ملخص: فيما يلي، نستعرض لكم العلاج النفسي الحسي الحركي الذي يرتكز على لغة جسد المريض لعلاجه من الصدمات والمشكلات النفسية التي واجهها في طفولته.
محتويات المقال
حينما يتعرض الإنسان إلى صدمات نفسية في الطفولة، فإنه يبتكر استراتيجيات للتكيف تستقر آثارها في لغة جسده التي يمكن الاعتماد عليها في عملية التعافي النفسي، فيما يعرف بالعلاج النفسي الحسي الحركي الذي يُعد أسلوباً حديثاً إلى حد ما.
المشكلة: نمط التعلق غير الآمن في الطفولة
يعاني الكثير منا مشكلات في العلاقات؛ مثل الاعتماد العاطفي، وعدم القدرة على الخروج من العلاقات السامة، والمحاولات اليائسة للعثور على شريك الحياة المناسب، والشعور بالوحدة، وغيرها، وهي عقد نفسية أو اضطرابات تؤثر سلباً في علاقاتنا مع الآخرين، سواء في المجال المهني أو العائلي أو العاطفي، دون أن نعرف الأسباب وراءها، وكل ما نعرفه هو أنها تفسد علينا حياتنا وحياة من حولنا أحياناً.
تقول المعالجة النفسية المتخصصة في العلاج النفسي الحسي الحركي، كارولين دوماس (Caroline Dumas): "يمكن أن تنجم هذه الأوضاع أو الأعراض عن تجارب مؤلمة". في بعض الأحيان، لا يحظى الطفل بالأمان الكافي في علاقته مع والديه وهما أول شخصين يتعلق بهما، فحينما لا يتفهم الوالدان مشاعر الطفل وحاجاته أو يتقبلانها، فإن الأخير يتبنى خلال نموه استراتيجيات تساعده على التكيف ليتمكن من الاستمرار.
ولكن استراتيجيات التكيف هذه؛ التي تسمَّى أيضاً أنماط التكيف والتي تؤثر في علاقاتنا المستقبلية، تتجلى قبل كل شيء في ردود أفعال جسدية، فالطفل الذي يرى رد فعل سلبياً من والديه حينما يبكي سيتعلم ألا يذرف دمعة أو يحاول الابتعاد عمن حوله. مثلاً حينما يسقط على الأرض ويوبخانه بسبب بكائه ويقولان له إن ما حدث ليس مؤلماً، فإنه سيحاول كبت أحاسيسه لظنه أن التعبير عنها يؤذي من حوله، أو على العكس سيحاول دائماً البحث عن طريقة تمنحه الطمأنينة وتهدئ هذه الأحاسيس التي يتعلم الجسد كيفية التعامل معها قبل العقل بوقت طويل.
اقرأ أيضاً: ما هو التعلق العاطفي المرضي؟ وكيف تتحرّر من العلاقات السامة؟
الحل: العودة إلى الجسد
في ثمانينيات القرن الماضي، ابتكرت مختصة العلاج النفسي الأميركية بات أوغدين (Pat Ogden) علاجاً نفسياً حسياً يعتمد على ذكاء الجسد، فالإيماءات والوضعيات وتعبيرات الوجه ونبرة الصوت والنظرات تعطي معلومات عن الأفكار اللاواعية التي تمثل بمجموعها السلوك النموذجي للفرد. لذلك؛ يستخدم هذا العلاج الجسم نقطة دخول رئيسة لبدء علاج المشكلات النفسية، من خلال تمكين المريض من إدراك آلياته النفسية اللاواعية إدراكاً تاماً.
ويركز هذا العلاج على ناحيتين، فهو يكشف عن ما يواجهه المرء أو واجهه في الماضي، وعن لغة جسده في الوقت ذاته. على سبيل المثال؛ حينما يتحدث المريض عن عدم ثقته بالآخرين فقد يحني ظهره في وضعية خضوع أو يضغط على فكه بغضب، أو يجلس على حافة الكرسي وكأنه يريد الفرار، أو يحمرّ خجلاً، أو يرفع يده وكأنه يقول توقف. توفر ردود الأفعال الجسدية هذه معلومات عن نمط التكيف الذي تبناه المريض فيما مضى لكنه أصبح مرهقاً له اليوم.
نُهُج علاجية مختلفة
تركز العلاجات معظمها، في مرحلة أو أخرى، على علاج الطفل القابع داخل المريض؛ الطفل الذي يعاني جرحاً نفسياً بسبب طبيعة تعلُّقه بوالديه. ومن هذه العلاجات التحليل النفسي الذي يسبر أغوار اللاوعي، ويعمل على تغيير الأفكار الخاطئة لدى المريض. كذلك، يمكن أن يكون العلاج بإزالة الحساسية وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين (EMDR) فعالاً في حالة الصدمات النفسية أو الإدمان. يمكن أيضاً اللجوء إلى الأساليب المنهجية مثل العلاج الزوجي أو العلاج الأسري، لتحسين علاقة المريض بأحبائه.
اقرأ أيضاً: إزالة تحسس العين: تقنية فريدة تساعدك على تجاوز الصدمات النفسية.
ماهية جلسات العلاج النفسي الحسي الحركي
تتمحور المرحلة الأولى من العلاج حول زيادة وعي المريض باستراتيجيات التكيف هذه، ومساعدته على تقبُّلها، وتذكيره بأنها مكنته من الاستمرار في وقت ما. تقول المختصة: "حينما يتقبل المريض حقيقة عجزه عن الثقة بالآخرين لأنه لم يتمكن في طفولته من وضع ثقته بأحد، فإن ذلك يعزز مرونته فيدرك أن عليه استكشاف ذاته أكثر بدلاً من محاولة تغيير سلوكه الإشكالي".
وخلال ذلك، يتابع المعالج ردود أفعال المريض الجسدية، وتضيف المختصة: "قد أطلب من المريض إبراز حركة محددة أو تكرارها؛ ومن ذلك حينما يرفع يده ليشير إليّ بأن أتوقف لكي أثبت له أنه قادر اليوم على وضع حد لما يزعجه، أو قد أشجعه على إيجاد معنىً لما يشعر به، فأسأله مثلاً: "كيف يمكن أن تعبّر عن غصة الحلق التي تشعر بها بالكلام"؟ أو تخيُّل نفسه يعيش تجربة حسية لم يتمكن من عيشها في الماضي؛ مثلاً النظرة الحانية التي افتقر إليها في طفولته والحضن الدافئ والداعم الذي لم يحظَ به".
يقترح المعالج على المريض دون أن يفرض عليه شيئاً، فالأخير يشعر جسدياً بما هو بحاجة إليه، ومع تطور أحاسيسه الجسدية، يمكنه تجربة مشاعر وأفكار وسلوكات جديدة في أثناء العلاج ثم مع الآخرين. وتقول المختصة: "يهدئ العلاج النفسي الحسي الحركي هذا الطفل القابع في الداخل الذي لم يحظَ بالأمان الكافي، وكذلك يُنصح باللجوء إليه في حالات التوتر أو الصدمات أو الاضطرابات العاطفية أو الاكتئابية".
تستمر الجلسة العلاجية 45 دقيقة، ويمكن أن تتضاعف هذه المدة، ولا سيما حينما يبدأ المعالج العمل على ردود الأفعال الجسدية، أما مدة العلاج ككل فقد تستمر عدة شهور وأحياناً سنوات، وهو الوقت الذي يستغرقه المريض لفهم أحاسيسه الجسدية والشعور بالتحرر النفسي اللازم لينعم بعلاقات مُرضية مع أحبائه.
اقرأ أيضاً: احذر الشك الزائد في علاقاتك مع عائلتك وأصدقائك.