هل سبق لك أن بدأت قراءة كتاب معين ثم غصت بين صفحاته وحروفه؟ هل حدث معك أن فتحت الفصل الأول من إحدى الروايات في فترة الظهيرة، وبعد أن تعمقت في القراءة نظرت من نافذتك لتجد النجوم قد حلت مكان الشمس؟ ترى أين ذهب الوقت؟ وكيف انقضى الوقت بسرعة دون أن تشعر بمروره؟ الحقيقة أن هذا الموقف حدث معي كثيراً، أفتح كتاباً فتختفي الغرفة التي أجلس بها؛ يتلاشى الواقع، ويهدأ الجسد، ويسافر العقل بعيداً بصحبة الحكايات، ولكن ماذا يقول الانغماس في قراءة الكتب عن شخصيتك؟ الإجابة ستجدها في هذا المقال.
محتويات المقال
فقدان الإحساس بالوقت في أثناء القراءة: ماذا يخبرك عن شخصيتك؟
إذا انغمست يوماً في القراءة لدرجة أنك فقدت الإحساس بكل شيء من حولك، فهذا يتجاوز مفهوم الانخراط في نشاط ممتع، ويطلق على هذا النوع من القراءة اسم "القراءة العميقة" أو "حالة التدفق"، وهي تكشف الكثير عن سمات شخصيتك، وذلك مثل:
1. القدرة الاستثنائية على التركيز
دعونا نعترف بأمر مهم للغاية، العالم الرقمي الذي يحيط بنا من كل جانب مليء بالمشتتات، هناك الكثير من تطبيقات التواصل الاجتماعي؛ كل تطبيق يحمل العديد من الإشعارات، هناك الرغبة في تفقد تلك التطبيقات، ومشاهدة حياة الآخرين، ومتابعة آخر الأخبار، إذاً هناك الكثير من الأشياء التي تتنافس على انتباهك وتسعى سعياً حثيثاً إلى اقتناص لحظات من تركيزك، لكن عندما تنغمس ساعات في قراءة كتاب، فهذه علامة على أن عقلك مصمم لحجب المشتتات والحفاظ على التركيز فترات طويلة.
2. الانضباط الواعي
يقصد بالانضباط الواعي أن عقلك يعرف كيف يتجاهل ضوضاء الخلفية، ويدخل في حالة لا توجد فيها سوى الكلمات أمامك، ويطلق علماء النفس على هذه الحالة اسم "حالة التدفق"، وهي الحالة الذهنية نفسها التي يدخلها الرياضيون عندما يكونون في ذروة المباريات المهمة، ويمكن القول إن حالة الانضباط الواعي التي تتحقق من خلال القراءة سوف تساعدك على إنجاز المهام التي تتطلب الصبر والمثابرة والتفكير العميق؛ بمعنى آخر، أنت لست مجرد قارئ جيد، بل أنت بارع في الانغماس داخل نشاط ممتع بينما في الخارج هناك الكثير من الأشخاص المشتتين في اتجاهات مختلفة.
3. الذكاء العاطفي
إن فقدان الإحساس بالوقت في أثناء القراءة لا يعني الهروب إلى عالم آخر، بل يعني التواصل العميق مع الأشخاص في ذلك العالم، حتى لو كانوا خياليين؛ على سبيل المثال، تخيل معي أنك تحب قراءة الرواية، فهذا يعني أنك كل مرة تقرأ رواية تبني منظوراً مختلفاً، وتتقمص شخصية الأبطال في الرواية، وتتدرب على فهم المشاعر والدوافع والتجارب التي لا تخصك.
وفي هذا السياق، يوضح مختص العلوم السلوكية والاجتماعية، محمد الحاجي، أن قراءة الروايات تساعد على بناء نظرية العقل لدى القارئ، وهي القدرة على استيعاب تفكير الآخرين، وفهم ما يشعرون به، والروايات تحديداً تحفز التعاطف؛ وذلك لأنها تعرضك لسيناريوهات مختلفة ومعقدة، ما يجعلك في نهاية المطاف تبني مهارة الذكاء العاطفي.
اقرأ أيضاً: 10 كتب رائعة عليك قراءتها لتعزز ثقتك بنفسك
4. القدرة على خوض التجارب العميقة والأصيلة
يعيش الكثير من الأشخاص يومهم في ممارسة أنشطة متباعدة؛ 15 دقيقة على تطبيق إنستغرام، 20 دقيقة على تطبيق فيسبوك، 10 دقائق للرد على رسائل البريد الإلكتروني، ومثلها للرد على رسائل الأصدقاء عبر تطبيقات المحادثة. والحقيقة أن هذه الأنشطة المتباعدة تحقق حالة من الإشباع الفوري، أما القراءة فإنها تجعلك تخوض تجربة عميقة وأصيلة، ومن ثم، فإن عقلك مصمم على البحث عن تجارب تتكشف ببطء وثراء، بدلاً من الإشباع الفوري، وهذه السمة يمكن أن تمتد خارج القراءة؛ حيث تظهر في كيفية تعاملك مع العلاقات والعمل والهوايات، إذ يظهر أنك تقدر الجودة على الكمية، وتفعل الأشياء لمجرد المتعة، وليس من أجل مكافآت خارجية أو جرعات سريعة من الدوبامين.
5. القدرة على مواجهة الملل
من أكثر فوائد الانغماس العميق في الكتب أنك تعرف كيف تسلي نفسك، فالأشخاص حين يحسون بالملل غالباً ما يعتمدون على التحفيز الخارجي المستمر؛ مثل التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي، وهؤلاء الأشخاص يحسون بالخوف من البقاء بصبحة أفكارهم، ولكنك قادر على الجلوس ساعات بهدوء مع كتاب وأنت تحس بالرضا التام، وهذه ليست مجرد هواية، بل قوة نفسية، ترتكز على أنك تملك عالماً داخلياً متطوراً يحميك من الملل والقلق، ومن ثم، أنت لست بحاجة إلى ضجيج الخارج ومشتتاته، لأنك تحمل عالماً بداخلك.
6. التأمل الذاتي المكثف
عندما تفقد إحساسك بالوقت في أثناء القراءة، فإنك تمنح نفسك مساحة لتحليل أفكارك ومشاعرك، وذلك لأن فعل القراءة يؤدي إلى تعزيز التأمل الذاتي؛ على سبيل المثال، تدفعك القراءة للتساؤل عن معتقداتك الراسخة خاصة عندما تصادف أفكاراً جديدة، وتتعرف من جديد على أنماط سلوكك، وهذا النوع من التأمل يحسن عملية النمو النفسي؛ فأنت لا تعيش فقط، ولكنك تفحص طريقة عيشك، ومع مرور الوقت يمكنك أن تملك شعوراً قوياً بالهوية.
7. التعرف إلى الأنماط المختلفة
مهارة التعرف إلى الأنماط تعني قدرتك على اكتشاف أوجه التشابه أو الاختلاف وسط كمية هائلة من المعلومات، يشبه الأمر إيجاد منارة ترشدك وسط البحر الهائل من البيانات المتدفقة، ومن خلال تعزيز هذه المهارة يمكنك تصنيف المفاهيم، وتنمية الاستقلالية في تفكيرك، ومن ثم إيجاد حلول إبداعية للمشاكل التي تواجهك.
ويمكن القول إن القراءة المتعمقة تنمي مهارة التعرف إلى الأنماط بقوة، ولهذا يميل الأشخاص الذين يقرؤون بعمق إلى ملاحظة الروابط التي يغفل عنها الآخرون، سواء في الديناميكيات الاجتماعية أو مشاريع العمل أو الأفكار المجردة؛ إنها مهارة تشبه المرونة، وهذه المهارة حين تنتقل إلى مجال عملك سوف تجعلك بارعاً في حل المشكلات ووضع الاستراتيجيات، تماماً كما تفعل عند تجميع خيوط حبكة معقدة.
اقرأ أيضاً: على الرغم من التقدم التكنولوجي، لماذا ما زال الكثيرون يحبون الورق ورائحته؟
كيف تدمج عادة القراءة العميقة في روتينك اليومي؟
هل تعلم أن القراءة تنشط عقلك، وتقلل مستويات التوتر لأنها تساعد على استرخاء الجسم، كما أنها تحسن ذاكرتك ومهاراتك في التفكير، وتعزز قدرتك على التفكير النقدي؟ وحتى تدمج عادة القراءة العميقة في روتينك اليومي، جرب النصائح والاستراتيجيات التالية:
1. اختر كتاباً تستمتع به
ترتكز القراءة العميقة بالأساس على تحقيق المتعة؛ لن تتمكن من الاندماج في عملية القراءة بالكامل ما لم تكن مستمتعاً بالنص الذي بين يديك، لهذا لا تختر الكتب التي يقرؤها أصدقاؤك أو زملاؤك في العمل، أو حتى الكتب التي ينصحك بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي ويخبرونك بضرورة قراءتها حتى تتغير حياتك للأفضل، وعوضاً عن ذلك، اختر كتاباً تستمتع به؛ اسأل نفسك في البداية، هل تحب الخيال العلمي؟ هل تفضل كتب التاريخ أم الروايات؟ حين تتعرف إلى نمطك المفضل في القراءة يمكنك البدء.
2. ابدأ بخطوات صغيرة
تستطيع صديقتي المقربة إنهاء رواية من 400 صفحة في جلسة واحدة، بينما أفضل أنا قراءة عدد أقل من الصفحات حتى أستمتع بالنص، وفيما يخص تفضيلات القراءة لا توجد نصائح ثابتة أو صارمة، ولكن دعني أخبرك أمراً مهماً؛ إذا كنت تدمج القراءة العميقة في روتينك للمرة الأولى ابدأ بخطوات صغيرة، يمكنك أن تقرأ صفحة واحدة في اليوم، أو عدة صفحات قليلة، وحتى خلال هذا الوقت ابتعد عن المشتتات وركز في النص بكل كيانك.
3. خصص وقتاً محدداً من أجل القراءة
من الطرق الرائعة التي جربتها من قبل لإدراج القراءة في الروتين اليومي هي ممارستها أول شيء في الصباح، أو آخر شيء قبل النوم، ويمكن القول إن تحديد وقت منتظم للقراءة سيشجعك على أن تصبح عادة، وإذا كنت تبحث عن الإلهام جرب القراءة في الصباح الباكر، أما إذا كنت تحب الشعور بالاسترخاء والهدوء، يمكنك القراءة قبل الخلود للنوم.
ويمكن القول إن القراءة ليلاً تحسن التركيز والسكون والتأني كأنك تصافح عقل شخص آخر، في هذه الحالة يشبه فعل القراءة جلسة تأمل تداعب عقلك، وتوسع مداركك، وتهدئ جسمك، والحقيقة أنك بحاجة ماسة إلى ذلك الهدوء والسكون قبل النوم.
اقرأ أيضاً: العلاج بالقراءة: روايات تساعد على علاج الاكتئاب
4. ابتعد عن المشتتات قدر الإمكان
حين أنهي مهام عملي اليومية، أضع هاتفي بعيداً ثم أحضر كتاباً ورقياً، وأندمج في القراءة، ولكن ماذا تفعل لو كنت تقرأ كتاباً إلكترونياً؟ في هذه الحالة، عطل الإشعارات الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، يمكنك أيضاً أن تفصل الإنترنت عن هاتفك، المهم هو الابتعاد عن المشتتات، لأنك لن تتمكن من خوض تجربة القراءة العميقة إذا كنت مشتت الانتباه.
5. احرص على تدوين الملاحظات
اعتدت مؤخراً قراءة الكتب الخاصة بعلم النفس، وبخلاف الروايات التي ترتكز على القصص وتنمي الخيال الخصب، فإن الكتب ثرية بالمعلومات، ولهذا أحتاج إلى ورقة وقلم حتى أدون الملاحظات والمعلومات المهمة، حين أفعل ذلك يزيد مستوى تركيزي، ولا أنسى المعلومات التي قرأتها، لهذا إذا كنت تود التعمق في القراءة، دون الملاحظات واحتفظ بها، وإذا لم يعجبك الكتاب الذي تقرؤه أو أنك أحسست بالملل، فاتركه على الفور، نحن نقرأ حتى نحس بالمتعة، ولهذا أنت لست مضطراً لإنهاء كتاب ممل.
6. جرب الكتب الصوتية
ماذا تفعل إذا كان جدول عملك ممتلئ بالمهام منذ الصباح حتى نهاية اليوم؟ في هذه الحالة يمكنك اللجوء إلى الكتب الصوتية، على سبيل المثال، يمكنك الاستماع إلى كتابك المفضل خلال التنقل في المواصلات، أو في أثناء ساعات الانتظار.