ملخص: دعوني أخبركم سراً: أذكر أنني في أحد الأوقات البعيدة أبلغت صديقتي المقربة برغبتي في الذهاب إلى عيادة الطبيب النفسي. وقتها ردت عليّ صديقتي بأنها على استعداد تام أن تسمعني مثل الطبيب تماماً دون مقابل مادي. وقتذاك، اقتنعت لبعض الوقت أن وجود صديقتي كافٍ للغاية، وأنني إذا احتجت إلى معالجة مشكلاتي يمكنني اللجوء إليها؛ ولكني كنت مخطئة للغاية، فالحديث مع صديق يختلف تماماً عن التحدث إلى الطبيب أو المعالج النفسي، وإليكم في هذا المقال الفرق بينهما.
محتويات المقال
عندما أمر بأوقات صعبة مليئة بالإرهاق والتوتر، أحاول ممارسة بعض الطقوس مثل الذهاب إلى السينما أو مقابلة بعض الأصدقاء أو مشاهدة مسلسلي المفضل، وأحياناً ألجأ إلى ممارسة تمارين الاسترخاء مثل التأمل واليوغا. وحين تزداد تلك الأوقات صعوبةً، أشعر برغبة كبرى في الحديث والفضفضة لأصدقائي المقربين. وبصراحة، في بعض الأوقات، يكون هذا كل ما أحتاج إليه، ففي النهاية، أصدقائي يعرفوني جيداً ويدعموني باستمرار، وأستطيع بسهولة مشاركتهم الأسرار دون خوف أو قلق؛ ولكن إذا ازدادت متاعبنا النفسية سوءاً، هل تكفي الفضفضة للأصدقاء لتجاوزها؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
أهمية دعم الأصدقاء في الحفاظ على الصحة النفسية
البشر بطبيعتهم كائنات اجتماعية تحتاج إلى العلاقات، ويعد التواصل مع الأصدقاء أمراً بالغ الأهمية لصحتنا النفسية. وعلى الرغم من أن العلاقات تحتاج إلى الجهد والمثابرة حتى تنمو وتزدهر، فإنها تستحق المحاولة لأنها تثري حيواتنا، ولها الكثير من الفوائد النفسية؛ مثل:
- تقليل مستويات التوتر: يؤكد أستاذ علم النفس بجامعة ماساتشوستس الأميركية (University of Massachusetts)، مهزاد حجت (Mahzad Hojjat)، إن الصداقات تساعدنا على تخفيف حدة التوتر، فقضاء الوقت بصحبة الأصدقاء بعد يوم سيئ وحافل بالضغوط يمكن أن يكون له تأثير مهدئ، خاصة لو حاولت الاستمتاع بلحظات من الضحك في أثناء هذه الصحبة.
- تعزيز الشعور بالانتماء: يأتي الاحتياج إلى الانتماء في المرتبة الثالثة في تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات؛ وذلك لأننا جميعاً أن نشعر أننا ننتمي إلى مجموعة ما، وبأننا مهمون للآخرين، ويساعد تطوير الصداقات الوثيقة والحفاظ عليها على تعزيز مشاعر الانتماء.
- تقليل الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية: يمكن أن تؤثر الوحدة والعزلة تأثيراً كبيراً في الصحة النفسية، والحقيقة أن وجود الأصدقاء يساعد على تجنب الشعور بالعزلة. ويحدث في بعض الأحيان أن نشعر بالوحدة حتى لو كنا وسط حشد من الأصدقاء، وفي هذا السياق، علينا أن نوضح أهمية الصداقات الحقيقية الداعمة التي تعزز الألفة وتقلل الشعور بالوحدة.
- التنمية الشخصية: إذا كنت ترغب في إحداث تغيير إيجابي في حياتك أو لديك عادة سلبية تريد التخلص منها، يمكن للأصدقاء مساعدتك في الحفاظ على عزمك على ممارسة عادات صحية أكثر. وفي هذا السياق، تؤكد المعالجة النفسية آيفي شكور إن وجود الأصدقاء الحقيقيين يسهم في دعم الممارسات والاختيارات الصحية مثل ممارسة الرياضة أو تناول الطعام الصحي أو الإقلاع عن التدخين.
- تحسين الثقة بالنفس: يمكن للأصدقاء تحسين ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك، فالصديق الجيد يشجعك دوماً على التقدم للأمام. وفي هذا السياق، يوضح أستاذ الطب النفسي مهزاد حجت إن احترام الذات والعلاقات الاجتماعية الإيجابية يسيران جنباً إلى جنب؛ ما يعني أن العلاقات الإيجابية تبني احترام الذات بينما يؤدي ارتفاع احترام الذات أيضاً إلى علاقات أكثر إرضاءً.
- القدرة على خلق فرص وخوض تحديات جديدة: في أثناء خوض غمار الحياة، نحتاج أحياناً إلى تجربة أشياء جديدة ولكننا قد نشعر بالخوف، وهنا تحديداً تكمن واحدة من أهم فوائد الصداقة؛ إذ قد نشعر بالتشجيع لمجرد الصحبة، وقد نستمتع مع أصدقائنا بتجارب واهتمامات مختلفة، ويمكن أن توفر لنا الصداقات الأمان والدعم من أجل تعلم أشياء جديدة أو التعرف إلى أشخاص جدد.
اقرأ أيضاً: كيف تختار أوفى الأصدقاء؟
لماذا قد لا تكفي الفضفضة لصديقك لتجاوز متاعبك النفسية؟
يؤكد المعالج النفسي جيفري سمبر (Jeffrey Sumber) إن الأصدقاء يمكن أن يكونوا سعداء من أجلنا أو خائفين على مشاعرنا؛ ولكنهم غير قادرين بأي حال من الأحوال على تطوير عملية النمو والتغيير على المدى الطويل. ومن أجل الأسباب الآتية؛ لا تكفي الفضفضة لصديقك لتجاوز متاعبك النفسية:
- العلاج النفسي أكثر من مجرد حديث: علاوة على أنه ليس نصيحة أو فضفضة ولكنه عملية علاجية مصممة تهدف إلى تحديد المشاعر والأفكار والسلوكيات المزعجة التي تسبب المتاعب النفسية تمهيداً لحل تلك المشكلات من قِبل مختص أو طبيب نفسي مرخص ومدرب على تحديد وعلاج اضطرابات الصحة النفسية باستخدام تقنيات مجربة.
- التدريب والخبرة: قد تكون لدى صديقك أو أحد أفراد أسرتك النية الصادقة للمساعدة؛ ولكنه في الوقت نفسه غير مدرب على التعامل مع القضايا المعقدة أو المؤلمة. ما يمكنه تقديمه لك هو ببساطة النصيحة والدعم، وفي حين أن ذلك يمكن أن يكون مريحاً ومفيداً؛ إلا أنه ليس بديلاً من العلاج النفسي عند الحاجة إليه، فالمعالج هو متخصص يتمتع بالتدريب والخبرة ويستخدم مجموعة واسعة من ممارسات العلاج القائمة على الأدلة.
- المخاوف من إصدار الأحكام: يعاني بعض الأشخاص مشكلات نفسية عميقة جداً، وأحياناً تأتي هذه المشكلات مع قدر من الإحساس بالذنب والخجل والخوف وأحياناً العار؛ ولهذا لنكن واقعيين، في الكثير من الأحيان، قد نواجه تحدياً كبيراً في مناقشة تلك المشكلات مع أصدقائنا المقربين، ففي النهاية، وبغض النظر عن دعم الأصدقاء الذي قد يكون غير مشروط؛ إلا أننا نود أن نكون محبوبين وجديرين بالاحترام والتقدير من الآخرين. ونتيجة لذلك؛ لن نستطيع البوح بتلك المشكلات للأصدقاء؛ ولكن لا توجد علاقة بينك وبين طبيبك النفسي لذا فهو قادر على أن يكون موضوعياً وغير متحيز، وليس من مهماته على الإطلاق إصدار الأحكام عليك؛ بل قبولك كيفما كنت ومساعدتك على التعامل مع مشكلاتك.
- يركز العلاج النفسي على نموك الشخصي: يعرفنا أصدقاؤنا معرفة وثيقة؛ ولهذا فإنهم قد يفهمون سياق المشكلات التي قد نعانيها كثيراً؛ ولكن في الوقت نفسه، يرتكز دعم الأصدقاء على:
- الانحياز: بمعنى أنهم يختارون الوقوف إلى جانبنا مهما حدث ومهما كانت طبيعة المشكلة.
- الاسترضاء: يهتم أصدقاؤنا بمشاعرنا ولا يريدون رؤيتنا متألمين؛ ولهذا فإنهم غالباً ما يخبرونا أن كل شيء سوف يكون على ما يرام. إنهم يريدون في النهاية أن يجعلونا نشعر بالسعادة والتحسن والهدوء.
- تشتيت الانتباه: كما يفعل الآباء تماماً مع أطفالهم عندما يشعرون بالحزن؛ قد يرغب أصدقاؤنا في تشتيت انتباهنا عن المشكلات التي تواجهنا من أجل إسعادنا.
- مقارنة مشكلتك مع مشكلات الآخرين: في بعض الأحيان، قد يحاول صديقك مواساتك عن طريق مقارنة تجربتك مع التجارب المماثلة. ربما يريد منك أن تتعامل مع الأمر بالطريقة نفسها حتى تتجاوز متاعبك النفسية.
أما فيما يخص العلاج النفسي، فإنه يعد فرصة للتركيز على مشكلاتك وتطوير المهارات اللازمة لمعالجتها؛ إنه مساحة يمكنك من خلالها إنجاز بعمل عميق والنظر إلى الصورة الكبيرة. وفي هذه الحالة، وبعد مرور وقت قصير، سوف تبدأ التساؤل: "من أنا؟ وماذا أريد لحياتي؟". وبعد ذلك، سوف تجد أنك مستعد للسعي من أجل تحسين الذات وتحقيق نموها الشخصي.
- الحفاظ على السرية التامة: على الرغم من أنك قد تثق في أن صديقك سيحتفظ بسرية ما شاركته، فإن هذا لا يحدث دائماً، ففي بعض الأحيان يكون الحفاظ على الأسرار أمراً صعباً، وقد يشارك صديقك ما قلته له على سبيل الخطأ ودون قصد؛ ولكن العلاج النفسي يرتكز بالأساس على السرية التامة؛ حيث يلتزم المعالجون بالمعايير المهنية والأخلاقية والقانونية المصممة خصيصاً من أجل حماية خصوصيتك.
- التركيز على مشاعرك: تعتمد الصداقة الصحية على فكرة الأخذ والعطاء والاهتمام المتبادل، فإذا كنت تحكي لأصدقائك عن مشكلاتك فإنهم سيفعلون ذلك أيضاً ويحكون عن التحديات التي تواجههم في الحياة، وهذه علامة جيدة على مدى قوة العلاقة؛ ولكنك تحتاج أحياناً إلى التركيز على مشاعرك دون تشتيت، وترغب فقط في التحدث عن متاعبك النفسية، وهذا ما يوفره العلاج النفسي لأن الطبيب المختص يكرس وقته كلع من أجلك؛ ولهذا في هذه الحالة، ليس عليك أن تشعر بالذنب لاحتكار الوقت أو التحدث عن نفسك فقط.
- الحدود الواضحة: يوضح أستاذ علم الإكلينيكي جون دافي (John Duffy) إن الحدود واضح في عملية العلاج النفسي؛ أنت تذهب إلى طبيبك في عيادته ضمن أوقات محددة وليس عليك إقناعه بمشاعرك. ولأنك تقدم نفسك دون توقعات، فهذا يخفف عنك الكثير من العبء النفسي. ومن أجل فهم الاختلافات بين التحدث إلى المعالج والصديق، فإن المعالج يشبه المدرب الذي يقف على الهامش ويراقب حياتك؛ بينما أصدقاؤك هم اللاعبون الفعليون في اللعبة. كلاهما مهم؛ لكن الأدوار ووجهات النظر مختلفة.
اقرأ أيضاً: متى تصبح زيارة الطبيب النفسي أمراً حتمياً؟