العيدية “وحق الملح”: كيف تعزز هدايا العيد صحتنا النفسية؟

3 دقائق
العيدية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: العيدية هي تلك البهجة المُنتظرة من كلّ طفلٍ عربي وزوجة، ومن الأحباب الذين يمنحون الهدايا ويتلقّونها أيّام عيد الفطر كرمزٍ من رموز الاحتفال، وتعبيراً عن المودّة والرحمة والتعاطف. آثار العيدية النفسية عديدة، ويستفيد منها المانح قبل المتلقّي.

يوضّح استشاري الصحة النفسية وليد هندي، إنّ العيدية تسهم في غرس السلوك الاستقلالي لدى الأطفال، وتجعلهم يشعرون بالحب؛ كما يمكن أن تعلّمهم بعض القيم الاجتماعية مثل الشكر والشعور بالعرفان والترابط الأسري والاجتماعي.

ولا تنحصر مزايا إعطاء العيدية بالأطفال فقط، فالزوجة تحظى بنصيبها من عيدية عيد الفطر أيضاً، تقديراً لجهودها في تحضير الطعام والاعتناء بأسرتها طوال شهر رمضان. وعلى سبيل المثال؛ يُحتفى بالزوجة في تونس من خلال عادة معروفة بـ "حق الملح"؛ وهي عبارة عن هدية تكون عادةً قطعة ذهبية يمنحها الزوج لزوجته لأنها كانت تتذوّق درجة ملوحة الطعام دون ابتلاعه وهي صائمة لكي تحرص على أن يكون الأكل مناسباً لأسرتها.

تختلف طقوس العيدية وأشكالها من بلد عربي إلى آخر؛ لكن آثارها النفسية العظيمة لا تطال من يتلاقّاها فحسب، فقد أثبتت الدراسات أنّ مَن يمنح الهدية ويقدّم العطايا يمكن أن يكون من أكثر من يجنون فوائد العطاء النفسية والجسدية.

ماذا يحدث في دماغك حين تعطي العيدية؟

أشارت الجمعية الأميركية (APA) إلى وجود دراسات تؤكّد إنّ تقديم الهدية لا يُسعد من يتلاقّاها فقط؛ بل في الواقع يمكن أن يجعل مانحها أكثر سعادة، فتقديم الهدايا ينشّط مسارات المكافأة في الدماغ، ويحفّز إفراز هرمون الأوكسيتوسين (Oxytocin) الذي يعزّز الثقة والأمان والتواصل، وهرمون الدوبامين (Dopamine) الذي يعطي إحساساً بالمتعة، وهرمون السيروتونين (Serotonin) الذي ينظّم الحالة المزاجية. وحتى عملية التسوّق لشراء الهدايا وتغليفها يمكن أن تجعلنا نشعر بتحسّن، بغض النظر عن تبادل الهدايا الفعلي.

وفي حين أن التجربة قد تختلف من شخصٍ إلى آخر، فإن إعطاء الهدايا واستلامها بين أشخاص يتبادلون المحبّة والرعاية يمكن أن يجلب المتعة والرضا، فإنفاق المال على شخص آخر غيرنا يعزّز السعادة. هذا لأنه عندما نتصرّف بسخاء، سواء كان ذلك بالتبرّع بالمال للأعمال الخيرية أو إعطاء العيدية للأطفال والأحبّاء يوم العيد، فإنه يخلق تفاعلاً أكبر بين أجزاء الدماغ المرتبطة بمعالجة المعلومات الاجتماعية والشعور بالسعادة.

لكن حين يصاحب التوتّر والقلق تقديم الهدية أو العطاء فإنه يمكن أن يُبعدنا عن متعة التجربة، لذلك من المهم تحديد التوقعات وإعادة صياغة تجربة تقديم الهدايا.

أما حين يتعلق الأمر بعيدية عيد الفطر، فإن رمزيتها وطابع المودة والعطف الذي تتميّز به يجعل منها العطاء الأمثل لنشر السعادة الحقيقية في يوم العيد.

اقرأ أيضاً: 5 إشارات تدلك إلى الحب الحقيقي

عطاؤك يعود عليك بفوائد جسدية ونفسية

لا يتعلق العطاء بمساعدة الآخرين أو إبهاجهم فقط؛ إذ يمكن أن نجني العديد من ثماره في تعزيز الصحة الجسدية والنفسية؛ حيث نذهب إلى أبعد من ذاك الشعور الدافئ الذي نحسّه حين نقدّم عيدية العيد أو هدية لأحبائنا. ومن بين تلك الفوائد نجد ما يلي:

  • خفض ضغط الدم: وجد الباحثون أن العطاء للآخرين يمكن أن يخفض ضغط الدم ويحمي صحة القلب؛ حيث يتشابه تأثيره مع النتائج الإيجابية الناتجة من اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة.
  • إطالة العمر: قد لا ينطوي سر العيش لفترة أطول في التركيز على الاهتمام بالنفس؛ حيث تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يتطوعون يميلون إلى العيش لفترة أطول.
  • تخفيف الضغط: يمكن أن يخفّض تقديم الهدايا أو التطوّع من مستويات الكورتيزول؛ وهو هرمون التوتّر المُسبّب للإرهاق أو القلق.
  • تحفيز نشوة المُساعد: يمكن أن يحفّز العطاء مركز المكافأة في المخ مُطلقاً هرمون الإندورفين (Endorphins)؛ ما يؤدي إلى ما يُعرف باسم "نشوة المُساعد" (Helper's High) التي تعزّز احترام الذات وترفع السعادة وتحارب مشاعر الاكتئاب.

لإعطاء العيدية للأطفال وقع خاص في نفسياتهم

الأطفال أكثر مَن ينتظر العيد، وذلك لما يجلبه لهم من بهجة وملابس جديدة وأكلات شهية وعيدية ثمينة من أسرهم. يقدّم التونسيون "المهبة" للصغار في عيد الفطر؛ وهي مبلغ مالي يختلف قدره باختلاف القدرات المالية لكل أسرة. ويأخذ الأطفال في السعودية عيديتهم في ما يُعرف بـ "حوامة العيد"؛ وهي موروث شعبي قديم حيث يقوم الصغار بالتجوال في أحيائهم وطلب العيديات من الجيران.

ويحصل الأطفال في المغرب على "فلوس العيد"، وفي الكويت يملؤون بطونهم الصغيرة بـ "القرقيعان"؛ وهي عبارة عن خليط من المكسرات والزبيب. وهكذا يتفنّن سكان المنطقة العربية، كلٌّ بطريقته، في إدخال الفرحة والسرور إلى قلوب صغارهم يوم العيد، ولذلك أثر كبير في صحتهم النفسية.

ويشير أستاذ علم النفس الإكلينيكى ورئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، جمال شفيق أحمد إلى الفوائد النفسية لعيدية الأطفال المتمثّلة في تعليمهم معاني الرحمة والتعاطف، حين يقتسمون عيدياتهم مع طفل يتيم أو فقير، وحثّهم على تحمّل مسؤولية الحرية المالية من خلال مبالغ العيدية التى يتصرّفون فيها حسب حاجتهم، ويدّخرون منها إن رغبوا بذلك. كما لا ننسى الدور الذي تؤدّيه العيديات في إظهار الحبّ والمودة من الأهل والأقارب و ترسيخ الترابط والدفء الأسري.

ويشير وليد هندي إلى بعض الأخطاء التي قد يرتكبها الآباء حين يفرّقون بين بين الولد والبنت في مبلغ العيدية؛ حيث تترتّب عن ذلك آثار نفسية تتجرّعها الفتاة في الإحباط والشعور بالقسوة العاطفية قد تمتدّ مدى العمر، فتشعر دائماً أنها مسلوبّة الحقوق، لذلك يجب عدم التفرقة في عيدية الأطفال لما لها من وقع عميق في نفوسهم.

اقرأ أيضاً: هل من الآمن أن يشاهد أطفالك برامج المقالب الرمضانية؟

العيدية تقليد عربي جميل، وفرصة تمتد لـ 3 أيام لكلّ من يريد أن يُدخل البهجة والسرور إلى قلوب أحبائه. وما يجعلها تقليداً ينبغي التشبّث به أكثر هي الآثار النفسية الإيجابية التي يتركها العطاء لدى من يقدّمه، فله فوائد تصل إلى حدّ التخفيف من الضغط الدموي ومحاربة مشاعر الاكتئاب.

المحتوى محمي