فقدان الذاكرة الناتج عن صدمة نفسية: البحث عن هوية

4 دقيقة
فقدان الذاكرة الانفصامي
shutterstock.com/Orawan Pattarawimonchai
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يسعى كل منا خلال سنوات حياته إلى خلق هويته الخاصة؛ الهوية التي نُعرّف بها في المواقف الاجتماعية والحياتية المختلفة، ونعتز بها وبتفاصيلها الدقيقة؛ تلك الهوية التي تبني حاجزاً أمام معتقدات وأفكار نجدها لا تناسبنا أو قد تسبب لنا الأذى، في حين تبني جسوراً لنصل لما نجده أمراً يساعد على تقدمنا وازدهارنا في الحياة. إن خلق الهوية هو أمر شديد الأهمية، وتفتيت تلك الهوية الشخصية باقتطاع جزء منها، ومحو الإحساس بالذات أو عدم القدرة على تذكرها؛ والذي يحدث نتيجة لحادث أو صدمة أليمة كما في حالات فقدان الذاكرة الانفصامي، هو أمر مؤلم حقاً.

فقدان الذاكرة الانفصامي

في حين تعمل جميع الاضطرابات الانفصالية على تفتيت هويات الأشخاص إلى حد ما؛ يُعَد فقدان الذاكرة الانفصامي أحد تلك الاضطرابات الانفصالية التي ينسى فيها الشخص العناصر الأساسية في حياته؛ قد يقتصر النسيان على موضوعات معينة، أو قد يكون عامّاً يشمل الكثير من تاريخ حياة الشخص، وبالتالي؛ ينفصل عن الفهم الكامل لذاته وحالته الحالية وعواطفه، وهو غالباً ما يتبع صدمة أو إجهاداً شديداً.

في حالات فقدان الذاكرة الانفصامي (Dissociative Amnesia)؛ يعاني الأفراد من فقدان غير طبيعي للذاكرة بطرق تعطّل حياتهم بشكل كبير؛ حيث يحجب الشخص أحداثاً معينة، فقد ينسى حدثاً معيناً أو ينسى من هو وكل شيء عن نفسه وتاريخه الشخصي. وعلى الرغم من أن الشخص في هذه الحالات قد يبدو مرتبكاً؛ فإنه لا يكون مدركاً أو على دراية بفقدان ذاكرته.

في هذا النوع من الاضطرابات الانفصالية، يحدث انهيار في الوظائف العقلية التي تعمل في الأوقات العادية بسلاسة؛ مثل الذاكرة أو الوعي أو الإدراك.

أسباب فقدان الذاكرة الانفصامي

من الأسباب المؤدية لهذا الاضطراب؛ التعرّض لصدمات نفسية أو سوء المعاملة أو الإجهاد الشديد الناتج عن الكوارث الطبيعية أو الحروب. كذلك؛ قد يكون هناك عامل وراثي في فقدان الذاكرة الانفصالي.

قد لا يتذكر الشخص المصاب بفقدان الذاكرة الانفصالي الأصدقاء أو أفراد الأسرة أو زملاء العمل، وعندما ينسى ذلك الشخص كل شيء عن نفسه وحياته، فقد ينتقل إلى مكان جديد ويؤسس هوية جديدة. ولكن عند اكتشافه وإدراكه للأمر، فإنه لا يعرف كيف وصل إلى هناك، أو سبب عدم وجود هوية لديه.

ما أعراض فقدان الذاكرة الفصامي؟

في حين أن معظم حالات فقدان الذاكرة الانفصامي مؤقتة؛ إلا أن تلك الفجوات في الذاكرة يمكن أن تستمر مدى الحياة. أيضاً؛ قد يكون هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بإيذاء النفس والانتحار في بعض الحالات الشديدة التي تستمر لفترات طويلة.

هناك ثلاثة أنواع أو أنماط من فقدان الذاكرة الانفصامي:

  1. موضعي: يؤثر فقدان الذاكرة في تلك الحالة على مجالات محددة أو أجزاء بعينها من حياة الشخص؛ مثل فترة معينة في أثناء الطفولة، أو أي شيء يتعلق بصديق أو زميل في العمل، وغالباً ما ينسى المريض صدمة معينة في وقت معين، بينما يمكنه تذكر بقية التفاصيل من تلك الفترة.
  2. معمم: يؤثر فقدان الذاكرة المعمم في أجزاء رئيسة من حياة الشخص أو هويته؛ مثل عدم القدرة على التعرف إلى الاسم والوظيفة والعائلة والأصدقاء.
  3. الشرود: في حالة الشرود الانفصامي، يصاب الشخص بفقدان الذاكرة المعمم، ويتبنى هوية جديدة، ولا يتمكن من التعرف إلى أي فرد من أفراد أسرته أو صديق أو زميل في العمل، ولا يتمكن من تحديد هويته أو شرح سبب افتقاره لهوية محددة.

كيف يُعالج فقدان الذاكرة الانفصالي؟

على الرغم من أن فقدان الذاكرة الانفصالي قد يمر ويمكن استعادة الذاكرة بعده؛ فإنه في بعض الحالات الصعبة لا تعود المعلومات المفقودة، وفي الحالات التي تعود فيها الذاكرة؛ تكون عملية الاستعادة بطيئة وتدريجية، وقد يتم تحفيز استعادة الذاكرة من خلال شيء ما في محيط الشخص، أو من خلال العلاج.

في حين لا توجد علاجات لفقدان الذاكرة الانفصالي، فإن العلاج النفسي وأشكالاً أخرى من العلاج مثل العلاج المعرفي السلوكي والعلاج السلوكي الجدلي، تكون فعّالة. كذلك، فقد يستفيد الأشخاص المصابون باضطرابات الفصام، وخاصة المصابون بالاكتئاب أو القلق، من العلاج بمضادات الاكتئاب أو الأدوية المضادة للقلق.

تتمثل أهداف علاج فقدان الذاكرة الانفصالي في تخفيف الأعراض والتأكد من سلامة المريض ومن حوله، وإعادة اتصال الشخص بذكرياته المفقودة. يهدف العلاج أيضاً إلى مساعدة الشخص على التعامل بأمان مع الأحداث المؤلمة وإدارتها، وتطوير مهارات التأقلم، والعودة إلى العمل بشكل جيد قدر الإمكان، بالإضافة إلى تحسين العلاقات.

يعتمد أسلوب العلاج الأفضل على الشخص ونوع فقدان الذاكرة ومدى شدة الأعراض، ويشمل العلاج مزيجاً من الطرق التالية:

  • العلاج النفسي: يُطلق عليه أيضاً “العلاج بالكلام”؛ وهو العلاج الرئيسي لاضطرابات الفصام. هذا مصطلح واسع يشمل عدة أشكال من العلاج.
  • العلاج المعرفي السلوكي: يركِّز هذا النوع من العلاج النفسي على تغيير أنماط التفكير والمشاعر والسلوكيات الضارة.
  • تقنية إزالة حساسية حركة العين السريعة وإعادة معالجتها: تم تصميم هذه التقنية لعلاج الأشخاص الذين يعانون من كوابيس مستمرة، وذكريات الماضي وأعراض أخرى لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
  • العلاج السلوكي الجدلي: هذا النوع من العلاج النفسي مخصص للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات شديدة في الشخصية؛ ما يشمل الأعراض الفصامية، وغالباً ما يحدث بعد تعرض الشخص لسوء المعاملة أو الصدمة.
  • العلاج الأسري: يساعد هذا في تعليم الأسرة عن الاضطراب ومساعدة أفراد الأسرة في التعرف على ما إذا كانت أعراض المريض قد عادت أم لا.
  • العلاجات الإبداعية (علاج بالفن أو الموسيقى): تسمح هذه العلاجات للمرضى باستكشاف والتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم وخبراتهم في بيئة آمنة وخلّاقة.
  • تقنيات التأمل والاسترخاء: تساعد هذه الأساليب الأشخاص على التعامل بطريقة أفضل مع أعراض الانفصام، وزيادة وعيهم بحالاتهم الداخلية.
  • التنويم الإيحائي السريري: يستخدم هذا العلاج الاسترخاء الشديد والتركيز والاهتمام المركّز لتحقيق حالة مختلفة من الوعي، ويسمح للأفراد باستكشاف الأفكار والمشاعر والذكريات التي قد يخبوها من عقولهم الواعية. كذلك، فقد تساعد تقنيات مثل التنويم المغناطيسي وجلسات الأسئلة والأجوبة بمساعدة الأدوية في تحفيز القدرة على استعادة الذكريات؛ يمكن أن يساعد هذا المرضى على فهم كيف تسببت الصدمة في فقدان الذاكرة وتعطيل حياتهم، وكيفية حل مشكلاتهم للمساعدة في منع حدوث المزيد من الصدمات في المستقبل.

وأخيراً؛ إن دعم العائلة والأصدقاء من الأمور الحاسمة في مدى فعالية العلاج، فعادةً ما يستجيب الأشخاص المصابون بفقدان الذاكرة الانفصامي للعلاج جيداً؛ لكن التقدم والنجاح يعتمدان أيضاً على جودة حياة المريض ودوائر الدعم الخاصة به.

المحتوى محمي !!