فقدان الطفل في الفترة المحيطة بالولادة

فقدان الطفل في الفترة المحيطة بالولادة
فقدان الطفل في الفترة المحيطة بالولادة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أحياناً تطرأ على المرء ظروف تحول دون قدوم المولود الذي ينتظره بفارغ الصبر إلى العالم، لأنه توفي قبل التاريخ الذي كان ينبغي أن يولد فيه أو في أثناء الولادة أو بعد ذلك بقليل. يسمى ذلك بفقدان الطفل في الفترة المحيطة بالولادة.

يشكل فقدان الطفل في الفترة المحيطة بالولادة صدمة حقيقية للوالدين. كما يُعتبر هذا الحدث كارثةً غير مفهومة. في مثل هذه المواقف الصعبة بشكل خاص ينبغي أن يتلقى الآباء الدعم والمساعدة اللازمَين.

مساندة الوالدين عند فقدان الطفل في الفترة المحيطة بالولادة

قبل بضع سنوات؛ كان يُعتقد أنه عندما يموت الطفل في رحم الأم أو عند الولادة فمن الأفضل للوالدين عدم رؤيته. بالإضافة إلى ذلك؛ لم نشأ إخبارهم بجنس المولود حتى ينسوه سريعاً لتدارك الموقف وإنجاب طفل آخر في أسرع وقت ممكن. هذا في الحقيقة عبارة عن “مؤامرة الصمت”. 

باختصار؛ نُنكر وجود هذا الطفل الميت وكأننا لم نشعر به على الإطلاق. ولكن كيف يمكن لطفل جديد أن يحل محل المولود المُتوَفى؟ فنحن نعلم حجم العبء الذي سيَتحمله بعض هؤلاء الأطفال “البدلاء”.

أما اليوم على العكس من ذلك؛ نعتقد أن الآباء يجب أن يكونوا قادرين على “الحداد” على هذا الطفل الذي عاشوا معه لأشهر عديدة. وبالتالي يجب أن يجدوا سبيلاً للشعور براحة البال نوعاً ما. ولكن ماذا نعني بعبارة “الحداد” التي تتكرر كثيراً في وسائل الإعلام مع المخاطرة بأن تصبح نوعاً من الأوامر والالتزام بالنسيان؟

ممارسة الحداد

إن الحداد هو عملية غير واعية ومعقدة تحدث لأي شخص يواجه فقدان شخص عزيز أو محبوب، وهو ممارسة تختلف باختلاف كل شخص وقصته. في أثناء المحنة؛ قد تنشأ مشاعر صعبة أو سلوك غير عادي (فقدان الشهية، إرهاق مفرط، شعور بالفراغ) يتداخل أو يختلط بالألم الجسدي والنفسي. تستمر ردود الأفعال هذه في فترة الحداد، ثم تهدأ وتؤدي إلى تجاوز الحزن تدريجياً وليس إلى نسيان الشخص المحبوب.

لممارسة الحداد على أطفالهم؛ يجب أن يكون الآباء قادرين على فهم ما حدث. ومن المهم بالنسبة لهم مقابلة الخبراء الصحيين الذين يمكنهم تزويدهم قدر الإمكان بالإجابات عن أسئلتهم. قد يرى الآباء أطفالهم وقد لا يرونهم، كما يتم تهيئتهم وإعدادهم لهذه اللحظة الخاصة. 

اقرأ أيضاً: كيف تدعم الوالدين بعد خسارة الطفل في الفترة المحيطة بالولادة؟

علاوة على ذلك؛ يمكنهم المطالبة بالصور التي التُقطت عند التصوير بالموجات فوق الصوتية. ويمكن أن تبقى تحت تصرفهم وتوضع في ملف الطفل المُتوفى. بعد ذلك؛ يعرض عليهم الفريق الطبي استخراج شهادة وفاة وإعداد جنازة للطفل.

تمكن العديد من الآباء من التغلب على هذه اللحظات المؤلمة بفضل مساندة مقدمي الرعاية؛ المُدَرّبِين حالياً على التعامل مع هذا الموقف بالرقة اللامتناهية التي يتطلبها، مع احترام ردود أفعال الوالدين الفورية وشخصيّتيهما وثقافتهما. 

يقول بعض الآباء الذين أرادوا رؤية طفلهم المُتَوَفى: “لقد شعرنا بذلك بعمق وكان علينا أن نرى طفلنا. نظرنا إلى ابنتنا ورموشها الطويلة وأنفها الصغير المقوس وفمها الشبيه بوالدها لفترة طويلة. ثم تمكّنّا من فتح قلوبنا وعقولنا لما يقوله لنا الأطباء والممرضات والعائلة. لقد أضفى علينا هذا موجات من الراحة والسلام. لقد شعرت بالهدوء والاسترخاء عند احتضانه. لن أنساه أبداً!”.

التعبير عن الحزن

يمكن لوجود طبيب نفسي للأطفال في الفريق تسهيل الحوار بين الوالدين، ومساعدتهما على الحفاظ على التواصل بينهما، وتجنب الاستياء الذي قد يشعران به تجاه بعضهما البعض. 

كما يمكن أن يقلل التحدث معاً عن هذا الحداد والتعبير عن حزنهما وعواطفهما حدوث فجوة بسبب الألم، أو يمنعه تماماً. 

في الواقع؛ يعاني الزوج جرّاء موت طفله ولكن في أغلب الأحيان يكون ذلك في صمت. كما يستأنف نشاطه ويباشر عمله. في المقابل؛ يتعاظم ألمه لأنه يشعر بأنه غير قادر على مواساة زوجته ويخشى أن ينهار أمامها. هذا الشعور بالعجز يدفعه أحياناً إلى عدم تفهم شريكته والغضب منها. 

من جانبها؛ تلجأ المرأة للصّمت والعزلة. هذه خطوة ضرورية تتناسب مع الارتباط الذي نشأ بينها وبين طفلها. ستسمح لها هذه الخطوة بقبول ما عاشته من ظروف. إذا استمر الشعور بالألم، فهناك مؤسسات للأم والطفل وجمعيات مختصة تقدم مساندة في شكل مجموعات دعم.

ستعود الحياة إلى مسارها الطبيعي تدريجياً بشكل مختلف من شخص لآخر. كما سيكون الألم أقل حدة ولن ينسى الوالدان طفلهما ولكنهما سيكونان قادرين على التفكير فيه بهدوء أكبر في المستقبل.

هل يجب إخبار الأشقاء عن فقدان الطفل؟

قد يميل الآباء إلى تجاهل هذه الخطوة لحماية أطفالهم. ومع ذلك ينصح علماء النفس بالحديث معهم عن فقدان شقيقهم الصغير أو أختهم. ليس الأمر سهلاً؛ لكن عليك أن تحاول شرح الأمر ببساطة. 

الحديث عن ذلك يجنب القلق والمعاناة التي يمكن أن تمر مرور الكرام وتترك آثاراً في النفس. هذا التشارك في المحنة يقوي الروابط داخل الأسرة. فضلاً عن أن الاهتمام الممنوح للأطفال الآخرين يعيد تأهيل الآباء بطريقة ما في أداء مهامهم.

ردود أفعال البيئة الأسرية والأصدقاء

غالباً ما يَعتقد المحيطون بك أن الحزن الذي يتبع فقدان الطفل قبل الولادة أقل درجة من الحزن الذي سيعاني منه الآباء عند فقدان طفل أكبر سناً. ومع ذلك فإن الشعور بالفقدان الذي يشعر به الوالدان قوي كما هو الحال بعد وفاة شخص محبوب منذ فترة طويلة. يحاول المقربون التخفيف من حزن الوالدين لكن قد يكون ذلك بطريقة خاطئة. 

غالباً ما يعكس اختيار كلمات المواساة، الشعور بالعجز أو الانزعاج الذي يعاني منه أفراد العائلة والأصدقاء. بعض العبارات أو التعليقات التي تهدف إلى محو الألم والحزن يمكن أن تسيء إلى الوالدين. 

كقول البعض مثلاً: “مازلت شابة، سيكون لديك أطفال آخرون”. أو على العكس من ذلك: “لا تنجبي بسرعة كبيرة، ينبغي ألا تنسَي ما حدث معك”. كتبت إحداهن ذات مرة: “لقد حملت بطفلي لمدة 7 أشهر وشعرت أنه يتحرك في أحشائي. كيف لي أن أنساه؟”.

على الرغم من انعدام القدرة على التعبير؛ يحتاج الآباء إلى الشعور بأنهم محاطون بالآخرين ولكنهم يتوقعون حضوراً عائلياً قائماً بالأساس على الاستماع الذي يسمح لهم بالتحدث وتبادل الأفكار.

اقرأ أيضاً: كيف يواجه الزوجان خسارة طفلهما؟

المحتوى محمي !!