كيف يمكن لذكرياتنا أن تشكل هوياتنا وشخصياتنا؟ وهل يمكن أن تخدعنا الذاكرة؟

الذكريات الرئيسية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تشكل الذكريات هوياتنا؛ لكن اعتقاداً آخر ساد في السنوات الأخيرة وهو أن الذكريات ترسم سمات معينة من شخصياتنا أيضاً، فهل هذا صحيح؟ للإجابة عن السؤال والكشف عن مدى صحة أفكار جاهزة ترسخت في أذهاننا، استعنّا بتحليل على موقع ذا كونفرزيشن قدمته الباحثتان المرموقتان في جامعة سيدني وجامعة ولونغونغ بأستراليا، سيليا هاريس وبيني فان بيرغن.

هل تبني ذكريات الطفولة شخصياتنا؟ توضح لنا اختصاصيتان في النظام المعرفي الجوانب الصحيحة والخاطئة في هذا الشأن، بعد انتشار هاشتاغ (وسم) #CoreMemory أي “الذكرى الرئيسية” على الشبكات الاجتماعية.

تشكل الذكريات هوياتنا، لكن اعتقاداً آخر ساد في السنوات الأخيرة وبدأ يكتسب قوة وهو أن الذكريات ترسم سمات معينة من شخصيتنا أيضاً فهل هو صحيح؟ لإجابة هذا السؤال والكشف عن مدى صحة أفكار جاهزة ترسخت في أذهاننا، استعنا بتحليل على موقع ذا كونفيرزيشن (The Conversation)، قدمته الباحثتان المرموقتان في جامعة سيدني (University of Sydney)، وجامعة ولونغونغ (University of Wollongong) بأستراليا، سيليا هاريس (Celia Harris) وبيني فان بيرغن ( Penny Van Bergen).

الذكريات الرئيسية: خرافة من صنع عالم ديزني

يتداول الناس العديد من مقاطع الفيديو التي تتحدث عن مفهوم الذكريات الرئيسية (Core memories) على الويب، وبعد تناقل هذه المقاطع على نحو جماعي فقد حصدت أكثر من 3 مليارات مشاهدة، وهي تظهر أطفالاً يمرحون مع خلفية موسيقية رائعة تثير الشعور بالحنين إلى الماضي.

كان هذا التوجه مستوحى من فيلم الرسوم المتحركة الذي أنتجته ديزني عام 2015، “قلباً وقالباً” (Inside Out) الذي يتحدث عن فتاة صغيرة تحكُم عقلها 5 مشاعر مجسدة في شخصيات وهي الخوف والغضب والفرح والحزن والاشمئزاز، ووفقاً لذلك فإنه ثمة 5 ذكريات رئيسية تبني شخصياتنا وتحدد سلوكياتنا، لكن هل أُثبت هذا المفهوم الذي روّجه فيلم الرسوم المتحركة؟

وفقاً لسيليا هاريس وبيني فان بيرغن، الاختصاصيتين في ذاكرة السيرة الذاتية، فإن الاعتقاد بأن شخصية المرء تستند إلى 5 ذكريات رئيسية من مرحلة طفولة، خاطئ تماماً، وتقول الباحثتان: “يستخدم الإنسان ذكرياته لبناء إحساسه بذاته والحفاظ على سلامته النفسية، والعلم يقول إن فكرة الذكريات الرئيسية خاطئة”.

وفقاً للباحثين في العلوم المعرفية، فإن ذاكرتنا الطويلة المدى هي حيز كبير لا حدود لحجمه أو سعته ومن ثم فإننا نحتفظ بآلاف الذكريات وليس 5 فقط. وعلى عكس ما نعتقد، ليست ذكريات الطفولة هي الأكثر تأثيراً فينا، فوفقاً لاختصاصيتي النظام المعرفي، تتضمن ذاكرتنا آثاراً قليلة من السنوات الأولى من حياتنا أما الذكريات الأكثر أهمية فنكتسبها في أواخر مرحلة المراهقة وأوائل مرحلة الرشد، بين سن 15 و25 عاماً، فخلال هذه الفترة نعيش التجارب الأكثر تأثيراً في بناء شخصياتنا.

ذكرياتنا تكوّن هوياتنا

على الرغم من أن ذكرياتنا ليست المسؤولة عن تحديد ملامح شخصياتنا فإن لها وظائف أساسيةً أخرى في حياتنا:

  1. وظيفة ذاتية: إذ إننا نحدد هوياتنا من خلال تجاربنا.
  2. وظيفة اجتماعية: التحدث عن الأحداث التي مررنا بها يساعدنا على الاندماج مع الآخرين.
  3. وظيفة توجيهية: تسمح لنا ذكرياتنا بالتعلم من أخطائنا لنتمكن من حل المشكلات التي نواجهها مستقبلاً.

يقول الطبيب النفسي باتريك إستريد (Patrick Estrade): “ذكرياتنا هي مقياس لحالتنا النفسية العميقة، وهي مرجعنا الذي تكوّن في الماضي إذ إنها تكشف عن نهجنا في الحياة ومواهبنا ومخاوفنا وطبيعة علاقاتنا مع الآخرين، الذكريات هي الأساس الذي نستند إليه، والأرض التي نسير عليها طوال حياتنا، فهي تحدد خياراتنا وتؤثر في مصائرنا”.

ذاكرتنا تخدعنا

على الرغم من أن تذكر الأوقات الطيبة التي حظينا بها خلال الطفولة يمنحنا مشاعر إيجابية، فإن هذه الذكريات تغيرت غالباً بمرور الوقت بمعنى أن دماغنا وذاكرتنا يخدعاننا، وتقول بيني فان بيرغن وسيليا هاريس: “على الرغم من أننا نتذكر حدثاً عاطفياً بسهولة أكبر مقارنةً بالأحداث الاعتيادية، فإننا قد ننسى تفاصيله مهما كانت مهمة بالنسبة إلينا”.

إذاً تتطور الذكريات التي نحملها بمرور الوقت ومن ثم فإننا ننسى بعض التفاصيل، لذلك قد لا تكون ذكرياتنا دقيقة أو حتى أننا قد نراها بطريقة مختلفة في كل مرة نستحضرها، وتختتم الباحثتان: “في كل مرة نتذكر فيها لحظة ما فإننا قد نغير تفاصيلها ونربطها بمشاعر جديدة وننظر إلى الموقف الذي مررنا به بطريقة مختلفة”.

المحتوى محمي !!