ملخص: قد يعاني بعض الأشخاص أحياناً أعراضاً نفسية لكن ليس بسبب وجود مرض أو اضطراب نفسي؛ وإنما نتيجة وجود مرض في الكبد؛ إذ ترتبط صحة الكبد ارتباطاً كبيراً بالصحة النفسية؛ وهو ما قد يكون أمراً مفاجئاً للكثيرين. لذلك؛ سنسلط الضوء في هذا المقال على توضيح العلاقة بين أمراض الكبد والصحة النفسية، وكيف يمكن التصرف للحد من هذا التأثير.
محتويات المقال
هل تعلم أن معاناة الخمول أو تغيُّر الشخصية أو زيادة الارتباك أو القلق قد لا تنتج من مرض نفسي؛ وإنما قد تنتج في بعض الأحيان من مرض في الكبد؟ فكيف يمكن لأمراض الكبد أن تؤثر على نحو بالغ في استقرار الصحة النفسية؟ وما أساليب الحد من ذلك؟ هذا ما سنتعرف إليه في هذا المقال.
اقرأ أيضاً: اضطرابات جسدية تسبب أعراضاً نفسية، هل تعرف أحدها؟
هل تؤثر أمراض الكبد في الصحة النفسية فعلاً؟
يؤدي الكبد دوراً حيوياً في الجسم؛ إذ يعمل على التخلص من السموم، واستقلاب العناصر الغذائية، وإنتاج العصارة الصفراوية اللازمة في عملية الهضم، وتنظيم مستويات السكر في الدم، وتخزين الفيتامينات والمعادن. لذلك؛ قد ينعكس أيّ خلل يصيبه سلباً على العديد من الأعضاء الأخرى؛ وهو ما قد يؤثّر بدوره في الصحة النفسية.
إذ ذكر استشاري أمراض الكبد والجهاز الهضمي في كلية الطب في جامعة الأزهر، محمد عامر، إن أمراض الكبد قد تسبب الإصابة بالاكتئاب أو التوتر أو تغير السلوك الإنساني عند المريض؛ لأنه ربما يتحول إلى شخصية انطوائية أو عدوانية.
وبالفعل، وجدت دراسة منشورة في دورية بي إم سي لأمراض الجهاز الهضمي (BMC Gastroenterol) عام 2023، أن الأشخاص المصابين بمرض الكبد الدهني غير الكحولي أكثر عرضة إلى الإصابة باضطرابات الشخصية بمقدار 3 مرات أكثر من أولئك الذين لا يعانون المرض، وتبين على ما يبدو أنها مشكلة عامة لا تتصل بالضرورة باضطرابات الصحة النفسية الأخرى مثل القلق أو الاكتئاب.
علاوة على ذلك، وجدت دراسة منشورة في دورية أمراض الكبد السريرية (Clinical Liver Disease) عام 2022، أن القلق والاكتئاب ينتشران بين المصابين بأمراض الكبد المزمن. فكيف نفسر هذه العلاقة المعقدة ما بين صحة الكبد والصحة النفسية؟
اقرأ أيضاً: ما التحاليل الطبية التي تحتاج إليها لتكتشف إن كنت مصاباً بالاكتئاب؟
كيف نفهم تأثير أمراض الكبد في الصحة النفسية من ناحية فيزيولوجية؟
عندما لا يصفّي الكبد السموم كما ينبغي، فإنها تتراكم في الدم وتنتشر في أنحاء الجسم كافةً، وعندما تصل إلى الدماغ فإنها تسبب اضطراباً عصبياً نفسياً معقداً يسمى الاعتلال الدماغي الكبدي. يؤثر هذا الاعتلال في الجهاز العصبي المركزي، خصوصاً الدماغ، على نحو يُحدث تغيراً فيما يلي:
- المزاج والشخصية.
- التحكم في السلوك والدوافع.
- الذاكرة والتركيز والتفكير.
- الوعي وأنماط النوم.
- وظائف التنسيق والحركة.
- الاستقلالية والقدرة على الاعتناء بالنفس.
عموماً، يمكن القول إن أول الأعراض الواضحة للاعتلال الدماغ الكبدي هو ما يسمى بـ "نمط النوم والاستيقاظ المقلوب"؛ إذ ينام الشخص نهاراً ويبقى مستيقظاً في الليل، وتتبع ذلك مجموعة مختلفة من الأعراض التي يمكن أن تختلف شدتها بناءً على مرحلة المرض وفقاً لما يلي:
- الحد الأدنى: تغيرات طفيفة في الذاكرة القصيرة المدى، أو تغيرات في السرعة الحركية دون ظهور تغيرات تمسّ الصحة النفسية.
- الدرجة الأولى: ارتباك خفيف أو نسيان، وتقلبات مزاجية مثل الشعور بالنشاط والخفّة أو الشعور القلق، ونقص في الانتباه، وتغير في نمط النوم، وصعوبة في المهارات الحركية الدقيقة مثل الكتابة.
- الدرجة الثانية: الخمول واللامبالاة، والارتباك الخاص بالوقت مثل عدم معرفة اليوم أو العام الحالي، وحدوث تغير واضح في الشخصية، وسلوك غير لائق أو لا يتوافق مع الشخصية المعتادة.
- الدرجة الثالثة: بطء التفكير والحركات البطيئة، والنعاس الشديد، والارتباك الشديد والهذيان أو فقدان الذاكرة، والارتباك الخاص بالمكان مثل أن يسأل: "أين أنا؟".
- الدرجة الرابعة: غيبوبة.
قد تحدث الأعراض فجأة أو تظهر تدريجياً، وقد تكون ثابتة ودائمة، أو تظهر وتختفي على هيئة نوبات يمكن أن تتراوح بين شديدة وخفيفة أو تكون بالكاد ملحوظة. لكن يُذكر أن كل عرَض من هذه الأعراض يعد خطراً في حد ذاته، وينبغي طلب المساعدة الطبية فور ظهوره، وذلك منعاً لتفاقم الأعراض أو التسبب في ضرر دائم؛ إذ قد يتطور الاعتلال الدماغي الكبدي الشديد إلى الغيبوبة أو حتى الموت.
لكن مع ذلك، فإن ظهور أعراض الدرجة الثالثة مثل النعاس الشديد أو الارتباك أو فقدان الذاكرة أو الحيرة عن المكان والزمان أو الحركات اللاإرادية، يعني أن العلاج ينبغي أن يكون عاجلاً على نحو خاص.
عموماً، الاعتلال الدماغي الكبدي قابل للعلاج؛ إلا أن الأشخاص الذين يعانون أمراض الكبد المتقدمة؛ مثل تليف الكبد غير القابل للتعويض أو سرطان الكبد، غالباً ما يحتاجون إلى زراعة للكبد.
اقرأ أيضاً: المرضى النفسيون أكثر عرضة إلى الإصابة بالأمراض الجسدية بمقدار الضعفين: دراسة حديثة تكشف الأسباب
أسباب أخرى تفسر تأثير أمراض الكبد في الصحة النفسية
بعيداً عن الآليات الفيزيولوجية، يمكن أن تكون لأمراض الكبد تبعات عميقة تؤثر على نحو كبير في الصحة النفسية؛ إذ يمكن أن ينشأ بعض المشكلات النفسية عن عوامل مختلفة مرتبطة بأمراض الكبد؛ مثل:
- الألم الطويل الأمد الناجم على المرض وعلاجه.
- الضعف الجنسي الذي قد يصحبه الشعور بالذنب.
- القلق بشأن تطور المرض والخوف من نقل العدوى إلى العائلة والأصدقاء.
- الضغوط الاجتماعية والاقتصادية مثل تأثير المرضى في الدراسة والعمل.
- ارتفاع تكلفة العلاج الطبي.
- العلاج الدوائي الذي قد يرتبط بظهور بعض المشكلات النفسية مثل الاكتئاب.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون الألم الجسديّ ردّ فعلٍ على المعاناة النفسية؟
4 طرائق عملية للحد من تأثير أمراض الكبد في الصحة النفسية
في ضوء التفاعل المعقد بين أمراض الكبد والصحة النفسية، من الضروري أن يتبنى الأطباء نهجاً شاملاً لرعاية المرضى. يتضمن ذلك تقييماً شاملاً وتعاوناً متعدد التخصصات يهدف إلى معالجة الجوانب الفيزيولوجية والنفسية لأمراض الكبد. وإليك ما يمكن فعله للحد من هذه الحالة:
- تعديلات نمط الحياة: إن تشجيع تعديلات نمط الحياة؛ مثل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي، وممارسة أساليب إدارة التوتر، والامتناع عن التدخين، يمكن أن يدعم الصحة البدنية والنفسية للأشخاص السلميين بالإضافة إلى مرضى الكبد، خصوصاً أمراض الكبد الدهني غير الكحولي.
- التثقيف النفسي والتدخلات الداعمة: ينبغي تثقيف المصابين بأمراض الكبد بالجوانب والأعراض النفسية التي قد تنتج من أمراض الكبد؛ ما يمكّنهم من مراقبة أعراضهم وطلب المساعدة الطبية عند ظهورها وتحسين نوعية حيواتهم. ويمكن لمجموعات الدعم والاستشارة والعلاج النفسي، أن تؤدي أيضاً دوراً أساسياً في معالجة الضائقة النفسية وتعزيز المرونة. ويُشار أيضاً إلى ضرورة أن يُنبَّه الأشخاص الذين يعانون ارتفاع كتلة الدهون في الجسم، خصوصاً حول البطن، غير المشخصين بمرض في الكبد، بضرورة طلب المساعدة الطبية عند ظهور أعراض نفسية مفاجئة تشبه الأعراض المذكورة في المقال، فقد تدل في بعض الأحيان على وجود مرض الكبد الدهني غير المشخص.
- الفحص والتقييم: يُنصح بدمج الفحص الروتيني الخاص باضطرابات الصحة النفسية في التقييم السريري للمرضى الذين يعانون أمراض الكبد بغية تحديد الأعراض النفسية في وقت مبكر من مسار المرض ومعالجتها.
- التعاون متعدد التخصصات: نظراً إلى الطبيعة المتعددة الأوجه لأمراض الكبد وتأثيرها في الصحة النفسية، فمن الضروري اتباع نهج متعدد التخصصات يشمل أطباء جهاز الهضمي والأطباء النفسيين وغيرهم من المتخصصين في الرعاية الصحية. تسهم الرعاية الطبية المتكاملة أو المتعددة التخصصات في تسهيل التقييم الشامل وتخطيط العلاج الشخصي والمراقبة المستمرة لرفاهية المرضى النفسية والجسدية.