ملخص: حين كتب الشاعر محمود درويش قائلاً: "كنتُ سأشتري لكِ البنفسجَ هذا الصباح؛ لكن الرفاقَ كانوا جياعاً، فاشتريتُ لهم الخبز، وكتبتُ لكِ قصيدة حبْ". ظننت وقتها أن حبيبته محظوظة للغاية، فقد حصلت على قصيدة حب من شاعر فقير لا يملك المال؛ لكن لا مشكلة، فالحب أهم من أموال الدنيا كلها! وبعد ذلك، في أحد الأيام، أُثير تساؤل عبر إحدى مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي المغلقة: هل الحب أهم أم المال؟ ظننت أن الإجابة سهلة؛ ولكن المعادلة مع مرور الوقت أضحت أكثر صعوبة، وقد حاولت من خلال هذا المقال إجابة هذا التساؤل الصعب.
محتويات المقال
"كنتُ سأشتري لكِ البنفسجَ هذا الصباح؛ لكن الرفاقَ كانوا جياعاً، فاشتريتُ لهم الخبز، وكتبتُ لكِ قصيدة حبْ".
الشاعر الفلسطيني محمود درويش
ثمة أسئلة في هذه الحياة شغلت بال الكثيرين من الفلاسفة وعلماء الاجتماع، وعلى الرغم من مرور الكثير من السنوات، فإنها ما تزال تطفو على السطح من حين إلى آخر؛ ومن أهم هذه الأسئلة: هل الحب هو الذي يؤدي إلى الشعور بالسعادة أم المال؟
الحقيقة أن الوقوع في الحب يرتبط بمشاعر الفرح والسعادة. ومع ذلك، هناك أشخاص لا يهتمون بالحب مثل الآخرين، وهؤلاء قد يجدون السعادة في النجاح المهني والمالي على حساب حيواتهم العاطفية، فأيهما في النهاية أكثر قدرة على إسعادك؟ الحب أم المال؟ الإجابة يقدمها لك هذا المقال.
هل يمكن أن يجعلك الحب سعيداً؟
عندما نقع في الحب، فإن المواد الكيميائية المرتبطة بدائرة المكافأة تغمر أدمغتنا؛ حيث تؤكد أستاذة الطب النفسي جاكلين أولدز (Jacqueline Olds) إن الوقوع في الحب يؤدي إلى إطلاق مستويات مرتفعة من هرمونات الدوبامين والأوكسيتوسين والإندروفين؛ وهي هرمونات ترتبط بنظام المكافأة في الدماغ وتعزز الشعور بالسعادة والبهجة؛ وهذا هو السبب في أن المراحل المبكرة من الحب تجعلنا نشعر بالإثارة، وفي بعض الأحيان تصل هذه الإثارة حدَّ الإدمان، فتشعر أنك لا تستطيع التوقف عن التفكير في الطرف الآخر وتريد أن تكون معه طوال الوقت! وفي هذا السياق، يوضح المختص التربوي جاسم المطوع إن الحب يعزز أيضاً جهاز المناعة.
وبالإضافة إلى ذلك، فالحب يعطل المسار العصبي المسؤول عن المشاعر السلبية؛ مثل الخوف والحكم الاجتماعي، فعندما ننخرط في علاقة رومانسية، فإن الآلية العصبية المسؤولة عن إجراء تقييمات نقدية للأشخاص الآخرين؛ بما فيها تقييمات أولئك الذين نرتبط معهم عاطفياً، تتوقف عن العمل؛ وذلك بسبب النشاط المنخفض للنواة المتكئة في اللوزة الدماغية.
وفي سياق متصل، توصلت دراسة بحثية أجرتها جامعة هارفارد واستمرت نحو 80 عام إلى نتيجة مفادها أن علاقاتنا تؤثر على نحو كبير في شعور كل منا بالسعادة. وأوضح أستاذ الطب النفسي في جامعة هارفارد والمدير المسؤول عن الدراسة، روبرت والدينجر (Robert Waldinger)، إن العلاقات الوثيقة هي التي تجعل الناس سعداء طوال حيواتهم وليس الشهرة أو المال؛ وذلك لأن روابط الحب القوية بين الأفراد تساعد على تأخير التدهور العقلي والجسدي. وتجدر الإشارة إلى أن علاقات الحب التي شملتها الدراسة لا تقتصر على العلاقات الرومانسية؛ لكنها تمتد لتشمل علاقات الصداقة والعلاقات الأسرية.
وقد كشفت الدراسة أيضاً أن الرضا الزواجي له تأثير وقائي في الصحة النفسية، فالأشخاص الذين تمتعوا بزيجات سعيدة في كبرهم، أفادوا بأن حالاتهم النفسية والمزاجية لم تتأثر حتى في الأيام التي كانوا يعانون فيها آلاماً جسدية أكبر؛ أما أولئك الذين لديهم زيجات غير سعيدة شعروا بألم عاطفي وجسدي أكبر. وأضاف والدينجر إن أولئك الذين حافظوا على علاقات دافئة عاشوا فترات أطول وأكثر سعادة، وذلك على عكس المنعزلين الذين يموتون مبكراً؛ حيث أكد والدينجر إن: "الوحدة تقتل؛ تماماً مثل التدخين أو إدمان الكحول".
اقرأ أيضاً: "السعادة قرار": كيف تحول هذه الجملة إلى واقع تعيشه؟
ما العلاقة بين السعادة والمال؟
لا يمكن لأي أحد إنكار حقيقة أن المال ضرورة في هذا العالم؛ حيث يجب أن تكون قادراً على جني مبلغ معين من المال حتى تتمكن من تدبر أمورك. وإذا كنت تجني ما يكفي من المال لتشعر بالراحة، فيمكنك البدء في شراء أشياء إضافية لتحسين مستوى معيشتك. إن قدرتك على شراء الأشياء قد تجعلك تشعر بالرضا عن نفسك؛ ومن ثَمَّ تعزز شعورك بالسعادة، خاصة حين تحس بأن عملك الشاق كان يستحق العناء.
والحقيقة أن العلاقة بين السعادة والمال شديدة الاشتباك والتعقيد، وقد حظيت هذه العلاقة المشتبكة باهتمام الكثير من الباحثين؛ حيث وجدت دراسة علمية نشرتها جامعة برينستون الأميركية (Princeton University) عام 2010 أن سعادة الفرد تزداد مع زيادة دخله؛ ولكن مع تجاوز الدخل 75 ألف دولار استقرت السعادة؛ بمعنى أن الحصول على دخل أعلى من هذا المبلغ لا يؤثر في سعادة الفرد، وهذا يعني ببساطة أن المال يؤدي إلى الشعور بالسعادة لأنه يسهم في تلبية الاحتياجات الأساسية للأفراد؛ لكن المزيد من المال فوق مستوىً معين لا يؤدي في الواقع إلى المزيد من السعادة!
لكن في عام 2021، توصلت دراسة بحثية أخرى أجرتها جامعة بنسلفانيا الأميركية (The University of Pennsylvania) إلى نتيجة مفادها أن الشعور بالسعادة لا يتوقف عند مبلغ محدد من المال؛ بل يمكن أن يستمر في الارتفاع مع دخل يتجاوز 200 ألف دولار، وهذا يعني أن السعادة تستمر في الارتفاع مع الدخل؛ ومن ثَمَّ فإن الحصول على المزيد من المال يمكن أن يجعلنا أكثر سعادة.
ومن أجل تسوية هذا الخلاف، تعاون الباحثون من كلتا الدراستين؛ وهو ما عُرف وقتها بـ "التعاون العدائي"، وقد انضمت إليهم أستاذة علم النفس باربرا ميلرز (Barbara Mellers) من جامعة بن إنتيجريتس للمعرفة (Penn Integrates Knowledge University) كحكم، وأظهر الثلاثي أن المال يؤدي بالفعل إلى الشعور بالسعادة، والدخول الأكبر تعزز تلك السعادة؛ لكن حين ننظر إلى الصورة من منظور أكبر، تصبح العلاقة بين المال والسعادة أكثر تعقيداً. على سبيل المثال؛ إذا كان أحد الأشخاص ثرياً ولكنه غير سعيد، فالمزيد من المال لن يجعله أكثر سعادة.
أيهما أكثر قدرة على إسعادك: الحب أم المال؟
هل سعادتك مرهونة بالحب أم المال؟ الحقيقة إن إجابة هذا السؤال ليست سهلة. ومع ذلك، فإن تحديد مصدر سعادتك، سواء كان الحب أو المال، يعتمد إلى حد كبير على قيمك الشخصية، وما تأمل في الحصول عليه من هذه الحياة. الدخول في علاقة من أجل الحب قد لا يضمن السعادة دائماً، ومع مرور الوقت، قد تتلاشى المشاعر حتى لو كانت العلاقة مبنية على أساس الحب. هذه مخاطرة قد يتحملها الأفراد عندما يرتبطون عاطفياً بإنسان آخر ويستثمرون في علاقة الحب، وثمة مستوىً من السعادة لن يتخطاه الفرد.
لكن النجاح المالي أيضاً قد يجعلك وحيداً، والمزيد من الثراء المالي لا يؤدي في الأحوال جميعها إلى السعادة؛ ولهذا غالباً ما يكون إيجاد التوازن في الحياة هو مفتاح السعادة الحقيقية؛ وهذا يعني أنك لا يجب أن تركز على الحب على حساب حياتك المهنية، وفي الوقت نفسه، ليس من الصحي أن تسعى إلى تحقيق النجاح المالي على حساب سعادتك أيضاً.
اقرأ أيضاً: 6 عادات متناهية الصغر تساعدك على الشعور بالسعادة يومياً
كيف تصل إلى السعادة وتحقق التوازن بين الحب وجني المال؟
يُعد الحب واحداً من أفضل المشاعر الإنسانية في الحياة، ومع ذلك، يظل العمل وتحقيق النجاح المالي أمرين مهمَّين للأشخاص جميعهم. وحتى تصل إلى السعادة، عليك أولاً أن تحدد أولوياتك في الحياة، ويمكنك أيضاً اتباع النصائح التالية:
- السعي نحو أسلوب حياة أكثر توازناً: يمكنك الوصول إلى السعادة إذا منحت نفسك الوقت الكافي للتركيز على الأشخاص والأشياء التي تحبها. على سبيل المثال؛ يمكنك قضاء المزيد من الوقت مع شريك حياتك بالإضافة إلى الأشخاص المهمين في حياتك. وتذكر أن العمل طوال الوقت قد لا يكون أمراً صحياً؛ لذلك إذا كنت مدمناً على العمل، حاول التفكير في خطوات جادة للفصل بينه وبين الحياة الشخصية. على سبيل المثال؛ لا ترد على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل بعد العودة إلى البيت، أو ضع هاتفك جانباً عندما تقضي وقتاً مع أحبائك.
- ممارسة اليقظة الذهنية: عندما تمارس تقنيات اليقظة الذهنية مثل التأمل أو التنفس العميق، فإنك تصبح أكثر انسجاماً مع عواطفك وأحاسيسك الجسدية. إن الاهتمام بهذه المشاعر يساعدك على تعلم كيفية ملاحظة الوقت؛ ومن ثَمَّ ستحافظ على أسلوب الحياة المتوازن الذي وضعته لنفسك من أجل الحفاظ على الحب وتحقيق النجاح المالي.
- التعاطف مع الذات: إذا واجهت صعوبة في تحقيق التوزان بين علاقاتك الشخصية والعمل، وشعرت أن الأمور معقدة، فلا تقسُ على نفسك، ولا تنسَ أننا بشر وأحياناً نرتكب الأخطاء. إن ممارسة التعاطف مع الذات واللطف مع نفسك يمكن أن تساعدك على تقبل أخطائك والعمل على تصحيحها.
- تقليل الأنشطة غير الضرورية: هناك الكثير من الأنشطة اليومية التي تحد من وقتك دون أن تدرك ذلك؛ مثل التحقق من البريد الإلكتروني، وتصفح وسائل التواصل الاجتماعي بصفة مستمرة. ولتحديد أولويات وقتك على نحو أفضل، فكر في تقييم أنشطتك اليومية لتقليل الأنشطة غير الضرورية؛ حيث إن تقليل مقدار الوقت الذي تقضيه في هذه الأنشطة يمكن أن يؤثر تأثيراً إيجابياً في تحقيق التوازن بين عملك وحياتك الشخصية.