المرضى النفسيون أكثر عرضة إلى الإصابة بالأمراض الجسدية بمقدار الضعفين: دراسة حديثة تكشف الأسباب

المرضى النفسيون
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: فيما يبدو أن المصائب لا تأتي فرادى! إذ تبين وفقاً لمراجعة بحثية جديدة أن الأشخاص المصابين بأمراض نفسية حادة، أكثر عرضة إلى الإصابة بأمراض جسدية متعددة بمقدار الضعفين تقريباً مقارنة بغيرهم، فكيف يحدث ذلك؟ دعونا نستعرض في هذا المقال إلى أيّ حدّ قد يكون المرضى النفسيون معرضين إلى الإصابة بالأمراض الجسدية المزمنة.

يقول المختص النفسي أسامة الجامع إن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين ما تشعر به وبين صحتك الجسدية؛ فعندما تسوء الحالة النفسية تنخفض مناعتك تلقائياً وتبدأ الآلام الجسدية بالظهور، وقد يظن المرء أنها آلام مرتبطة بمرض عضوي أو جسدي على الرغم من أنها ليست كذلك. وانطلاقاً من هذه النقطة، دعونا نستعرض في هذا المقال إلى أيّ حدّ قد يكون المرضى النفسيون معرضين إلى الإصابة بالأمراض الجسدية المزمنة، وفقاً لأحدث الدراسات العلمية في هذا الاتجاه.

اقرأ أيضاً: ما هي أعراض القلق النفسوجسدية؟

هل المرضى النفسيون أكثر عرضة إلى الإصابة بالأمراض الجسدية المزمنة؟

نعم على ما يبدو؛ فقد وجدت مراجعة منشورة في دورية بي إم جي للصحة النفسية (BMJ Mental Health) في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نفذتها مجموعة من الباحثين بقيادة أستاذ الصحة العامة في جامعة أنجيلا روسكن (Angila Ruskin University) في المملكة المتحدة، لي سميث (Lee Smith)، أن الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية حادة يبلِغون أيضاً عن الإصابة بأمراض جسدية مزمنة؛ مثل الأمراض الأيضية، وارتفاع ضغط الدم، والصرع، وأمراض الجهاز التنفسي، وأمراض الأوعية الدموية والكلى والجهاز الهضمي، والسرطان.

ووجدت المراجعة التي حللت 19 دراسة مختلفة شملت بيانات تخص 194,123 مريضاً نفسياً ومجموعات مقارنة تضم نحو 7,660,600 فرد سليم، أن المرضى الذين يعانون اضطرابات نفسية حادة كانوا أكثر عرضة إلى الإصابة بالأمراض الجسدية المتعددة بمقدارـ 1.84 مرة مقارنة بغيرهم، والأمراض الجسدية المتعددة (Physical multimorbidity) هي الإصابة بحالتين أو أكثر من الأمراض الجسدية المزمنة في الوقت نفسه وعلى المدى الطويل.

اقرأ أيضاً: كيف يتجلى القلق من خلال الأمراض الجسدية؟

وهذه العلاقة المعقدة ما بين الاضطرابات النفسية الحادة والأمراض الجسدية المتعددة، لها آثار بعيدة المدى وفقاً للباحث الرئيس في الدراسة، لي سميث؛ إذ قد تسبب “انخفاض الامتثال للعلاج وتفاقم خطر فشله وزيادة تكاليفه، وزيادة احتمالية انتكاس المرض، وتفاقم خطر التشخيص بأمراض أخرى، وانخفاض متوسط العمر المتوقع. علاوة على أن الرعاية السريرية غير الكافية للأمراض الجسدية (نقص العلاج أو عدم التواصل الكافي مع الطبيب أو عدم الحصول على الدعم) عند الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية تؤدي إلى تفاقم المشكلة؛ ما يؤدي إلى زيادة العبء على الأفراد ومجتمعاتهم وأنظمة الرعاية الصحية”.

من ناحية أخرى، يمكن القول إن الارتباط ما بين الأمراض النفسية الحادة والأمراض الجسدية المتعددة قد يحدث في كلا الاتجاهين؛ إذ وجدت دراسةٌ منشورة في دورية الاكتئاب والقلق (Depression and Anxiety) عام 2022، أن كبار السن ممن يعانون أمراضاً جسدية متعددة كانوا أكثر عرضة إلى الإصابة بالاكتئاب في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وهي نتائج تتشابه مع نتائج بعض الدراسات الأخرى في البلدان الأوروبية؛ حيث وجدت دراسة منشورة في دورية ذا لانسيت للصحة الإقليمية في أوروبا (The Lancet Regional Health-Europe) عام 2021، ارتباطاً بين الأمراض الجسدية المتعددة وزيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب والقلق عند البالغين في منتصف العمر في المملكة المتحدة.

اقرأ أيضاً: كدمات الحزن: كيف تنعكس معاناتك النفسية على صحتك الجسدية؟

كيف يمكن تفسير هذا التأثير المتبادل بين الصحتين النفسية والجسدية؟

إذاً، يمكن القول إن التحسُّن أو العلّة في إحدى الصحتين النفسية أو الجسدية قد تؤدي إلى تحسُن أو علّة في الأُخرى؛ لكن ما سبب هذا التأثير؟ وكيف يمكن تفسيره؟ دعونا نبدأ من تأثير الصحة الجسدية في النفسية، فقد تؤدي الإصابة بمرض جسدي مزمن طويل الأمد إلى:

  • الشعور بالتعب أو الإحباط أو القلق أو التوتر عند التعامل مع الاختبارات أو نتائجها أو العلاجات أو النوبات.
  • العزلة الاجتماعية أو الوحدة نتيجة الإقامة الطويلة في المستشفى أو المنزل.
  • مشكلات النوم نتيجة الألم أو المرض أو الآثار الجانبية لبعض الأدوية.
  • تدني احترام الذات أو التمييز أو الوصم.

هذه العوامل قد تجعل الشخص أكثر عرضة إلى الإصابة بحالة نفسية، فضلاً عن أن بعض الأمراض الجسدية المزمنة تُحدِث تغييرات مباشرة في الدماغ على نحو يسهم في نشوء بعض الاضطرابات النفسية كما قد يسهم الألم المزمن؛ وهو عرَض شائع للعديد من الأمراض الجسدية، في تغيير مستويات بعض المواد العصبية الكيميائية الموجودة في الدماغ ومستويات بعض الهرمونات؛ ما يؤثر في الحالة المزاجية والتفكير والسلوك، ويُفاقم خطر الإصابة ببعض حالات الصحة النفسية.

في المقابل، قد تؤدي حالات الصحة النفسية أيضاً إلى ارتفاع مستويات هرمونات الإجهاد على نحو مزمن؛ ما قد يؤثر سلباً في العديد من وظائف الجسم؛ مثل الجهاز المناعي، والجهاز الهضمي، والقلب والأوعية الدموية، والجهاز التناسلي.

كما قد يسهم بعض الحالات النفسية في نشوء اضطرابات في النوم؛ ما يؤثر في الصحة الجسدية على المدى الطويل، علاوة على أنها قد تؤدي إلى اتباع سلوكيات غير صحية؛ مثل اضطرابات الطعام وسوء التغذية، وعدم ممارسة الرياضة، وغيرها من السلوكيات المضرة. خلاصة الكلام: قد تؤدي الأمراض النفسية إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية وحدوث الأمراض التي تقصِّر العمر، وفقاً لدراسة منشورة في دورية علم النفسي البيولوجي (Biological Psychology) في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

اقرأ أيضاً: متلازمة ما قبل الحيض بين الأعراض الجسدية والنفسية

10 نصائح عملية لرعاية صحتك النفسية

يؤثر كلٌ من صحتَيك النفسية والجسدية، بعضهما في بعض، تأثيراً متبادلاً، فإذا ما حسَّنت صحتك النفسية، فلا بد أن تحسِّن بذلك صحتك الجسدية وتقلل احتمالية الإصابة ببعض الأمراض الجسدية. لذلك؛ يمكنك أن تتبع بعض النصائح المهمة التي من شأنها أن تعزز حالتك المزاجية، وتقلل خطر الإصابة بالأمراض النفسية، وتدعم رحلة علاجك في حال كنت تشكو حالة نفسية ما؛ ومنها:

  • ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام حتى ولو كانت 30 دقيقة من المشي يومياً.
  • اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن مع شرب الكثير من الماء.
  • الحصول على قسط كافٍ ووافٍ من النوم لا يقل عدد ساعاته عن 7 ساعات ليلاً.
  • تجربة الأنشطة الباعثة على الراحة والاسترخاء؛ مثل تمرينات التنفس والتأمل وكتابة اليوميات.
  • تحديد الأهداف والأولويات وتجنُب كثرة المهمات التي قد تُثقل كاهلك.
  • ممارسة الامتنان واليقظة الذهنية.
  • التركيز على الإيجابية وتحدي الأفكار السلبية وغير المفيدة.
  • التواصل مع الأصدقاء والعائلة الذين يقدمون الدعم العاطفي والمساعدة العملية، والابتعاد عن الأشخاص السلبيين.
  • الحصول على قسط كافٍ من الراحة.
  • طلب مساعدة المختصين النفسيين في حال الشكوى من أعراض نفسية لا تستطيع التعامل معها.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الطب النفسي الجسدي؟

كيف تدعم صحتك النفسية في حال كنت مصاباً بمرض جسدي مزمن؟

على الرغم من أن استراتيجيات الرعاية الذاتية قد تبدو صعبة في حال كنت مصاباً بأحد الأمراض الجسدية، فإن اتباع النصائح التالية قد يفيد صحتك النفسية عند التعامل مع حالة صحية مزمنة:

  • التحدث إلى العائلة والأصدقاء: من الضروري أن تثق بأصدقائك وعائلتك وتحدثهم بشأن مشاعرك واحتياجاتك؛ إذ قد يكون العديد من أعراض الحالات المزمنة الطويلة الأمد؛ مثل التعب والألم، غير واضح أو مرئي للآخرين؛ لذا فإن التواصل المفتوح يساعد الآخرين على فهمك ودعمك على نحو فعّال.
  • أخبر طبيبك العام ما تشعر به: فلا ينبغي أن تسلم أمرك وتقبل واقع إصابتك بحالة نفسية كجزء من حالتك الجسدية المزمنة؛ بل ينبغي إخبار الطبيب ما تشعر به وتشكوه، وأن تسأله عن العلاجات والخيارات المتاحة أمامك.
  • انضم إلى مجموعة دعم: يتيح التواصل مع الآخرين الذين يعانون تجارب مماثلة تبادل النصائح والدعم واستراتيجيات المواجهة.
  • جرِّب العلاج بالتحدث: يساعدك استكشاف العلاج بالكلام مع مستشار أو معالج نفسي على إدارة الأعراض وقبول حالتك. قد تكون الجلسات شخصية، أو عبر الهاتف، أو عبر مكالمة فيديو، وتُمكن لطبيبك العام المساعدة عبر إحالتك إلى الاستشارة.
  • فكِّر في العلاج المعرفي السلوكي لإدارة الألم: يمكن أن يساعد هذا النوع من العلاج على إعادة تشكيل الأفكار والعواطف والسلوكيات المتعلقة بالألم؛ ما يساعدك على إدارته على نحو أفضل وزيادة شعورك بالسيطرة.