ملخص: الاتزان النفسي حالة من السلامة النفسية تتميز بالقدرة على التأقلم مع التغيير، والحفاظ على أداء ثابت ومرن في مختلف مجالات الحياة. بكلمات أُخرى: يكون الأشخاص المتزنون نفسياً قادرين على مواجهة التحديات اليومية بفعالية، مع الحفاظ على مستوىً مستقر نسبياً من الرضا عن الحياة والرفاهية والعلاقات الصحية مع الآخرين. فما المكونات الأساسية للاتزان النفسي؟ وكيف يمكنك تحسين اتزانك النفسي؟ إليك الإجابات التي تحتاج إليها.
محتويات المقال
يؤثّر الاتزان النفسي في قدراتنا على التعامل مع التوتر وبناء العلاقات واتخاذ القرارات. ومع ذلك، يكافح الكثيرون من أجل إيجاد الانسجام بين عواطفهم وأفكارهم وسلوكياتهم، أو التمتع بالمرونة في مواجهة التحديات. لذلك؛ دعونا في هذا المقال نستكشف الاستراتيجيات العملية اللازمة لتعزيز الاتزان النفسي بناء على الدراسات في علم النفس.
10 جوانب أساسية للاتزان النفسي
حاولت دراسة منشورة في دورية الحدود في علم النفس (Frontiers in Psychology) عام 2021، توضيح مفهوم الاتزان النفسي؛ إذ إن التحقيقات عن كيفية بقاء الفرد مستقراً نفسياً في بيئة متغيرة باستمرار غير موجودة، وفقاً للدراسة. لذلك؛ حاول الباحثون سد هذه الفجوة وتوفير نموذج لتقييم التوازن النفسي بحيث يشمل عدة مجالات أو قيم أساسية؛ وهي:
- التوجيه الذاتي (Self-direction): معناه الاستقلالية والقدرة على اتخاذ قرارات خاصة بحياة الفرد؛ ما يعكس الشعور بالسيطرة الشخصية والقوة.
- الحافزية (Stimulation): الانفتاح على التجارب الجديدة والبحث عن فرص للنمو والاكتشاف في الحياة.
- القدرة على التلذذ (Hedonism): تعني القدرة على استخلاص المتعة من تجارب الحياة.
- الإنجاز (Achievement): السعي باجتهاد نحو تحقيق الأهداف والتفوق في المساعي الشخصية.
- السلطة (Power): العمل من أجل الحصول على الموارد والتأثير في الآخرين.
- الأمان (Security): حاجة أساسية للسلامة والاستقرار في مختلف جوانب الحياة، سواء كانت الأمن الجسدي أو العاطفي أو المالي.
- الامتثال (Conformity): اتباع الأعراف والقواعد الاجتماعية احتراماً للآخرين.
- اتباع التقاليد (Tradition): تقدير الممارسات والمعتقدات الثقافية أو الدينية واتباعها؛ ما يمنح شعوراً بالاستمرارية والهوية.
- الإحسان (Benevolence): الاهتمام برفاهية الآخرين مثل الأسرة والأصدقاء والمجتمع؛ ما يعكس التعاطف والإيثار.
- العالمية (Universalism): الاهتمام بقضايا أوسع مثل العدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية، والرفاهية العالمية؛ ما يشير إلى الشعور بالمسؤولية تجاه الإنسانية والكوكب.
لكن الاتزان النفسي لا يعني إعطاء الأولوية المفرطة لجانب من هذه الجوانب على آخر؛ وإنما بالحفاظ على نهج مرن ومتكامل حيث تتعايش هذه الجوانب بانسجام؛ إذ تقول عالمة النفس التي قادت البحث، أناستاسيا بيسيكا (Anastasia Besika)، من جامعة زيورخ السويسرية (University of Zurich): "إن القيم العشرة جميعها مهمة وتؤثر كلها في التوازن النفسي بدرجات مختلفة".
اقرأ أيضاً: ما الاستقلال النفسي؟ وكيف تحققه لتنعم بالراحة النفسية
ما الصفات التي تميز المتزنين نفسياً؟
وفقاً للدراسة الآنفة الذكر؛ يمتلك الأشخاص المتزنون نفسياً عدة صفات رئيسة تميزهم؛ وهي:
- التمسك بالمبادئ (الثبات): يُقصد بذلك مدى توافق قيم الشخص وأهدافه وسلوكياته بعضها مع بعض، وهو أمر مهم يسهم في الاستقرار النفسي عموماً والشعور بالهوية. وبالطبع، يساعد هذا الاستقرار الشخص على اتخاذ القرارات المناسبة له والبقاء صادقاً مع معتقداته ومبادئه الشخصية. على سبيل المثال؛ الأشخاص الذين يقدرون الصدق واللطف سيتصرفون باستمرار بطرائق تعكس هذه القيم.
- المرونة: يرى الباحثون أن امتلاك القدرة على التأقلم وتغيير الأهداف والسلوكيات استجابةً للمواقف المتغيرة أو التحديات الجديدة أمر أساسي في نيل الاتزان النفسي؛ إذ تسمح المرونة للأفراد بالتكيف وتعديل الأولويات الشخصية على نحو يناسب المواقف الجديدة دون فقدان إحساسهم بالذات أو الرفاهية؛ ما يساعدهم على التعامل مع التوتر والتعافي من النكسات. على سبيل المثال؛ إذا فقد شخص ما وظيفته، فإن المرونة تسمح له بإعادة تقييم أهدافه المهنية، وربما التفكير في فرص جديدة تتوافق مع مهاراته واهتماماته، بدلاً من الشعور بالفشل أو الهزيمة.
- التوازن ما بين رعاية النفس وتلبية احتياجات الآخرين: يقترح الباحثون أن الأفراد الذين يكرّسون قدراً متساوياً من الوقت لأنفسهم وللآخرين، يشيرون إلى هذه النسبة بـ (1:1)، يكونون أكثر عرضة إلى إظهار الاتزان النفسي. تساعد هذه النسبة الأفراد على تلبية احتياجاتهم الخاصة وتحسين أنفسهم بالتزامن مع تلبية احتياجات الآخرين ومساعدتهم، فيتجنبون بذلك الأنانية المتطرفة أو التضحية بالنفس.
اقرأ أيضاً: ما الأثر الإيجابي الذي تخلفه تحديات الحياة في صحتك النفسية؟
كيف تصل إلى الاتزان النفسي؟
في البداية، عليك أن تعلم أن بناء الاتزان النفسي عملية ليست سهلة أو سريعة؛ وإنما عملية تحتاج إلى الصبر والمحاولة باستمرار. عموماً، تستطيع عن طريق اتباع هذه النصائح وتعديلها وفق ما يناسب احتياجاتك أن تدعم اتزانك النفسي. وإليك ما عليك العمل عليه:
1. عزِّز التناغم بين قيمك وأفعالك
بقدر ما تتوافق أهدافك وسلوكياتك الشخصية مع القيم الأساسية التي تتمسك بها، يكون اتزانك النفسي أفضل. لذلك؛ خذ وقتاً للتفكير في قيمك وأولوياتك وما يجلب لك السعادة، وركّز على الأنشطة والعلاقات التي تتوافق مع هذه القيم والأهداف، وابحث عن التغييرات التي يجب إجراؤها في سلوكياتك في حال وجود أيّ تناقضات.
اقرأ أيضاً: كيف تعلم أنك تفرط في تعاطفك مع الآخرين؟
2. حسًِن مرونتك النفسية
يشرح المعالج النفسي، أسامة الجامع، إن الاتزان النفسي لا يعني الشعور بحالة إيجابية طوال الوقت، فذلك غير ممكن أبداً؛ إذ من الطبيعي أن يتعكّر المزاج بين حين وآخر، وينبغي للإنسان أن يتقبّل هذا الأمر، وأن يعترف بالمشاعر والأفكار السلبية دون إصدار أحكام على الذات بسببها. تعد هذه الخطوة إحدى أهم الخطوات اللازم اتباعها من أجل تحسين المرونة النفسية، وإليك بعض الاستراتيجيات الأخرى:
- ممارسة اليقظة الذهنية.
- إعادة صياغة الأفكار السلبية والاستعاضة عنها بأفكار واقعية.
- تطوير مهارات حل المشكلات.
- احتضان التجارب الجديدة والانفتاح على الأفكار والخبرات ووجهات النظر الجديدة.
- تطوير عقلية النمو عن طريق الإيمان بالقدرة الشخصية على التعلم من التجارب، واعتبار التحديات فرصاً للنمو.
اقرأ أيضاً: دليلك لتعزيز مرونتك النفسية ضد الصدمات
3. جد حلاً وسطاً بين رعاية نفسك وإسعاد الآخرين
لتحقيق التوازن بين إرضاء الآخرين والعناية بنفسك، اتبع النصائح التالية:
- مارِس التأمل الذاتي: مثلما ذُكر آنفاً؛ خذ وقتاً للتفكير في قيمك وأولوياتك وما يجلب لك السعادة على نحو مستقل عن الآخرين، وركّز على الأنشطة والعلاقات التي تتوافق مع قيمك وأهدافك. سيساعدك هذا الوعي الذاتي على وضع حدود شخصية وإعطاء الأولوية لرفاهيتك.
- تواصَل بوضوح: تحدث بصدق عن احتياجاتك ومشاعرك؛ ما يعزِّز التفاهم والاحترام المتبادل في العلاقات.
- وضِّح حدودك: حدِّد ما ترضاه وما لا ترضاه في علاقاتك مع الآخرين، وما تستطيع تقديمه وما لا تستطيع، ووضّح لهم ذلك. إليك في هذا المقال ما تود معرفته عن وضع الحدود الصحية.
- تعلّم إدارة مشاعرك: وتهدئة نفسك دون الاعتماد المفرط على الآخرين للشعور بالراحة أو الاستحسان والقبول.
- لا تخشَ قول "لا": تدرَّب على رفض الطلبات الصغيرة في البداية، ثم طوّر قدراتك في رفض ما لا تريد فعله من الطلبات الأكبر.
- تريّث قبل تنفيذ طلبات الآخرين: لا بأس إن أخذت لحظة للتفكير قبل الموافقة على الطلب، وقيّمت إذا ما كان الالتزام به يتوافق مع احتياجاتك وأولوياتك.
- لا تختلق الأعذار: كن مباشراً وحازماً عند رفض الطلبات، وقاوِم الرغبة في تبرير قرارك؛ لأن ذلك قد يفسح المجال أمام الآخرين للتلاعب بك أو الضغط عليك.
اقرأ أيضاً: هل تحتار بين إرضاء الآخرين وإسعاد نفسك؟ إليك الحلول النهائية
4. نمِّ ذكاءك العاطفي
يساعد الذكاء العاطفي في التغلب على التعقيدات الاجتماعية، وبناء علاقات أقوى، والتعامل مع الصراعات بتفاهم وتعاطف، فإن لم تكن قادراً على إدارة مشاعرك، فلن تستطيع إدارة التوتر؛ وهو ما قد يؤدي إلى مشكلات صحية خطِرة، وقد يُفاقم خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب. عموماً، إليك كيف يمكن زيادة الذكاء العاطفي:
- الوعي الذاتي: تعرّف إلى مشاعرك حالما تظهر، وانتبه إلى المحفزات والأحاسيس والأفكار المرتبطة بالمشاعر المختلفة. فكر في التأمل واليقظة الذهنية وتدوين اليوميات من أجل تحسين الوعي بالنفس.
- تنظيم المشاعر: يعني التدرُّب على إدارة العواطف بفعالية. ويمكن لتقنيات مثل التنفس العميق أو التأمل أو التوقف مؤقتاً قبل الرد أن تساعد على تنظيم المشاعر، علاوة على أن استراتيجيات التأقلم الصحية مع التوتر؛ مثل ممارسة الرياضة أو التحدث إلى شخص تثق به قد تفيد أيضاً في هذه الناحية.
- تطوير القدرة على التعاطف وفهم مشاعر الآخرين: من خلال الإصغاء الفعال عندما يتحدثون، والمصادقة على مشاعرهم، ووضع نفسك مكانهم لفهم وجهة نظرهم.
- تعزيز مهارات التواصل والتعامل مع الآخرين: وذلك من خلال العمل على التواصل الفعال مع الآخرين وحل النزاعات والتعاون. ويمكنك الانخراط في الأنشطة التي تنطوي على العمل الجماعي لفهم ديناميكيات المجموعة على نحو أفضل.
- قراءة الروايات الأدبية: تساعد قراءة الروايات على فهم أفكار الشخصيات وعواطفهم ودوافعهم وأفعالهم وعواقب أفعالهم؛ ما يسهم في تحسين قدرتك على التعاطف وتعزيز وعيك بذاتك وبالآخرين.
اقرأ أيضاً: هل تريد زيادة ذكائك العاطفي؟ حاول اكتساب هذه المهارات الثلاث
5. حافظ على صحتك الجسدية
الاهتمام بالصحة الجسدية أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاتزان النفسي، فلا يمكن فصل الصحة النفسية عن الجسدية. وعليك أن تعلم أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تؤدي إلى إطلاق هرمون الإندورفين؛ الذي يقلل التوتر ويحسن المزاج. علاوة على ذلك، تضمن التغذية السليمة حصول الجسم على العناصر الغذائية الضرورية ليعمل على النحو الأمثل؛ ما يؤثر في الحالة المزاجية والقدرات المعرفية.
دون أن ننسى أهمية النوم الكافي للتنظيم العاطفي والوضوح العقلي. خلاصة الكلام: من خلال الحفاظ على صحة بدنية جيدة، يمكن للمرء إنشاء أساس مستقر للرفاهية النفسية، وتعزيز الرضا عن الحياة عموماً، وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة التوتر.
اقرأ أيضاً: هل تتحكم بمشاعر الآخرين أم هي التي تتحكم بك؟ إليك الإجابة
6. عزّز علاقاتك الاجتماعية
تؤدي العلاقات الاجتماعية الإيجابية دوراً محورياً في الاتزان النفسي؛ فهي تزوّدك بالدعم العاطفي، وتقلل مشاعر العزلة، وتعزز الشعور بالانتماء. وبالطبع، يمكن للتفاعلات الإيجابية مع الأصدقاء والعائلة وأفراد المجتمع أن تعزز احترام الذات والتعاطف والشعور بالأمان؛ ما يساعد على معالجة التوتر والضغوط والتعامل معهما بفعالية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشبكات الاجتماعية القوية أن تقدم الدعم العملي في أوقات الحاجة؛ ما يسهم على نحو أكبر في حماية الصحة النفسية.