5 إشارات تدلك إلى الحب الحقيقي

إشارات تدلّ إلى الحب الحقيقي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يمثل الغموض، والخوف، والمغامرة، والرغبة، والإحساس بالوجود الفعلي، 5 إشارات تدلّ إلى الحب الحقيقي، ونتعرَّف إليها أكثر في هذا المقال.

“لماذا ما تزال على علاقة بها”؟ كم مرّةً طرحنا هذا السؤال على أصدقائنا الغارقين في قصص حبّ مؤلمة؟ وكم من مرّة تساءلنا في أنفسنا عن السبب الذي يدفعهم إلى الحفاظ على هذه العلاقات غير المُرضية؟ من المؤكد أن هذا النوع من العلاقات ليس حباً، فما الحبّ الحقيقي إذاً؟ هل هو شعور يجعلنا سعداء دائماً؟

الجواب حسب نظريات التحليل النفسي هو: “لا”، فالحب “الحقيقي” لا علاقة له بالراحة النفسية! فحتّى بعد تجاوز مراحله الأولى وتحقيق الانسجام بين الحبيبين، يظل الحب شعوراً غير مريح، عكس ما يمكن أن نعتقده، فهو يقلب مشاعرنا رأساً على عقب، ويهزّنا من الداخل ويربطنا بالآخر على نحوٍ غريب في إطار ملحمة لا تخضع لأي منطق. هذه محاولة لاستكشاف بعض علامات الحب الحقيقي.

البحث عن الآخر الغامض

يُعد الحب لغزاً بالنسبة إلى الذين يعيشونه، أو حتى الذين يتأملونه، لأنهم يشعرون به لكنهم لا يفهمونه، فلماذا؟ لأن ما يربطنا بالآخر غير قابل للتفسير. الحب الحقيقي هو التقرّب من الآخر، ليس فقط من أجل شكله (جماله، وشبهه بهذا أو ذاك)، ولا من أجل ما يرمز إليه (أب، أم، سلطة، مال)؛ وإنما من أجل السر الذي يحمله والغموض الذي يثيره. هذا السر الذي لا نعرف حقيقته، يرتبط بالسر الذي نحمله نحن؛ أي ذلك النقص الذي نشعر به منذ الطفولة، وتلك المعاناة الفريدة التي لا يمكننا وصفها. يوضح المحلل النفسي باتريك لامبولي (Patrick Lambouley): “الحبّ يخاطب الجانب المجهول في شخصية كلٍ منا،

فهناك فراغ في هذه الشخصية يمكن أن يتسبب في هلاكنا. إن الحب إذاً لقاء بين جرحَيّ العاشقين وبين نقطتَيّ ضعفهما، وتقاسُم لاحتياجاتهما الحيوية التي لا يمكنهما البوح بها أبداً”. ليس الحب الحقيقي أن تقول للآخر: “أرِني ما لديك” أو “أعطني ما لديك لكي أسد النقص الذي عندي”؛ بل أن تقول: “أحب الطريقة التي تحاول أن تتعافى بها، وتعجبني الندبة التي في جسدك”. لا علاقة لذلك بأسطورة النصف الآخر والحب الأفلاطوني المثالي الذي لا يتصور العاشقَين منفصلَين عن بعضهما بعضاً، لأن الحب إذاً هو ما “يوحدنا” ويسعدنا. ويلاحظ باتريك لامبولي أن: “هذا هو سبب الفشل المحتم للعديد من العلاقات الزوجية، عندما تكتشف أنك غير راضٍ عن هذه العلاقة، فتعتقد أن السبب في ذلك هو أنك لم تجد المرأة التي “تلزمك” وأنّ عليك إذاً تغيير الشريك، وهذا ليس المطلوب طبعاً”، لأن الحب الحقيقي هو أن تؤكد للآخر أهميته بالنسبة إليك.

الخوف من خسارة المحبوب

أن تحب يعني أن تخاف باستمرار من خسارة حبيبك. هذا ما يوضحه سيغموند فرويد (Sigmund Freud) في كتابه “قلق في الحضارة” (Malaise dans la civilisation): “إننا نتعلّق بالآخر لأننا نحتاج باستمرار إلى دعمه في حياتنا، ومن هنا يأتي الخوف من فقدانه”. وتفسّر الفيلسوفة والمحللة النفسية مونيك شنايدر (Monique Schneider) ذلك قائلةً: “الحب ينطوي على المغامرة. إنه يولّد إحساسا بالتيه؛ إذ يمكن أن نحطم هذا الحب لأننا متخوفون جداً من الدخول فيه، أو أن نهدمه ونحن نحاول البوح به، أو أن نقلل من أهميته بسبب أنانيتنا، وسبب هذا كله هو الرغبة في الاحتماء من السيطرة المفرطة للآخر علينا”.

وعلاوةً على ذلك، يؤكد فرويد إن الحب والموت متلازمان في لا وعي العاشق؛ إذ يمثل الحب رغبته في الارتباط بالآخر، أما الموت فيمثل الدافع الذي يحثه على قطع هذه العلاقة حتى تظل “الأنا” قويةً جداً؛ حيث يدفعه الحب صوب الانسلاخ عن الذات، بينما تقاومه “الأنا”. ويوضح المحلل النفسي جان جاك موسكوفيتز (Jean-Jacques Moscovitz) ذلك بالقول: “من الصعب الانسلاخ عن الذات، وعندما نقع في الحب فإننا نشعر أنّ ثمة صراعاً في أنفسنا، فالحب يلمس كينوناتنا وهوياتنا، والقليل من الناس ينتبه إلى ذلك.

لقد وجدوا أنفسهم وحيدين ويشعرون بالراحة في هذه الوحدة؛ لكن عندما ننجو في تجربة الحب من التمزق العاطفي والخلافات، نصل إلى حالة نفسية رائعة تعزز هذا الشعور”. إن الحب الحقيقي ليس عقد صفقة؛ بل هو شعور قوي يعرّض طرفيه للخطر، ولا يجب أن ننسى ذلك عندما نفقد الثقة، أو عندما يبدو الآخر وكأنه “لم يعد يحبنا”.

توضح مونيك شنايدر: “عندما يقاوم أحد الطرفين شعوره بالحب، فهذا لا يعني أنه ليس مغرماً؛ إنه فقط يخاف أن يكبّله هذا الحب”. 1. “قلق في الحضارة” لمؤلفه سيغموند فرويد. 2. مونيك شنايدر مؤلفة كتاب “قضية الحب عند فرويد وسبينوزا وراسين” (La Cause amoureuse, Freud,Spinoza, Racine) 3. جان جاك موسكوفيتز (Jean-Jaques Moscovitz) مؤلف كتاب “فرضية الحب” (Hypotèse amour).

تقبّل المغامرة مع المحبوب

الحب الرومانسي الذي يشتعل ثم يخبو مجرد أسطورة، فالحب لا يتجه دائماً نحو الأفول بل قد يتخذ اتجاهاً معاكساً، وعلينا أن نتقبل في تجربته إمكانية فقدان السيطرة على مشاعرنا.

تضيف مونيك شنايدر: “نحن لا ندخل من خلال الحب إلى عالم نتحكم فيه أو يخضع للمنطق. يمكننا أن نمر بمراحل متقلبة في تجربة الحب، فلحظات السعادة الغامرة قد تقابلها أوقات كئيبة جداً طبعاً؛ لكن الاقتناع بأن الحب لا يمكن أن يدوم يعني أننا ورثنا ماضياً يمنعنا من الثقة بأنفسنا وبالآخر.

ولكي تحبَّ حقاً؛ عليك أن تؤمن بالمعجزات أو بما يسميه فرويد “الانتظار الواثق”، لذلك يجب الحفاظ على جذوة الحب التي يمكن أن تشتعل من جديد، دون اشتراط بلوغ الرضا الفوري”. علينا تقبّل المجهول والتحلي بالصبر.

الشعور بالرغبة

لا شك في أن الحبّ رغبة في الآخر؛ بل هو أكثر من ذلك حسب جان جاك موسكوفيتز: “فالعلاقة الجنسية تساعدنا على الحب، ودون التفاعل الجسدي يكون هذا الحب ناقصاً لأنه يتطلب اللذة النابعة من الرغبة. والزوجان اللذان يحبان بعضهما بعضاً يشعران عادةً بمتعة إضافية كما يتلاشى الاختلاف الجنسي بينهما خلال العلاقة الجنسية، فلا نستطيع التمييز بين طرفيها اللذين يندمجان معاً ويُلغيان وجودهما كأفراد، فيشكلان جسداً واحداً وتصبح المتعة غامرةً”. ودون حب، نعيش اللذة كوسيلة للتخلص من التوتر لا أقل ولا أكثر، علماً أن الاستمتاع بعاطفة جياشة وتجربة مؤثرة يستدعي منّا أن نحبّ حقاً: “فمع الحب نحصل على متعة مختلفة”، تضيف مونيك شنايدر.

فهل نفهم من ذلك أن تراجع الرغبة يعني تراجع الحب؟ إطلاقاً، لأننا حسب مونيك شنايدر: “قد نشعر بسعادة غامرة نفرح خلالها بوجود الآخر كما هو؛ بل إننا نشعر بالرضا فقط لأنه موجود معنا”. وبعيداً عن لحظات التأمل هذه، هناك زوجات يفصلن بين الحب والرغبة. يضيف جان جاك موسكوفيتز: “هنّ لا يفعلن ذلك بسبب افتقارهن للمشاعر بل على العكس من ذلك؛ إنهن يشعرن بأن إقبالهن بقوة على الحب سيمحو شخصياتهن، فيفصلنه عن الرغبة خوفاً من الذوبان في هذه العلاقة الجسدية”. تلوذ الزوجات بهذا العشق، ثم تلجأن بعد ذلك إلى شكل آخر من أشكال العلاقة الجسدية؛ وهو العناق الذي يمثّل الإحاطة بالآخر.

الإحساس بالوجود

يقول جان بول سارتر (Jean-Paul Sartre): “أن تُحَبّ يعني أن تبرّر وجودك”. إن الحب الحقيقي هو هذه التجربة التي تعطي لوجودنا في العالم نوعاً من الشرعية، وتوهمنا بأن حبّنا فريد من نوعه، ويصبح الآخر من خلالها تجسيداً للنموذج المثالي الذي لا وجود لنا إلا من خلال نظرته إلينا. إن الحب يجعل من المحبّ طفلاً مقتنعاً بأن الآخر يمتلك قوةً مطلقةً، وأن غيابه خسارة لهذا العالم، ولذلك يختار المحبّون بعضهم بعضاً.

يتبنى فرويد قضية الاختيار هذه من أجل التمييز بين الحب الحقيقي و”الحبّ الخيري” الموجّه نحو الإحسان. في تجربة الحب الحقيقي نثق بالآخر ثقةً عمياء ونعترف له بأهمية القصوى في حياتنا، فنحترمه ونقدره ونعتقد أنه لا يعَوّض؛ وكأننا اكتشفنا كنزاً ولم نعد نشعر بالوحدة. إن هذا الآخر يضم عالمه إلى عالمنا لننفتح على آفاق أخرى، وعلى عواطف لم نكن نشعر بها بالقوة ذاتها في السابق. ثم نصبح أكثر “وعياً”، ونشعر بالأمان لأنه عرف كيف يستكشف مشاعرنا، “فالحب الحقيقي يقوي حقاً إحساسنا بالوجود”، هذا ما تخلص إليه مونيك شنايدر.

المحتوى محمي !!