ماذا يعلمنا طب نمط الحياة عن التعامل مع الاكتئاب؟

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تستحوذ الأمراض المرتبطة بنمط الحياة على نسبة عالية من الاستشارات الطبية في الرعاية الصحية الأولية والمتخصصة، والأهم من ذلك أن الكثير من هذه التحديات الصحية بالإمكان تحييد خطورتها والوقاية منها.

وعندما نتطرّق لمعدلات الاكتئاب سنجد أنها ازدادت ازدياداً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مع وجود دلائل مقنعة على أن مجموعة من عوامل نمط الحياة متورطة في ظهور جزء من حالات الاكتئاب تلك، حسب دراسة أسترالية نُشِرَت في مجلة الاضطرابات العاطفية (Journal of Affective Disorders).

بالتالي قد تتضح في الحال أهمية “طب نمط الحياة” (Lifestyle Medicine) الذي يُعد أحد العوامل الرئيسية التي ترتبط بتحديد مستوى الصحة الذي يمكن لأي إنسان الوصول إليه، باعتباره تحدياً مهماً من تحديات برامج تعزيز الصحة النفسية والعقلية وحتى الصحة العامة ككل.

ما هو طب نمط الحياة؟

بوجهٍ عام؛ تُظهِر الآثار الإيجابية الهائلة المحتملة لتغيير السلوك الصحي على الوفيات والأمراض وتكاليف الرعاية الصحية دافعاً كبيراً لتبنّي طب نمط الحياة.

ويشمل هذا المفهوم بإيجاز الاستخدام العلاجي لتدخلات نمط الحياة للصحة وجودة الحياة، ولا يأخذ في الاعتبار عوامل الخطر المعروفة أو المحتملة والعلامات المرضية فحسب؛ بل يشمل أيضاً مجموعة من العوامل المتعلقة بتاريخ الإنسان المرضي ومن جميع مستويات السببية.

طب نمط الحياة والاكتئاب

يوفر تطبيق المبادئ البيئية والسلوكية لتعزيز الرفاهية الجسدية و النفسية والعقلية فرصاً لتعزيز الصحة العامة والوقاية المحتملة من الاكتئاب، بحسب الفريق البحثي الذي قام بالدراسة الأسترالية السابقة.

فهناك مجموعة من الاستراتيجيات المتاحة لمقدمي خدمات الصحة العقلية الذين يتطلعون إلى مساعدة مرضاهم على إجراء تغييرات علاجية في نمط الحياة؛ إلّا أن هذه الأساليب يجب أن تكون مصممة بناءً على عوامل رئيسية كتفضيلات المريض واستعداده للتغيير، والموارد المتاحة.

ويمكن أن يختلف التدخل الصحي المعتمد على فلسفة طب نمط الحياة في شدته، فقد يتلقى من يعاني من الاكتئاب نصائح مختصرة بعد زيارته لخدمات الرعاية الأولية أو قد يُسجَّل في برنامج نمط حياة منهجي للصحة النفسية والعقلية، بحسب دراسة نَشَرتها جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل يناير/كانون الثاني 2021.

اقرأ أيضا:

السمات الأساسية لطب نمط الحياة

لا يخفى على المختصين والمهتمين بطب نمط الحياة حجم الصلة الوثيقة من الناحية السريرية، وأثره في إدارة الأمراض ومساهمته في تعزيز جهود الطب الوقائي، خاصة في مواجهة الأمراض المزمنة التي يتسبب بها نمط الحياة غير الصحي أو تلك التي يضاعف أثرها على الصحة.

لذلك، وحسب دراسة جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل السابقة؛ يهتم مقدمو خدمات الصحة النفسية والعقلية الذين يعملون على مساعدة المرضى في تبنّي نمط حياة هادف وتغييرات لتحسين رفاههم ببعض السمات الأساسية التي قد تتضمّن ما يلي:

  • النوم.
  • إدارة التوتر.
  • النشاط البدني المنتظم.
  • تجنب تعاطي المخدرات.
  • التواصل الاجتماعي الإيجابي.
  • النظام الغذائي الغني بالأطعمة الكاملة والخيارات النباتية.

ويبدو تعديل حالة العديد من هذه العوامل السابقة ممكناً؛ لكنها لازالت لا تحظى باهتمام كبير في العلاج المعاصر لاضطرابات الاكتئاب، بينما يظل العلاج الدوائي والتدخل النفسي هو العلاج الأول.

اقرأ أيضا: كيف يمكن للتأمل مساعدتك على تجاوز الاكتئاب؟

ما الذي يعنيه تبنّي توجيهات طب نمط الحياة؟

في دراسة حديثة نشرها فريق بحثي صيني في أكتوبر/تشرين الأول 2021 لفحص تأثيرات ومدى تقبّل تدخل طب نمط الحياة التكاملي القائم كعلاج مستقل لإدارة أعراض الاكتئاب؛ قدَّم العلماء للمشاركين جلسات جماعية لمدة ساعتين مرة واحدة في الأسبوع لمدة ستة أسابيع متتالية.

وكما هو متوقّع، فبعدما تضمّنت الجلسات الحديث مع المشاركين عن النظام الغذائي والتمارين الرياضية واليقظة الذهنية والتثقيف النفسي والعقلي وإدارة النوم، أشارت النتائج إلى فعالية التدخل في تقليل أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر والأرق لدى المشاركين.

وفي دراسة أخرى قام بها فريق بحثي من أستراليا وهونغ كونغ نُشِرَت في فبراير/شباط 2021، حلل العلماء 50 دراسة تضمّنت نحو 8,479 مشاركاً؛ حيث وجدوا أن تدخلات طب نمط الحياة ساهمت في تقليل أعراض الاكتئاب بدرجة كبيرة مقارنةً مع الرعاية المعتادة (Care as Usual).

كما لاحظ العلماء أثر التدخلات بصورة ملحوظة على المدى القصير؛ حيث شملت التغييرات التي تبنّاها المشاركون: الاهتمام بتحسين النشاط البدني وجودته، تقديم المشورة الغذائية، إدارة النوم وتحسين جودته وإدارة التوتر.

ختاماً؛ يبدو الاعتماد على ما يوصي به طب نمط الحياة عند التعامل مع الاكتئاب نموذجياً وهاماً في أغلب الأحيان، وذلك نتيجة القدرة على تخصيص التدخل المطلوب المناسب لكل شخص مع ضمان قلة التكلفة واستدامة الأثر بعيداً عن الأدوية.

لذا؛ يجب أن يكون التنفيذ الفعّال لاستراتيجيات طب نمط الحياة أولوية وضمن التغييرات الضرورية التي تتبناها أنظمة الرعاية الصحية الحالية، إلى جانب أهمية مناقشة دور سياسات الصحة العامة التي من شأنها تعزيز هذه الخطوات وضمان تكامل الأدوار بين أصحاب المصلحة.

اقرأ أيضا: ما هي اعراض الاكتئاب عند كبار السن؟

المحتوى محمي !!