقبة شخصيتك وسلوكياتك بعناية، ومدة إقامتك في مكان ما، ومع من توجد، وما الملاحظات التي تدلي بها، يمكن للخوارزمية تخصيص المحتوى الذي يلبي اهتماماتك ورغباتك على وجه التحديد.

ويؤدي هذا الأمر في نهاية المطاف إلى ما يُسمى “حلقة ردود الفعل الإدمانية”؛ حيث تجد نفسك غارقاً في المحتوى الذي يتماشى مع معتقداتك واهتماماتك، متجاهلاً عرض وجهات النظر المخالفة؛ وهذا قد يكون شعوراً جيداً لأنه يعزز معتقداتنا؛ ولكنه على الجانب الآخر يطلق موجة من الدوبامين في هذه العملية مسبّباً نوعاً من الإدمان على المتابعة المستمرة لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي.

  1. انتهاك الخصوصية: إحدى أكبر المشكلات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بصفة عامة هي انتهاكه الخطِر للخصوصية؛ حيث تجمع التكنولوجيا التي تعمل بالذكاء الاصطناعي البيانات الشخصية بعدة طرائق؛ من الإعلانات المستهدفة إلى المراقبة في الأماكن العامة.

وشعورك بأنك مراقب طوال الوقت يمكن أن يهدد أمانك النفسي؛ حيث تعد الخصوصية جزءاً حيوياً من الصحة النفسية لمعظم البشر، وحقيقة أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحرمنا هذا الحق ستتسبب حتماً في مشكلات نفسية خطِرة في السنوات القادمة.

  1. الشعور بالتوتر والقلق النفسي في أثناء العمل: أجرت جمعية علم النفس الأميركية (American Psychological Association) استطلاعاً للرأي بعنوان “العمل في أميركا: الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المراقبة والرفاهية النفسية” خلال عام 2023، وشارك في هذا الاستطلاع نحو 2,515 موظفاً في الولايات المتحدة؛ حيث أعرب 38% من المشاركين عن قلقهم من فكرة استبدال الذكاء الاصطناعي بهم؛ فيما أكد 46% من العمال شعورهم بالقلق والتوتر والضغط النفسي لأن برامج الذكاء الاصطناعي تراقبهم في أثناء العمل؛ بينما أبلغ معظم العمال عن شعورهم بانعدام القيمة كما لو أنهم غير مهمين في مكان العمل!
  2. طمس الخطوط الفاصلة بين الزيف والحقيقة: تشير أستاذة علم النفس، إليزابيث لوفتوس (Elizabeth Loftus)، إلى أن الصور المتلاعَب بها عبر برامج الذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤدي إلى زرع ذكريات كاذبة، وستزداد الأمور سوءاً مع تكنولوجيا التزييف العميق.
  3. اضطرابات النوم واللجوء إلى أساليب التكيف غير الصحية: في إحدى التجارب، استُطلعت آراء 166 مهندساً في شركة تايوانية للطب الحيوي ممن عملوا مع أنظمة الذكاء الاصطناعي على مدى 3 أسابيع، حول مشاعر الوحدة والقلق، وتوصلت تلك التجربة إلى نتيجة مفادها أن الموظفون الذين تفاعلوا مع أنظمة الذكاء الاصطناعي على نحو متكرر كانوا أكثر عرضة إلى الشعور بالوحدة والأرق بعد العمل.
  4. الإحساس بالظلم وانعدام الاستقلالية في العمل: تعتقد رئيسة جمعية علم النفس الصناعي والتنظيمي (Society for Industrial and Organizational Psychology)، تارا بيرند (Tara Behrend)، إن اعتماد تقنيات مراقبة العمال عبر برامج الذكاء الاصطناعي تؤدي إلى إحساسهم بالظلم وانعدام الاستقلالية في العمل. والحقيقة أن هذه التقنيات لا تؤدي بأي حال من الأحوال إلى زيادة الإنتاجية؛ لكنها عوضاً عن ذلك تؤدي إلى نتائج عكسية لأنها تجعل العمال الذين يخضعون إلى المراقبة يشعرون بالإرهاق وانعدام الأمان الوظيفي. ومع مرور الوقت، سيشعر الموظف بمستويات أقل من الالتزام تجاه المؤسسة التي يعمل فيها.
  5. أجهزة التتبع تؤدي إلى الشعور بالضغط النفسي والإرهاق: أوضحت أستاذة علم النفس الرياضي، جوزي بيري (Josie Perry)، إن أجهزة تتبع اللياقة البدنية يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالضغط النفسي، خاصة إذا كنت تشارك إحصائيات اللياقة البدنية الخاصة بك عبر الإنترنت، ففي معظم الحالات، يجعل هذا الضغط لمشاركة الروتين وتتبعه على وسائل التواصل الاجتماعي، المستخدمينَ مهووسين ويطورون علاقات إدمانية بشأن متابعة اللياقة البدنية.
  6. الشعور بالإجهاد المزمن والحاد للعاملين: يؤكد الرئيس التنفيذي للمعهد الكندي للأبحاث المتقدمة (CIFAR)، آلان بيرنشتاين (Alan Bernstein)، إن الذكاء الاصطناعي سوف يؤثر تأثيراً بالغاً في الشعور بالأمن الاقتصادي، وما لم يستعد أصحاب العمل والحكومات لهذه الثورة من خلال إعادة تدريب العمال، وخلق وظائف بديلة تتطلب سمات إنسانية واضحة، وصياغة نماذج تعليمية ومهنية جديدة، فإن الاضطرابات الاجتماعية والنفسية سوف تشتد في عالم ممزق بالفعل بسبب التفاوت الكبير في الدخل.

ويضيف بيرنشتاين إن الذكاء الاصطناعي سوف يُحدث ضرراً بالغاً في المجتمعات، فإذا كان الغرض الوحيد الدافع للذكاء الاصطناعي هو إزاحة الموظفين لخفض التكاليف، فهذا لن يؤدي إلى خفض تكلفة إنتاج السلع والخدمات فحسب؛ بل سيقلل أيضاً جودة الحياة، فالذكاء الاصطناعي يؤدي إلى الإحساس بالإجهاد المزمن والحاد؛ وذلك بسبب الشعور بالإحباط الشديد والخوف وانعدام اليقين وفقدان الشعور بالهوية الفردية.

اقرأ أيضاً: ما مخاطر العالم الرقمي على صحتنا النفسية وحياتنا الاجتماعية؟

5 طرائق فعالة لاستخدام التكنولوجيا الذكية مع الحفاظ على صحتك النفسية

أصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حيواتنا المهنية والشخصية، ومع ذلك، فإن تحقيق الانسجام مع سيل التكنولوجيا المتزايد باستمرار ليس بالأمر السهل دائماً، وإليك أهم طرائق الحد من التأثير السلبي للتكنولوجيا في الصحة النفسية:

  1. الاستخدام الواعي للتكنولوجيا: تُعد التكنولوجيا الذكية أداة مفيدة؛ ولكن لا يمكن أن تجعلها رفيقاً دائماً؛ ولهذا عليك وضع الحدود مع الوقت الذي تقضيه في استخدام تلك التكنولوجيا من أجل إفساح  للجوانب الأخرى من الحياة. فكر في الأمر كنظام غذائي لعينيك وعقلك، فقد يكون قضاء وقت طويل أمام الشاشات مثل تناول الكثير من الحلويات؛ وهو أمر ليس جيداً لصحتك. لذلك؛ ضع حدوداً لمقدار الوقت الذي تقضيه بصحبة التكنولوجيا، واستخدم هذا الوقت بحكمة، وهذا لا يحمي عينيك فحسب؛ بل يمنح عقلك أيضاً فرصة للاسترخاء.
  2. تخصيص الوقت لمقابلة الأهل والأصدقاء في العالم الحقيقي: في عالم الشاشات الذي لا يتوقف عن جذبنا طوال ساعات اليوم، لا يجب أن ننسى التواصل الفعال في العالم الحقيقي. لذلك؛ يجب عليك تخصيص بعض الوقت من أجل مقابلة الأهل والأصدقاء، وأن تتذكر دائماً أن بناء الاتصالات الحقيقية يتجاوز فكرة الإعجابات والتعليقات.
  3. الحفاظ على الخصوصية والأمان الرقمي: إن حماية معلوماتك الشخصية يشبه حماية منزلك؛ ولذلك لا تنسَ أبداً أن حماية كلمات المرور والحذر بشأن البيانات التي تشاركها وفهم إعدادات الخصوصية أمرٌ ضروري من أجل إنشاء مساحة آمنة في العالم الرقمي.
  4. التعلم المستمر والتكيف: يعد التكيف مع العالم الرقمي أمراً حيوياً؛ حيث إن تحسين المهارات في سوق العمل المعتمد على الذكاء الاصطناعي يشبه إضافة المزيد من الأدوات إلى مهاراتك المهنية، ويعزز قيمة سيرتك الذاتية؛ ولهذا ابقَ فضولياً واستكشف التقنيات الجديدة وعزز قدراتك لتظل على صلة وثيقة بمشهد العمل المتطور؛ وهذا ما يمكن أن نُطلق عليه اسم “عقلية النمو” التي تنظر إلى التحديات باعتبارها فرصاً من أجل التعلم وتحقيق النمو.
  5. التفكير في الجوانب الإيجابية للتكنولوجيا الذكية: يجب علينا أن ندرك أن التكنولوجيا الذكية لها بعض الجوانب الإيجابية؛ حيث يسهم الذكاء الاصطناعي بالتقدم في الأبحاث الطبية؛ ما يؤدي إلى فهم أفضل لحالات الصحة النفسية ومن ثَمّ علاجها. وفي سياق متصل، يُستخدم بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتوفير تمارين للحد من التوتر، ونصائح لتعزيز اليقظة الذهنية، وحتى توصيات مخصصة لأسلوب حياة صحي.

error: المحتوى محمي !!