كل ما تريد معرفته عن دَين النوم وكيفية سداده

6 دقائق
دَين النوم
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: دَين النوم هو الأثر التراكمي لعدم الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، وهو يحصل عندما ينام الشخص لساعات أقل مما يحتاج إليه جسمه. يمكن أن تكون لدَين النوم عواقب سلبية على صحة الشخص. فما الآثار السلبية لدَين النوم في الصحة؟ وهل يمكن سدادُه؟

يُنسب إلى عمر الخيّام قوله: "أفِق خفيف الظل هذا السَحَر، نادى دعِ النوم وناغِ الوتر، فما أطال الـنوم عمراّ، ولا قصّر في الأعمار طول السهر"! حسناً، إذا كنت توافق الخيام في قوله، وتتبنى وجهة نظره في أن الحياة تمضي بسرعة وينبغي لك أن تتشرب منها وتعمل بقدر ما تستطيع قبل فوات الأوان، وصرت تنام ساعات أقل مما تحتاج إليه لإنجاز أكثر ما تستطيع إنجازه، فيؤسفني القول إنك لا تنهل من الحياة أكثر كما تظن؛ وإنما أنت تراكم الديون على جسمك؛ ديون من النوم نعم!

وكما يقال "القليل من الدَين يجعلك مَديناً، والكثير منه يجعلك عدواً"، فأنت مَدين لصحتك هذه المرة وقد تصبح عدواً لها. لذلك؛ تعرَّف إلى دَين النوم وتأثيره في صحتك، وإذا ما كان من الممكن الوفاء به أو أن بعض الديون لا يمكن سداده!

اقرأ أيضاً: 10 دقائق بتأثير 6 ساعات: ماذا تعرف عن قيلولة الجنود؟

ما هو دَين النوم؟

لندع الشِعر جانباً؛ يقول العلم إن النوم جزء أساسي من الصحة العامة؛ حيث يقوم الجسم في أثنائه بالعديد من عمليات الترميم والإصلاح التي تؤثر في كل جزء من أجزاء الجسم وتحافظ عليه. ومن فوائد النوم الجيد والكافي أنه يعزز مستويات الطاقة وصحة القلب، ويساعد على تنظيم نسبة السكر في الدم، ويعزز صحة الجهاز المناعي، ويدعم العمليات المعرفية مثل تقوية الذاكرة والتفكير المعرفي، ويحسن المزاج، ويساعد في الحفاظ على وزن صحي وإدارة التوتر.

وعلى الرغم من أن مقدار النوم المثالي يختلف من شخص إلى آخر بناء على العمر ومستوى النشاط والصحة العامة؛ لكن غالبية المنظمات الطبية المعنية بالموضوع توصي بأن ينام البالغون الأصحاء نحو 7 ساعات على الأقل كل ليلة، وغالباً ما يتراوح عدد ساعات النوم الموصى بها لمعظم البالغين الأصحاء بين 7 و9 ساعات يومياً، مع العلم أنه ثمة بالغين قد يحتاجون إلى 6 ساعات على الأقل، أو ما يصل إلى 10 ساعات من النوم يومياً.

أما دَين النوم (Sleep debt)، ويُسمَّى أيضاً "عجز النوم" (Sleep deficit)، هو الفرق بين مقدار النوم الذي يحتاج الشخص إليه والمقدار الذي يحصل عليه بالفعل. على سبيل المثال؛ إذا كان جسمك يحتاج إلى 8 ساعات من النوم كل ليلة لكنك لا تنام سوى 6 ساعات فقط، ففي هذه الحالة، سوف تصبح مَديناً للنوم بساعتين في اليوم الواحد، وسوف يصل هذا الدَين بعد 5 أيام إلى 10 ساعات من النوم. ونظراً لأن ديون النوم تراكمية؛ فإن عدم الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم على مدى عدة أيام متتالية يسبب تراكم الديون تدريجياً يوماً بعد يوم.

اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين النوم والصحة النفسية؟

الآثار السلبية لدَين النوم في الصحة

أياً تكن الأنشطة التي تسبب تراكم ديون النوم عليك؛ سواء كانت ساعات العمل الطويلة، أو نظام العمل بالورديات، أو تمضية الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، أو الاسترخاء ومشاهدة التلفاز، فأن تكون مَديناً للنوم دَيناً كبيراً أو تعاني الحرمان من النوم على نحوٍ منتظم، سيجعلك ذلك تعاني:

  • الشعور بالتعب طوال اليوم.
  • فقدان القدرة على التركيز والإنتاج خلال اليوم.
  • ضعف جهاز المناعة لديك.
  • صعوبة معالجة المعلومات في الدماغ وتخزينها.

بالاضافة إلى ذلك، تزيد قلة النوم على نحو منتظم خطرَ الإصابة بالعديد من الأمراض؛ مثل داء السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكتة الدماغية، والبدانة، واضطراب التمثيل الغذائي وزيادة الوزن، وزيادة خطر السقوط أو الحوادث. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحرمان من النوم على المدى الطويل يؤثر في الذاكرة والوظائف الإدراكية.

جدير بالذكر إن الأشخاص الذين يعانون ديون النوم المتراكمة قد لا يعانون دائماً مستويات متزايدة من التعب أو الإرهاق، فقد أثبتت الأبحاث أن الأشخاص يمكنهم التكيف معرفياً مع قيود النوم المزمنة دون الشعور بالنعاس، على الرغم من أن أجسامهم تُظهر انخفاضاً ملحوظاً في الأداء البدني والعقلي.

اقرأ أيضاً: جودة نومك تتراجع؟ إليك الأسباب المحتملة والحلول الممكنة

هل يمكن سداد دَين النوم؟

مثل أي شخص مَدين؛ عليك سداد ديونك، وديون النوم تُسَد بالنوم؛ لكن ما يحصل غالباً هو أن أشخاصاً عِدة يضحون بساعات من نومهم خلال أيام الأسبوع المزدحم بالأعمال والمهام، ويتطلعون إلى تعويض النقص خلال عطلة نهاية الأسبوع، فهل هذا يكفي لسداد الدَين؟

في الواقع، ليس تماماً. ففي دراسة قامت بها مجموعة من الباحثين من جامعة كولورادو (University of Colorado) بقيادة كريستوفر ديبني (Christopher Depne)، ونُشرت في دورية "كورينت بيولوجي" (Current Biology)، وُجد أن الأشخاص الذين حرموا من النوم خلال أيام الأسبوع (حصلوا على 5 ساعات من النوم يومياً) قد عانوا من عدة آثار سلبية في الصحة تتمثل في تغيرات التمثيل الغذائي، وانخفاض حساسية الأنسولين بنسبة 13%، واكتساب قُرابة 1.5 كيلوغراماً طوال فترة الدراسة.

لكنهم عندما حاولوا تعويض نقص النوم خلال عطلة نهاية الأسبوع في محاولة لسداد الدَين، ظلوا يدفعون الثمن؛ إذ لم يطرأ أيّ تحسن على تلك الآثار؛ بل تدهورت نوعية نومهم بالفعل عندما عادوا في بداية الأسبوع التالي إلى جدول نومهم اليومي المكون من 5 ساعات.

لذلك؛ يمكن القول إنه وعلى الرغم من أن دَين النوم قد سُدد حسابياً، فإنه وعلى ما يبدو لم يلغِ تأثير قلة النوم التي حصلت خلال أيام الأسبوع.

وهذا أمر ينبغي أخذه في الحسبان بالنسبة إلى لبالغين والمراهقين على السواء؛ إذ أشارت دراسة قامت بها مجموعة من الباحثين من عدة جامعات، بقيادة الباحثة وسمية بن عيد (Wasmiah Bin Eid) من المعهد التعليمي التابع لكلية لندن الجامعية (UCL Institute of Education)، ونُشرت في دورية "الرعاية الصحية" (Healthcare Journal)، إلى انخفاض عدد ساعات النوم عند المراهقين السعوديين مقارنة بالمراهقين في المملكة المتحدة، وذلك نتيجة انخفاض جودة النوم في المملكة العربية السعودية مع زيادة مدة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

مع العلم أن دراسة أخرى منشورة في دورية "الإيقاع الزمني العالمي" (Chronobiology International) قد أشارت إلى أن إطالة مدة النوم في العطلة الأسبوعية في محاولة لتعويض نقص النوم خلال الأسبوع تؤثر سلباً في الإيقاع اليومي للطلاب المراهقين.

اقرأ أيضاً: ما تأثير اضطراب الساعة البيولوجية في صحتك النفسية؟ وكيف تعيد ضبطها؟

كيف تتجنب الوقوع في دَين النوم؟

بناء على ما سبق، نحن لا نستطيع عكس تأثير قلة النوم من خلال الإفراط في النوم خلال عطلة نهاية الأسبوع؛ وإنما ينبغي لنا تخصيص المزيد من الوقت للنوم كل ليلة خلال أيام الأسبوع وتحسين السلوكات التي تؤدي إلى نوم أفضل.

بصفة عامة، وبما أن الإنسان ينام نوماً أعمق عندما يكون محروماً من النوم؛ فأنت لا تحتاج إلى ساعة من النوم لسداد كل ساعة من الدَين؛ وإنما عليك أن تخصص وقتاً إضافياً للنوم بأن تذهب إلى الفراش مبكراً كل ليلة.

ومع ذلك، فإذا لم تحصل على قسطٍ كافٍ من النوم لعدة أيام متتالية، فقد يستغرق الأمر عدة ليالٍ من النوم الجيد حتى تتعافى. في الواقع، قد يحتاج الأمر إلى نحو 4 أيام من النوم الكافي للتعافي من ساعة واحدة من دَين النوم، وما يصل إلى 9 أيام من النوم الكافي للتخلص تماماً من ديون النوم، وقد يستغرق الأمر وقتاً أطول من ذلك. إن التعافي الكامل من ديون النوم يعيد أجسامنا إلى خط البداية؛ ما يقلل الآثار السلبية المرتبطة بقلة النوم.

اقرأ أيضاً: اضطراب النوم الانتيابي: ألا تكون يقظاً رغم استيقاظك!

إذاً؛ إن أفضل طريقة لتعويض قلة النوم وتجنُّب الوقوع في ديونه هي أن تمتلك روتيناً يومياً منتظماً للنوم، ويمكنك أن تحقق ذلك عبر اتباع النصائح التالية:

  • أعِد النظر في علاقتك بالنوم: إذ وبدلاً من التفكير في النوم على أنه عمل روتيني آخر، فكّر فيه على أنه دواء وقائي، وتذكّر أنه يقلل المرض ويعزز الصحة، وهو جزء حيوي من حياتك ورفاهيتك عموماً.
  • حافِظ على جدول نوم منتظم: خصص وقتاً محدداً للنوم والاستيقاظ كل يوم، حتى في عطلات نهاية الأسبوع؛ ما سيسمح لك بالحصول على قسطٍ كافٍ من الراحة، ويحافظ على إيقاع الساعة البيولوجية لديك. وإذا كنت بحاجة إلى تغيير جدول نومك، فافعل ذلك تدريجياً عن طريق تعديله وفق فترات قصيرة تتراوح بين 15 و30 دقيقة في كل مرة.
  • طوِّر روتيناً قبل النوم: إن وجود روتين يومي ليلي يسمح للجسم بالاسترخاء والاستعداد للنوم؛ مثل الاستحمام مثلاً ثم قراءة بضع صفحات من كتاب ما أو أي شيء يساعدك على الاسترخاء.
  • حسِّن بيئة النوم: تخلَّص من مصادر الإلهاء والأجهزة التي تُصدر الأصوات والأضواء؛ بما فيها الأجهزة الإلكترونية، واضبط درجة حرارة الغرفة على درجة تساعد على النوم (نحو 18 درجة مئوية)، وعتّم الإضاءة، واستبدل الوسادات أو الملاءات أو فرشة السرير إن لم تكن مريحة.
  • أعِد التفكير في الأنشطة التي تقوم بها نهاراً: تأكّد من حصولك على ما يكفي من ضوء الشمس وممارسة الرياضة في أثناء النهار، وتجنَّب شرب الكافيين في وقت قريب جداً من وقت النوم.
  • دوِّن ملاحظاتك عن النوم: قد تساعدك مفكره النوم على تتبُّع عادات نومك وتحديد الأنشطة أو الممارسات التي قد تؤثر في نومك.
  • جرِّب قيلولة بعد الظهر: على الرغم من أن القيلولة ليست بديلاً عن قلة النوم؛ لكن قيلولة قصيرة تتراوح مدتها ما بين 10 و20 دقيقة في منتصف الظهيرة قد تساعدك على الشعور بمزيد من الراحة في أثناء النهار.

اطلب مساعدة الطبيب: إذا كان دَين النوم يتعارض مع أنشطتك النهارية أو كنت تكافح من أجل التعافي، فمن المهم التحدث إلى الطبيب الذي قد يبحث في احتمالية إصابتك بأحد اضطرابات النوم الأساسية مثل الأرق، ويقدم بعض النصائح المفيدة لتحسين نومك.

المحتوى محمي