دراسة جديدة: الوظائف الروتينية تزيد تدهور القدرات المعرفية

4 دقيقة
الوظائف الروتينية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: قل لي ما مهنتك التي تعمل بها الآن، أعطيك فكرة عن احتمالية إصابتك بالتدهور المعرفي والخرف عند تقدمك بالسن! هل من الممكن أن تكون هذه آثار الوظائف الروتينية فعلاً؟ في الواقع، توصلت دراسة علمية حديثة إلى أن المهنة التي تزاولها تؤثّر على نحو كبير في قدراتك المعرفية بعد سن السبعين، وإليك التفاصيل كاملةً.

وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة علم الأعصاب (Neurology) في أبريل/نيسان عام 2024؛ فإن الوظائف الروتينية التي تتميز بالمهام المتكررة والحد الأدنى من التحفيز الذهني، قد تزيد خطر التدهور المعرفي (الفقدان التدريجي لقدرات التفكير مثل التعلم والتذكر والانتباه والمنطق)، والخرف في وقت لاحق من الحياة. دعونا نتعمق في تفاصيل هذه الدراسة والنتائج التي توصلت إليها تحديداً، ونسلط الضوء على بعض الاستراتيجيات الفعالة التي من شأنها أن تعزز الوظيفة الإدراكية مع مرور الوقت.

اقرأ أيضاً: أهم السمات الشخصية التي تحمي من الخرف عند التقدم في السن

كيف أثبتت الدراسة العلاقة بين الوظائف الروتينية وتراجع القدرات المعرفية؟

تابعت الدراسة التي أجراها فريق بحثي في مستشفى جامعة أوسلو (Oslo University) في النرويج 7,000 شخص، وتتبعوا مساراتهم المهنية وصحتهم المعرفية بين سنَّي الـ 30 والـ 65، وتوصلوا إلى أن الأفراد الذي عملوا في وظائف روتينية تتطلب القليل فقط من التحفيز الذهني خلال الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينيات من العمر، كانوا أكثر عرضة إلى الإصابة بالضعف الإدراكي المعتدل بنسبة 66%، والإصابة بالخَرَف بنسبة 37% بعد سن السبعين، مقارنة بأولئك الذين عملوا بوظائف ذات متطلبات معرفية أعلى.

العاملون في الوظائف التي تنطوي على مهام متكررة والحد الأدنى من التحفيز الذهني التي شملتها الدراسة كانوا مدبرات المنازل، وأمناء المخازن، وعمال البناء، وسُعاة البريد؛ إذ تفتقر هذه الأدوار عادة إلى التعقيد ولا تتطلب الكثير من المشاركة المعرفية؛ ما قد يزيد خطر التدهور المعرفي والخرف في وقت لاحق من الحياة.

اقرأ أيضاً: كيف تحمي نفسك من الإصابة بالخرف في مرحلة الشباب؟‎

في حين أن العاملين بالوظائف التي صُنِّفت على أنها أكثر تطلباً من الناحية المعرفية كانوا من المحامين، والأطباء، والمحاسبين، والمهندسين الفنيين، والعاملين في الخدمة العامة؛ لكن المهنة الأكثر شيوعاً كانت التدريس. فغالباً ما تتطلب الواجبات اليومية لهذه الوظائف التفكير الإبداعي، وتحليل المعلومات، وحل المشكلات، ومهارات التعامل مع الآخرين، وشرح الأفكار والمعلومات.

وتعقيباً على النتائج السابقة، قالت الباحثة الرئيسة في الدراسة والطبيبة، ترين إدوين (Trine Edwin)، إن: "النتائج التي توصلنا إليها توضِّح قيمة وجود مهنة تتطلب تفكيراً أكثر تعقيداً بوصفها وسيلة للحفاظ على الذاكرة والتفكير في سن الشيخوخة، فمكان العمل مهم حقاً في تعزيز الصحة المعرفية". وأردفت: "إن السنوات التي يقضيها الفرد في الدراسة تساعد على مواجهة التأثير السلبي للوظيفة الروتينية؛ ولكن ليس على نحو كامل. على سبيل المثال؛ أدى الالتحاق بالجامعة إلى تقليل تأثير الوظائف الروتينية التي لا تتطلب مهارات معرفية كبيرة، بنسبة 60% تقريباً؛ لكنه لم يلغِ المخاطر تماماً". يشير هذا إلى أن التعليم، وعلى الرغم من أنه يشكّل أساساً للمرونة المعرفية، فإن التحفيز الذهني المستمر في مكان العمل يظل ضرورياً لصحة الدماغ على المدى الطويل.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تكشف أهم 15 عاملاً يزيد خطر الإصابة بالخرف المبكّر

7 إرشادات لتحمي نفسك من التدهور المعرفي إذا كنت تعمل في وظيفة روتينية

ماذا لو كنت تعمل في وظيفة روتينية تتطلب القليل من المهارات المعرفية؟ أهذا يعني أن التدهور المعرفي أمر لا مفر منه؟ في الواقع، لا. ثمة الكثير من النصائح التي يمكنك اتباعها لمواجهة التدهور المعرفي.

على سبيل المثال؛ يشرح مدير الأبحاث في معهد أمراض التنكسية العصبية في فلوريدا، ريتشارد إيزاكسون (Richard Isaacson)، إن هذه الدراسة تُظهِر أن المشاركة المعرفية في العمل قد تكون لها فوائد عميقة في معركتنا ضد الخرف؛ لكن يمكننا مثلما نلجأ إلى التمارين الرياضية من أجل تقوية العضلات والحفاظ عليها، أن نمرِّن أدمغتنا من أجل تعزيز صحتها، وذلك من خلال أداء مهام العمل الأكثر جاذبية، والانخراط المستمر في التفاعلات الاجتماعية، بالإضافة إلى الحفاظ على الشعور بالهدف، وتعلُّم أمور جديدة باستمرار؛ إذ تعد هذه الأساليب أدوات قوية للحماية من التدهور المعرفي مع التقدم في السن.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف تأثير نمط المعيشة في الإصابة بآلزهايمر

عموماً، يمكن الحد من التدهور المعرفي مع التقدم في العمر من خلال تعديلات نمط الحياة، وذلك من خلال اتباع الإرشادات التالية:

  • مارِس التمارين الرياضية بانتظام: يمكن أن تساعد التمارين البدنية المنتظمة؛ مثل المشي السريع أو السباحة أو البستنة، على تحسين الحالة المزاجية وتقليل التوتر وتقليل خطر التدهور المعرفي. علاوة على ذلك، فإن الحفاظ على وزن صحي، وإدارة الحالات الصحية الموجودة مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم ومشكلات السمع، يسهم في تقليل خطر التدهور المعرفي.
  • اتبع نظام غذائي صحي: اتباع نظام غذائي مثل حمية البحر الأبيض المتوسط الغنية بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والأسماك وزيت الزيتون، قد يساعد على منع التدهور المعرفي وتقليل خطر الإصابة بالخرف.

اقرأ أيضاً: تعرَّف إلى نبتة يابانية تعزّز صحتك الدماغية وتنمّي قدراتك المعرفية

  • نل قسطاً كافياً من النوم: النوم الكافي مهم لتعزيز الذاكرة ووظيفة الدماغ؛ لذلك احرص على أن تنام 7-9 ساعات متواصلة كل ليلة.
  • مارِس الأنشطة المحفزة للذهن: يمكن أن يساعد الانخراط في أنشطة محفزة ذهنياً مثل القراءة، وممارسة الألعاب الذهنية مثل الكلمات المتقاطعة وحل الألغاز، وتعلم مهارات جديدة، على تقوية الشبكات العصبية وإبطاء التدهور المعرفي المرتبط بالعمر.
  • أقلِع عن التدخين: يعد الإقلاع عن التدخين وتجنب استهلاك الكحول أمرَين ضروريين أيضاً للحفاظ على صحة الدماغ.
  • عزِّز روابطك العائلية والاجتماعية: عليك أن تعلم أن العزلة الاجتماعية عامل خطر رئيس للإصابة بالخَرَف، وعلى الرغم من أن السبب ليس مفهوماً تماماً، فإنه قد يكون ناجماً عن أن أدمغة البشر تطورت إلى حد كبير من أجل التفاعلات الاجتماعية؛ ومن ثَمّ فإن الأفراد الذين يمتلكون تفاعلات اجتماعية أقل، لا يستخدمون أدمغتهم بما يكفي للحفاظ على صحتها.
  • مارس تقنيات إدارة التوتر: قد تساعد ممارسة التأمل والتنفس العميق واليوغا واليقظة الذهنية على تقليل التوتر والحد من تأثيراته السلبية في صحة الدماغ والجسم عموماً. بالإضافة إلى ذلك، وحتى تقلل التأثير السلبي للعمل والتوتر الناتج منه في الصحة النفسية، توصي مختصة علم النفس السريري رنا أبو نكد، بتعزيز القدرة على تنظيم الوقت، والتحلي بالمرونة النفسية، وتوصي أصحاب العمل بإشراك الأفراد في اتخاذ القرارات، وخلق بيئة يسهل فيها التعبير عن الشكوى النفسية، وجو اجتماعي إيجابي عموماً ضمن فريق العمل.

المحتوى محمي