ملخص: قد نفعل أشياء كثيرة بدافع الحب لمن حولنا أو حتى لعملنا، لكن هذا الحب قد يحجب عنا رؤية حقيقة أننا نتعرض للاستغلال، فكيف يمكننا التمييز بين الاستغلال والحب؟
في طفولتي كان لدي دراجة وردية اللون مزينة بشرائط مزخرفة وسلة وردية. كانت جميلة جداً، لكن ذلك ليس أكثر ما كنت أحبه بها، بل أنها السبب الذي دفع بعض الفتيات للعب معي. لم تمض فترة قصيرة حتى تحطمت دراجتي الجميلة تحت قدم إحداهن، فكانت النهاية؛ ليس للدراجة فقط بل لصداقتهن معي أيضاً.
الاستغلال، هذا ما مررت به، من المؤلم أن تشعر أن الآخرين يستخدمونك لأجل مصالحهم فقط. يبدو الأمر كما لو أنك أنت الذي تحتاج إلى فعل ما يطلبونه منك، لتنال الرضا عن مساعدتهم. والأكثر إيلاماً هو أنك تتعرض للأمر مراراً وتكراراً دون أن تتيقن من حقيقة ما تتعرض له إلا متأخراً. فلماذا يستغل الناس الآخرين؟ وكيف تستدل على علامات الاستغلال؟
لماذا يستغل الناس الآخرين؟
كان هدف الفتيات الصغيرات اللواتي تعرضت لاستغلالهن الاستمتاع بالدراجة، ولكن ماذا عن البالغين؟ ما الذي يدفع البعض لأن يستغل الآخرين من وجهة نظر نفسية؟ ولماذا يمتنع آخرون عن ذلك بالرغم مما قد يحققه من مكاسب؟ يوضح الباحث النفسي فاروق رضوان الأسباب التي تدفع البعض لاستغلال الآخرين بالطريقة التي تطورت بها شخصياتهم، وهي:
- العجز: بعض الناس لا يجد طريقة للوصول إلى أهدافه سوى عن طريق الآخرين، فيلجأ إلى استغلالهم. بعبارة أخرى، يمكن وصف الفرد الذي يستغلك بالعاجز.
- عدم السيطرة على الحياة الشخصية: يفقد بعض الأفراد السيطرة على حياتهم، لذا يلجأ إلى السيطرة على حياة الآخرين لاستعادة توازنه. على سبيل المثال، يحتاج صاحب الشخصية السادية للشعور بالقوة والسيطرة، فإذا لم يتمكن من التحكم في شعوره ورغباته يستغل الآخرين ليستعيد توازنه وتحكمه.
- الدونية: يشعر الكثيرون بالدونية نسبة للآخرين ويعانون من الإحساس بالنقص، لذا يلجؤون إلى تعويض هذا النقص بعدة طرق، ومنها:
- التعجرف.
- يدعي البعض أنه لا يحب التفاعل مع الناس.
- استغلال الآخرين، للشعور بالتفوق عليهم.
- النرجسية: قد يستخدم النرجسيون الآخرين لتهدئة مخاوفهم والشعور بالأمان وصدّ أصابع الاتهام الموجهة إليهم. ويحاول النرجسيون إقناع أنفسهم بأن الآخرين يستحقون لاستغلال.
اقرأ أيضاً: الأمر ليس خطأكِ: كيف تتصرفين إذا تعرضتِ للابتزاز الجنسي الإلكتروني؟
علامات تدل أنك تتعرض للاستغلال
ثمة مؤشرات تدل على أن شخصاً ما يستغلك، ومنها:
1. يحتاجك أكثر مما تحتاجه
إذا كان ما تقدمه للطرف الآخر، سواء من مال أو طعام أو مواصلات أو غير ذلك، هو أساس العلاقة بينكما، وأنه مستعد للتخلي عنك في حال توقفت عما تقدمه، فاعلم أنك تتعرض للاستغلال.
2. الشعور بالذنب
عندما يسبب الطرف الآخر شعوراً بالذنب والعار لإقناعك بمنحه ما يريد، لدرجة أن يؤثر في نوعية القرارات التي تتخذها، فأنت تتعرض للاستغلال. على سبيل المثال، قد يبدو الأمر كما يلي:
- أنت لا تقدم ما يكفي أبداً.
- فعل الكثير لأجلك، وأنت الآن مدين له.
- ترتكب الأخطاء دائماً ويجب عليك التكفير عنها.
- يعيش دور الضحية والمعاناة على الدوام، فتشعر أنك شخص سيئ إذا قلت "لا" له.
- لا قيمة لاحتياجاتك أو رغباتك، بل قد تكون مزعجة بالنسبة له.
3. التحكم
التحكم بك من الشروط الأساسية لكي يتمكن أحدهم من استغلالك، بحيث تبقى في متناول يده وممتثلاً لرغباته. على سبيل المثال، قد يستخدم المستغل أسلوب علم النفس العكسي أو الألعاب الذهنية أو التلاعب العاطفي لإقناعك بفعل ما يرغب به. يمكن أن تلاحظ ذلك من خلال:
- حرمانك من فعل أشياء معينة.
- دفعك للمشاركة في نشاطات أو ممارسات محددة.
- حرمانك من قضاء الوقت مع غيره.
- التأثير على قراراتك.
اقرأ أيضاً: وهم السيطرة الكبير: ما هي تكلفة سيطرتك الكاملة على حياتك؟
4. العقاب غير المباشر
ليس من الضروري أن تعاقَب بالضرب أو الصراخ ، بل يمكن للمستغل أن يلجأ لأساليب أخرى لتبرئة نفسه. مثل:
- العقاب الصامت.
- وضع العقبات في طريقك.
- التلفظ بما يؤذيك.
5. الخداع وعدم الأمانة
المكون الأساسي لشخصية المستغل هو الخداع والكذب، لتغطية نواياه وحقيقته. هذا يتضمن أكاذيب تتعلق بـ:
- حياته أو ماضيه.
- القيم والآراء الشخصية.
- الدوافع.
- العواطف والمشاعر.
6. التركيز على نقاط ضعفك
ليتمكن المستغل من التحكم بك، قد يلجأ إلى التركيز على نقاط ضعفك، للتحكم بها. يمكن أن تكون هذه النقاط هي اهتمامات شخصية أو أحد أفراد عائلتك أو صديق مفضل، أو أي شيء يثير تعاطفك.
7. قلة ثقتك بنفسك
ما يسعى له الشخص الاستغلالي هو ألا تشعر بأهميتك إلا بتلبية طلباته وغاياته. ولتحقيق ذلك، قد يلجأ إلى تقويض احترامك لذاتك.
اقرأ أيضاً: كيف نفقد ذواتنا في العلاقات باسم "الحب"؟ وكيف يمكن أن نستعيدها؟
8. التشكيك في الواقع
من أخطر الأساليب التي قد يلجأ لها الشخص الاستغلالي هو التلاعب العقلي، لتشعر وكأنك تفقد سيطرتك على واقعك، أو ربما تعتقد نفسك مجنوناً، فيعمد إلى تغيير الأحداث والمواقف بما يتناسب مع مصالحه، ثم يلقي باللوم عليك، مستخدماً عبارات مثل:
- أنت حساس جداً.
- ربما لم تكن منتبهاً.
- ذاكرتك تزداد سوءاً.
اقرأ أيضاً: كيف نمارس جميعاً التلاعب في الحياة اليومية دون أن نعي؟
9. تعدد شخصيات المستغل
عندما يتعذر عليك التعرف إلى الشخص الذي أمامك لتعدد شخصياته وأقنعته، فأنت ضحية شخصية استغلالية. على سبيل المثال، قد يكون ودوداً ولطيفاً في الأماكن العامة بحضور الآخرين، بينما يكون كثير الإهانة والرفض في غيابهم. وهو بذلك يستغلك ليبعد أصابع الاتهام والتشكيك في نواياه عنه، حتى يصبح من الصعب عليك طلب المساعدة.
10. التضحية
سيرغب الشخص الذي يستغلك في أن تقدم التضحيات على الدوام كي يصل إلى مبتغاه، وعندما لا تضحي من أجله يحملك شعوراً بالذنب وبأنك تظلمه. وبالمقابل، يرفض تنفيذ رغباتك أو طلباتك متذرعاً بالأعذار والحجج.
كيف تحمي نفسك من الاستغلال؟
قد تحميك النصائح التالية من التعرض للاستغلال:
- ضع حدوداً واضحة: ارسم حدوداً لمساحتك الشخصية، لتوضح للآخر ما ترغب فيه وما لن تتحمله. فإذا تجاوز هذه الحدود، أوقفه عندها بطريقة مهذبة وحازمة.
- توقف عن فعل كل شيء للجميع: عندما تمنح رغبات الآخر واحتياجاته الأولوية نسبة لاحتياجاتك، فسوف يعتبر وجودك الدائم إلى جانبه أمراً مسلماً به. لذا عليك أن تفكر بنفسك، وتركز على احتياجاتك الخاصة.
- لا تخشى قول "لا": عندما لا تمتلك القدرة أو الطاقة لتلبية حاجات الشخص الآخر، عليك أن تقول له "لا" دون حاجة لتبرير موقفك. سيساعدك هذا على توضيح أنك لست متاحاً دائماً.
- اطلب ما تريد: لا تخشى من إرشاد الآخر إلى ما تحتاجه، والطريقة التي ترغب في أن يعاملك بها.
- دافع عن نفسك: عندما تتعرض للإساءة أو قلة الاحترام، دافع عن نفسك، موضحاً أنك تستحق أن تُعامل جيداً، وأنك لن تتسامح مع قلة الاحترام.
- كافئ الآخر على حسن السلوك: عندما يحترم الآخر حدودك واحتياجاتك، بادر بشكره وأثن عليه. سيدفعه ذلك للشعور بالتقدير، والاستمرار بتلبية توقعاتك منه.
اقرأ أيضاً: كيف نتعلم العطاء للآخرين والتلقي منهم بطريقة صحيحة؟
تذكر، أنت تستحق الأفضل دوماً. لذا، أهم ما يمكنك فعله هو وضع الحدود وفهم احتياجاتك ورغباتك والدفاع عنها. هذا يتطلب الشجاعة والوقت، وفي بعض الأحيان الدعم المهني أيضاً.