كيف يواجه الزوجان خسارة طفلهما؟

وفاة الطفل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إن وفاة الطفل محنة عصيبة على والديه؛ لكنها ليست بالضرورة علامةً على نهاية علاقتهما كما يُشاع. لنشاهد نماذجَ عن أزواج تجاوزوا هذه المحنة، وكيف وطدت هذه الخسارة علاقتهم.

تقول وفاء ذات الـ 33 عاماً التي فقدت ابنها بعمر 9 أشهر: “لم نكن أنا وزوجي يوماً أكثر تلاحماً من العام الذي تلى وفاة ابننا”. كان ابنها مازن يعاني من مرض أيضي نادر. تتابع بقولها: “أظن أننا لو لم نكن معاً لما تحملنا وطء هذه الخسارة”. توجد العديد من الأمثلة على أزواج استطاعوا البقاء معاً رغم مرورهم بمحنة وفاة طفلهم العصيبة التي تعد أشد صدمة قد يتعرض لها الوالدان، فهي امتحان للزوجين غالباً يضعف علاقتهما لكن لا يدمرها بالضرورة.

ومع ذلك، ووفقاً للأسطورة التي تشير إلى صعوبة تلك التجربة؛ يؤدي موت الطفل إلى انفصال اثنين من بين كل ثلاثة أزواج. يصحح الطبيب النفسي “كريستوف فوريه” هذه الفكرة بقوله أن: “التجربة تُظهر عكس ذلك، فإن وفاة الطفل يمكن أن تكون عاملاً قوياً في تعزيز الروابط. وفي المقابل توجد خطورة في إضعاف العلاقة لدرجة كبيرة إذا كانت تشوبها المشاكل قبل وقوع المحنة؛ أي ستعكس هذه الوفاة حالة علاقة الزوجين” وستكون فرصةً للتساؤل عما بُنيَت عليه.

اختلاف احتياجات كل شخص لمواجهة الفاجعة

تكون معاناة كلا الوالدين بالغة، وكل منهما عليه تحمل نوعين من الحزن؛ حزنه وحزن شريكه. لكن لكل شخص طريقته في التأقلم؛ إذ تختلف احتياجات الرجال والنساء لمواجهة الحزن. يحلل “كريستوف فوريه” ذلك بقوله: “سترغب المرأة في التحدث مراراً وتكراراً، على عكس الرجل الذي لا يرغب أحياناً بالتحدث كثيراً، وهذا لا يعني أنه لا يعاني لكنه سيحتاج إلى أن يكون فاعلاً أكثر ويجد حلولاً”.

لتكون النتيجة في معظم الأحيان تولُّد انطباع بوجود تناقض بين الشريكين، والإحساس أحياناً بأن رد فعل الآخر غير ملائم. تقول بانة التي فقدت ابنها البالغ من العمر 10 سنوات إثر حادث: “لم نتعافَ أنا وزوجي من ألمنا بالطريقة ذاتها، فقد رفض التحدث عن ذلك، ورفض حتى نطق اسم أوس، ولجأ إلى عمله ليكون مخرَجاً له”.

فجوة طبيعية

“هو متبلد المشاعر”، “وكأن شيئاً لم يحدث”، “هي تحبطني”. وفي مواجهة ردود أفعال متباينة جداً يتكرر سوء الفهم وتتعدد أسباب الخلافات. يوضح “كريستوف فوريه” ذلك: “تنشأ مسافة بين الوالدين ويتكون لديهما انطباع بأنهما يبتعدان عن بعضهما وأن كل واحد منهما يعاني من آلامه الخاصة، وفي الواقع هذا هو الحال. إنه أمر طبيعي، فمن الناحية النفسية يختلف أسلوب الحداد من شخص إلى آخر؛ لكن هذه المسافة ليست علامة على فقدان الحب. تكمن الصعوبة الحقيقية في قدرة الوالدين على التواصل مع بعضهما. كما يصعب غالباً تحمل ألم الآخر، فمثلاً تتذكر فهيمة: “قلت لزوجي: “أنا لست بخير، احضُنّي”. فأجابني “تحملين ما يكفيك من الألم في قلبك، لا يستحق الأمر أن أضيف ألمي إلى ألمك””.

دور الأب الخاص

يجد الأب أحياناً صعوبةً في شكوى ألمه والتعبير عنه، وهذا ناتج عن سبب وجيه؛ فوفقاً لـ “كريستوف فوريه”: “في البيئة الثقافية السائدة يُشار إلى أن معاناة الرجل تكون أقل عند موت طفله، وهذا خاطئ تماماً”. يقول جورج الذي ولدت ابنته متوفاة: “راعى الجميع دعم زوجتي السابقة منذ اليوم الأول لوفاة ابنتنا، أما أنا فكنت الأب فحسب”. لمدة ستة أشهر “عاش كأن شيئاً لم يحدث، في حين كانت زوجته بحالة سيئة” إلى أن انهار. يضيف الطبيب النفسي: “الأب هو الشخص الذي يجب أن يؤمن كل شيء فنحن نعتمد عليه في أداء المهام اللوجستية ودعم الجميع؛ لكننا ننسى أحياناً أنه يحتاج أيضاً إلى من يدعمه ويصغي إليه”.

تمكنت طبيبة نفسية من مساعدة جورج على “الإفصاح عن ألمه” والتغلب على هذا الحياء الذي ينفرد به الكثير من الرجال. ويقول: “تعلمت بفضلها التوقف عن نكران مشاعري السلبية والهرب منها، وأن أبكي عندما أرغب بالبكاء، وأوضح سبب بكائي”. لا يزال اليوم يفكر في ابنته وهذا حسب قوله: “ما زلت أشعر بالألم لكنه لم يعد يجتاحني كالسابق”.

مواجهة آلام الآخرين

نظراً إلى اختلاف أسلوب الشريكين في الحداد على طفلهما لا يتطور ألمهما بنفس الطريقة، وذلك حتى لا تسوء حالتهما في نفس الوقت، فعندما يتمكن أحدهما من الشعور ببعض السكينة قد يكون الآخر بأسوأ حالاته في ذات الوقت. نجد مجدداً أن هذه الفجوة التي يصعب التعايش معها يمكن أن تكون إما مثيرة للسخط “هو/هي أفضل حالاً، أعيش حزني على طفلي وحيداً” أو تُشعر بالعجز “لا يمكنني فعل أي شيء لتحسين حاله/حالته”.

وبحسب قول “كريستوف فوريه”: “عندما لا يكون المرء على ما يرام يستطيع شريكه مساعدته، والعكس صحيح. إذا كان ما يجمعهما هو رابط حب جميل؛ يكون هذا الدعم المتبادل مؤثراً جداً”.

الاستمرار في التواصل

من ناحية أخرى؛ يفضل البعض عند مواجهة ألم شديد مفرط الصمت والعزلة، ظناً منهم أن الأفضل للجميع أن يتعاملوا مع معاناتهم بمفردهم؛ لكن الأشياء التي يكتمها المرء تكون مدمرةً في كثير من الأحيان. فقد سامر طفله البالغ من العمر ستة أشهر في حادث منذ أربعين عاماً. كان عمره حينها 27 عاماً، وعمر زوجته 26 عاماً. يقول سامر: “كنا صغاراً جداً ولم نكن نعرف حقاً كيف نتواصل مع بعضنا حول وفاة يزن. توقفنا حتى عن ذكر اسمه، لذا خفضنا فرصنا في البقاء معاً إلى حد كبير”. الزوجان منفصلان الآن. يتابع سامر: “أهم شيء أدركته هو أن المرء لا يستطيع معرفة ما يدور في ذهن الآخر وما يشعر به إذا لم يحدثه عنه”.

ومن هنا تبرز أهمية تعبير كل من الشريكين عن احتياجاته، وأحياناً سؤال شريكه عن حالته. يكمن التحدي في إبقاء التواصل الفعال بينهما ومواصلتهما التعافي معاً رغم كل شيء.

هل ننجب طفلاً آخر؟

كثيراً ما تُطرَح مسألة إنجاب طفل آخر، خاصةً بين الآباء اليافعين الذين يحثهم المحيطون بهم أحياناً على “الإسراع في إنجاب طفل آخر”؛ لكن انتبه أن هذا الطفل ليس طفلاً بديلاً. يحذر “كريستوف فوريه”: “يفضل التمهل قبل إنجاب طفل آخر إلى العائلة، حتى يفصل وقت بين الطفل المتوفى والطفل الذي سيولَد”، ويُنصح الآباء بالانتظار حوالي ستة أشهر بعد وفاة طفلهما قبل اتخاذ قرار إنجاب طفل “وإلا فهما يجازفان بولادة الطفل في موعد قريب من يوم ميلاد الطفل المتوفى؛ الأمر الذي قد يكون وقعه شديداً على الجميع. من ناحية أخرى، فقد يساعد الطفل الذي يولد لاحقاً والداي بشكل ملحوظ في التعامل مع حزنهما دون أن ينسيا أو يخونا ذكرى الطفل الآخر”.

فقدت سهام وزوجها طفلهما الذي مات قبل ثلاثة أيام من الولادة. بعد 16 شهراً وُلد رامي. تقول سهام: “ساعدنا طفلنا كثيراً في التعايش مع حزننا وألا نغرق في ألمنا بحبه وضحكاته وبهجة الحياة فيه”. يوجد على مكتب سهام بجانب صورة رامي فنجان مطبوع عليه قدم صغيرة، تقول:”هذه قدم وسيم ابننا الأول”.

المحتوى محمي !!