ملخص: لن نستطيع، مهما بذلنا من جهد، حماية أنفسنا من تجارب الفقد التي تشمل فقدان الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء، ونمر فيها بـ 5 مراحل تبدأ بالإنكار وتنتهي بالقبول، وترافقها أعراض تختلف حدّتها وتتنوع من الأعراض النفسية إلى الجسدية. وعلى الرغم من شدة ألم الفقد لكن يمكن تجاوزه بسلام عن طريق اتباع بعض الإرشادات الفعالة التي يقدمها المقال؛ وأهمها أخذ الوقت الكافي للتعافي، والسعي وراء الأهداف الصغيرة لا الكبيرة، وكذلك يقدم المقال إرشادات عملية أخرى للمحيطين بالشخص الفاقد ليتمكنوا من مساعدته كما يجب.
محتويات المقال
الفقد شعور لا يمكنك التنبؤ به، فقد تستيقظ في يوم ما على خبر رحيل أحد أحبائك، أو انفصال زوجتك عنك أو قطع أحد أصدقائك علاقته بك، وهذا بكل تأكيد سيجعلك تغرق في بحر أحزانك، فالألم الناتج من الفقد غير هيّن إطلاقاً، وبخاصةٍ إذا لم تكن مستعداً له أو مؤهَّلاً للتعامل معه.
ويعرّف استشاري الطب النفسي السعودي وليد السحيباني ألم الفقد بأنه مجموعة الأعراض النفسية المتتالية التي تحدث بعد فقد شخص عزيز. وعلى الرغم من أن الفقد الشائع يتعلق بفقد الأشخاص؛ إلا أن ألم الفقد يشمل أحياناً فقد الحيوانات أو الأماكن أو الأشياء، وتتوقف شدته على مدى متانة علاقة الشخص بالمفقود.
من الإنكار إلى القبول: 5 مراحل للفقد
يمر الشخص الذي يتعرض لتجربة الفقد بـ 5 مراحل متسلسلة كالتالي:
- الإنكار: يشعر فيها بالصدمة والارتباك نتيجة الفقد، لذلك يهرب من هذا الشعور بالانشغال الزائد أو تجنُّب كل ما يذكّره بالمفقود.
- الغضب: يشعر فيها الفاقد بالإحباط أو الغضب أو الاستياء، فتصدر عنه سلوكيات حادة أو عنيفة، وأحياناً يلجأ إلى تعاطي المخدرات أو شرب الكحول.
- التفاوض: يمكن القول إن هذه المرحلة بمثابة استراحة في منتصف الطريق؛ يُعيد فيها الفاقد النظر إلى تجربة الفقد ويحاول إيجاد مبررات لها، فمثلاً في حال وفاة والده المريض قد يقتنع بأن ذلك أرحم له من إطالة معاناته مع المرض.
- الاكتئاب: تسيطر عليه في هذه المرحلة مشاعر اليأس والحزن وخيبة الأمل، لذا ربما ترافقها تغيرات في النوم أو معدل الشهية أو الاهتمام بالأنشطة الاجتماعية.
- القبول: تتسم هذه المرحلة بالتعاطف مع الذات والشجاعة والحكمة والنضج العاطفي، ففيها يتصالح الفاقد مع ما حدث ويصبح قادراً على التكيف والتعامل معه.
ويشير الطبيب النفسي السعودي طارق الحبيب إلى أن مدة كل مرحلة تختلف من إنسان إلى آخر وفقاً لعدة عوامل؛ مثل القدرات الشخصية وطبيعة الفقد وحدّته وسرعة حدوثه، والتغييرات التي تطرأ على حياة الشخص بعد الفقد من الناحية الاجتماعية أو المادية، وكذلك وجود الدعم الاجتماعي أو غيابه.
اقرأ أيضاً: فقدان الطفل في الفترة المحيطة بالولادة
أعراض نفسية وجسدية ترافق تجربة الفقد
تختلف الأعراض التي تظهر بعد المرور بتجربة الفقد؛ لكن ثمة أعراضاً شائعة بعضها نفسي والبعض الآخر منها جسدي.
الأعراض النفسية
- اختلال الروتين اليومي.
- توقّع ظهور المفقود رغم العلم بأنه لن يعود.
- الشعور بالفراغ أو اليأس.
- الشعور بالذنب وتأنيب الضمير تجاه ما كان يمكن فعله لمنع الفقد، على الرغم من أن تلك الأفكار قد تكون غير منطقية.
- الخوف من التعرض للمزيد من تجارب الفقد.
- الشعور بالعجز.
- الشعور بالغضب.
- الشعور بالاكتئاب وأن الحياة لا تستحق العيش دون المفقود.
- الانعزال عن الآخرين.
الأعراض الجسدية
- الإرهاق.
- الغثيان.
- انخفاض المناعة.
- فقدان الوزن أو زيادته.
- ظهور آلام جسدية دون سبب.
- المعاناة من الأرق.
اقرأ أيضاً: تجربة الحداد بين فقدان الحياة ومحاولة استعادتها من فيلم وثائقي
9 إرشادات فعّالة للتعامل مع ألم الفقد
على الرغم من الآثار الصعبة لألم الفقد لكن يمكن التخفيف منه باتباع بعض الإرشادات العملية؛ وأهمها:
- خذ وقتك ولا تستعجل إطلاقاً أن تتجاوز تجربة الفقد وتعود إلى حياتك الطبيعية بسرعة، لأن ذلك سيؤدي إلى عدم التئام جرحك النفسي. احرص على عيش مراحل الفقد جميعها، وإعطاء كل مرحلة حقها حتى تتعافى تماماً.
- لا يلزمك إطلاقاً أن تشعر بالتفاؤل تجاه ما حدث وتتصالح معه، فمثلما تعطي الوقت الكافي للشفاء؛ أيضاً أفسِح المجال لمشاعرك الحقيقية حتى تظهر.
- تيقَّن بأنه لا توجد طريقة مؤكدة على وجه الأرض ستحميك من التعرض للفقد مهما بذلت من جهد، وتعايَش مع هذه الفكرة حتى تحيا بسلام.
- شارك ألمك مع عائلتك وأصدقائك المقربين، ولا تتردد أن تشرح لهم ما كان يعنيه لك المفقود في حياتك وأن تقص عليهم ذكرياتك معه.
- اعلم أنه سيكون من الصعب إنجاز الأهداف الكبيرة عندما تمر بتجربة الفقد، والأكثر جدوى هو البحث عن الأهداف البسيطة القصيرة المدى والسعي إلى تحقيقها؛ مثل المحافظة على روتينك اليومي.
- اعتنِ برفاهيتك ولا تحمّل نفسك ما لا تطيق، وابحث عن الأنشطة التي تمدك ولو بسعادة جزئية ومارسها، ولا تنسَ الانتباه إلى صحتك الجسدية ورعايتها جيداً.
- اكتشف أساليبَ متنوعة للتعبير عن حزنك؛ مثل تحويله إلى كتابات يومية أو رسومات تلونها، أو أي طريقة أخرى تجد فيها متنفّسك.
- جرّب ممارسة تمارين التأمل فهي قد تساعدك على التخفيف من حدة غضبك وتوترك.
- في حال استمرار معاناتك من ألم الفقد لفترة طويلة، لا تتردد أن تلجأ إلى المعالج النفسي ليساعدك على استيعاب تجربتك وتجاوزها.
كيف تدعم مَن يعيش تجربة فقد؟
مثلما توجد إرشادات عملية لمن يمر بألم الفقد؛ هناك أيضاً إرشادات مثيلة للمحيطين به وأبرزها:
- تجنَّب لومه على حاله أو محاولة إصلاحها، فالفاقد حينها سيشعر بأن ألمه غير مرئي بالنسبة إليك.
- لا تجبره على فعل معين؛ مثل أن يشاركك تفاصيل ما يعانيه في الفترة الحالية.
- أتِح له مساحة كافية للشعور بحزنه مع إخباره أنك متاح ليشاركك الحديث عندما يحتاج ذلك.
- اعرض عليه تقديم مساعدة عملية؛ مثل الجلوس بصحبة أطفاله أو طهو الطعام له.
- تحلَّ بالصبر وتذكّر أن الشخص الفاقد ربما سيحتاج وقتاً طويلاً للتعافي.
- إذا استمرت معاناته فترة طويلة، فشجعه على تجربة العلاج النفسي.
اقرأ أيضاً: لا تتخلَّ عن صندوق ذكرياتك، فقد يحمل علاج آلامك!
أخيراً، إن الفقد أمر حتمي لا نستطيع الهروب منه؛ لكن من الجيد معرفة طبيعة ما نعيشه وكيفية تجاوزه بسلام عندما نتعرض له، وذلك باتباع الإرشادات الصحيحة، وعيش التجربة كاملةً حتى تصبح محطة فاصلة على طريق نضجنا النفسي.