تترافق مواسم الأعياد مع شيوع مظاهر البهجة والفرح في الشوارع، لكن لا يبتهج الجميع بقدوم العيد، فهناك أشخاص يرتبط قدوم العيد عندهم بدخولهم في دوامة من المشاعر السلبية تصل إلى المعاناة وهو ما يعرف بـ "اكتئاب الإجازة".
ولكل شخص منهم أسبابه الخاصة جداً، فبحسب مسح أجراه التحالف الوطني الأميركي للصحة النفسية لرصد أسباب الإصابة باكتئاب الإجازة، أكد 68% من المشاركين أن ذلك يرجع إلى الضغوط المالية المترافقة مع مجيء الإجازة، بينما أفاد 66% أنهم يعانون من الشعور بالوحدة في إجازاتهم.
أما السبب الثالث الذي ظهر عند 63% من المشاركين كان الضغوط الزائدة، ومنها الضغط المجتمعي على الأشخاص ليكونوا سعداء واجتماعيين أكثر، بينما هم غير قادرين على تحقيق ذلك.
أما السبب الرابع والذي ظهر عند 57% من المشاركين هو وجود توقعات غير واقعية، وذلك السبب يرتبط بإجابة 55% من عينة المسح أنهم يجدون أنفسهم يتذكرون إجازات كانوا فيها أكثر سعادة من الإجازة الحالية، ما يشعرهم بالحزن وعدم الرضا، أما السبب الأخير فيتعلق بـ 50% من المشاركين الذين لم يتمكنوا من قضاء الإجازة مع الأشخاص الذين يحبونهم.
أعراض تؤكد الإصابة باكتئاب الإجازة
توجد عدة أعراض إذا ظهرت على الشخص في فترة العيد فإنها تؤكد إصابته باكتئاب الإجازة، أهمها وفقاً للطبيبة النفسية كندرا شيري (Kendra Cherry):
1- تغيرات مفاجئة في الشهية، أو نقص واضح في الوزن.
2- عدم إستقرار نظام النوم.
3- تقلبات مزاجية حادة.
4- مواجهة صعوبة في التركيز.
5- التقليل من أهمية الذات والشعور بالذنب دون سبب واضح.
6- الشعور بالتوتر أو القلق.
7- الأفعال التي كانت تعود على الشخص بالمتعة، لم تعد تشعره بإي سعادة.
يضيف الطبيب النفسي جيد ماجن (Jed Magen) إلى الأسباب السابقة:
8- عدم القدرة على إدارة الغضب.
9- التركيز على الماضي، والأخطاء التي ارتكبها الشخص فيه.
10- ظهور أوجاع وآلام بدون سبب.
11- وجود أفكار انتحارية، أو رغبة في الموت.
قد يهمك:
لنتعمق أكثر في الأسباب ونفهم، ما الذي يجعل الشخص مكتئباً في الإجازة؟
تساهم العديد من الأسباب في معاناة الشخص من اكتئاب الإجازة، ومنها:
رفع سقف التوقعات
يفترض معظم الأشخاص أنهم سيكونوا سعداء خلال فترة العيد، وهذا ما يجعلهم يعيشون ضغطاً لتحقيق هذه السعادة وفقاً لعالم النفس داون بوتر (Dawn Potter)، الذي يؤكد أن أحد أهم مسببات اكتئاب الإجازة هو تعميم خاطئ بأن الجميع يقضون إجازاتهم دون أي منغصات.
وللوصول إلى السعادة المفقودة قد يندفع البعض إلى الشراء في جولات تسوق غير محسوبة، أو القيام بأنشطة ترفيهية باهظة الثمن، ما يؤدي إلى إضافة ضغوط حياتية جديدة بحسب الطبيبة النفسية "كندرا شيري".
المرور بتغير مفاجئ
الحياة غير مأمونة بشكل عام وقد تتغير في لحظة، هذا ما قد يؤدي أحياناً للإصابة باكتئاب الإجازة وفقاً لأستاذة علم النفس شيري مولوك (Sherry Molock) التي تؤكد أن وفاة أحد أفراد الأسرة، أو حدوث تغير مفاجئ على الصعيد المهني، يمكن أن يجعل من عطلة العيد وقتاً صعباً.
وذلك لأن أول عيد بعد هذا التغير سيكون مليئاً بالذكريات المفتقدة مع ذلك الشخص الراحل، أو لا يستطيع الشخص الاستمتاع فيه نتيجة التغير الوظيفي الذي طرأ على حياته وأثر عليه مالياً.
التجمعات العائلية تضر أحياناً
يترافق مع الاحتفال بالعيد تجمع أفراد العائلة وهو حدث قد لا يكون ساراً للجميع، يشير إلى ذلك أستاذ علم النفس ريتشارد روث (Richard Ruth) مؤكداً أنه في حال كان الشخص ليس على وفاق مع عائلته لأي سبب، مثل اعتراضهم على شريكته، أو اختلاف توجهاته عن عائلته وغيرها من الأسباب التي لا يمكن حصرها، حينها سيتحول ذلك التجمع إلى وقت عصيب ثقيل على النفس.
لذا ينصح "روث" من لا يستطيع التأقلم مع هذا الضغط بالاتجاه إلى أنشطة أخرى خلال فترة العيد، مثل المشاركة في الأعمال الخيرية، أو الذهاب مع صديق إلى السينما، ويجب عليه ألا يثقل على نفسه ويلزمها بقضاء العيد بطريقة واحدة، فهناك طرقاً مختلفة ستكون أكثر إرضاءاً.
هدايا الأعياد تعني للبعض ضغوطاً مادية
توجد في بلداننا العربية بعض العادات ذات الصلة بالعيد منها توزيع العيدية والهدايا الأخرى، وذلك أمر موتر للبعض بحسب تحليل الطبيب النفسي مارك لونجسجو (Mark Longsjo)، وقد يثير القلق لدى البعض بسبب تدهور الميزانية الشخصية.
ويلفت "لونجسجو" النظر إلى أنه يجب الوعي بأن العطاء لا يشترط أن يكون مادياً فقط، وحتى في حال إذا كان مادياً، ينبغي أن يتماشى مع ميزانية الشخص ولا يكلف نفسه ما لا تطيق، فيجب أن تكون العيدية أو الهدية متناسبة مع دخل الشخص وظروفه المادية.
الشعور بالوحدة
عندما يقضي الكثير من الأفراد أوقاتهم في العيد بصحبة عائلاتهم، فربما يسبب ذلك ضغطاً على من يعيش بمفرده ويقلل من استمتاعه بالعيد ويزيد من اكتئابه، وفقاً للطبيبة النفسية دارلين لانسر.
اقرأ أيضا:
5 نصائح فعالة للتخفيف من اكتئاب الإجازة
توجد العديد من النصائح العملية التي يمكنك باتباعها أن تحد من سيطرة اكتئاب الإجازة عليك، ومنها:
1. ابتعد عن العزلة
البقاء وحيداً ومكتئباً في العيد سيكون أمراً بالغ السوء على الصحة النفسية، لذلك ينصح عالم النفس داون بوتر الأشخاص الذين استقلوا عن عائلاتهم، أو اضطرتهم الظروف إلى قضاء عطلة العيد بمفردهم، إلى الحرص على التواصل مع الأشخاص الذين يحبونهم بمختلف الطرق المتاحة.
بالإضافة إلى استثمار الوقت في نشاط مفيد في حال قضاء العيد بعيداً عن العائلة والأصدقاء، مثل المشاركة في الأعمال التطوعية ومساعدة الآخرين، فهذا سيقلل الشعور بالوحدة كثيراً.
2. لا تخف من قول لا
يدفع الخوف من الحرج المجتمعي الكثير من الأشخاص إلى المشاركة في أنشطة أو الذهاب إلى تجمعات غير محببة إلى نفوسهم، ومفتاح الحل هنا يتمثل في قول لا بشجاعة لكل ما لا يتناسب مع الشخص وتخطيط جدول العيد بشكل يتوافق معه شخصياً أولاً، وليس مع من حوله، بحسب الطبيبة النفسية إميلي بولثويس (Emily Bulthuis).
3. اجعل توقعاتك واقعية
العالم يتغير بمرور الأيام ونحن بطبيعة الحال نتغير معه، هذا ما تلفت انتباهنا إليه الطبيبة النفسية كندرا شيري في سياق التأكيد على أن شكل الاحتفال بالعيد من الممكن أن يتغير، لذلك لا بد أن تكون توقعاتنا متوافقة مع الوضع الجديد لنا ونستمتع به مثلما هو اليوم، ولا يعكر مزاجنا أنه لم يعد مثلما كان متوقع.
4. دلل نفسك
جاءت عطلة العيد بعد فترات عمل ضاغطة وأيام مرهقة، إذا هذا هو الوقت المثالي لأن تعتني بنفسك أكثر، وترشدك عالمة النفس ماري ألفورد (Mary Alvord)، إلى تجنب وضع نفسك في موقع الشخص الذي يلبي طلبات الجميع ويهمل نفسه.
وهناك عدة ممارسات للعناية بالنفس مثل الذهاب في رحلة تمتد لعدة أيام، أو الحصول على جلسة تدليك تسترخي فيها من عناء الحياة، وكذلك يمكنك البقاء في المنزل مستمعاً إلى أغانيك المفضلة، أو تقرأ كتاباً جديداً.
5. قلل استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي
ترى الطبيبة النفسية راشيل وير (Rachel Weir) أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ينعكس سلباً على الصحة النفسية، ويزداد هذا التأثير بالأخص في أيام العطلات عندما يكون لدى الناس الكثير من أوقات الفراغ.
ما يشعر الشخص بأن حياته ليست وردية مثل حياة الأشخاص الذين ينشرون صوراً تظهرهم في أسعد حالاتهم خلال عطلة العيد، لذلك من الضروري تحديد الوقت اليومي الذي ستقضيه في التصفح والالتزام به، حتى تتمكن من الاستمتاع بعيدك.
أحوال البشر وشخصياتهم ليست واحدة، لذلك من المنطقي والصحي أن يكون لكل شخص منهم طريقته الخاصة في الاستمتاع بالعيد، بغض النظر إن كانت تلك الطريقة هي الشائعة مجتمعياً أو لا، الأهم أن يقترب من ذاته أكثر، فإن كنت تشعر باكتئاب الإجازة خلال العيد فكر أولاً في الأسباب وراء ذلك، ومن ثم استعن بالنصائح التي قدمناها لك للتخفيف منه، وفي حال شعورك بأن حالك لم يتحسن لا تتردد أن تطلب المساعدة من الطبيب النفسي.
اقرأ أيضا: