ملخص: نعيش في عصر مليء بالمشتتات؛ نبدأ في إنجاز العمل، ثم نتركه قليلاً لنتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، بعدها نتذكر قهوتنا الصباحية، ثم نعود مرة أخرى إلى العمل؛ دائرة كبرى من الأنشطة المتوازية! أحياناً ننجح في أداء المهمات المتعددة، وفي أوقات أخرى ننسى بعض الأشياء، وحتى نزيد مرونة الذاكرة ونحسّن قدرتها، تُمكننا ممارسة الألعاب والتأمل، بالإضافة إلى بعض الطرائق الأخرى التي سنتعرف إليها من خلال هذا المقال.
لا تستطيع العثور على مفاتيح سيارتك؟ هل نسيت قائمة البقالة الخاصة بك؟ يتعذر عليك تذكر اسم مدربك الشخصي في صالة الألعاب الرياضية؟ أنت لست وحدك؛ الجميع يمكن أن ينسوا بعض الأشياء من حين إلى آخر، فاليوم أضحى النسيان أسهل من أي وقت مضى، وبخاصة أن حياتنا مليئة بالمشتتات.
ومع وجود جوجل في متناول أيدينا، نادراً ما نحتاج إلى تمرين عضلات ذاكراتنا كما في السابق، ومع ذلك، يجب علينا زيادة مرونة الذاكرة وتحسين قدرتها. ولا تظن أن الأمر صعب؛ حيث إن العقل البشري يتمتع بقدرة مذهلة على التكيف والتغيير حتى مع تقدم العمر. لهذا؛ يمكنك تعزيز قدرتك على تعلم معلومات جديدة وتحسين ذاكرتك في أي عمر، وهذه الطرائق يمكن أن تساعدك.
5 طرائق فعّالة لتحسين مرونة الذاكرة
1. ممارسة التمرينات العقلية
بحلول الوقت الذي تصل فيه إلى مرحلة البلوغ، يكون دماغك قد طور ملايين المسارات العصبية التي تساعدك على معالجة المعلومات واسترجاعها بسرعة، وحل المشكلات المألوفة، وتنفيذ المهمات المعتادة بأقل جهد ذهني.
لكن إذا التزمت دائماً بهذه المسارات المعتادة، فإنك لا تمنح عقلك التحفيز الذي يحتاج إليه لمواصلة النمو والتطور، فالذاكرة مثل القوة العضلية؛ تتطلب منك استخدامها أو خسارتها. وكلما مرنت عقلك أكثر، تمكنت من معالجة المعلومات وتذكرها على نحو أفضل؛ لكن ليست تمرينات العقل كلها متساوية، فهناك 4 معايير أساسية للتمرينات التي تعمل على تحسين مرونة الذاكرة؛ وهي أنها:
- تعلمك شيئاً جديداً: بغض النظر عن مدى صعوبة النشاط من الناحية الفكرية، إذا كان شيئاً تجيده بالفعل، فهو ليس تمريناً جيداً للعقل؛ حيث يجب أن يكون النشاط شيئاً غير مألوف وبعيداً عن منطقة الراحة الخاصة بك. لذا لتقوية الدماغ وزيادة مرونة الذاكرة؛ عليك أن تستمر في التعلم وتطوير مهارات جديدة.
- تتسم بالتحدي: تتطلب أفضل الأنشطة المعززة لمرونة الذاكرة اهتمامك الكامل، لا يكفي أنك وجدت النشاط محفزاً في وقت ما؛ بل يجب أن يظل شيئاً يتطلب جهداً عقلياً. على سبيل المثال؛ يُعد تعلم عزف مقطوعة موسيقية جديدة تحدياً مهماً أما عزف مقطوعة صعبة كنت قد حفظتها بالفعل لن يحسّن قدراتك.
- مهارة يمكن البناء عليها: ابحث عن الأنشطة التي تسمح لك بالبدء بمستوىً سهل والارتقاء مع تحسّن مهاراتك، وعندما يبدأ الشعور بالارتياح في أحد المستويات الصعبة سابقاً، فهذا يعني أن الوقت قد حان للانتقال إلى المستوى التالي من الأداء.
- تُشعرك بالمتعة: تدعم المكافآت عملية التعلم في الدماغ، فكلما زاد اهتمامك ومشاركتك في النشاط، زاد احتمال استمرارك في القيام به، وزادت الفوائد التي ستجنيها؛ لذا اختر الأنشطة التي على الرغم من أنها صعبة بالنسبة إليك، فإنها ما تزال ممتعة ومُرضية.
فكر في شيء كنت ترغب دائماً في تجربته، وتنطبق عليه المعايير السابقة؛ وذلك مثل تعلم اللغات الجديدة أو كيفية العزف على آلة موسيقية. يمكنك أيضاً حضور دروس الطهو، فهي مفيدة جداً لزيادة مرونة الذاكرة؛ وذلك لأنها ترتكز على استخدام عدد من الحواس مثل الشم، واللمس، والبصر، والذوق؛ التي تشمل أجزاء مختلفة من الدماغ. علاوة على ذلك، سوف يمكّنك الطهو من استخدام المهارات المعرفية مثل تخطيط الوجبة، وحل المشكلات، وصياغة قائمة البقالة، وتعدد المهمات، والتنظيم.
اقرأ أيضاً: فقدان الذاكرة الناتج عن صدمة نفسية: البحث عن هوية
2. لعب الألعاب الذهنية
تُعد الألعاب الذهنية صالة للألعاب الرياضية للعقل؛ حيث تؤدي إلى تحفيز الوظائف المعرفية المختلفة مثل الذاكرة والانتباه وحل المشكلات والتفكير، وتعمل أيضاً على منع شيخوخة الدماغ وتحسين المهارات المنطقية، فمن أجل تمرين عقلك وزيادة مرونة ذاكرتك، تُمكنك تجربة الألعاب الآتية:
- الشطرنج: يتمتع لاعبو الشطرنج بمهارات ذاكرة قوية للغاية؛ وذلك لأن أساسيات اللعبة ترتكز في الأصل على حفظ مجموعات عديدة من التحركات ونتائجها المحتملة، ناهيك بأن لعبة الشطرنج تمكّنك من الدخول في حالة التدفق الذهني؛ وهو شعور يجعلك تلعب بأعلى مستوىً من الأداء، هذا بالإضافة إلى أن الشطرنج تقوّي مهارات التخطيط حيث يقضي اللاعبون فترات طويلة من التأمل الصامت يفكرون خلالها في كل حركة، ويحاولون التنبؤ بالاحتمالات كافةً.
- الكلمات المتقاطعة: الكلمات المتقاطعة هي أداة تدريب كلاسيكية للعقل؛ حيث لا تقتصر على تحسين اللغة اللفظية فحسب بل تحسن الذاكرة أيضاً من خلال التوغل إلى أبعاد عديدة للمعرفة، وهناك العديد من الطرائق لحل الكلمات المتقاطعة، سواء أكانت عبر الإنترنت، أم من خلال الصحف اليومية.
- السودوكو: هي عبارة عن لعبة تحديد أرقام تتكون من 9 مربعات صغيرة مضاف إليها بعض الأرقام، وعلى اللاعب أن يكمل اللعبة بوضع الأرقام من 1 إلى 9 دون تكرار، وترتكز هذه اللعبة على الذاكرة القصيرة المدى، وتساعد على تحسين قدرات الذاكرة والتركيز.
- 3. الاهتمام بالرعاية الذاتية
أساس الذاكرة الجيدة هو العقل والجسم السليم. لا يمكنك أن تتوقع أن يعمل دماغك بأفضل حالاته إذا لم تعتنِ بالجسم الذي يغذيه. يمكنك تعزيز مرونة الذاكرة من خلال القيام بما يلي:
- تناول طعاماً صحياً: تأكد من وجود الفيتامينات الرئيسة في نظامك الغذائي؛ بما فيها حمض الفوليك وفيتامين ب 12 ومضادات الأكسدة؛ وذلك لأنها تعمل على تحسين صحة العقل ومرونة الذاكرة، وإذا لزم الأمر تناول مكملات الفيتامينات.
- احصل على قسط كافٍ من النوم: النوم والذاكرة يشتبكان في علاقة معقدة؛ حيث إن الحصول على قسط كافٍ من النوم يساعدك على معالجة المعلومات الجديدة، والنوم بعد التعلم يمكن أن يدمج هذه المعلومات في ذكريات؛ ما يسمح لك بتخزينها في دماغك، وقد يعاني الأشخاص الذين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم من صعوبة في تذكر الأشياء.
- تناول كميات أقل من السكر الأبيض: اتباع نظام غذائي غني بالسكر يمكن أن يؤدي إلى التدهور المعرفي وضعف الذاكرة وانخفاض حجم الدماغ، وبخاصة في منطقة الدماغ التي تخزن الذاكرة القصيرة المدى. على سبيل المثال؛ وجدت إحدى الدراسات التي أجرتها المكتبة الوطنية للطب (The National Library of Medicine NLM) على أكثر من 4,000 شخص، أن أولئك الذين تناولوا كميات أكبر من المشروبات السكرية مثل الصودا كان لديهم إجمالي حجم دماغي أقل وذاكرة أضعف في المتوسط مقارنة بالأشخاص الذين تناولوا كميات أقل من السكر.
- جرب مكملات زيت السمك: زيت السمك غني بأحماض أوميغا 3 الدهنية وحمض الإيكوسابنتاينويك (EPA) وحمض الدوكوساهيكسانويك (DHA)، وهذه الدهون مهمة للصحة العامة، وقد ثبت أنها تقلل خطر الإصابة بأمراض القلب وتحسن مرونة الذاكرة.
- حافظ على الوزن المناسب: يُعد الحفاظ على الوزن المناسب للجسم أمراً ضرورياً للصحة؛ حيث يمكن أن تسبب السمنة تغيرات في الجينات المرتبطة بالذاكرة في الدماغ، وترتبط السمنة أيضاً بزيادة خطر الإصابة بمرض آلزهايمر، وهو مرض تقدمي يدمر الذاكرة والوظيفة الإدراكية.
- قلل حدة التوتر والإجهاد: الإجهاد هو أحد أسوأ أعداء الدماغ، فمع مرور الوقت، يؤدي الإجهاد المزمن إلى تدمير خلايا الدماغ وإتلاف الحُصين؛ وهو منطقة في الدماغ مسؤولة عن تكوين الذكريات الجديدة واسترجاع الذكريات القديمة، ومن أهم الطرائق الفعالة لإدارة التوتر والإجهاد هي التعبير عن مشاعرك بدلاً من كبتها ومحاولة أخذ فترات من الراحة.
- واظب على القراءة والتعلم: يؤكد المختص التربوي جاسم المطوع إن المواظبة على القراءة والتعلم تؤدي إلى تحسين قدرات الذاكرة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لذكرياتنا أن تشكل هويتنا وشخصياتنا؟ وهل يمكن أن تخدعنا الذاكرة؟
4. ممارسة التمرينات الرياضية
وفقاً لما ذكرته مدونة هارفارد الطبية (Harvard Health Blog)؛ فإن ممارسة التمرينات الرياضية تعمل على تقليل الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري، وتؤدي إلى إنقاص الوزن والوقاية من الاكتئاب، هذا بالإضافة إلى أن التمرينات الرياضية تعمل على حماية الذاكرة ومهارات التفكير، ففي دراسة أُجريت في جامعة كولومبيا البريطانية، وجد الباحثون أن التمرينات الرياضية المنتظمة تزيد حجم الحُصين المسؤول عن الذاكرة اللفظية والتعلم.
وفي سياق متصل، يؤكد أستاذ علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد (Harvard Medical School)، سكوت ماكغينيس (Scott McGinnis)، إن الانخراط في برنامج من التمرينات الرياضية المنتظمة على مدى 6 أشهر أو سنة، يرتبط بزيادة في حجم مناطق مختارة من الدماغ؛ حيث إن أجزاء الدماغ التي تتحكم في التفكير والذاكرة (قشرة الفص الجبهي والقشرة الصدغية الوسطى) لها حجم أكبر لدى الأشخاص الذين يمارسون الرياضة مقارنة بالأشخاص الذين لا يمارسونها.
5. ممارسة تمرينات التأمل
تؤثر تمرينات التأمل في صحتك العامة على نحو إيجابي؛ حيث تؤدي إلى تقليل التوتر والاكتئاب وخفض ضغط الدم وتحسين الذاكرة. وقد ثبت أن التأمل يزيد المادة الرمادية في الدماغ التي تحتوي أجسامَ الخلايا العصبية، ومع التقدم في العمر، تنخفض تلك المادة ما يؤثر سلباً في الذاكرة والإدراك.