قبل فترة ليست بعيدة، كنت أستيقظ من نومي وقبل أن أفتح عيني على اتساعهما أبحث عن هاتفي، أتصفح منصات التواصل الاجتماعي، ورسائل البريد الإلكتروني، ثم فجأة أستوعب أن الكثير من الوقت قد مر دون أن أدري، وبسبب ذلك، أتأخر عن العمل، ويصبح أمامي الكثير من المهام المؤجلة، وقتذاك كنت أظن أن تحقيق النجاح والنمو الشخصي يتطلب خططاً كبيرة وحلولاً معقدة والكثير من الإجراءات والخطوات، لكن تبين أن العادات اليومية البسيطة هي المفتاح، فهذه العادات يمكن أن تسهل لك الطريق نحو النجاح، أو تقف بمثابة حاجز خفي بينك وبين أفضل نسخة من نفسك، ولكن ما هي أهم العادات اليومية التي يمكن أن تعوق نموك الشخصي؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ما هي أهم العادات اليومية التي تعوق نموك الشخصي؟
العادات هي طقوس وسلوكيات تمارسها تلقائياً بالطرق نفسها يومياً دون تفكير، وذلك مثل تنظيف الأسنان والاستحمام، والحقيقة أن اتباع العادات اليومية يسمح لدماغك بإنجاز مهام أخرى أكثر تعقيداً مثل حل المشكلات، ويمكن القول إن هناك عادات تمارسها على نحو منتظم تعوق عملية نموك الشخصي، أهمها:
1. التسويف والمماطلة
أحياناً يكون لديك مهمة عليك إنجازها، لكنك على الرغم من ذلك لا تفعلها، وهو ما يعرف باسم التسويف أو تأجيل إنجاز الأعمال المهمة لصالح الانخراط في أنشطة أخرى غير ضرورية، وغالباً ما تلجأ إلى التسويف إما خوفاً من الفشل، أو شكاً في الذات، أو خوفاً من النجاح، أو حتى تلبية توقعات المجتمع.
وعلى الرغم من أن التسويف قد يوفر راحة مؤقتة أو حالة من الرضا الفوري، فإنه يؤدي في نهاية الأمر إلى زيادة الشعور بالتوتر، وانخفاض الإنتاجية، وتفويت المواعيد النهائية، وانخفاض جودة العمل، علاوة على الشعور بالذنب والإرهاق وعدم الرضا عن الحياة.
وقد أكدت دراسة بحثية نشرتها مجلة الحدود في علم النفس خلال عام 2022 أن الأشخاص يلجؤون إلى التسويف أو المماطلة بصفتها آلية تكيف، وغالباً ما تكون نتيجة ضعف مهارة تنظيم المشاعر؛ على سبيل المثال، إذا كان العمل على المهمة يعزز الشعور بالخوف أو القلق، فقد تلجأ إلى المماطلة والتسويف هرباً من تلك المشاعر.
لهذا يمكن القول إن التنظيم العاطفي يؤدي دوراً محورياً في التغلب على التسويف والمماطلة؛ فعندما تتمكن من إدارة المشاعر الصعبة مثل الشعور بالذنب والخوف والعار والملل والقلق والإحباط، ستصبح أكثر قدرة على التعامل مع التسويف.
2. الهروب من الألم النفسي
يظن الأشخاص في كثير من الأحيان أن الهروب هو الحل الأمثل للتعامل مع الألم النفسي، ويمكن القول إن الهروب هو آلية دفاع نفسية شهيرة ترتكز على فكرة مفادها أن تجاهل المشكلة فترة كافية سيجعلها تختفي في النهاية من تلقاء نفسها.
ووفقاً لدراسة بحثية أجرتها مجموعة ماكان العالمية لأبحاث التسويق والاتصالات خلال عام 2024 فإن 91% من الأفراد يشعرون بالحاجة إلى الهروب الذهني، وأفاد واحد من كل اثنين من المشاركين بالدراسة أنه يستخدم الإنترنت للهروب من الواقع، ويمكن القول إن الهروب من الألم النفسي يشمل 3 أبعاد:
- الرغبة في الانفصال عن الواقع خاصة ذلك الواقع الخاص بالأحداث الصعبة.
- التشتت المعرفي وتحويل الانتباه بعيداً عن المشاعر المؤلمة.
- الراحة المتوقعة من الانزعاج والألم النفسي.
لكن ثمة حقيقة مهمة؛ وهي أن وهم الهروب دائماً ما يكون قصير الأجل، ومن أجل إطالة آثاره، قد تكتسب عادات سلبية، ومع مرور الوقت، تتراكم هذه العادات وتؤثر سلباً في نموك الشخصي.
3. السهر الانتقامي
هل سبق أن أنهيت مهام عملك، وعدت إلى بيتك ثم تناولت طعام العشاء، وعوضاً عن الخلود إلى النوم قررت أن تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وقتاً طويلاً ومن دون هدف واضح؟ تعرف هذه الظاهرة باسم "السهر الانتقامي" أو "المماطلة الانتقامية في النوم" التي تعني تأخيرك المتعمد لموعد النوم بعد يوم شاق، وعادة ما تلجأ إلى السهر رغبة في الانتقام لأنك تفقد السيطرة على زمام يومك، ويعكس السهر الانتقامي حالة الإحباط المرتبطة بعدد ساعات العمل المرهقة والطويلة.
ويمكن القول إن السهر الانتقامي سوف يجعلك تحصل على قسط غير كاف من النوم، وهو الأمر الذي يرتبط بالإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكري والاكتئاب، بالإضافة إلى ضعف القدرة على التركيز، وتدهور الذاكرة، وسوء الحالة المزاجية، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات.
اقرأ أيضاً: ما أسباب ظاهرة تسويف النوم؟ وكيف تتغلب عليها؟
4. الحديث السلبي مع النفس
تنقسم عاداتك اليومية إلى عادات سلوكية وأخرى عقلية، وتتكون عاداتك العقلية من معتقداتك وأفكارك عن نفسك وعن الآخرين؛ إنها العبارات والأفكار التي تكررها لنفسك باستمرار، ومع مرور الوقت تؤدي دوراً رئيسياً في كيفية رؤيتك لنفسك وتصرفاتك. ومن أهم العادات اليومية العقلية التي تعوق نموك الشخصي: حديثك السلبي مع نفسك وهو صوتك الداخلي الذي يصدر تعليقات ناقدة ترتكز بالأساس على تقليل شأن نفسك، ولومها، وإقناعها بأنك لا تستطيع.
وعلى الرغم من أن الناقد الداخلي موجود عند معظم الأشخاص فإنه يصبح مشكلة كبرى حين يتحول إلى نمط متكرر وعادة يومية تضعف قدرتك على إحداث تغييرات إيجابية في حياتك، علاوة على ذلك، فإن الحديث السلبي مع الذات يؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بالاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، واضطراب القلق العام، كما يسبب انخفاض الدافع وزيادة الشعور بالعجز وانخفاض الإنتاجية في العمل.
5. مقارنة نفسك بالآخرين
في الوقت الحالي أضحى الوقوع في فخ المقارنة مع الآخرين أسهل بكثير، خاصة مع التصفح المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي والاطلاع الدائم على إنجازات الآخرين والنجاحات التي يحققونها في حياتهم، والخطوات الإيجابية التي يشاركونها باستمرار مع الجميع.
لكن دعني أخبرك أمراً مهماً؛ سواءً كان الأمر متعلقاً بنجاح شخص آخر في حياته المهنية أو علاقاته، أم بأسلوب حياته، فإن المقارنات سوف تشعرك بالنقص، ومع مرور الوقت تعزز هذه العادة مشاعر الغيرة وتضعف ثقتك بنفسك، لهذا تذكر أن لكل شخص مساره الخاص، وأن ما تراه على الإنترنت غالباً ما يكون نسخة منقحة من الواقع. ومن ثم، ركز على رحلتك الخاصة واحتفل بإنجازاتك.
6. التفكير المفرط في كل شيء
بعد أن أستيقظ من نومي، أخطط ليومي، إلا أنني في أثناء عملية التخطيط وأداء المهام يفكر عقلي في كل شيء؛ هل أنا أم جيدة؟ هل أؤدي عملي على ما يرام؟ هل طعامي يحتوي على كل العناصر الغذائية؟ والحقيقة أنني أدركت مؤخراً أن التفكير المفرط في كل شيء هو عادة سلبية للغاية؛ حيث يشبه التفكير المفرط عجلة الهامستر الذهنية، فهو يبقيك تدور في دوائر دون أن تصل إلى أي مكان.
علاوة على ذلك فإن التحليل المستمر لكل تفصيل، والقلق بشأن النتائج المستقبلية، أو إعادة التفكير في أخطاء الماضي، قد يؤدي إلى تفاقم مشاعر القلق والتوتر، وعندما تفرط في التفكير، تفوت اللحظة الحالية وتسبب مشاكل قد لا تكون موجودة أصلاً.
اقرأ أيضاً: هذه الاستراتيجية الجديدة قد تكون الحل النهائي للتفكير الزائد
كيف تتخلص من العادات السلبية التي تعيق نموك الشخصي؟
قد تصبح بعض العادات جزءاً لا يتجزأ من روتينك اليومي، وغالباً ما تكون متأصلة في سلوكياتك اليومية لدرجة يصعب معها التراجع وملاحظة تأثيرها السلبي في نموك الشخصي، لذلك عندما تجد نفسك تقع في العادات السلبية القديمة نفسها، توقف لحظة وجرب هذه الاستراتيجيات:
1. ركز على تغيير عادة واحدة في كل مرة
دعني أصدقك القول؛ لدى الكثير منا عادات سيئة تعوق عملية النمو الشخصي ونرغب في التخلص منها، لكن محاولة تغيير عدة عادات في الوقت نفسه تبدو مرهقة، ومع مرور الوقت ستحس بالإحباط عند محاولة تغيير الكثير دفعة واحدة، على سبيل المثال، إذا فشلت في تغيير عادة واحدة، فقد تشعر باليأس وتقرر التخلي عن تغيير العادات الأخرى أيضاً، لهذا من الأفضل حصر تركيزك على تغيير عادة سيئة واحدة في كل مرة. يمكنك منح العادة اهتمامك الكامل، ثم الانتقال إلى التالية عندما تشعر بالارتياح لأنك تخلصت من الأولى.
2. حدد محفزات العادة السلبية
إن معرفة محفزاتك يمكن أن تساعدك على فهم دوافع عادتك على نحو أفضل، ومن ثم وضع خطة عمل واضحة، لهذا اعمل على تدوين قائمة بالمحفزات المحتملة لعادتك السيئة؛ على سبيل المثال، إذا كنت تفرط في تناول الطعام غير الصحي ليلاً فقد تكون محفزاتك الشعور بالوحدة والقلق أو التوتر، وفي هذه الحالة أنت تستخدم الطعام بصفته مسكناً لتلك المشاعر، وحين تتعرف إلى محفزاتك سوف يتعين عليك التعامل مع مشاعرك عوضاً عن تناول الطعام ليلاً.
3. ضع خطة عمل
عندما يتعلق الأمر بالتخلص من عادة سيئة، لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، ومن ثم، قد تختلف خطة العمل الأكثر فعالية بالنسبة لك عن خطة شخص آخر، حتى لو كانت العادة التي تحاول تغييرها هي نفسها. على سبيل المثال، إذا كنت تود التوقف عن تناول الطعام ليلاً، امسح التطبيق الذي تطلب منه الطعام، وتخلص من أرقام المطاعم القريبة، وذلك حتى تجعل الأمر أكثر صعوبة، وإذا كنت تود التخلص من عادة التصفح المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي، استبدل بوقت التصفح نشاطاً آخر مثل القراءة أو المشي في الهواء الطلق. وحتى تبني عادة إيجابية لتحل محل السلبية اجعلها سهلة التطبيق.
ويشرح المعالج النفسي، أسامة الجامع، أن محاولات التوقف عن العادة السلبية قد يكون مضيعة للوقت، الأجدى أن تزرع في حياتك عادة جديدة تزداد مساحتها كل يوم حتى تهيمن على مساحة العادة القديمة في حياتك، وفي أثناء زراعة العادة الجديدة حاول قدر الإمكان اتباع عقلك وليس مشاعرك.
4. ركز على اليقظة الذهنية
جزء كبير من عاداتك اليومية يعمل بطريقة تلقائية من دون تفكير أو مجهود، ولهذا حتى تتخلص من العادات السلبية، مارس اليقظة الذهنية؛ اسأل نفسك لماذا تود أن تفعل ذلك؟ وهل هذا السلوك فعال أم لا؟ حين تركز على اللحظة الحاضرة سوف تراجع نفسك قليلاً قبل الانخراط في العادة السلبية.
5. تخلص من فكرة إما الكل وإما لا شيء
ترسخت العادات السلبية في نظامك العقلي على مدار فترة طويلة، لهذا لا تتوقع التخلص منها في يوم أو يومين، وحين تضع خطة عمل محكمة وتجد نفسك تعود إلى نقطة البداية، أو تمارس العادة السلبية مرة أخرى لا تحس بالإحباط أو تقرر التوقف، ذكر نفسك بأن النكسات واردة، لكنها لا تلغي كل تقدمك. لقد طورت أدوات، وتعلمت استراتيجيات، وبنيت قوة إرادة تساعدك على العودة إلى المسار الصحيح ومواصلة التقدم.
اقرأ أيضاً: 5 عادات إيجابية بسيطة تزيد سعادتك
6. مارس التعاطف مع الذات
إذا واجهت بعض الصعوبات في أثناء محاولة تغيير عاداتك التي تعوق نموك الشخصي، كن رحيماً ولطيفاً مع نفسك، عاملها مثلما تعامل صديقك المقرب، وعندما تشعر بثقل المسؤوليات خذ استراحة، وحين تحس بالقلق اعمل على تدوينه. وعندما تشعر بالخوف تواصل مع صديق وشاركه مخاوفك. اسمح لنفسك بتلقي الدعم الذي تحتاج إليه، وبدلاً من تجنب خطة عملك لتغيير عادتك السلبية المعيقة، واجه جوهر خوفك، وأعد صياغة الأفكار السلبية التي تغذي تجنبك، وعد إلى المهمة بعزم.