هل سبق لك أن سمعت مصطلح "سام" خلال الآونة الأخيرة؟ حسناً ماذا تعني السمية بالنسبة لك؟ الحقيقة أن مصطلح السمية ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلاقات، لكن هل كنت تعلم أن ثمة سلوكيات سامة قد تفعلها تجاه نفسك؟
يمكن القول إن السلوكيات السامة تتسلل بهدوء، ومع مرور الوقت ستبدأ الشعور بالاستنزاف والإرهاق، والقلق والتوتر، وفي بعض الحالات تؤثر سلباً في صحتك النفسية والجسدية. والأصعب هو أنك قد لا تدرك حدوثها إلا عندما تغرق فيها، وإليك عبر هذا المقال، 7 سلوكيات تبدو عادية لكنها في حقيقتها سامة.
7 سلوكيات تبدو عادية لكنها سامة
ثمة سلوكيات قد تبدو عادية للبعض وأحياناً قد تجعلك تحس بالفخر، لكن هذه السلوكيات في أعماقها وحين تتحول إلى نمط متكرر تعد سامة وتسبب الأذى والضغط النفسي، وأهم هذه السلوكيات هي:
1. السعي المفرط إلى إرضاء الآخرين
قد يبدو إرضاء الناس، ظاهرياً، سلوكاً غير مؤذ ولطيفاً وكريماً، لكن إرضاء الناس يصبح سلوكاً ساماً ومشكلة كبرى حين تفرط فيه، وعادة ما يؤدي مع مرور الوقت إلى الإصابة بالقلق والتوتر والإرهاق الجسدي والنفسي، والأشخاص الذين يسعون إلى إرضاء الآخرين غالباً ما يضعونهم أولوية، ولهذا فإنهم لا يجدون الوقت الكافي للاعتناء بذواتهم، ومن ثم، يؤجلون حياتهم وأهدافهم بينما يقدمون خدمات للآخرين.
وقد يكون السعي المفرط لإرضاء الآخرين سلوكاً مكتسباً، أو استجابة لصدمة نفسية، ويطلق عليه في هذه الحالة اسم "السلوك الآمن" حيث تنخرط فيه حتى تحس بالأمان وتتجنب المزيد من الإساءة والأذى، والتحدي يكمن في أنك تميل إلى الاستمرار في هذا السلوك مدة طويلة حتى بعد زوال خطر الإساءة.
2. الانشغال الدائم حتى تشعر بالإنتاجية
يمجد المجتمع والثقافة الحالية الشخص الذي يواصل العمل بجد للوصول إلى القمة، وهناك اعتقاد سائد هو أن جدولك إذا لم يكن ممتلئاً ولم تكن مشغولاً باستمرار، فأنت شخص كسول أو غير طموح، علاوة على ذلك، يربط بعض الأشخاص قيمتهم الذاتية بمدى انشغال جدول أعمالهم، وقدرتهم على تحقيق المكانة في المجتمع، وهنا يجد الشخص نفسه منخرطاً في حالة من الإنتاجية السامة، وهي الهوس غير الصحي بالانشغال في العمل على حساب مناحي الحياة الأخرى مثل الراحة والعلاقات الشخصية والصحة النفسية.
وغالباً ما يؤدي الانشغال الدائم والهوس بالإنتاجية إلى زيادة مشاعر القلق والاكتئاب، والتوتر والإرهاق، بالإضافة إلى الإحساس بالغضب والإحباط والذنب وعدم الكفاءة، والوحدة واليأس، وفي بعض الحالات يمكن أن يسبب الانشغال الدائم حدوث اضطرابات نفسية أكثر خطورة مثل اضطرابات القلق أو اضطراب تعاطي المخدرات، المشكلة الأساسية تكمن حين يكون الانشغال هو الوسيلة للهروب من المشاعر والمواقف الصعبة، لكن دعني أخبرك أمراً أصعب وهو أن هذه المشاعر لن تختفي بانشغالك بل ستظل تتراكم وقد تنفجر في وجهك دون مقدمات.
اقرأ أيضاً: ما هي الإنتاجية السامة؟ وكيف تتجنب الوقوع في فخها؟
3. السعي إلى الكمالية
السعي نحو الكمالية يختلف عن الرغبة في النجاح أو إنجاز الأمور على أكمل وجه، إنه عقلية معقدة تتضمن وضع معايير عالية جداً للنفس، ثم التعامل معها بقسوة شديدة عند عدم تحقيقها، وغالباً ما يؤدي هذا الموقف إلى التعلق بالتفاصيل الصغيرة، وتجنب المهام خوفاً من الفشل، وأن تكون أسوأ ناقد لنفسك.
والكمالية بطبيعة الحال فكرة صعبة ومستحيل تطبيقها في الواقع، لذلك غالباً ما تؤدي إلى نتائج سلبية مثل المماطلة والتسويف، وتجنب التحديات، وتدني احترام الذات، والشعور بعدم الاستحقاق، وغالباً ما يصاحب هذه المشاعر بعض الاضطرابات النفسية مثل القلق والتوتر واضطراب الوسواس القهري، واضطرابات الطعام.
4. الإفراط في تحليل المحادثات والتفاعلات
هل تجد نفسك أحياناً غارقاً في متاهة من الأفكار بسبب فرط تحليل المحادثات والتفاعلات اليومية؟ هل تفكر في محادثتك مع صديقك وتحلل كل كلمة يقولها وكل رد فعل يقوم به؟ الحقيقة أن فرط التحليل يؤدي إلى الإجهاد المزمن، واضطرابات النوم، وزيادة مشاعر القلق والتوتر، ويسبب إدراكاً مشوهاً للواقع، وغالباً ما يواجه المفرطون في التحليل صعوبة في اتخاذ القرارات؛ لأنهم يميلون إلى تقييم كل نتيجة محتملة، مع مراعاة إيجابياتها وسلبياتها كلها، ويشعرون بالإرهاق من تعقيد الخيارات، ما يؤدي إلى شلل القرار الذي يعوق بدوره النمو الشخصي والمهني.
5. التنظيم المفرط أو الفوضى العارمة
استيقظت من نومي هذا الصباح، وأعددت قائمة بالمهام اليومية التي يجب إنجازها؛ رتبت مكتبي، ثم بدأت العمل، بعدها تركت المكتب وذهبت من أجل تنظيف البيت، تأكدت من أن كل شيء على ما يرام، قبل أن أعود للعمل.
والحقيقة أن ما فعلته اليوم كان تنظيماً مفرطاً، أن يكون كل غرض في مكانه الصحيح، وعلى الرغم من أن هذا السلوك يبدو صحياً فإنه مرهق على المدى الطويل، ومع مرور الوقت قد يؤدي إلى الفعل العكسي تماماً، وهو الفوضى العارمة، وعلى الرغم من أن كلا الاستجابتين منطقيتان من منظور الجهاز العصبي، فإن حدوثهما بطريقة قهرية يعد سلوكاً ساماً ويسبب الكثير من مشاعر الضغط النفسي والتوتر.
اقرأ أيضاً: حارب الكمالية بالرضا وتحرر من شقاء المثل العليا
6. التردد في اتخاذ القرارات
نحن نتخذ القرارات طوال الوقت؛ كل يوم نختار ما سنرتديه أو ما سنأكله، وأحياناً نختار قرارات أهم في حياتنا، ولكن هناك بعض الأشخاص الذين يواجهون مشكلة كبرى في اتخاذ القرارات حتى الصغيرة منها، إما بسبب الخوف من الفشل أو الشعور بالعجز وإما جراء حالة عدم اليقين.
وتوضح مختصة علم النفس السريري، كارلا ماري مانلي، أن الأشخاص الذين نشؤوا في بيئات تمنع ارتكاب الأخطاء يكبرون ويواجهون صعوبة بالغة في اتخاذ القرارات اليومية، وأحياناً يكون التردد بمثابة استراتيجية تكيف لا واعية يلجأ إليها الأفراد خوفاً من مشاعر القلق والتوتر المصاحبة لعملية اتخاذ القرارات، لكن الهرب من اتخاذ القرارات يؤدي على الجانب الآخر إلى تدني الثقة بالنفس.
7. الانسحاب من العلاقات الاجتماعية
تأتي علينا بعض الأوقات نحس خلالها بأننا لا نرغب في التواصل مع الآخرين، لهذا نفضل الانسحاب من العلاقات الاجتماعية، إما بسبب الانطواء وإما باعتباره نوعاً من العناية بالذات، وعادة ما يتجسد هذا الانسحاب في رفض دعوات الخروج ومقابلات الأصدقاء، وانخفاض التفاعل مع الرسائل الإلكترونية، والبحث عن أسباب من أجل عدم الذهاب إلى اللقاءات التي كانت تجعلنا نحس بالمتعة في السابق.
والحقيقة أن هذا الانسحاب قد يكون هو الحل المناسب لك تماماً، خاصة إذا كنت تود أن تنعزل قليلاً عن العالم الخارجي، لكن حين يتحول الانسحاب من العلاقات الاجتماعية إلى نمط متكرر فقد يشير ذلك إلى أن جهازك العصبي قد انتقل إلى وضع الحماية، حيث يبدو التفاعل الاجتماعي فوق طاقته.
كيف تتعامل مع سلوكياتك السامة تجاه نفسك؟
قد تلجأ إلى الكمالية أو تنخرط في حالة من الانشغال الكامل لأنك تضع معايير مرتفعة جداً لنفسك، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى شعورك بالإرهاق، ومن ثم انسحابك من العلاقات الاجتماعية. وحتى تتوقف عن سلوكياتك السامة نحو نفسك، جرب النصائح التالية:
1. مارس الامتنان تجاه نفسك
لا تنتظر التقدير من الآخرين، ولا تفرط في إرضائهم سعياً للحصول على الاستحسان، لكن عوضاً عن ذلك، ما رأيك لو خصصت لحظة كل يوم للتفكير في شيء تشعر بالامتنان تجاهه في نفسك، على سبيل المثال، قد يكون موهبة، أو صفة شخصية، أو حتى إنجازاً، والحقيقة أن الامتنان يساعدك على تحويل تركيزك مما تعتقد أنك تفتقر إليه إلى الوفرة التي تمتلكها بالفعل.
2. تحدث إلى نفسك بلطف
انتبه لحوارك الداخلي مع نفسك، وإذا وجدت عقلك مليئاً بالحديث السلبي عن ذاتك، فتوقف قليلاً وأعد صياغته إلى حديث آخر أكثر إيجابية وتعاطفاً. على سبيل المثال، بدلاً من قول "لا أستطيع فعل هذا"، جرب قول "أنا أتعلم وأتحسن"، ويمكن القول إن ممارسة الحديث الإيجابي بانتظام يمكن أن تحول حوارك الداخلي إلى حوار أكثر دعماً وتشجيعاً، ما يعزز علاقة ألطف مع نفسك.
3. أعط الأولوية للعناية الذاتية
تتمثل العناية الذاتية في الانخراط بأنشطة تشعرك بالتجدد، يمكنك مثلاً تخصيص وقت للهوايات أو للنزهات الاجتماعية التي تغذي جسدك وروحك، وهناك أيضاً أنشطة أخرى مثل أخذ حمام دافئ، أو قراءة كتاب، أو التنزه في الهواء الطلق، كلها طرق تساعدك على الشعور بتحسن.
4. مارس اليقظة الذهنية
حاول إدراج اليقظة الذهنية في روتينك اليومي، إذ تساعدك اليقظة على أن تصبح أكثر وعياً وتقديراً للحظة الحالية دون تفكير في الماضي أو انشغال بالمستقبل. وحتى تمارس اليقظة، جرب التأمل، وتمارين التنفس العميق، أو ببساطة كن حاضراً بذهنك في النشاط الذي تنجزه خلال يومك.
ويشرح المختص النفسي، حمود العبري، أن تمارين اليقظة الذهنية تقلل نشاط "شبكة الوضع الافتراضي" في الدماغ، المسؤولة عن التفكير الزائد، وتفعل مناطق التركيز والتنظيم العاطفي.
اقرأ أيضاً: كيف توظف اليقظة الذهنية في علاج القلق والتوتر؟
5. ضع أهدافاً واقعية لنفسك
كن واقعياً وضع أهدافاً قابلة للتحقيق، وفي أثناء تحقيق أهدافك، احتفل بتقدمك مهما كان صغيراً، يمكنك بناء أهدافك في كل جانب من جوانب حياتك، لكن تذكر أن تضعها خطوة بخطوة. الهدف ليس إرهاق نفسك، بل تحديد المسار الذي ترغب في السير به.
6. سامح نفسك
أفهم أن الأخطاء جزء من النمو، لهذا سامح نفسك على أخطاء الماضي، واعتبرها فرصاً للتعلم والتطور، قد تكون مسامحة نفسك أمراً صعباً في بعض الأحيان، لكنها عملية يمكن أن تسهم في نموك الشخصي.
على سبيل المثال، لنفرض أنك اتخذت قراراً خاطئاً، لا بأس، حاول مرة أخرى بعد أن تسامح نفسك، وأخبرها بأنك تعلمت من الخطأ وستبذل قصارى جهدك لتجنب تكرار الخطأ في المرات القادمة.
7. خذ فترات راحة
انشغالك الدائم ليس دليلاً على قيمتك الذاتية، ولهذا توقف عن هذا الربط السام بينهما، وتأكد من أن العمل طوال الوقت أو الانخراط في إنجاز المهام والأعمال سيجعلك تحس بالإرهاق الشديد، لهذا خذ فترات راحة حتى تتعافى، واعلم أن الراحة ليست مجرد رفاهية، لكنها بمثابة الوقود الذي يمدك بالطاقة، ومن ثم، امنح نفسك وقتاً للراحة والتعافي، وحاول ألا تشعر بالذنب حيال ذلك.