ما العلاقة بين النوم والصحة النفسية؟

5 دقيقة
النوم والصحة النفسية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يكافح الكثير منا للحفاظ على توازنه في عالمٍ سريع الخطى كثير المطالب التي لا هوادة فيها؛ كفاحاً يمكن أن يسبّب ضغوطاً تخصّ العلاقات والعمل. ذلك كلّه يلقي بثقله على الصحة النفسية للفرد؛ تلك التي لم تعد من الكماليات التي يمكننا تأجيل التفكير فيها فهي من الأولويات، ويُعتبر النوم الجيّد أحد أهم المعايير التي تحدّد مستوى العافية النفسية. تجمع النوم والصحة النفسية علاقة متشابكة؛ إذ يمكن أن تجعلك قلة النوم تشعر بالتعب وسرعة الانفعال والقلق، وهذا لا يمثل معادلة جيدة لحالتك المزاجية أبداً.

ويمكن أن تتجلى العلاقة الوثيقة بين النوم والصحة النفسية نفسها حين يؤثر التعايش مع اضطراب أو أزمة نفسية في جودة النوم. يقدّم هذا المقال تفاصيل هذه العلاقة المتشابكة بين الاثنين، مسلّطاً الضوء على التأثيرات السلبية المحتمَلة ونصائح الخبراء لعلاج النوم وتحسينه جنباً إلى جنب مع الصحة النفسية.

كيف يؤثر النوم في الصحة النفسية؟

يُعتبر النوم جزءاً حيوياً من صحة كل شخص؛ إذ يميل أولئك الذين يحصلون على قسطٍ كافٍ من النوم إلى الاستمتاع بمستويات طاقة أعلى وحالات مزاجية أفضل وتفكير أوضح.

يؤكّد خبراء الصحّة من المؤسسة الوطنية الأميركية للنوم (National Sleep Foundation) إن العلاقة بين النوم والصحة النفسية أصبحت مزدوجة الاتجاه بعد أن تغيّرت النظرة التقليدية التي اعتبرت مشكلات النوم كأحد أعراض الاضطراب النفسي، فقد تكون مشكلات النوم سبباً لمشكلات الصحة النفسية أو حتى نتيجةً لها.

ومن بين الأسباب التي تجعل الأشخاص الذين يعانون من مشكلات النوم أكثر عرضة لمشكلات الصحة النفسية، هو أن قلّة النوم تؤثّر في طريقة عمل الدماغ. فعندما لا يحصل الدماغ على قسطٍ كافٍ من الراحة يمكن أن يبدأ في العمل بطرق غير طبيعية؛ كإنتاج الكثير من هرمون الكورتيزول (Cortisol) المعروف بهرمون التوتر. وقد ارتبط تعرض الدماغ مطوَّلاً لتركيز عالٍ من الكورتيزول بظهور أعراض نفسية مثل الاكتئاب والتهيج والتوتر العاطفي.

اقرأ أيضاً: الأكل والنوم والصحة النفسية، تعرف إلى العلاقة بينهم

ما المشكلات النفسية التي تنتج من اضطرابات النوم؟

يمكن أن تسبب اضطرابات النوم مجموعة من مشكلات الصحة النفسية؛ بما في ذلك ضعف التركيز وتقلّب المزاج والاكتئاب والقلق كما يؤكّد الخبراء من موقع مايند (Mind).

وتزيد قلة النوم الجيد من احتمالية أن يصبح الشخص أكثر عرضة للإصابة بنوبات ذهانية؛ حيث يمكن أن تسبّب قلة النوم الهوس أو الذهان أو جنون الارتياب، أو تجعل الأعراض النفسية أو العقلية الموجودة مسبقاً أسوأ.

إضافة إلى أن الأفراد الذين يعانون من اضطرابات النوم يصبحون أكثر تأثراً بالمشكلات الصحية الأخرى وبخاصة مشكلات الصحة النفسية؛ كما يمكن أن يزيد لديهم الشعور بالوحدة أو العزلة.

ويضيف خبراء مايند إن مواجهة مشكلات النوم تسبّب لصاحبها مشاعر الضيق وانخفاض الطاقة والتركيز المطلوب لأداء المهام؛ ما يؤدّي إلى ظهور مشكلات في الحياة اليومية متعلّقة بالعمل أو العائلة والأصدقاء.

مشكلات الصحة النفسية واضطرابات النمو العصبي

ويربط خبراء الصحّة من المؤسسة الوطنية الأميركية للنوم (National Sleep Foundation)، بين النوم وحالات محدّدة من مشكلات الصحة النفسية واضطرابات النمو العصبي (Neurodevelopmental Disorders) بشكل واضح، ونلخصّها في الحالات التالية:

  • الاكتئاب: تظهر أعراض الأرق لدى ما يقرب من 75% من المصابين بالاكتئاب. وتشير الدلائل إلى أن قلة النوم قد تحفز ظهور أعراض الاكتئاب أو تؤدي إلى تفاقمها. كما يعاني الكثير من المصابين بالاكتئاب من النعاس المفرط في أثناء النهار وفرط النوم.
  • الاضطرابات العاطفية الموسمية: ترتبط هذه الحالة بتعطّل الساعة البيولوجية الداخلية للشخص؛ وهي نوع فرعي من الاكتئاب يصيب الأشخاص خلال فصليّ الخريف والشتاء. ويميل الأشخاص المصابون بالاضطراب العاطفي الموسمي إلى مواجهة تغييرات في دورات نومهم كالنوم الكثير أو القليل.
  • اضطرابات القلق: تشمل أنواع اضطرابات القلق اضطراب القلق العام، واضطراب القلق الاجتماعي، واضطراب الهلع، والرهاب المحدد، واضطراب الوسواس القهري (OCD)، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمشكلات النوم بحيث يسهم القلق والخوف في حالة فرط التيقظ (Hyperarousal) التي تُعتبر من المسببات الرئيسية للأرق؛ غير أن مشكلات النوم لا تحدث دائماً كنتيجة للقلق بل يمكن أن تنشط قلة النوم أعراض القلق لدى الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة به.
  • اضطراب ثنائي القطب: تتغير أنماط النوم بشكل كبير عند المصابين باضطراب ثنائي القطب بناءً على حالتهم العاطفية المتقلبة بين نوبات الهوس والاكتئاب، فهم عادةً يشعرون بالحاجة إلى النوم بشكل أقل في فترات الهوس، أو قد ينامون بشكل مفرط خلال فترات الاكتئاب.
  • الفصام: ويتميز بصعوبة التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك. فالأشخاص المصابون بالفصام يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأرق واضطرابات إيقاع الساعة البيولوجية، لذا قد تتفاقم مشكلات نومهم بسبب الأدوية التي تُستخدم في علاج الفصام.
  • اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD): وهو اضطراب في النمو العصبي يتسم بانخفاض مستوى الانتباه وزيادة الاندفاعية. وقد يجد الأشخاص المصابون من الأطفال والبالغين صعوبة في النوم، والاستيقاظ المتكرر، والنعاس المفرط في أثناء النهار. إضافة إلى معدلات الإصابة الأعلى باضطرابات النوم الأخرى؛ مثل انقطاع النفس الانسدادي النومي، ومتلازمة تململ الساقين (RLS) لديهم.
  • اضطراب طيف التوحد: ويشمل العديد من حالات اضطراب النمو العصبي التي يتم تشخيصها في مرحلة الطفولة وتؤثر في التواصل والتفاعل الاجتماعي. ويعاني المصابون بشكل أكبر من اضطرابات النوم؛ بما في ذلك الأرق واضطراب التنفس في أثناء النوم (Sleep-Disordered Breathing). لذلك يُعتبر علاج الأرق واضطرابات النوم الأخرى عنصراً مهماً في الرعاية الصحية التي يحتاجها هؤلاء الأشخاص.

تأثير الصحة النفسية في النوم

تلقي العلاقة المتشابكة التي أشرنا إليها سابقاً بين الصحة النفسية والنوم بظلالها أيضاً على الكيفية التي يتأثّر فيها نومنا عندما نعاني من حالات نفسية معينة. ووفقاً للخبراء من مايند؛ يمكن أن تتدخّل مشكلات الصحة النفسية التالية في جودة النوم وتؤثّر فيه بطرق مختلفة كما يلي:

  • يمكن أن يحفز القلق مخاوف ونوبات هلع تبقيك مستيقظاً خلال محاولتك النوم.
  • تنتج من الاكتئاب والاضطراب العاطفي الموسمي (SAD) كثرة النوم بما في ذلك البقاء في السرير لفترة أطول؛ كما يمكن أن يسبب الاكتئاب الأرق.
  • قد تسبّب الصدمات لمن عاشها استرجاع ذكريات الماضي أو الكوابيس أو الذعر الليلي؛ ما يُشعره بعدم الأمان أو عدم الراحة في السرير أو في الظلام.
  • يؤدي الهوس (Mania) في الغالب إلى الشعور بالنشاط والبهجة وعدم الإحساس بالتعب؛ وبالتالي يمكن أن يقلّل في الرغبة في النوم كما يمكن للأفكار المتسارعة المصاحبة له أن تُبقي صاحبها مستيقظاً وتسبب له الأرق.
  • تتضمّن الآثار الجانبية لتناول بعض الأدوية النفسية الأرق واضطراب النوم والكوابيس والنوم المفرط، ويمكن أن تنتج من التوقف المفاجئ عن تناولها مشكلات في النوم.
  • يكون التمتّع بنومٍ جيّد صعباً للأشخاص الذين يعانون من جنون الارتياب والذهان لأنهم قد يسمعون أصواتاً أو يختبرون ظواهرَ يعتبرونها مخيفة أو مزعجة.

نصائح لتحسين النوم والصحة النفسية

تربط النوم والصحة النفسية علاقة متعددة الأوجه، تجعل الروابط معقدة بين مشكلات النوم والاضطرابات النفسية؛ ما يؤكّد أن علاج أعراض وتحسين إحدى الحالتين يمكن أن يحسّن الأخرى. لذلك يقترح خبراء الصحّة من المؤسسة الوطنية الأميركية للنوم بضع خطوات مهمة لتحسين النوم كنوعٍ من الاستراتيجيات الوقائية للصحة النفسية:

  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): ويُعرف أيضاً باسم العلاج بالكلام. يعمل المعالج من خلاله على إعادة صياغة أنماط التفكير السلبية، ويمكن للعلاج المعرفي السلوكي للأرق (CBT-I) أن يحسن جودة النوم ويقلل من أعراض العديد من مشكلات الصحة النفسية.
  • تحسين عادات النوم: يمكن لتنمية عادات النوم الصحية وتعزيزها أن يسهم في الحدّ من اضطرابات النوم بشكلٍ كبير، وذلك من خلال اتخاذ بعض الإجراءات الروتينية التي تتضمن الآتي:
  1. تحديد موعد ثابت للنوم والحفاظ عليه.
  2. تعلّم تقنيات الاسترخاء وممارستها قبل النوم.
  3. تجنب الكحول والتبغ والكافيين في فترة المساء.
  4. إبعاد الأجهزة الإلكترونية، والإبقاء على الأضواء خافتة لمدة ساعة أو أكثر قبل موعد النوم.
  5. ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والتعرض للضوء الطبيعي في أثناء النهار.
  6. زيادة وسائل الراحة والتدعيم في السرير؛ مثل الوسائد.
  7. حجب الضوء والصوت الزائد الذي قد يزعج النوم.

قد يشيع أن نلقي باللائمة على ليلة نوم سيئة حين يدوم مزاجنا المتعكّر طيلة اليوم، وتلك ليست بمغالطة شائعة فالخبراء يؤكّدون حقيقة تأثير النوم في حالتنا النفسية. لكن ذلك التأثير يمكن أن يستمّر لمدة تتجاوز اليوم. وهذه طريق ذات اتجاهين، فمشكلاتنا النفسية بما فيها القلق والاكتئاب يمكن أيضاً أن تحول دون التمتّع بنوم هادئ وجيّد. والجيد في الأمر أنه يمكن لأعراض المشكلتَين كلتَيهما، سواء اضطرابات النوم أو الصحة النفسية، أن تتحسن عند طلب العلاج الملائم أو تغيير عادات النوم السيئة أو كليهما.

المحتوى محمي !!