هل تعاني أفكاراً سلبية أو مزعجة؟ وهل تشعر بصعوبة في التركيز على اللحظة الحاضرة أو الاسترخاء؟ قد تراودك أفكار غير عقلانية، حول الواقع والأحداث والأشخاص وحتى نفسك؛ كأن تعتقد أنك شخص فاشل ولن تنجح أبداً، أو تتوقع حصول حَدَث بطريقة كارثية غالباً؛ كأن تكون على متن طائرة وتظن أنها ستتحطم لا محالة عند مرورها باضطرابات هوائية!
محتويات المقال
وتكمن مشكلة الأفكار غير العقلانية في أنها يمكن أن تعوق استمتاعك بالحياة، فترتب يومك وفقاً لما تمليه عليك هذه الأفكار. لكن يمكن التعامل مع التأثير الذي تُحدثه هذه الأفكار غير العقلانية من خلال معرفة الأسباب الجوهرية خلف هذه الأفكار، وتعلُّم كيفية التعامل معها؛ لتعزيز نظرة أكثر توازناً وواقعية إلى الحياة.
ما هي الأفكار غير العقلانية؟
هي أفكار لا تعتمد على المنطق أو العقل أو الفهم، وتستند في الغالب إلى افتراضات خاطئة، أو تصورات مشوهة، أو تحيزات معرفية، أو تجارب سابقة، سواء كانت إيجابية أم سلبية؛ ويمكن أن تؤدي إلى مشاعر وسلوكيات سلبية.
يمكن لهذه الأفكار أن تُشعرك بالعزلة وتدفعك إلى التساؤل عما إذا كان الجميع يفكر بالطريقة ذاتها؛ إلا أن طرائق تفكيرنا في الحقيقة مختلفة وفريدة، فهي مثل بصمات أصابعنا تميز كلاً منا عن الآخر. فبينما تنبع أفكار البعض من أحداث مر بها في الماضي؛ قد تركز أفكار البعض الآخر على المستقبل.
وهي ليست بالضرورة أفكاراً سيئة، لكنها قد تخلق أنماط تفكير مشوهة تمنعك من رؤية الأشياء بواقعية، وتشكل معتقداتك، وحالتك المزاجية، وكيفية نظرتك إلى نفسك والآخرين والحياة بصفة عامة؛ حيث تؤثر هذه التشوهات المعرفية التي يسببها هذا النمط من التفكير غير العقلاني في طريقة معالجة عقلك للمعلومات، وإصدار أحكامك وتقييماتك واستنتاجاتك حول المواقف المختلفة، دون الاعتماد على أدلة أو منطق.
تُعد هذه الأفكار غير العقلانية طريقة تكيف يمكن أن تتبعها عقولنا في محاولة للاستعداد لنتيجة ما؛ من أجل تخفيف حالة عدم اليقين حول ما يمكن أن يحمله المجهول إلينا، خاصة عند توقع حدث قد يُشعرنا بالضغط؛ مثل السفر على متن طائرة للمرة الأولى، أو تقديم عرض تقديمي، وما يمكن أن تنطوي عليها هذه الأحداث من مخاوف لدى الشخص؛ فقد يعتقد الراكب أن الطائرة ستتحطم، أو يظن مقدم العرض أنه لن يستطيع تقديمه لأنه ليس جيداً بما يكفي مثلاً.
يمكن للأفكار غير العقلانية أن تراود أي شخص، ومعظمنا قد واجه ذلك، خاصة في أوقات الضغوط النفسية، وتزداد قابلية التفكير غير العقلاني لدى الأشخاص الذين يعانون بعض الاضطرابات النفسية؛ مثل الاكتئاب والقلق والوسواس القهري، أو الاضطرابات الذهانية؛ مثل الفصام.
تكمن مشكلة هذه الأفكار في أن إيمانك بفكرة غير عقلانية من الأرجح أن يؤدي إلى المزيد من الأفكار غير العقلانية الأخرى، ويمكن أن تستمر هذه الحلقة المفرغة للأبد؛ إذا لم تتمكن من إدارة ردات فعلك حيال هذه الأفكار.
ويمكن للبعض بمجرد اكتشاف هذه الأفكار أن يتخلص منها؛ لكن قد يتشبث بها البعض الآخر، حتى مع معرفته أنها غير عقلانية. وفي هذه الحالة، يمكن أن تؤثر سلباً في مختلف جوانب الحياة التي تشمل العائلة والأصدقاء والعمل وغير ذلك.
اقرأ أيضاً: التشوهات المعرفية: كيف نقع أحياناً ضحية أفكارنا؟
3 أنواع شائعة للأفكار غير العقلانية
يمكن تصنيف هذه الأفكار وفق 3 فئات شائعة:
- التنبؤ (Forecasting): هو التنبؤ بوقوع حدث مستقبلي، وغالباً يكون بطريقة كارثية. فإذا كنت على متن طائرة مثلاً، وحدثت بعض الاضطرابات الهوائية، قد تفكر أنه من المؤكد وجود خطب ما بالطائرة؛ ما يزيد شعورك بالخوف والقلق. تكمن المشكلة في هذا النمط من التفكير في أنه قد يخرج عن السيطرة مع تنامي الشعور بالذعر، واعتقادك أن الطائرة ستتحطم.
- هزيمة الذات (Self-defeating): قد تجد نفسك تستخدم كلمات مثل "ينبغي" أو "يجب"؛ كأن تقول: "يجب ألا أخاطر أبداً حتى لا أفشل" أو "إذا انتقدني أحدهم فلا بدّ أن هناك عيباً ما بي". تُعد مشكلة هذا النمط من التفكير الناقد للذات أنه يعتمد على مبدأ "الكل أو لا شيء"؛ ما يُفاقم شعور القلق لديك. وتزيد هذه الأحكام القاسية الأفكار الانهزامية، فتبدأ في إلقاء اللوم على نفسك لشعورك بالخوف، وقد تبالغ في التعميم باستخدام كلمات على شاكلة "سأظل هكذا دائماً" أو "أنا مصدر لخيبة الأمل" أو "ضعيف" أو "مثير للشفقة"؛ ما يزيد شعورك بالعجز.
- قراءة الأفكار (Mind-reading): إذ قد تفكر في داخلك مثلاً من خلال تعبيرات وجه المضيفة في الطائرة، أن هناك مشكلة جسيمة في الطائرة، أو قد تعتقد بطريقة خاطئة أن الآخرين يصدرون أحكاماً عليك، على الرغم من عدم وجود ما يدل على ذلك؛ ما يمكن أن يُشعرك بالذنب والقلق، ونفور الآخرين منك، وقد يراودك إحساس بالدونية معتقداً أنك أقل من الآخرين، أو عليك أن تُرضي الآخرين، وأن تكون محبوباً منهم ومثالياً في نظرهم كي تحظى بالقبول. ومثل هذه الأفكار الداخلية ترسم تحيزاتنا وافتراضاتنا استناداً إلى التعبيرات على وجه شخص وحسب؛ والتي تكون على الأرجح مخالفة لما يفكر فيه هذا الشخص أو يشعر به.
اقرأ ايضاً: 6 أنواع للتشوهات المعرفية قد تشل تفكيرك، اعرفها لتتجنبها
10 طرائق للتعامل مع الأفكار غير العقلانية والتفكير بمنهجية صحية
يُعد التعرف إلى الأفكار غير العقلانية والتعامل معها أمرين ضروريين للنمو الشخصي والرفاهية، فكلما ازدادت درايتك بطريقة تفكيرك، واستطعت التقاط الأفكار غير العقلانية، وما يمكن أن يحفزها؛ ازدادت سهولة تغييرها. ويوجد العديد من الطرائق والاستراتيجيات الفعالة لإدارة الأفكار غير العقلانية، وتطوير طرائق تفكير صحية:
- تعرف إلى الأفكار غير العقلانية: في البداية، قد تجد صعوبة في التقاط الأفكار غير العقلانية؛ فهي عادة ما تمتزج مع عمليات التفكير العادية. لذلك؛ يمكن أن تبدأ بتحديد الأفكار المطلقة أو السلبية على نحو مفرط. على الجانب الآخر، قد ترجع صعوبة تحديد الأفكار غير العقلانية إلى محاولتك قمع هذه الأفكار، أو طردها من ذهنك. فإذا أخبرتك ألا تفكر في حصان أحمر، لا بدّ أن أول ما خطر في ذهنك هو الحصان الأحمر، فمقاومة الفكرة تمنحها مزيداً من القوة!
- تعاطَف مع ذاتك: تذكر أنك لست شخصاً سيئاً لوجود هذه الأفكار، فلا يمكنك التحكم في كل فكرة غير عقلانية تخطر في بالك. بدلاً من ذلك، حاول أن تلاحظها وتتقبلها دون أن تعاقب نفسك على وجودها.
- دوّن هذه الأفكار: دوّن كل فكرة غير عقلانية تراودك على مدار اليوم في دفتر ملاحظات، أو تطبيق للتدوين على الهاتف مثلاً، أو يمكنك أن تضبط مؤقتاً مدة 10 دقائق مثلاً لكتابة الأفكار التي ترد في ذهنك خلالها. ويمكنك مراجعة ما كتبته بعد انتهاء المؤقت أو في نهاية اليوم، ووضع دائرة حول أي أفكار غير عقلانية. قد تتفاجأ بعدد الأفكار غير العقلانية التي راودتك خلال اليوم.
- قيّم أفكارك: قيّم الأدلة الداعمة للفكرة غير العقلانية والمناقضة لها. لمحاولة التقييم، يمكن أن تسأل نفسك أسئلة مثل: هل تستند الفكرة إلى أدلة واقعية أم إلى مشاعر وتجارب سابقة؟ لماذا تراودك هذه الفكرة في الوقت الراهن؟ كيف تؤثر هذه الفكرة في سلوكياتك وردات فعلك؟
- أعد صياغة هذه الأفكار: يمكن أن تعيد صياغة هذه الأفكار، وتحاول استبدال كلمات أكثر إيجابية بالكلمات السلبية. فمثلاً؛ قد تفكر وأنت على متن الطائرة أنها ستتحطم، أو أنك ستفشل في الاختبار غداً؛ لكن يمكن أن تخبر نفسك أن الاضطرابات الجوية أمر طبيعي على متن الطائرات، وأنك ستتبع تعليمات المضيفة، وتلتزم بمقعدك حتى تمضي هذه الاضطرابات، أو أنك درست بجهد، وإذا كان أداؤك سيئاً، فيمكنك طلب مهمة إضافية لتحسين أدائك.
- عالج المخاوف وراء هذه الأفكار: يمكن أن ترجع أفكارك غير العقلانية إلى وجود مخاوف حقيقية؛ لذلك حاول معالجة المشكلة الأساسية بتحديد المشكلة في البداية، والحلول الممكنة لها، ثم تقييم الخيارات المتاحة، ووضع خطة للتنفيذ؛ ما يساعدك على تقليل شعورك بالقلق.
على الجانب الآخر، يمكن أن يفيدك التعرض التدريجي إلى المواقف التي تثير لديك أفكاراً أو مخاوفَ غير عقلانية على مواجهة هذه الأفكار والمخاوف. على سبيل المثال؛ إذا كانت لديك أو لدى شخص آخر مخاوف من ركوب الطائرة، ينصح أسامة الجامع بمناقشة الأفكار غير العقلانية عن الطيران، والقراءة عن الكيفية التي تطير بها الطائرة، ومشاهدة فيلم علمي عن الطيران، ثم تخيل أنك تستعد لركوب الطائرة، ويمكنك بعدها ركوب الطائرة مع مرافق، ثم ركوبها بعد ذلك بمفردك.
- لا تتصرف بناء على الفكرة غير العقلانية: عندما تراودك فكرة غير عقلانية؛ مثل افتراضك أن شخصاً ما غاضب منك، قد تمارس سلوكيات معينة لمساعدتك على تخفيف الانزعاج الذي تشعر به بسبب هذه الفكرة. قد يتمثل ذلك في تكرارك الاتصال بهذا الشخص، وربما يتفاقم شعورك بالانزعاج، وتتأكد الفكرة غير العقلانية حول اعتقادك بغضب الشخص منك لأنه لم يرد على اتصالاتك، على الرغم من أن السبب الحقيقي لعدم الرد قد يكون انشغال الشخص مثلاً.
لذلك؛ لاحظ متى تنزلق في فخ التفكير السلبي أو غير العقلاني، وأخبر نفسك أنه ليس عليك التصرف بناء على هذه الفكرة غير العقلانية المسيطرة على عقلك، وبدلاً من ذلك، حاول تغيير ما تفعله؛ مثل الاتصال بصديق، أو التنفس بعمق، أو المشي أو الاستمتاع بالسكينة والجمال في أحضان الطبيعة.
- احتفظ بمدونة للامتنان: يمكن للتفكير في الأشياء التي تمتن لوجودها أن يكون وسيلة لمقاومة الأفكار السلبية، وتعزيز الشعور الإيجابي. جرّب أن تبدأ بتدوين 3 أشياء شعرت بالامتنان لوجودها أو حدوثها على مدار اليوم؛ مثل ثناء شخص عليك، أو حيوانك الأليف، أو صفة إيجابية في شخصيتك. وأيضاً، تُمكنك مشاركة تقديرك وامتنانك وحبك لأصدقائك وأحبائك.
- اتبع نمطَ حياة صحياً: تزداد قابلية أن يفكر الشخص بطريقة غير عقلانية إذا كان يعاني بعض الاضطرابات النفسية؛ والتي يمكن أن ترتبط الإصابة بها بنمط الحياة غير الصحي، والعكس صحيح؛ فاتباع عادات صحية مثل اتباع نظام غذائي صحي يشمل البروتينات الصحية والحبوب الكاملة والألياف وغني بالخضروات والفاكهة الطازجة، إلى جانب ممارسة الرياضة نحو 30 دقيقة معظم أيام الأسبوع، وممارسة تمارين التأمل واليقظة الذهنية والتنفس العميق، أو ممارسة الهوايات المختلفة؛ كلها ممارسات تزيد إفراز هرمونَي الإندورفين والسيروتونين المرتبطَين بتعزيز الشعور بالسعادة والرفاهية؛ ما يحسّن المزاج، ويساعد على تقليل الشعور بالتوتر والقلق.
- استعن بمختص الصحة النفسية: قد تجد، على الرغم من اتباعك النصائح السابقة، أن أفكارك غير العقلانية تسلبك القدرة على أداء المهام اليومية، والاستمتاع بما لديك. لذلك؛ سيفيدك التحدث إلى مختص الصحة النفسية الذي يمكنه أن يساعدك على تحديد أنماط التفكير المشوهة، والوصول إلى جذور الأفكار غير العقلانية؛ مثل المخاوف الدفينة أو المعتقدات، وذلك من خلال تقنيات علاجية غير دوائية مثل العلاج المعرفي السلوكي.
فعلى سبيل المثال؛ قد تكون السمة العامة المشتركة بين أفكارك غير العقلانية هي خوفك من التعرض إلى الرفض الذي قد يرجع إلى اعتقادك، سواء بوعي أم دون وعي، أنك لا تستحق القبول.
علاوة على ذلك، يمكن للمعالج أن يساعدك على تعلم آليات لمعالجة هذه الأفكار، والتعامل معها عند ظهورها، وتطوير طرائق تفكير أكثر إيجابية. وقد يوصي طبيبك بتناول بعض الأدوية؛ مثل مضادات الاكتئاب أو مضادات الذهان التي تكون أكثر فعالية في التعامل مع أنماط التفكير غير العقلاني التي تكون مرافقة لحالات صحية عقلية أو نفسية معينة؛ مثل القلق أو الوسواس القهري أو الاضطراب الثنائي القطب أو الاضطرابات الذهانية. تساعد هذه الأدوية على إعادة توازن كيمياء الدماغ، وتحسُّن أعراض مثل القلق والاكتئاب عن طريق زيادة امتصاص بعض الهرمونات؛ مثل السيروتونين. لكن من الضروري استشارة طبيبك لتحديد خطة العلاج الأنسب لك.