ملخص: يُفاقم العمل في المناوبات الليلية خطر الإصابة بمشكلات القلب والجهاز الهضمي والتعب؛ فضلاً عن أنه يسبب العديد من المشكلات في الحالة المزاجية والعواطف.
محتويات المقال
صنّفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة إلى منظمة الأمم المتحدة العمل المنتظم في الورديات الليلية باعتباره سبباً محتملاً للإصابة بالسرطان؛ وذلك لما يسببه من اضطرابات في إيقاعات الساعة البيولوجية. وبالإضافة إلى السرطان، ارتبط العمل ليلاً بتفاقم خطر الإصابة بداء السكري، وأمراض القلب، والسكتة الدماغية، واضطرابات التمثيل الغذائي.
كما قد تكون العاملات في الورديات الليلية أكثر عرضة إلى خطر المشكلات الإنجابية؛ مثل عدم انتظام الدورة الشهرية، والإجهاض، والولادة المبكرة؛ فضلاً عن تأثيره السلبي في الصحة النفسية، وهذا ما سنستعرضه بالتفصيل في الأسطر التالية.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن دَين النوم وكيفية سداده
كيف يؤثر العمل ليلاً في الصحة النفسية؟
يتحكم إيقاع الساعة البيولوجية الذي تنظمه الساعة الداخلية للجسم، في مختلف العمليات الفيزيولوجية والسلوكية؛ مثل دورات النوم والاستيقاظ وإنتاج الهرمونات والهضم ودرجة حرارة الجسم والحالة المزاجية خلال دورة مدتها 24 ساعة.
وبالطبع، ترتبط الإيقاعات اليومية على نحو معقد بوجود الضوء أو غيابه. فالضوء الذي تستكشفه العين ينشِّط مناطق معينة في الدماغ؛ ما يؤدي إلى اليقظة وزيادة النشاط والشهية. ومع حلول الليل، فإن الغدة الصنوبرية تفرز الميلاتونين؛ وهو الهرمون الذي يحفِّز النوم ويحافظ عليه طوال الليل.
ينظِّم هذا التفاعل الدقيق بين الإشارات الضوئية والتحولات الهرمونية دوراتنا اليومية؛ وهو أمر ضروري للحفاظ على نمط حياة متوازن وصحي. والآن، يأتي العمل ليلاً ليعطِّل هذا الإيقاع؛ أيّ يحدث عدم توافق بين العمليات البيولوجية الداخلية والإشارات البيئية الخارجية. وبالطبع، يمكن أن يؤدي هذا الاختلال إلى مجموعة من المشكلات النفسية؛ تشمل:
اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب النوم القهري؟
اضطرابات النوم
من أبرز آثار العمل ليلاً حدوث ما يُسمى بـ "اضطراب النوم المرتبط بنظام الورديات" (Shift Work Sleep Disorder)؛ وهو اضطراب نوم يؤثر عادة في الأشخاص الذين يعملون خارج وقت العمل التقليدي النهاري؛ مثل النوبات الليلية، أو في الصباح الباكر، أو نوبات عمل متناوبة. ويعد اضطراباً شائعاً؛ إذ يؤثر في 10-40% من الأشخاص الذين يعملون ليلاً.
يمكن أن يؤدي هذا الاضطراب إلى نوم غير كافٍ، أو نوم ذي نوعية رديئة، أو صعوبة في النوم، أو فرط النوم؛ ما قد يسبب الصداع، وضعف الأداء، وانخفاض اليقظة، وسوء المزاج، وسرعة الانفعال والتهيج. بالإضافة إلى أن قلة النوم قد تسبب بعضاً من أعراض الاكتئاب؛ مثل التعب الشديد ونقص الطاقة وصعوبة التركيز واتخاذ القرارات، وفقاً للطبيب النفسي، عاصم العقيل.
هذا دون أن ننسى أن جودة النوم الرديئة ترتبط أساساً بالعديد من المشكلات النفسية. على سبيل المثال؛ وجدت دراسة منشورة في المجلة الدولية لعلوم التمريض الأفريقية (International Journal of Africa Nursing Sciences)، نفذها فريق من الباحثين في مستشفى الملك خالد بالمملكة العربية السعودية عام 2023، أن نوعية النوم السيئة عند طلاب المهن الطبية ترتبط بتفاقم خطر الإصابة بالقلق والتوتر والاكتئاب.
اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين النوم والصحة النفسية؟
العزلة الاجتماعية
غالباً ما يواجه العاملون في الورديات الليلية عزلة اجتماعية بسبب جداول عملهم؛ إذ وبينما ينخرط بقية العالم في الأنشطة الاجتماعية خلال النهار، قد يجد موظفو الورديات الليلية أنفسهم نائمين، وعندما ينام الجميع، يستيقظون! يمكن أن تؤدي هذه العزلة إلى الشعور بالوحدة والتدهور المعرفي والقلق والتوتر والاكتئاب. فالبشر مخلوقات اجتماعية، وعندما ينقطع هذا التواصل الاجتماعي، ستظهر الكثير من الآثار سلبية في الصحة النفسية.
خلل في التوازن بين العمل والحياة
قد يؤثّر العمل ليلاً في العلاقات الأسرية والعاطفية، فساعات العمل غير التقليدية في الليل تصعّب على الأفراد تخصيص وقتٍ كاف للعائلة والأصدقاء أو إدارة المسؤوليات العائلية والشخصية؛ ما قد يسبب التوتر المزمن مؤدياً بدوره إلى الإصابة بالاكتئاب أو اضطرابات المزاج الأُخرى.
زيادة مستويات القلق والتوتر والاكتئاب
بيّنت دراسة منشورة في مجلة فلورنس نايتنغيل للتمريض (Florence Nightingale Journal of Nursing) عام 2021، أن الممرضات اللواتي يعملن في نوبات ليلية يعانين ارتفاع مستويات القلق والتوتر وانخفاض الرضا العام عن الحياة مقارنة بالممرضات اللواتي يعملن نهاراً.
وهذا ما أكّدته نتائج دراسة أخرى نُشرت في دورية بي إم سي لأبحاث الخدمات الصحية (BMC Health Services Research) عام 2023؛ إذ وجدت أن العاملين في النوبات الليلية في المستشفيات العامة في باريس أكثر عرضة إلى الإصابة بالقلق والأرق الشديد وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب.
كما أظهرت مراجعة منشورة في مجلة هيلث كير (Healthcare) عام 2023 علاقة قوية بين العمل في الورديات الليلية، واضطراب النوم الذي يسببه، وارتفاع خطر الإصابة بالاكتئاب. وقد يعزى ذلك إلى مزيج من العوامل المذكورة سابقاً؛ مثل أنماط النوم المضطربة، وقلة التفاعلات الاجتماعية، وزيادة ضغط العمل في النوبات الليلية في بعض الأحيان.
اقرأ أيضاً: 10 دقائق بتأثير 6 ساعات: ماذا تعرف عن قيلولة الجنود؟
العمال الأكثر عرضة إلى أضرار العمل ليلاً
أكثر العمال عرضة إلى أضرار العمل ليلاً هم من يعملون بانتظام في نوبات ليلية، وخصوصاً الحالات التالية:
- العمل ليلاً مدةً لا تقل عن 3 ساعات بين منتصف الليل والساعة 5:00 صباحاً.
- العمل الليلي المتكرر (3 ليالٍ أو أكثر في الأسبوع).
- بدء العمل في المناوبة الليلية في مرحلة البلوغ المبكر (قبل الثلاثين على سبيل المثال).
جدير بالذكر إن ثمة عوامل عديدة قد تسهم في مدى تأثر العمال بمساوئ العمل ليلاً؛ مثل مكان العمل، والضغوط الاجتماعية، ونمط الحياة، وانخفاض التعرض إلى أشعة الشمس، وانخفاض مستويات فيتامين د.
9 نصائح للتخفيف من الآثار السلبية للعمل ليلاً
في حال لم يمكن بالإمكان تغيير العمل من النوبات الليلية إلى النهارية، فثمة مجموعة من النصائح التي يمكن اتباعها للحصول على قسط كافٍ من النوم الجيد وتقليل أضرار العمل ليلاً؛ ومنها:
- احرص على أن تتعرض إلى أكبر قدر ممكن من الضوء الأبيض في أثناء العمل ليلاً؛ إذ ستساعد زيادة الضوء على تنظيم دورة النوم والاستيقاظ، وارتدِ نظارات شمسية في طريق العودة إلى المنزل.
- اجعل غرفة النوم مظلمة قدر الإمكان عندما تنام؛ أغلِق الستائر والأبواب وفكِّر في استخدام أقنعة النوم التي توضع على العينين.
- احصل على عدد ساعات كافٍ من النوم، ويوصي المختصون بـ 7-9 ساعات يومياً.
- حاوِل تجنب شرب الكافيين في نهاية نوبة العمل حتى تتمكن من النوم مباشرة عندما يحين الوقت.
- اتبع نظاماً غذائياً صحياً ومتوازناً، ومارس التمارين الرياضية بانتظام.
- حاوِل الحدّ من تغييرات العمل ما بين الليل والنهار؛ لأن التنقل المستمر بين العمل ليلاً ونهاراً يُعد شديد السوء على الجسم.
- احرص على قضاء وقت كافٍ مع العائلة والأصدقاء في عطلة نهاية الأسبوع أو كلما سمح الوقت بذلك.
- استشر الطبيب في حال عانيت التعب الشديد أو مشكلات النوم أو اضطرابات المعدة أو الأمعاء أو المزاج السيئ أو ضعف الأداء؛ مثل الأخطاء المتكررة والإصابات والحوادث وما إلى ذلك.
- استشر الطبيب عن الخطوات التي يمكنك اتخاذها للحصول على نوم أطول وأعلى جودة في حال لم تستفد من النصائح الآنفة الذكر.