ما الأسباب وراء تقطع نومك؟ وكيف تحصل على نوم عميق متواصل؟

6 دقائق
النوم المتقطع
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الحصول على عدد ساعات النوم الموصى به أمر مهم للصحة دون شك؛ لكن استمرارية النوم أو القدرة على تجنُّب النوم المتقطع ليس بأقل أهمية. إذ يمكن أن يعاني الكثيرون الاستيقاظ من النوم مرة واحدة أو أكثر في أثناء الليل، وتتفاوت فترات اليقظة هذه من عدة دقائق إلى فترة طويلة قبل النوم مجدداً، وللنوم المتقطع آثار سلبية عديدة؛ لذلك لا بُد من التعرف إلى أسباب هذه المشكلة وكيفية تجنُّبها.

في دراسة منشورة في دورية النوم (Sleep) عام 2015، توصل الأستاذ المساعد في الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز الأميركية (Johns Hopkins University)، باتريك فينان (Patrick Finan) وزملاؤه إلى أن النوم المتقطع أكثر ضرراً بالمزاج الإيجابي مقارنة بقلة النوم؛ حيث أدى النوم المتقطع إلى انخفاض الحالة المزاجية الإيجابية بنسبة 31%.

وأشار فينان إلى أنه: "عندما يتقطع نومك طوال الليل، لا تتاح لك الفرصة للمرور عبر مراحل النوم المختلفة اللازمة للحصول على المقدار الكافي من نوم الموجة البطيئة، وهي المرحلة التي تُعد أساس عمليات الترميم والإصلاح التي تحتاج إليها لجسمك ودماغك".

خلاصة الكلام: لا تقلّ جودة النوم أهميةً عن مدة النوم، فلا يكفي الحصول على عدد ساعات النوم الموصى به لجني فوائد النوم الصحية؛ بل إن استمرارية النوم أو القدرة على تجنُّب النوم المتقطع أمر بالغ الأهمية أيضاً، فما الذي يسبب تقطع النوم؟ وكيف يمكنك التعامل مع هذه الحالة؟ هذا ما سنعرفه في مقالنا.

اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين النوم والصحة النفسية؟

ما مخاطر النوم المتقطع؟

لا يحصل الأشخاص الذين يعانون النوم المتقطع على قسط كافٍ من النوم عموماً؛ ما يسبب شعورهم بالنعاس في أثناء النهار، وذلك يؤثر سلباً في مهماتهم المهنية أو الشخصية، ويزيد مخاطر الحوادث في أثناء القيادة أو تشغيل الآلات.

حتى عندما لا يؤثر النوم المتقطع في عدد ساعات النوم الموصى به، فإن له العديد من الأضرار؛ إذ يمر الإنسان خلال نومه عبر سلسلة من الدورات تتكون كل منها من مراحل مميزة، فيؤدي الاستيقاظ المتكرر إلى تعطيل هذه العملية؛ ما يسبب آثاراً سلبية بعيدة المدى، سواءٌ في وظائف المخ والصحة البدنية والعافية النفسية؛ وذلك وفقاً لدراسة منشورة في دورية الشيخوخة النفسية (Psychol Again) عام 2014.

بالإضافة إلى ما سبق، وجدت دراسة منشورة في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأميركية (Proc Natl Acad Sci USA)، أنه وبغض النظر عن المقدار الإجمالي للنوم أو شدته، فإن الحد الأدنى من النوم المستمر أمر بالغ الأهمية لتعزيز الذاكرة.

وأيضاً، يرتبط الاستيقاظ المتكرر من النوم باضطرابات المزاج مثل الاكتئاب، وهذا ما أظهرته الدراسة المذكورة في المقدمة؛ التي أثبتت وجود علاقة قوية بين النوم المتقطع وتدني الحالة المزاجية، بالاضافة إلى تفاقم هذه المشكلات بعد أيام متتالية من النوم المتقطع؛ ما يعني أن هذا التأثير قد يتراكم بمرور الوقت. علاوة على ذلك، وجدت إحدى الدراسات المنشورة في مجلة الألم (Journal of Pain)، ازدياد الحساسية للألم في الأنسجة السطحية والعميقة بعد يومين فقط من النوم المتقطع.

عموماً، ووفقاً لدراسة منشورة في دورية طبيعة النوم وعلومه (Nature and Science of Sleep)؛ تشمل الآثار السلبية القصيرة الأمد للنوم المتقطع كلاً من زيادة الحساسية للتوتر والألم الجسدي، وانخفاض نوعية الحياة، والاضطراب العاطفي، واضطرابات المزاج، والعجز المعرفي، وضعف الذاكرة والأداء.

في حين تشمل الآثار السلبية الطويلة الأمد كلاً من ارتفاع خطر الإصابة بضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومشكلات التمثيل الغذائي مثل داء السكري من النوع الثاني، ومشكلات الوزن، وسرطان القولون والمستقيم.

اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن دَين النوم وكيفية سداده

أسباب نفسية وجسدية تقف وراء النوم المتقطع

يوجد العديد من الأسباب المحتملة للنوم المتقطع، وقد تسهم فيه عدة عوامل في آنٍ واحد؛ ومنها:

تقدُّم العمر

غالباً ما يمثّل النوم المتقطع مشكلة لكبار السن لأنهم يواجهون تغيراً طبيعياً في أنماط النوم لديهم؛ ما يؤدي إلى قلة وقت النوم العميق وزيادة النوم الخفيف؛ وهذا يجعلهم يستيقظون مرات عديدة ليلاً.

الإصابة ببعض الاضطرابات الصحية الجسدية

قد يسبب بعض الاضطرابات الصحية الجسدية مثل كثرة التبول الليلي، تعطيل النوم نتيجة الاستيقاظ المتكرر، وقد تسهم الاختلالات الهرمونية وأمراض المسالك البولية في تطور هذه الحالة. وكذلك، يمكن للحالات الصحية التي تنطوي على الشعور بالكثير من الألم أن تسبب تقطع النوم؛ وأبرزها التهاب المفاصل ومتلازمة التعب المزمن والتهاب الأمعاء والصداع المستمر وآلام أسفل الظهر المستمرة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يسبب توقف التنفس المفاجئ في أثناء النوم أو متلازمة تململ الساقين أو مرض الخدار (التعب الشديد المفاجئ والنوم دون سابق إنذار)، حدوث النوم المتقطع، إلى جانب أن العديد من المشكلات الصحية قد يهدد استمرارية النوم مثل مشكلات القلب والأوعية الدموية، والمشكلات الهرمونية والرئوية والعصبية.

اقرأ أيضاً: ما أسباب ظاهرة تسويف النوم؟ وكيف تتغلب عليها؟

الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية

غالباً ما يؤثر التوتر والقلق في جودة النوم، ناهيك بأن اجترار الأفكار السلبية والمشكلات قد يزيد صعوبة العودة إلى النوم بعد الاستيقاظ، وأحياناً تؤدي الكوابيس أو التحدث أو السير في أثناء النوم إلى تعطيل نمط النوم.

وبالإضافة إلى ذلك، تسهم الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية في تقطع النوم؛ إذ غالباً ما يعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب أو اضطراب القلق أو اضطراب ثنائي القطب أو الوسواس القهري، الأرقَ والنوم المتقطع.

مشكلات التعرض للضوء

قد تؤدي التغييرات التي تطرأ على تعرُّض الشخص لضوء النهار إلى تعطيل إيقاع الساعة البيولوجية، ويحدث هذا كثيراً مع الأشخاص الذي يعملون في نوبات ليلية ويضطرون للنوم في أثناء النهار، أو الأشخاص الذي يعانون اضطراب الرحلات الجوية بعد السفر عبر القارات.

تناول بعض الأدوية

يمكن أن يتداخل العديد من الأدوية الموصوفة مع النوم؛ إذ قد تسبب الأدوية المسكِّنة للألم مثل الأوكسيكودون والمورفين والكودين، تعطيل النوم أو تفكيك دورة النوم. بالإضافة إلى ذلك، قد تسبب أدوية الحساسية وأمراض القلب وارتفاعات الدم ومشكلات الغدة الدرقية والاكتئاب حدوث الأرق. وفي الأحوال جميعها، تجب استشارة الطبيب بشأن تغيير الدواء في حال اعتقاد أنه يؤثر في النوم.

اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب النوم القهري؟

نمط الحياة

تقول استشارية أمراض النوم، هالة أبو الخير إن ما نفعله خلال النهار يؤثر في جودة النوم على نحو كبير، وخصوصاً خلال آخر ساعتين قبل النوم؛ إذ يؤثر استخدام الأجهزة الإلكترونية وشرب المنبهات والكحول والتدخين وممارسة الرياضة المكثفة قبل النوم، سلباً في جودة النوم.

كيف يمكن منع النوم المتقطع أو معالجته؟

على الرغم من أنه ليست أسباب النوم المتقطع كلها خاضعة لسيطرتك، فإن ثمة بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لمحاولة منع النوم المتقطع قبل حدوثه أو معالجته؛ وهي:

علاج المشكلات الصحية

ينبغي التحقق من عدم وجود أي مشكلات صحية جسدية أو نفسية تؤثر في صحة الإنسان وقد تسبب النوم المتقطع، وعند وجود أي من هذه الحالات تنبغي استشارة المختص للحصول على العلاج المناسب وتحسين جودة النوم.

اقرأ أيضاً: من أجل نومٍ عميق وهادئ: إليك علاج الجاثوم

تحسين العادات والروتين المتعلق بالنوم

يُستخدم مصطلح "نظافة النوم" (Sleep Hygiene) لوصف العادات والروتين المتعلق بالنوم جنباً إلى جنب مع بيئة النوم؛ إذ يمكن أن يسهم الحفاظ على جدول نوم مستقر، وجعل جوّ الغرفة مريحاً وخالياً من المشتتات، واتباع روتين ما قبل النوم، وبناء عادات صحية في أثناء النهار، في تحسين نظافة النوم.

وللحصول على نوم صحي، ينبغي تحسين العادات المتعلقة بالنوم على النحو التالي:

  • الخلود إلى النوم والاستيقاظ في الوقت نفسه يومياً بما يشمل عطلات نهاية الأسبوع، مع إعطاء الأولوية للنوم وعدم تخطيه من أجل العمل أو الدراسة أو ممارسة الرياضة أو التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، إذا أردت تغيير أوقات نومك فلا تحاول فعل ذلك ضربة واحدة؛ لأن هذا يؤدي إلى إفساد جدول نومك؛ وإنما أجرِ تعديلات صغيرة خطوة بخطوة، ولا تفرط في قيلولة منتصف النهار حتى لا تؤثر في نوم الليل.
  • اتباع روتين ثابت قبل النوم يتضمن الكثير من الاسترخاء، ومحاولة التقيد بهذه الخطوات يومياً: ارتداء ملابس النوم وتنظيف الأسنان والاستماع إلى الموسيقا الهادئة والقراءة وتمارين الاسترخاء.
  • تجنب الكحوليات والسجائر والكافيين والوجبات الكبيرة الدسمة مساءً، خصوصاً قبل النوم مباشرةً أو بفترة قصيرة.
  • تقليل استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم ومحاولة عدم استخدامها أبداً في حالة الاستيقاظ من النوم ليلاً.
  • الخروج أو فتح الستائر خلال النهار لضمان التعرض الكافي لأشعة الشمس؛ لأن ضوء النهار، وخصوصاً أشعة الشمس، أحد المحركات الرئيسة لإيقاع الساعة البيولوجية، ويمكن أن يشجع النوم الجيد ليلاً.
  • ممارسة التمارين الرياضية بانتظام يومياً.

اقرأ أيضاً: كيف ترتبط جودة النوم بمواقف حياتنا اليومية؟

تحسين بيئة النوم

لضمان استمرارية النوم وتجنُّب النوم المتقطع، ينبغي التخلص من أكبر عدد ممكن من مصادر الإزعاج التي قد تمنع النوم المستمر، وإليك عدة نصائح لتحقيق ذلك:

  • استخدم ستائر مُعتمة ومصباح سرير خافت، وإذا لزم الأمر، استخدم قناع النوم لتجنُّب الانزعاج من الضوء الزائد.
  • ارتدِ سدادات الأذن أو استخدم آلة الضوضاء البيضاء لحجب الضوضاء المزعجة.
  • اضبط درجة حرارة الغرفة لتكون مريحة واجعلها تميل نحو البرودة.
  • تأكد أن مرتبتك ووسادتك وبطانيتك كلها مريحة.
  • جرِّب استخدام بعض الروائح الخفيفة مثل رائحة زهور اللافندر التي قد تساعد على الشعور بالهدوء والاسترخاء.

اقرأ أيضاً: ما يجب عليك فهمه عن جودة النوم وأثرها في صحتك

طلب المساعدة

في حال لم تستطع السيطرة على النوم المتقطع الذي تعانيه، عليك استشارة الطبيب المختص من أجل تحديد السبب النفسي أو الطبي الذي يؤدي إلى النوم المتقطع. وفي حال تعذر تحديد المشكلات الصحية أو العوامل البيئية الأساسية التي تسهم في هذه المشكلة أو تغييرها، فثمة مجموعة متنوعة من خيارات العلاج المتاحة لمساعدة المرضى الذين يعانون هذه المشكلات؛ مثل الأدوية والتأمل والعلاج المعرفي السلوكي وغيرها.

المحتوى محمي