متى تصبح زيارة الطبيب النفسي أمراً حتمياً؟

العلاج النفسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بحكم عملي كطبيبة نفسية؛ يوجه لي الكثير من الناس سؤالاً واحداً أجيب عنه يومياً تقريباً، وخاصة عندما أتعرف على شخص جديد وأبلغه أنني أعمل كطبيبة نفسية، هو متى نذهب للطبيب النفسي؟ ومتى يكون العلاج النفسي هو الحل؟

العلاج النفسي أو العلاج بالكلام أو الحديث أو الاستشارة، أو العلاج ببساطة بغض النظر عن الاسم المعروف، كلها تشير إلى نفس المعنى، وهو حاجة الشخص لمساعدة مختص في الصحة النفسية؛ والتي بدورها يمكن أن تفيد الأشخاص الذين يعانون من الصعوبات العاطفية وتحديات الحياة ومخاوف الصحة العقلية والنفسية.

ما هو العلاج النفسي؟

وفقاً للكلية الملكية للأطباء النفسيين، فهناك أنواع مختلفة من العلاج النفسي؛ لكنها كلها “علاجات حوارية” تتحدث فيها مع شخص أو أكثر. يمكن معالجة معظم مشكلات الصحة النفسية بواحد أو أكثر من مدارس العلاج النفسي الأخرى، وتتمثل المشكلات التي يمكن حلها في:

  • التوتر والقلق.
  • المشكلات العاطفية.
  • المشكلات التي تشوب العلاقات مع الجنس الآخر.
  • الوسواس والعادات المزعجة مثل تكرار غسل الأيدي بشكل مُلحّ.
  • مشكلات أخرى مثل سماع أصوات غير موجودة أو الهلوسة.

عادةً ما يُطلق على الشخص الذي يُجري العلاج اسم المعالج، بينما الشخص الذي يخضع للعلاج هو المريض أو العميل.

يقدّم العلاج النفسي الأطباءُ والمعالجون النفسيون؛ ما يعني أن المعالج الخاص بك قد يكون طبيباً أو غير ذلك، فالعلاج النفسي يتم تقديمه أيضاً من قبل المختصين النفسيين الإكلينيكيين والاستشاريين والممرضات والمختصين الاجتماعيين والمستشارين وغيرهم.

يمكن إجراء معظم المعالجات النفسية بشكل فردي أو في مجموعات. كما يمكن الآن تنفيذ بعضها باستخدام الإنترنت.

لماذا العلاج النفسي؟

يمكن أن يساعد العلاج النفسي في تحسين أعراض العديد من مشكلات الصحة النفسية. يمكن للعملاء أن يتعلموا كيفية التعامل مع الأعراض التي قد لا تستجيب للعلاج الدوائي على الفور.

تُظهر الأبحاث أن فوائد العلاج النفسي تدوم لفترة أطول من الأدوية وحدها؛ حيث إنّ الأدوية يمكن أن تقلل من بعض أعراض مشكلات الصحة النفسية.

ولكن العلاج يعلّم العملاء مهارات معالجة العديد من الأعراض بأنفسهم. تستمر هذه المهارات بعد انتهاء العلاج لدى المختص.

مدى شيوع اضطرابات الصحة النفسية

قد يعتبر البعض أن اضطرابات الصحة النفسية ليست شائعة ويعاني منها القليل. ولكن هذه معلومات مغلوطة؛ إذ تُظهر الإحصاءات الحديثة من التحالف الوطني للصحة النفسية أن 1 من كل 5 بالغين أميركيين يعاني من اضطراب في الصحة النفسية.

بينما يعاني 1 من كل 20 بالغاً من اضطراب خطير في الصحة النفسية كل عام. ويعاني 1 من كل 6 شباب في الولايات المتحدة ممن تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً من اضطراب في الصحة النفسية.

لكن نحو 40% فقط من الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في الصحة النفسية يطلبون المساعدة من مختص ويحصلون عليها.

وغالباً ما تزداد مشكلات الصحة النفسية سوءاً، وقد تكون لها آثار سلبية أخرى. يمكن أن تؤدي أيضاً إلى:

  • عدم القدرة على العمل أو الذهاب إلى المدرسة.
  • صعوبة في العلاقات أو رعاية الأطفال.
  • زيادة مخاطر المشكلات الصحية.
  • الانتحار.

أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فتشير البيانات الصادرة من قسم طب المجتمع بكلية الطب جامعة الملك عبد العزيز بجدة في المملكة العربية السعودية وقسم الوبائيات بالمعهد العالي للصحة العامة بجامعة الإسكندرية، والمنشورة على موقع سبرينجر، أن منطقة الشرق الأوسط بها معدلات عالية من اضطرابات الصحة النفسية، ومن المتوقع أن ترتفع هذه المعدلات بسبب الحروب والصراعات المستمرة.

وتشير البيانات السابقة بأن انتشار الأمراض النفسية يتراوح بين 15.6% إلى 35.5%، مع وجود المعدلات الأعلى في الدول التي تعاني من حالات طوارئ معقدة مثل الحروب والمجاعات.

يرتبط المرض النفسي بـ11.9 مليون سنة من سنوات العمر المعدلة حسب الإعاقة (DALYs) خلال الفترة من 1990 إلى 2013؛ حيث سجلت فلسطين وجيبوتي والصومال أعلى معدل سنوات عمر معدلة في المنطقة.

يتم تقييم العبء الإجمالي للمرض باستخدام سنة العمر المعدلة حسب الإعاقة (DALY) أو سنوات الحياة الصحية المفقودة باحتساب العجز. وهو مقياس قائم على الوقت يجمع سنوات العمر المفقودة بسبب الوفيات المبكرة (YLLs) وسنوات العمر المفقودة بسبب الوقت الذي تعيشه في حالات أقل من الصحة الكاملة، أو سنوات الحياة الصحية المفقودة بسبب الإعاقة.

أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً في المنطقة هو الاكتئاب والقلق المرضي، لا سيما بين الإناث والفقراء والعازبين، وكبار السن، والذين يعانون من أمراض مزمنة، وضحايا النزاعات أو انتهاكات حقوق الإنسان، واللاجئين.

تُعتبر وصمة العار المرتبطة بالاضطرابات النفسية سبباً شائعاً لعدم السعي للحصول على رعاية صحية نفسية، وهذا يؤدي إلى نتائج صحية سلبية.

متى تتوجب عليك زيارة الطبيب النفسي؟

يمكن الإجابة عن هذا السؤال بطريقتين، الأولى هي عندما تريد ذلك، وهي إجابة لا تعني بالضرورة وجود خلل أو اضطراب بعينه؛ ولكنها تعبر عن رغبة الشخص في التحدث مع مختص.

أما الطريقة الثانية؛ والتي هي أكاديمية أكثر، فهي عند وجود ما يعيق وظائف الإنسان التي اعتاد على فعلها. بتعبير آخر وحسب جمعية علم النفس الأميركية، فإن الوقت المناسب لرؤية معالج نفسي هو عندما يتسبب شيء ما في الضيق ويتعارض مع جزء من الحياة، خاصةً عندما:

  • يستغرق التفكير في المشكلة أو التعامل معها ساعة على الأقل كل يوم.
  • تسبب المشكلة إحراجاً أو تجعلك ترغب في تجنب الآخرين.
  • تسبب المشكلة انخفاض جودة حياتك.
  • تؤثر المشكلة سلباً على المدرسة أو العمل أو العلاقات.
  • حدثت تغييرات في حياتك أو طورت عادات للتعامل مع المشكلة.

كما قد يكون التغيير في نمط الأكل أو النوم أو القدرة على العمل. كل هذه التغييرات تؤكد حاجتك للعلاج النفسي وضرورة زيارة مختص.

ما الفائدة؟

إذا كنت تفكر في العلاج النفسي فقد تخطر في ذهنك العيوب المحتملة. قد تكون التكلفة مصدر قلق بالنسبة لك، وقد تدرك أيضاً أن العلاج غالباً ما يكون صعباً.

قد تكون الصدمة أو الأحداث المؤلمة الأخرى من الماضي مخيفة عند تذكرها ومناقشتها مع شخص ما. التعامل مع التحديات ليس بالأمر السهل، والعلاج ليس دائماً حلاً سريعاً. تأكد من أنك عندما تكون مستعداً لرؤية معالج، يمكنك أن تكون صادقاً مع نفسك ومعه.

ولكن إذا كنت على استعداد للقيام بهذا العمل، فقد يكون العلاج مفيداً. إنها مساحة آمنة وخالية من الأحكام؛ حيث يمكنك مشاركة أي شيء، مع مختص موجود لمساعدتك.

فيما يلي بعض فوائد العلاج:

  • يمكن أن يساعدك العلاج في تحقيق أهدافك: إذا لم تكن متأكداً من أهدافك، فيمكن أن يساعدك العلاج في توضيحها ووضع خطوات واقعية لتحقيقها.
  • يمكن أن يساعدك العلاج في الحصول على علاقات أكثر إرضاءً: سواء كنت أعزباً أو في علاقة عاطفية أو حتى متزوجاً، ومعالجة الصعوبات المتعلقة بالآخرين؛ مثل عدم الأمان في العلاقات أو صعوبة الثقة في شريكك.
  • من المرجح أن تتمتع بصحة أفضل: تدعم الأبحاث وجود صلة بين عافية العقل والجسم. يمكن أن تؤثر مشكلات الصحة النفسية غير المعالجة على العافية الجسدية. من ناحية أخرى؛ قد يكون الأشخاص الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة أكثر قدرة على التعامل مع مشكلات الصحة البدنية التي تنشأ.
  • يمكن أن يؤدي العلاج إلى تحسن في جميع مجالات الحياة: إذا شعرت أن شيئاً ما يمنعك من عيش الحياة كما تتصورها، فيمكن أن يساعدك العلاج في معالجة ذلك.

العلاج النفسي ليس حلاً سريعاً أو سهلاً، وأحياناً يستغرق الشخص الكثير من الوقت قبل التوجه للعلاج النفسي؛ لكنه قد يسهم تحسين جودة حياتك، ويساعدك في بناء حياة تستحق أن تعاش.

المحتوى محمي !!