إزالة تحسس العين: تقنية فريدة تساعدك على تجاوز الصدمات النفسية

تحريك العين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يؤكد إصدار أحدث كتاب من تأليف “فرانسين شابيرو”، مكتشفة علاج إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين، نتائج التجارب التي يجريها المتخصصون منذ 10 سنوات. إن التقنيات العلاجية التي تعتمد على تحريك العين ليست فعالة فقط في التعامل مع الصدمات الكبيرة ولكنها يمكن أن تفيد في علاج العديد من الحالات.
تعرضت “آن كلير” للإجهاض في الشهر الخامس من حملها عندما كان عمرها 32 عاماً. وتقول: “قال لي أخصائي الموجات فوق الصوتية ’لا أستطيع سماع قلب الطفل‘، وبقيت أبكي في كل مرة يتردد صدى هذه العبارة القصيرة في رأسي لأشهر”.

تعرّض “جان-جاك” الذي يبلغ من العمر 52 عاماً لحادث سير. ونتيجة لذلك، أصبحت تغمره ومضات من الألم في كل مرة يسمع فيها صفارة إنذار شاحنة الإطفاء، وهو نفس الصوت الذي سمعه في ذلك اليوم.

أما بالنسبة لـ “أليس” التي تبلغ من العمر 7 أعوام، فقد أصيبت بالإكزيما ورفضت الذهاب إلى المدرسة. حتى اكتشف والداها أن زملاءها قاموا بحبسها في المرحاض ما جعلها تعتقد بأنه لن يأتي أحد لإنقاذها.

يشترك كل هؤلاء الأشخاص بأمر واحد، وهو خضوعهم لآلية علاجية تسمى إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين. شهد كل من آن-كلير وجان-جاك وأليس أعراضهم تختفي بعد قيامهم ببضع استشارات فقط.

يمكن أن تكون فكرة هذا العلاج جذابة بالنسبة لأي شخص. وحقيقة أنه فعال هي الفكرة الرئيسية في كتاب “فرانسين شابيرو”، مكتشفة العلاج. أصبحنا في السنوات العشر الأخيرة أكثر دراية بهذه التقنية، والتي تمكّننا من إعادة برمجة دارات الذاكرة في الدماغ من خلال تحريك العين جيئة وذهاباً بشكل أساسي. لكن يعتقد الكثيرون أن هذا العلاج مخصص فقط للذكريات المؤلمة بشكل خاص (مثل ذكريات التعرض للعنف و والاعتداء الجنسي والحوادث المختلفة والوفيات والكوارث الطبيعية والهجمات وما إلى ذلك) وذلك دون شك لأن المنظّمات الصحية العالمية أكدت أن الأعراض التي يعاني منها المرضى تعود لاضطراب ما بعد الصدمة الشديد (وتشمل هذه المنظمات معهد “إنسيرن” للأبحاث في فرنسا والجمعة الأميركية للطب النفسي في 2004 والمعهد الوطني للتميز في الطب السريري في المملكة المتحدة في 2005 والهيئة الفرنسية العليا للصحة منذ 2007 ومنظمة الصحة العالمية منذ 2012). لكن هذه الفكرة تتجاهل بتسرّع نشأة اكتشاف هذه الطريقة العلاجية.

اكتشاف بالصدفة

كانت “فرانسين شابيرو”، عالمة النفس الأميركية تجلس في عام 1987 قرب بحيرة وتفكّر بأفكار سوداوية. وأدركت عندما نهضت بعد بضع دقائق أن هذه الأفكار أصبحت أقل وطأة. أدركت شابيرو بعد أن تساءلت عن سبب ذلك أنها كانت تراقب تحليق الطيور ذهاباً وإياباً فوق البحيرة. ووجدت أنه عندما اختبرت مع أصدقائها تحريك الأعين جيئة وذهاباً أن جميعهم شعروا بأن أفكارهم أو مشاعرهم السلبية قد اختفت. أجرت شابيرو في 1989 تجربة على مجموعة من المحاربين القدماء الذي خاضوا حرب فيتنام. وعرضت هذه الطريقة العلاجية في كتابها بعنوان “عيون للشفاء” الذي نشر في 2001 (شركة “بوينتس” للنشر، 2014). طبّق “ديفيد سيرفان شرايبر”، الطبيب النفسي العصبي المتخصص في الروابط بين الدماغ والعواطف هذا “العلاج السريع” في فرنسا ثم أنشأ في 2002 المعهد الفرنسي لعلاج إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين وروّج لهذه الطريقة العلاجية في كتابه الأكثر مبيعاً “الشفاء” الذي نشر في 2003.

يقول “كريستوف ماركس”، الطبيب والممارس المرخص من قبل الجمعية الفرنسية لعلاج إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين في فرنسا: “أظهرت الدراسات التي أجريت على مدى السنوات العشر الأخيرة أن هذه التقنية يمكن أن تكون فعالة في التعامل مع حالات متنوعة مثل الاكتئاب وانعدام الأمن الداخلي واضطرابات مثل سلس البول أو طنين الأذن.  من الواضح أن المشكلات النفسية غالباً ما تكون نتيجة صدمة لم تتم ’إعادة معالجتها‘، سواء كانت عرضية أو متكررة”. هذا ما تقوله فرانسين شابيرو في كتابها أيضاً. أظهرت التجارب التي أجريت على مدى 20 عاماً لماركس أن هذه المشكلات يمكن حلها بنفس الطريقة.

تقنية ناجحة

اليوم، يؤكد الأخصائيون أنه ليس من الضروري حتى أن يكون المرضى قد عانوا من صدمة حتى يستفيدوا من هذا العلاج. لم تكن تعاني “آن” البالغة من العمر 62 عاماً من أي مرض معين قبل بضعة أشهر من تقاعدها من التدريس. تقول آن: “لكن فجأة، بدأت أشعر بإحساس مؤلم من الاختناق والضيق والخفقان”. خضعت آن بعد ذلك إلى علاج إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين. وتقول: “كانت الجلسات الأولى مثل عاصفة، إذ كنت أبكي بطريقة لا يمكن التحكم بها وشعرت بضيق في النفس ورعاش. لكن لاحظت من البداية تراجعاً تدريجياً في الأعراض. حدث كل شيئ كما لو أن هذه الجلسات قد كشفت لي عن أسباب الشعور بالضيق والذنب وعدم الاعتراف، والتي قمت بتجاهلها بالتركيز على مهنة كرّست فيها نفسي للآخرين لأني لم أكن قادرة على التخلص منها. أعتقد أن جسدي الذي عانى أولاً من الأعراض أدرك أن هذه المشاعر ستسيطر علي بعد تقاعدي لأني لن أتمكن من تجاهلها بعد الآن”.

توجد الكثير من الشهادات الشخصية التي تشيد بفاعلية هذه الطريقة العلاجية على الإنترنت. وحسب ممارسيها، تتجاوز هذه الشهادات التوقعات. هذه الأداة فعالة للغاية وسهلة الاستخدام لدرجة أن جمعية إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين الفرنسية تحرص بشدة على توفير الدعم النفسي الذي يجب تقديمه لتجنب الإفراط في الاستخدام أو الوقوع ضحية الدجالين. علاوة على ذلك، تقدّم هذه الجمعية الاعتمادات للمهنيين بشرط أن يكون لديهم لقب معالج نفسي على النحو المحدد في المرسوم الصادر في 20 مايو 2010 والذي يستثني العديد ممن يطلق عليهم الآن معالجين نفسيين. ولهذا يوجد العديد من الفنيين المتخصصين في تقنية التحفيز الثنائي المتناوب العلاجية الذين يعملون تحت مسميات أخرى.

تقول “ليلي روجيري”، أخصائية العلاج بالتنويم الإيحائي: “تعتبر إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق تحريك العين تقنية تنويم. ندخل مجال التنويم في اللحظة التي نستخدم فيها العواطف لتحفيز استجابات جديدة منبعها اللاوعي. ولكن من الضروري أن يقوم معالج متخصص يعلم كيف يجب أن يتعامل مع هذه العواطف في بيئة تدفع المريض على الاطمئنان بإجراء هذا العلاج. هذه البيئة هي الوحيدة المناسبة للحوارات التي يمكن أن تنتج عن هذه المشاعر، سواءً كان العلاج المستخدم هو إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين أم إعادة معالجة معلومات الصدمات عن طريق حركات العين أم التكامل عن طريق حركات العين”. القاعدة هي نفسها بالنسبة لأي علاج، وهي تنص على أنه إذا لم تشعر بأن معالجك يدعمك ويحتوي مشاعرك ويوفر لك الأمان، فيجب أن تلجأ لغيره.

آلية عمل العلاج

يطلب الممارس من المريض التركيز على عاطفة أو ذاكرة سلبية بعد إجراء عدد من المقابلات التمهيدية. ثم يبدأ سلسلة من المحفّزات الثنائية المتناوبة التي تربط بين نصفي الدماغ إما من خلال حركات العين أو التحفيز اللمسي (والتي تسمى “الربط“) على ذراعي المريض بالتناوب بين اليمنى واليسرى على سبيل المثال. يُطلب من المريض بين كل سلسلة من المحفزات ملاحظة التغيرات العاطفية التي تحدث في جسده والصور التي يتخيّلها. يقول ماركس: “يستغل التحفيز الثنائي المتناوب قدرة الدماغ على الشفاء الذاتي. يتم إعادة تشكيل دارات معالجة الذاكرة بطريقة تجعل الذاكرة المؤلمة غير مؤلمة، سواءً كانت واعية أم لا. ما يمنع استحضارها عن توليد مشاعر سلبية. تتيح تقنيات التحفيز الثنائي المتناوب نقل الذاكرة المؤلمة إلى مستوى القشرة الدماغية. ما يسمح للدماغ بإعادة برمجة مناطق الذاكرة.

المحتوى محمي !!