كيف تكون الحياة بعد فقدان المحبوب؟

الحياة بعد فقدان المحبوب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف تصبح الحياة بعد فقدان المحبوب؟ سؤال صعب جداً، إن حياة الشخص الذي فقد شريكه بعد معاناة مع المرض معقدة في أغلب الأحيان. هل يتغير طعم الحياة بعد مرور سنوات طويلة تأسست من خلالها أسرة متماسكة؟ فيما يلي تحدثت لمياء وماجدة ونسيم عن كيفية تغلبهم على الخسارة وعلى أيّ من الموارد اعتمدوا لإعادة بناء أنفسهم.

“حياتي الجديدة ليست مثل تلك التي عشتها برفقة زوجي”

لمياء: 53 عاماً، لها ولدان بعمر 14 و18 عاماً.

تعايش زوجي أحمد مع المرض لمدة ثلاثة عشر عاماً. تم تشخيص مرضه بسرطان البروستاتا في عمر يناهز 52 عاماً وأصبح فيلسوفاً بعد مرضه. كان لديه هوس واحد فقط؛ ألا يصبح شخصاً عاجزاً. عشنا معاً لستة عشر عاماً وكان مستمراً في إرضائي. لحسن الحظ لم تتدهور حالته إلا في العامين الماضيين؛ لقد عاش بكيس تصريف للبول وكان له العديد من الآثار الجانبية التي جعلت حياته اليومية مؤلمة للغاية.

في ذلك الوقت تابعني طبيب نفسي وطلبتُ من زوجي الذي كان معارضاً في البداية، أن يتابعه أيضاً. ساعدتنا هذه الجلسات كثيراً. أتذكر موعد يوم الاثنين عندما قالي طبيبي النفسي: “لمياء سيتعيّن عليكِ الاستعداد لما بعد”. بعد ساعة كنت إلى جانب زوجي في العناية المركزة وسألته عن رغباته في أثناء حفل دفنه. بدت هذه المناقشة طبيعية لنا وكانت مفيدة للغاية. لقد كنت مقتنعة أنه يريد حفلاً دينياً وعلى الرغم من ذلك لم يكن هذا ما فعلته على الإطلاق. في ذلك اليوم استعرضنا الأغاني التي أرادني أن أبثها، وحتى أنه أذِن لي بتمرير قطعة من باتريك برويل التي كانت قريبة من قلبي على الرغم من أنه لم يكن من معجبيه!

بعد مرور سنوات على هذه المعركة الطويلة كان هناك شكل من أشكال الصفاء. قرأت كثيراً، لقد قمت بتوثيق حياتي لتبقى بعد الموت، حتى أنني اتصلت بوسيطة روحانية مشهورة وهي مؤلفة للعديد من الكتب. أقنعتني هذه القراءات بأن الموت ليس هو النهاية. عندما توفي أحمد نظمت حفلة لدفنه؛ كان ذلك في فبراير/شباط وكان أصدقاؤه وعائلته حاضرين. ضحكنا كثيراً وكانت وفاته بمثابة تحرر بالنسبة لي وله أيضاً. كان حبنا هائلاً. قاتل أحمد لسنوات من أجل البقاء على مقربة مني وإلى جانبي، رافقته دون أن أتركه للحظة واحدة لكنه عاش في سجن. غادر ولكنه طلب مني التفكير في مستقبلي وهذا ما كنت أفعله منذ البداية.

اليوم بدأت حياة ثانية متناقضة تماماً مع حياتي الأخرى. بعد شهر من وفاته تخلصت من كل ملابسي وملابسه وقمت بإعادة تشكيل خزانة ملابس أكثر أنوثة. تركت شعري ينمو بالرغم من أنه كان يحبه قصيراً جداً. لم أرغب في أن أبدو مثل المرأة التي أحبَّها ولا أن أقابل نفس النوع من الرجال. أنا أشعر اليوم بنور ساطع وكأنني أطير. كان زوجي بطلاً حقاً، أريد أن أشيد بالقوة التي نشرها طوال هذه السنوات.

عندما توفي كنا نعيش في مدينة “بوردو” لمدة عامين لذلك كان لدي عدد قليل جداً من الأصدقاء، ثم عشنا بعيداً عن الجميع بسبب مرضه. لكن الآن كل شيء تغير؛ أتاح لي هذا الطريق الجديد الفرصة لاكتشاف آفاق أخرى لكن دون أن أحقق شيئاً. لقد قمت بإنشاء العديد من الروابط، كما يمكنني الخروج مثل أي مراهقة حتى نهاية الليل.

أقمت علاقات غرامية عابرة لكن لا شيء رسمي. سمحت لنفسي بالعيش في حرية افتقدتها كثيراً؛ أريد أن أعيش الكثير من التجارب. ذهبت إلى “بيرو” لأقوم بتدريب روحي ثم كتبت كتاباً لمشاركة قصتي مع الآخرين ومساعدة الناس الذين عاشوا مثلي. حياتي الثانية بدأت للتو!

“لقد انهرتُ بعد ثلاث سنوات من وفاة زوجي”

ماجدة: 49 عاماً، لها 3 أطفال أعمارهم 12 و 14 و 22 عاماً.

لم نتحدث أنا وزوجي مطلقاً عن موته المحتمل. ومع ذلك فقد كان مريضاً قبل أن يمضي ثلاث سنوات في غيبوبة اصطناعية اعتقدت حتى النهاية أنه سيخرج منها. كتبت أيضاً على لوحة في غرفته: “هنا نؤمن بالمعجزة”. عندما أخبرني الأطباء بعد خمسة أشهر من الغيبوبة أنه من الضروري السماح له بالرحيل، بقيت بجانبه لمدة ثلاثة أيام لطمأنته. لقد لفظ أنفاسه الأخيرة بعد سماع شقيقه وطفليه البالغَين 8 و10 سنوات.

بعد جنازته مباشرة شعرت أنني تركتها سريعاً. اضطررت إلى التظاهر بالتماسك والصلابة من أجل الأطفال كما كان لدي الكثير من المهام الإدارية لإنجازها. بدا الأمر غير قابل للتحقيق كما لم أفهم أي شيء حول ما طُلب مني. عشت هذه الفترة في كابوس لا ينتهي. لقد اعتقدت في كثير من الأحيان أن حياتي توقفت هناك وأنه لا يوجد شيء يمكن فعله وعلى الرغم من كل شيء كنت صامدة.

ثم بعد مرور السنة الثالثة تأكدت فعلاً من فقدانه للأبد. وجدت نفسي منهارة على الأرض وأدركت فجأة ضخامة النقص وحزني الذي لا يُقاس. لقد استشرت طبيب تقويم العظام وعالماً نفسياً لمدة ثلاثة أسابيع مكثفة. كانت لدي مشاورات كل يوم مع واحد منهم. لقد ساعدني ذلك في التفكير في مستقبلي بطريقة هادئة أكثر؛ لقد وجدت الشجاعة.

كانت العلاقات مع ابنتي البالغة من العمر 18 عاماً معقدة للغاية بعد وفاة والدها. لقد غادرتُ المنزل لرعايته في “ليون” حيث تم نقله إلى المستشفى. خلال كل هذا الوقت أدت دور الأم لتعيل أخواتها الصغار. واجهت صعوبة في استعادة مكاني؛ لقد كان علينا أن ندعو وسيط الأسرة لاستعادة الوئام الأسري.

احتفلنا للتو بالذكرى الرابعة لوفاة زوجي. في الآونة الأخيرة أوافق على عدم معرفتي إلى أين سأذهب وماذا أريد. من ناحية أخرى كان لدي في ذات الوقت أمل في إعادة بناء شيء ما. الآن سمحت لنفسي بالتحرر من جديد. كما لم أكن أعمل، لذا قمت بالتسجيل في تدريب للتنمية البشرية وعدت إلى مقاعد المدرسة في أثناء رعاية أطفالي، وأنا الآن مستعدة لمقابلة شخص ما حتى لو أدركت أن شخصيته معقدةً للغاية. الموت فقط هو الذي فصل بيني وبين زوجي.

“تزوجنا عندما كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة”

نسيم: 48 عاماً وله طفلان؛ رامي الذي يبلغ من العمر 11 عاماً وألما ذات الـ10 سنوات.

لم أفهم أن أميرة كانت ستموت أو بالأحرى لم أكن أريد أن أفهم ذلك. تغلب سرطان الرئة عليها في غضون خمسة أشهر ونصف. كانت دائماً قويةً أمامي وأمام الأطفال. قبل خمسة عشر يوماً من وفاتها كانت تعدّ كعكة للاحتفال بعيد ميلاد ألما الرابع. أرادت حمايتنا نحن الثلاثة حتى النهاية.

انتهت وفاتها بوضع حد لتَفاؤلي القوي. في الأيام الخمسة عشر التي تلت ذلك، كنت في حالة ذهول تماماً. كنت على علم ببعض ذكريات دفنها فقط. أتذكر أنني كنت محاطاً جيداً لكنني لم أعد مرتبطاً بحياتي. عندما عدت من المستشفى في يوم وفاتها لم تكن لدي الشجاعة للإعلان عن وفاتها للأطفال. لقد كنت في حالة ذهول تام ومنفصلاً عن كل شيء. في صباح اليوم التالي شعرت بنفس الشيء. قررت إحضار أطفالي إلى المدرسة. لحسن الحظ تحدثت معي المعلمة فقالت لي: “هل أطفالك على دراية بموت والدتهم؟ لأن كل رفاقهم الصغار يعرفون ذلك”. لا أعرف كيف وصلت الأخبار إليهم ولكن كان عليّ أن أخبرهم. ذهبت إلى مكتب زوجتي وهو مكان لم أزره من قبل. لقد انهرت حرفياً ففي ذلك اليوم فهمت أن أميرة لن تعود.

فكرت في زوجتي لعدة أشهر، ولحسن الحظ قام أطفالي بتوجيه طاقتي وأفكاري. بالنسبة إليهم كان عليّ مواصلة العمل وتنظيم حياتهم المدرسية وأنشطَتهم. لم يكن هناك وقت للانهيار فقد عاهدت أميرة على العناية بهم. كان عليهم أن يبنوا أنفسهم وكان علي أن أكون على المستوى المطلوب. بقيت صامداً على الرغم من الألم والفقدان بهدف جعل أطفالي سعداء. بعد مرور عام أصرّت أختي أن تعرّفني إلى شخص ما. أخبرتني قائلة: “ستسمع نفسك جيداً الآن”. لا أستطيع أن أصدق! لقد كانت امرأة تسمى أميرة مثل زوجتي وكانت مصابة بسرطان تعافت منه كما أنها لم تتزوج وعلى الفور شعرت نحوها بالحب؛ لكن كانت أميرة مترددة.

لقد كان الأمر معقداً نوعاً ما؛ أرمل وله طفلان وامرأة لها نفس اسم زوجتي. إنه أمر غريب!

على الرغم من هذه العقبات بدأنا العلاقة. وفي البداية شعرت بالذنب الهائل وكأنني كنت أخون زوجتي وثقتها فيّ وبأنني لست زوجاً مخلصاً. لقد استشرت طبيباً نفسياً وأطفالي أيضاً. لقد ساعدنا كل هؤلاء الوسطاء في المضي قدماً واتخاذ مسار حياة جديد.

تغيرت نظرتي حول الموقف بعد ثمانية عشر شهراً من وفاة زوجتي. خلال قضاء إجازتنا الصيفية الأولى مع أميرة والأطفال دعتنا إلى منزل عائلتها في “بورنيك” غربي فرنسا. كان هذا يعني الكثير فقد فتحت باب منزلها وعائلتها لنا، كما لم نعش كزوجين فقط بل أعدنا بناء حياتنا. وهكذا تضاءل الشعور بالذنب وعلى مدار الأشهر بنينا عائلتنا؛ تزوجنا ثم تبنت أميرة ولداي رامي وألما. اليوم أنا مقتنع بأن أميرة سعيدة جداً بالمرأة التي اخترتها كأم ثانية لأطفالي، وبالتأكيد كانوا أصدقاء.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي !!