هل يمكن أن يكون الألم الجسديّ ردّ فعلٍ على المعاناة النفسية؟

الألم
الألم
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يعاني هؤلاء الناس من أي مرض وفقاً لأطبائهم، ومع ذلك فإن معاناتهم حقيقية للغاية. ولسائل أن يسأل عن ما وراء شعور بعض الناس بالألم دون أن يتمكنوا من تحديده أو شرح أسبابه، وكيف يمكنهم أن يجدوا السلام مع أجسادهم.

قد يكون الشعور بالألم نابعاً من الرأس!

على مدى العامين الماضيَين، كان دريد يعاني من ألم لا ينكف على مستوى الفخذ، وكأنه حرق داخلي. ويوضح: “في البداية لم أستطع المشي حتى”. في الحقيقة كان يعاني من جميع أعراض التهاب الأوتار دون أن يتم اكتشاف هذه المشكلة، على الرغم من قيامه بجميع الفحوصات اللازمة واتّباعه لكل العلاجات الممكنة! 

هل هذا هو التوهم المرضيّ أو الهُجاس (Hypochondria)؟ لا، لأنه بحسب المحلل النفسي برنارد بروسي: “الهُجاس هو الفكرة الراسخة بأن جزءاً من الجسم يعاني من خلل ما دون أن يكون هناك أي تغيير جسدي أو حتى ألم. وعلى الرغم من ذلك نقنع أنفسنا أن عضواً من أعضاء جسمنا مريض ويضايقنا بشدة. لكن من ناحية أخرى، على مستوى الأمراض النفسية والجسدية بالتحديد، هناك آفة محددة وشعور بالاضطراب والألم”. 

بالنسبة لدريد، كان العضو الذي يثير ألمه هو الورك. يمكن أن يشعر آخرون بالألم في المعدة أو الظهر أو القولون، أو الجسم كله حتى! هذا ما يتم ذكره باستمرار في الاستشارات الطبية دون تحديد السبب بوضوح. وللأسف في مثل هذه الحالات يقف الطب صامتاً وعاجزاً لأن مصدر هذه المشاعر هو “الرأس”. 

من جهته يقول عالم النفس الجسدي جان-كلود إلبيز، أن هذا الشعور لا يفيد أي شيء ملموس في الحقيقة فهو نابع من أفكارنا. لكن من الضروري دائماً أن نأخذ أي إحساس بالإعياء على محمل الجد لأنه قد يشير إلى هناك معاناة نفسية أو جسدية حقيقية يمكن أن تؤدي بدورها إلى الألم “.

الألم نتيجة المشاعر المكبوتة

يتفاعل الجسد والعقل مع بعضهما بعضاً باستمرار؛ حيث تتدفق الدموع عندما نشعر بالحزن وتتسارع دقات قلوبنا عندما نخاف. وفي هذا الصدد توضح المحللة النفسية آن ماري فيليوزا: “تولّد كل فكرة من أفكارنا المشاعر وتؤثر هذه الأفكار في أجسامنا وهرموناتنا ومفاصلنا”. 

يجب أن نكون قادرين على تفريغ هذه الشحنة العاطفية بالطريقة الصحيحة وإلا ستثقل الطاقة المتراكمة أجسامنا حتماً. وتتابع المحللة النفسية:لا ينجح البعض في التعبير عن عواطفهم؛ إذ إنهم يقمعون أنفسهم بوعي أو دون وعي نظراً لعدم أهمية العاطفة في بيئتهم الأسرية أو لأنهم لا يعرفون كيفية التعبير عن أنفسهم نتيجة تشبُّعهم لثقافة ضبط النفس والحفاظ على السرية. إلا أنّ التحفظ على كل شيء سيؤول حتماً لانهيار الجسم”.

الألم ردُّ فعل على عنصر خارجي

عندما نسعى لفهم هذه الآلام فإننا نغرق في بحر من القراءات البسيطة: “لديك ألم في الظهر لأنك محمّل بالهموم والمسؤوليات، أو لديك ألم في القدم لأنك لم تعد ترغب في المضي قدماً”.

ومع ذلك تؤكد آن ماري فيليوزا: “لا يوجد عَرَض يتوافق مع مشكلة واحدة، فلكل فرد قصة مختلفة”. وبالتالي فإن التفاعل بين الجسد والعقل غير مخطّطٍ ولكنه موجود. 

لذلك غالباً ما يحدث الألم بعد انفصال أو مشكلة مهنية. وكما يشرح المحلل النفسي برنارد بروسي: “الجسد هو المكان الذي يتجلى فيه اللاوعي فيتولى مسؤولية الشعور بالألم والتوتر، وهذه طريقته في إنذارنا!”. 

يتجلى الألم في مناطق مختلفة من الجسم اعتماداً على نقاط ضعف كل شخص مولّداً قلقاً جديداً. وطبقاً لآن ماري فيليوزات: “إنها حلقة مفرَغة ذاتية التعزيز، تؤدي إلى حالة دائمة من التوتر والألم المزمن”.

بُعد رَجعيّ للمعاناة

يشير جان-كلود إلبيز إلى أن الشخص ينبغي أن يكون عاليَ الكفاءة وإلا سيعيش ضغطاً اجتماعياً خانقاً حيث لا يمتلك الحق في أن يخطئ، علماً أنه هو نفسه لا يسمح بذلك أبداً ما لم يشعر بالألم. وبالتالي، فإن أجسادنا تحدد حدود الضغط لدينا وتجبرنا على التوقف، وتطلب إلينا أن نعتني بها. في هذا السياق يقول برنارد بروسي: “احذر واطلب المساعدة، فهناك بُعد رَجعيّ لهذا الألم”. 

داخل كل شخص بالغ يعاني طفلٌ يبحث عن الرعاية، وكل شكوى هي بمثابة طلبٍ للحب والاهتمام. ومن خلال نقل هذا الشعور الوجداني إلى الطبيب يكون الاستماع إلى المريض في حد ذاته دواءً.

ما العمل؟

رأي المحللة والاختصاصية النفسية آن ماري فيليوزا

“تنفّس قليلا؛ تخلص من التوتر عن طريق الزفير وأعِد الكرّة من جديد. ساعد نفسك من خلال تخيل الصور الإيجابية والاسترخاء لتستعيد السيطرة على الموقف. وبما أن الجسد والنفس مرتبطان فمن الضروري الاهتمام بأحدهما لينهض بالآخر”.

رأي المحلل النفسي برنار بروسي

“انظر إلى اللحظة التي حدث فيها الألم واسأل نفسك عن ما حدث بالتحديد. ما السياق العاطفي والنفسي الذي وجدت نفسك فيه؟ انظر إلى الشكوى بعين ضميرك ووعيك ولا تشرك جسدك في هذه المِحنة. إن التعبير عن ألمك الجسدي والمعنوي هو الخطوة الأولى نحو علاجه”.

رأي اختصاصي علم النفس جان-كلود إلبيز

“أخبِر شخصاً مقرّباً بما تعانيه، فدائماً ما تكون المعاناة أكبر عندما تعيش تفاصيلها بمفردك. يمكن أن تساعدنا تلك النظرة الخارجية للأزمة التي نمر بها على فهم أصل الألم بشكل أفضل”.

شهادات حول البُعد النفسي لشعور بالألم

فدوى ذات الـ43 عاماً

“عندما اعتنيت بنفسي على المستوى النفسي بالتحديد بدأت أتحسن جسدياً. التجأت إلى الحصص العلاجية للتغلب على موجة الاكتئاب التي اجتاحتني، ولم يكن ذلك لتهدئة ألمي على الرغم من أنني عانيت منه طيلة عشر سنوات. استيقظت في الصباح وأنا منحنية من شدة الألم. كنت أعاني كل علامات الإصابة بالتهاب المفاصل المبكر لكن طبيبي كان واضحاً معي وأخبرني أن أشرح له حالتي النفسية أكثر. وبهذه الطريقة فهمت أن ألمي كان نفسياً أيضاً”.

لارا البالغة من العمر 28 عاماً

“منعتُ نفسي عن الغوص في عالم الإنترنت لكني قضيت ليالٍ بحالها أستشير المواقع الطبية ومنتديات المناقشة فحسب. لا يوجد شيء أسوأ من الخوف؛ أصبحت مهووسةً فعلاً، فبمجرد الشعور بألم ما كنت أعود للبحث عن مواقع الأطباء النفسيين. من الأفضل أن تذهب إلى الطبيب النفسي لتقييم حالتك. شخصياً؛ سمح لي ذلك باكتشاف أن ما يحدث معي مرتبط بالتوتر، فتعلّمت كيفية تهدئة ألمي عبر تقنيات الاسترخاء”.

اقرأ أيضاً: لماذا تعاني النساء من الألم أكثر من الرجال؟

المحتوى محمي !!